
كان الجاحظ قد نذر حياته في سبيل الأدب ، نذرها بطولها وعرضها ، حيث لم يعرف عنه أنه تـزوج أو أنجب ولدا ، وحينما امتهن التجارة في أول عمره فإنه إنما كان يبيع من أجل العلم ، لا قصد الربح المادي السريع . لـم يثن أبا عثمان عن تحقيق هدفه أي شيء ، وما كان ذلك ممكنا خاصة وأنه آلى على نـفـسه ألا يضيع وقته وجهده وحياته في طرق جانبية تضـيع عليه الجهـد ولا توصله إلى شيء ، بقدر ما ستعيقه عن الوصول ، إن أقرب الطرق إلى الهدف ـ كما نعلم ـ الخط المستقيم ، لهذا لم يقبل صاحبنا أن يهين عمرا عزيزا في أشياء لا يجني منها سوى الحسرة والندامة . لقد حالفه الحظ حين وقف على الهدف واستطاع بعد ذلك أن يشق طريقه بكل ثبات وعزم ، إن الطريق التي سلكها أبو عثمان لم تكن إلا لتوصله إلى المجـد والعـظمة . والكثير الكثير قبل أبي حيان وبعده حددوا هدفا وكانت دقة تحديده باهرة لكنهم لم يمدوه بما يكفي من الجهـد والعرق ، إن مرحلة ما بعد الغرس تمثل مرحلة أولية وبداية وليست نهاية كما قد يتوهم البعض .
لدى البعض ينتفي العمل بعد الغرس فتموت الشتلة ويزول كل شيء .
هناك صنف آخر من الناس تجدهم يعطون من الجهد والطاقة ما يمكن أن يوصلهم إلى مبتغاهم لو كانوا حددوه ، أما وأن الأمر موكول إلى الصدفـة فلا وألف لا.