لا يخفى على أحدٍ أن جزءاً كبيراً من النصّ يسقط منه حالما نفرّغه من رؤوسنا فوق أوراقنا، وأن جزءاً آخر منه يسقط حالما يُترجم، وجزءاً آخر يختفي حين يترجَم إلى لغةٍ ثالثةٍ وهكذا..
ومع هذا الفقدان المستمرّ لعناصر النصّ تبرز أمام القارئ الحصيف مهمّةٌ ليست سهلةً، وهي محاولة إعادة ترميم النصّ واستكمال ما فقده، وممارسة ما يمكن أن أسمّيه بعمليّة "استحضار الغائب واستبعاد الحاضر" من أجل الإمساك بالبعد المفقود منه.
ويتحكّم بنا أثناء عمليّة القراءة ذاكرتنا اللغويّة والثقافيّة الجاهزة، بما تراكم فيها من سبائك تعبيريّةٍ تقليديّةٍ اعتدنا قراءتها أو كتابتها، وأضحت جزءاً عضوياً من بناء شخصيّتنا اللغويّة. وسنجد أنّ من الصعب علينا أن نتخلّى عن هذه الوحدات أو السبائك التي توارثناها لأجيالٍ عديدة، أو ربّما لجيلٍ واحدٍ أو جيلين لا أكثر. وبدون التخلّص من هيمنة هذه السبائك على ذاكرتنا لن نكون قادرين على تحكيم أنفسنا فيما نقرأ، والخروجِ بأحكامٍ عادلةٍ على الكاتب والنص.
وأقصد بالوحدات أو السبائك التعبيريّة الجاهزة تلك التي وُلدنا ونحن نسمعها في أحضان أمّهاتنا، فبتنا لانرى فيها أكثر من بُعدٍ واحد، فلا تثير فينا، مثلاً، غرابةً أو استهجاناً، حتى إن كان فيها ما يدعو إلى ذلك حقاً، فالألفة قد قتلت عندنا القدرة على قراءة البعد الخفيّ فيها والذي لا يراه عادةً إلاّ الآخرون ممّن لم يقعوا في أسْر هذه الألفة.
ونلمس ذلك في أمثلةٍ بسيطةٍ من وقائع حياتنا اليوميّة. فلا يوجد شاميٌّ يستغرب أن يسمع من أمّه الكلمة المحبّبة التي تدلّل بها أمّهات الشام أطفالها (انشالله تقبرني). فقط عندما يسمعها مصريُّ أو خليجيٌّ أو مغاربيٌّ ينتفض استهجاناً واحتجاجاً على هذا الدعاء العجيب الذي تدعو به الأمّ على نفسها، حتى إن كانت تتمنّى به لولدها طول العمر بحيث يتاح له أن يدفنها بنفسه؛ وأنا شخصيّاً لم أتنبّه إلى ما في هذا التعبير من قسوةٍ وغرابة، بل لم أحاول ربط اللفظ (تقبرني) مطلقاً بالمعنى الأصليّ والحقيقيّ لهذا الفعل وهو الدفن، حتى نبّهني، وقد تجاوزت الثلاثين، زميلٌ لي من مصر: ما هذا التعبير الغريب الذي تستعمله الأمّهات عندكم في الشام؟!
ومع هذا الفقدان المستمرّ لعناصر النصّ تبرز أمام القارئ الحصيف مهمّةٌ ليست سهلةً، وهي محاولة إعادة ترميم النصّ واستكمال ما فقده، وممارسة ما يمكن أن أسمّيه بعمليّة "استحضار الغائب واستبعاد الحاضر" من أجل الإمساك بالبعد المفقود منه.
ويتحكّم بنا أثناء عمليّة القراءة ذاكرتنا اللغويّة والثقافيّة الجاهزة، بما تراكم فيها من سبائك تعبيريّةٍ تقليديّةٍ اعتدنا قراءتها أو كتابتها، وأضحت جزءاً عضوياً من بناء شخصيّتنا اللغويّة. وسنجد أنّ من الصعب علينا أن نتخلّى عن هذه الوحدات أو السبائك التي توارثناها لأجيالٍ عديدة، أو ربّما لجيلٍ واحدٍ أو جيلين لا أكثر. وبدون التخلّص من هيمنة هذه السبائك على ذاكرتنا لن نكون قادرين على تحكيم أنفسنا فيما نقرأ، والخروجِ بأحكامٍ عادلةٍ على الكاتب والنص.
وأقصد بالوحدات أو السبائك التعبيريّة الجاهزة تلك التي وُلدنا ونحن نسمعها في أحضان أمّهاتنا، فبتنا لانرى فيها أكثر من بُعدٍ واحد، فلا تثير فينا، مثلاً، غرابةً أو استهجاناً، حتى إن كان فيها ما يدعو إلى ذلك حقاً، فالألفة قد قتلت عندنا القدرة على قراءة البعد الخفيّ فيها والذي لا يراه عادةً إلاّ الآخرون ممّن لم يقعوا في أسْر هذه الألفة.
ونلمس ذلك في أمثلةٍ بسيطةٍ من وقائع حياتنا اليوميّة. فلا يوجد شاميٌّ يستغرب أن يسمع من أمّه الكلمة المحبّبة التي تدلّل بها أمّهات الشام أطفالها (انشالله تقبرني). فقط عندما يسمعها مصريُّ أو خليجيٌّ أو مغاربيٌّ ينتفض استهجاناً واحتجاجاً على هذا الدعاء العجيب الذي تدعو به الأمّ على نفسها، حتى إن كانت تتمنّى به لولدها طول العمر بحيث يتاح له أن يدفنها بنفسه؛ وأنا شخصيّاً لم أتنبّه إلى ما في هذا التعبير من قسوةٍ وغرابة، بل لم أحاول ربط اللفظ (تقبرني) مطلقاً بالمعنى الأصليّ والحقيقيّ لهذا الفعل وهو الدفن، حتى نبّهني، وقد تجاوزت الثلاثين، زميلٌ لي من مصر: ما هذا التعبير الغريب الذي تستعمله الأمّهات عندكم في الشام؟!