المقدمة
تبدو كلمة الحداثة لكثرة استعمالها بين المثقفين وغيرهم لا معنى لها ، فهي تعني كل شيء أحيانا ولا شيء أحيانا أخرى ، إذ يستسهل بعض الناس استخدامها وتداولها ـ بحكم بريقها ـ ويتم بها توصيف مفكرين وسياسيين ومبدعين ، ويزداد الأمر غموضا إذا رافقتها كلمات مصاحبة دالة كالحداثوية والحداثانية ، الأمر الذي يجعل دراستها علميا أمرا ملحا .
والحداثة ليست كتلة مصمتة أو كيانا معلقا في فراغ ، ولكنها ـ دون شك ـ لبنة في منظومة اشمل ، وظاهرة بالغة التعقيد ، لا تعرف الاستقرار والثبات ، بمعنى أنها ليست مطلقة بحسب مفاهيم فكرية وافدة ، وإنما هي نبت تاريخي متغير تتحدد في ضوء السياقات التاريخية والاجتماعية ، فهي لا تولد فجأة ، دون إرهاصات سابقة تمهد لها ،وتساعد على نشأتها وتطورها ، الأمر الذي يدفع إلى دراسة التصورات والمفاهيم التي سبقت الحداثة ومهدت لها ، وان كانت على نحو خلافي .
ويعنى هذا البحث بدراسة :
1 ـ محاكاة الخارج .
2 ـ معاناة الداخل .
3 ـ تأسيس الحداثة .
ويكشف المحوران الأول والثاني عن أبرز وأهم التصورات الإحيائية والرومانسية التي أسهمت بشكل أو بآخر في التمهيد لتأصيل الحداثة ، أما المبحث الثالث فتتركز العناية فيه بتأصيل مفهوم الحداثة في ضوء التصورات والتجليات المختلفة التي تعرض له الحداثيون العرب .
ا. د . كريم عبيد هليل الوائلي
الـمــــــــاء وكونية قاعدة الدوران الأصولية ـ الدكتور المصطفى الوضيفي
عند بحثي لهذا الموضوع، فكرت في الرجوع إلى أربعة أقانيم تعتبر أساسية لفقهه، وهكذا رجعت :
أولا : إلى القرآن وأنا أعرف مبدئيا أن الرجوع إليه في مسألة فقهية سوف يفتح أمامي خيالات متعددة لانفتاحه وللفراغات التي تركها للسنة النبوية من جهة، والعقل من جهة أخرى، هذا ناهيك عن إرادة المشرع في عدم دخوله في التفاصيل الدقيقة حفاظا على مقصوده المتجلي في التعبد والذكر وحفاظا كذلك على نسقه وجماليته الأخاذة … ولذلك فليس من مصلحة القرآن أن يدخل في هذه التفاصيل .
ثانيا : رجعنا إلى السنة النبوية، فاكتشفنا وللأسف تعارضا كبيرا بين النصوص فسح لنا المجال الواسع للمعاني والتفاسير والمواقف… حجبت عنا التطورات التاريخية التي تطورت فيها هذه اللفظة أو تلك من الألفاظ، ولعل حصول ذلك يقتضي منا إعادة ترتيب هذه النصوص ترتيبا تاريخيا نتمكن بواسطته من التأريخ للأفكار على الأقل إبان الفترة المكية والمدنية من تاريخ المسلمين.
ثالثا : رجعت إلى المعاجم وكنت آمل من هذه المظان أن تعكس لنا تصورات تاريخية للمعاني التي تطور فيها هذا اللفظ أو ذاك، غير أنه وللأسف لم نظفر بذلك، ولعل هذا راجع إلى تخصص هذه المعاجم في تقريب تصورات المعاني واشتقاقها وصرفها وجمعها وغير ذلك.
القربان الإبراهيمي ـ محمد البوعيادي
في ظل الحدث الاحتفالي الذي تعرفه الدول الإسلامية في هذا الشهر "الحرام" يعود إلى الواجهة طقس ديني ضارب بجذوره في أعماق التاريخ البشري ، إنه طقس الذبح أو النحر بما هو سلوك يُبرز إلى الواجهة تجدُّر العلاقة الجدلية بين الأسطوري- الديني و الديني- الإنساني من جهة أخرى، هذه العلاقة تتجسد من خلال ممارسة تطبيقية ترمز إلى استمرار الميثاق الديني المبني على الطاعة و الوفاء للآلهة \الإله و هو طقس تقديم القرابين، ومن جهة نظر أنتربولوجية يمكننا النفاذ إلى عُمق الممارسة لمقاربتها كما هي في الإسلام دونما الخوض في نقد القيمة الرمزية لهذا الفعل أو دونما تعكير صفو الممارسة بما هي جزء من إطار ثقافي شامل يخص الإنسان و المجتمع الإسلامي ، لكن و من جهة أخرى لن نكون مُلزمين بالتخندق ضمن أنظمة الفهم اللاهوتي القاصر و التي تفقه الفعل الديني في مستواه السطحي و تُحيل دوما إلى شرعيته الثابتة دونما الخوض في مُساءلته من خلال الكشف عن رمزيته و توافقاته الضرورية مع الراهن أو اللحظة التي ندّعي فيها عيش الحداثة ، ببساطة لأن الأنظمة اللاهوتية (الفقهية فيما يخص الإسلام) " تستمر في إهمال المقولات الأنتربولوجية و الجانب التاريخي الظرفي من السياقات الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي كانت قد رُسّخت فيها الحقائق الإلهية المعصومة و المُقدّسة و العقائدية " {1}، و نحن هنا لا نهدف إلى الكشف عن الجانب التشريعي للقربان في الإسلام من أجل الكشف في حد ذاته كغاية نهائية، بل إن فهم السلوك القُرباني سيكون الهدف من ورائه مساءلة شرعيته أيضا و بالتالي الخوض مُكرهين فيما لا مهرب منه، أي الخوض في الشرعية القُرآنية و فهم الميكانزم الكامن وراء التشريع للذبيحة التي تصير بفعل ظروف سوسيو- نفسية شبه إلزامية إذا ما وضعناها في سياقها الواقعي المُعاش حيث يتضافر العامل النفسي و الاجتماعي (صورة الشخص أمام الجار أو المجتمع بصفة عامة).
جاحظ الأندلس ابن حزم الأندلسي ـ سعيد موزون
حياته وشخصيته:
هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان(أو صفيان) بن يزيد الفارسي، وتعيد المصادر نسبه إلى أصول مشرقية، فتذكر أن يزيد هذا ى كان من موالي يزيد بن أبي سفيان، وأن جده "خلف" كان ممن نزحوا إلى الأندلس، ولعل هذا ما يفسر النزعة الأموية الواضحة في شخصية ابن حزم وفكره وأدبه.
ولد ابن حزم سنة 384هـ/ 994م، في قرطبة، إذ كان آباؤه قد انتقلوا إليها وحققوا فيها مكانة مرموقة، فقد كان أبوه أحمد بن حزم من وزراء الدولة العامرية في عهدي المنصور محمد بن أبي عامر وابنه المظفر، ثم ولي ابن حزم نفسه الوزارة عن أبيه في عهد عبد الرحمن بن هشام، ولكن القلاقل والاضطرابات التي شهدها عصره قادته إلى نبذ الوزارة والمناصب، والتفرغ لقراءة العلوم المختلفة: الفلسفة والمنطق والفقه والآثار والحديث والآداب واللغات والملل والنحل والأنساب ..
عرف ابن حزم بآرائه الفقهية الخاصة ومناقشاته أصحاب الملل والنحل الإسلامية وغيرها، وعرف كذلك باهتمامه الكبير بالمنطق والأخلاق والشعر والأدب والسياسة والخطابة والنحو والبلاغة، وكانت شهرته قد بزغت في مجال الأصول والحديث، وكان واحدا من رموز المذهب الظاهري في الفقه وهو عصره وبيئته فأوغر عليه صدور الأعداء والخصوم الذين ألبوا ضده العامة.فمُزّقت كتبه وأحرقت وهو يتحسر على ذلك ويقول مدافعا:
تجليات التعارض في قصيدة المدح عند البحتري ـ د. كريم الوائلي
تُمثل بنية القصيدة واحدةً من القضايا التي شغلت التفكير النقدي ، وتتفاوت الدراسات في كيفية تحليلها وتفسير معضلاتها ومشكلاتها ، ويمكن تأمل بنية القصيدة من خلال منظورين ،يتأمل أحدهما البنية من جهة المتلقي ، ويتأملها الآخر من ناحية المبدع ، وأبرز من يمثل المنظور الأول ابن قتيبة الذي حاول إرجاع بنية القصيدة إلى مكونات تقع خارج النص الأدبي ، فلقد قام باستقراء ناقص للقصيدة العربية ثم عمد إلى تفسير ذلك على وفق تصور تحكمه مقولات عقلية ترد الكثرة والتنوع والتعدد إلى وحدة ذات طابع شبه منطقي، فهو يؤسس بنية القصيدة انطلاقاً من المكان، ويتطور بها على وفق مسببات منطقية تقود إلى نتائج تتوقف في النهاية عند المديح الذي يقود هو الآخر إلى الجائزة والمكافأة التي يحصل عليها الشاعر .
إنَّ المكان يمثل مثيراً يدفع الشاعر ـ في تصور ابن قتيبة ـ إلى ذكر آهليه، ومن ثم الانتقال إلى التحدث عن حبيبته وذكرياته معها، فهو انتقال من العام إلى الخاص، أي الانتقال من المكان إلى عموم قاطنيه، ثم الانتقال إلى أخصهم وهي حبيبة الشاعر، يقول ابن قتيبة : « إنَّ مقصّد القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار، فبكى وشكا، وخاطب الربع، واستوقف الرفيق، ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها، .... ثم وصل ذلك بالتشبيب فشكا شدة الوحدة وألم الفراق وفرط الصبابة والشوق » [1].
الأسطـــــــــورة:* (د.محمد أركون بين اكراهات المناهج الحديثة وحرج التصور الإسلامي) ـ د.المصطفى الو ضيفي
في البداية لابد من تحديد هذا اللفظ لان الحكم على الشيء فرع عن تصور، والتصور يدرك بالحد.
ما هو حد الأسطورة؟
ما معنى الحد ؟ وهل هناك إمكان لتطبيقه على الأسطورة؟
1- الحد هو منتهي التعريف عند اليونان وهو ينتمي إلى ثقافتهم وإمكانات ثقافتهم.
2-الحد هو التعريف الجامع المانع وهو التعريف بذاتيات الأشياء.
ومن تم إمكانات تطبيقه عندهم على ألفاظهم، كتعريفهم للعقل بالجوهر البسيط.
ولذلك فالتعريفات الحدية عندهم ممكنة، ويمكن أخذ الأسطورة عندهم نموذجا.
1- تعريف الأسطورة عند اليونان :
-"هي مجموعة من الحكايات"
- مسلمة
- قصص مغرقة في الخيال
- أساطير مرتبطة بالحياة البدائية
- أساطير مرتبطة بالآلهة
الفقه الإسلامي: محاولات في التجديد - د.المصطفى الو ضيفي
ليـس من شك أن هناك عدة أسباب و دواع لتجديد الفكر الديني، و لعل أبرز داع يتمثل في الإخفاقات الكثيرة التي يعرفها هذا الحقل المعرفي.
و لذلك ليس من السهل تتبع كل الحقول الفكرية الدينية، فالفكر الديني يشمل كل المجالات المعرفية الكبرى، من فقه و أصول و فلسفة و كلام بل و حتى السياسة، و هذا من شأنه أن يضطر الباحث إلى أن يعرج على كل هذه الحقول المعرفية بدعوى الشمولية.
و هذا الأمر لا ندعي القيام به و لكن سنحاول أخذ جزئية من هذه البنية و نحاول أن ننظر إليها مع استحضار هذه النظرة الشمولية المدعاة.
بمعنى آخر إننا سنخوض في بعض المحاولات التجديدية للفقه الإسلامي سواء كانت محاولات نظرية أو عملية.
و هنا لعل المرء يتساءل لماذا الفقه؟
كان الفقه كل شيء بالنسبة للثقافة الإسلامية، فانه كان يقوم بالدور الذي كانت تقوم به السياسة اليوم "أتصور أن الفقه في الثقافة الوسيطية،هو بمثابة السياسة في الثقافة المعاصرة، من حيث كونه التعبير المكثف عن مجمل العوامل الاجتماعية و الثقافية، أي عن المعاملات الاقـتصادية و الاجتماعية، و عن السياسة، و العبادات و الأخلاق العامة، أي مجالات و أنماط التواصل الاجتماعي في جزئياته و كلياته".[1]
تداخل الديني و السياسي في فكرنا الإسلامي ـ عادل الطاهري
نحو إعادة ترتيب النسقين الديني و السياسي للحيلولة دون تقديس المدنس و تدنيس المقدس..
ية و من والاهم من علماء بلاطهم، و حكم "صاحب الكبيرة" التي فرخت لنا مذهبا عقلانيا سمي بـ "المعتزلة" لاعتزاله للفتن و انكبابه على العلم و العبادة، و اعتباره لصاحب الكبيرة في "منزلة بين المنزلتين"، لكنه للاسف سيجني على نفسه بانخراطه في قضايا سياسية ستفقده شرعيته العلمية كما اعتقد خصومه، و إن كان المذهب المعتزلي كما يستشف الباحث في ثنايا تاريخ الفكر الإسلامي حُمّل أوزارا لم يكن له يدا فيه، فمسألة خلق القرآن جعل منها خلفاء بني العباس قضية أساسية لتصفية حسابات سياسية مع أهل الحديث، و أعتقد من خلال قراءات متعددة في آراء مختلفة لكبار المعتزلة أنهم كانوا ضد تقتيل و تعذيب علماء أهل الحديث، بل إن التعارض بين موقف الدولة الممثل في رأي المأمون، و موقف جمهور المعتزلة يبدو واضحا جدا، فالمأمون جعل مسألة "خلق القرآن" من قضايا التوحيد، أما المعتزلة فقد جعلوها من مسائل العدل، و معلوم عند المهتم بالفكر الإسلامي أصول المعتزلة الخمسة، و تسميتهم بـ "أهل العدل والتوحيد" نابع عن إيمانهم العميق و تشبثهم بأصولهم التي اتخذت ركيزة لبناء أنساقهم الفكرية التي اتسمت بعقلانية كبيرة و تناسق منطقي.