3inaya-azzeddineالصراع السني الشيعي يعبّر عن أقصى درجات اغتراب العقل الديني
(حوار أجراه إبراهيم السخاوى الصحفي بجريدة الأهرام مع عزالدين عناية الأستاذ بجامعة روما)
لم يكن سفر المفكر التونسي عزالدين عناية من الزيتونة إلى روما انتقالا عاديا أو ترحالا كما الغير، بل كان سفرا فكريا، خرج فيه من نطاق المحدود إلى عالم منفتح من الرؤى والتساؤلات ومحاولات الإجابة، فكم من الوقت .. وكم من الحيرة اجتاحت هذا الشاب العربى.. ليقف في مفترق طرق حياتية وفكرية، ويسأل عن هذا العالم الذي غادره وذلك المقبل عليه، هنا كان السؤال الأول.. سؤال الهوية، ومعه مساحات من التوقف والتأمل والتفكير .
من مجتمع محلي تحدد ملامحه العادات والتقاليد إلى مجتمع "كوزموبوليتاني" تضيع فيه التحديدات والملامح ويصنع فيه البشر ملامح جديدة لحياة جديدة، وتشكيلات تتسم بالإبداع والجدة.

aventure-de-l-art-abstraitلا يمكن استكمال "الصورة الكلّية" ، لمشروع الوردي في إعادة قراءة التاريخ العربي والفكر العربي الإسلاميين ، إلا إذا تناولنا كتابه المكمل لمشروعه الأصلي وهو كتاب : ( مهزلة العقل البشري ) والذي صدر عام 1955 والذي قد يربك عنوانه المنظومة الإدراكية والتحليلية للقاريء . فالعنوان يوحي بموضوعة فلسفية مجردة تتعلق بتهاوي ( غائية ) العقل البشري ، وخلوه من المنطق ، وأن فعله عبارة عن مهزلة لا ضوابط عقلانية لها . وفي لقائه الموسّع مع الباحث ( حميد المطبعي ) ، راجع الوردي عنوان كتابه هذا مراجعة نقدية أوضحَ من خلالها أن العنوان لم يكن دقيقا . يقول الوردي :
(( أعترف أن هذا العنوان قد اخترته في ساعة حماس وغضب . وذلك على أثر الهجمات الشديدة التي جوبهت بها بعد صدور كتاب ( وعّاظ السلاطين ) . فقد صدرت ضد هذا الكتاب عدة كتب، ومقالات لا تُحصى، بالإضافة إلى خطب المنابر وتهديدات القتل . وقد خصص أحد خطباء التعزية ليالي رمضان كلها في نقد الكتاب وشتم مؤلفه. ولا حاجة بي إلى القول أن كتاب (مهزلة العقل البشري) - بعنوانه وفصوله – إنما هو حصيلة تلك الفترة )) (115) .

3inaya-azzeddineفي بحث منشور في مجلة "لِيمس" الإيطالية المعنية بالتحولات السياسية، ضمن عدد أبريل من العام الماضي، أوردَ المؤرخ ألبرتو ميلّوني عشر مسائل عويصة تنتظر البابا فرانسيس: "إصلاح الكوريا رومانا (أي مراجعة الجهاز السلطوي داخل الفاتيكان)، إلغاء الإيور (والمراد به حلّ الجهاز المالي الكنسي بعد تبيّن عدم قابليته للترميم)، الإعفاء عن السلفيين (أي مصالحة المنشقين على غرار اللوفابريين)، التسيير الجماعي للكنيسة (بما يعني تجنب احتكار السلطة وتبني نهج ديمقراطي)، وحدة الكنائس (السعي للمّ شمل أتباع المسيح)، الالتزام بالإنجيل (بما مفاده العودة إلى تعاليم المسيحية السمحة بعد هجرانها)، مراجعة المهام الكنسية (لا سيما ما تعلق منها بالتكوين والأدوار)، علاقة كنيسة روما بالشرق (أي مراجعة السياسات الدينية الفاشلة على غرار الموقف من كنيسة الصين)، الهدنة مع الإسلام (بما يعني إرساء صلح فعلي، يتخطى الحوارات الموسمية)، وأخيرا عقد مجْمَع (تُطرح فيه القضايا المصيرية للكنيسة).

mohammed 444تأتي مسألة (علاقة الفكر باللغة) بتشعّباتها ضمن منطقة مشتركة بين اللسانيات وعلم النفس الإدراكي، ولا تخلو أيضا من ارتباطات بجوانب فلسفية. ما علاقة اللغة بالفكر؟ في أي اتجاه يمضي التأثير والتأثر؟ وما حدود ذلك التأثير؟ في هذا السياق اشتهرت (فرضية سابير- وورف) (Sapir-Whorf hypothesis)، وهي تُقرّر أن الإنسان يبقى أسيرا تحت رحمة لغته وأنه لا يستطيع رؤية العالم إلا من خلالها، وتسمّى لأجل ذلك: الحتمية اللغوية (Linguistic Determinism).
غير أن مُستجدات البحث اللساني قد تجاوزت هذه الفرضية،فلم تعد تحظى بالصدى الذي كان يحيط بها سالفا. قال جفري سامسون: «فكرة حظيت بشغف موسميّ في أوساط اللسانيين من شتى المدارس، كما حظيت فعلا باهتمام الكثيرين ممن لم يكونوا طلابا يدرسون اللغة بمعنى الكلمة»(1)، وقال ستيفن بنكر: «لا تبدو فكرة كون اللغات تقولب التفكير مُقنعة إلا حين كان العلماء يجهلون كيف يعمل التفكير أو كيف يمكن دراسة الفكر نفسه. أما الآن وقد استطاع علماء الإدراك معرفة كيفية التفكير عن الفكر، فإن احتمال كونهما شيئا واحدا قد تضاءل بشكل كبير»(2)، وقال ديفيد جستِس: «لكن التاريخ أثبت أن الفشل كان مصير محاولات المشغوفين التي تسعى إلى اكتشاف بعض الروابط بين اللغة والأعراق، وكان قصدهم الأول أن يستنتجوا البساطة العقلية من البنية البسيطة، لكن التعقيدات الصرفية التركيبية الشديدة للغات الأمريكية الأصلية أدت إلى إخفاق هذه الفكرة إخفاقا مُخجلا»(3)، وقال الدكتور حمزة المزيني –من اللسانيين العرب-: «لم يعدْ أحدٌ يحملها على محمل الجد، ومن الأفضل أن لا نناقش الأفكار المتطرّفة التي مضى زمنها»(4).

3inaya-azzeddineلا مراء أن القرون الخمسة التي تلت تدشين العمل بمطبعة غوتنبرغ، وإلى حين انعقاد مجمع الفاتيكان الثاني (1962)، لا تضاهي من حيث الكمّ والكيف، ما حصل من إنجازات إعلامية في حاضرة الفاتيكان خلال الخمسين سنة الأخيرة، وهو ما بلغ أوجه مع ما نشهده من تطورات رَقمية باهرة. وفي الحقيقة، كان مردّ ذلك التحول إلى إنشاء المكتب الإعلامي للكرسي الرسولي المعروف باسم -Sala stampa-، خلال العام 1966، والذي من مهامه مدّ الصحفيين المعتمَدين بالمادة الإعلامية المتصلة بحاضرة الفاتيكان. وعلى إثر تكليف الصحفي الإسباني يُواكوين نافارو فاليس، سنة 1984، بمهمة تسيير الجهاز الإعلامي، تحوّل المكتب الرمادي إلى آلة نشيطة في خدمة الصورة الإعلامية للكرسي الرسولي. فقد تابع نافارو فاليس ذلك العمل على مدى ثلاثة عقود، كان خلالها على اتصال بالعالم على مدار الساعة، يتلقى نهارا مكالمات من أوروبا وإفريقيا، ومساء وليلا من أمريكا، وقبيل الفجر من اليابان وآسيا، تبعا لما رواه عن سير عمله. ما حوّله إلى شخصية محورية، تتولى إلى جانب شغلها توفير المشورة والوساطة الدبلوماسية والعمل السفاري للبابا.

langue-arabeالعربية، هي اللغة التي بها أكْتُب، وهي اللغة التي بها أُدَرِّسُ، وليست هي مصدر معرفتي الوحيد. ثمة ما أقرأه في لغاته الأصلية، وثمَّة ما أذهبُ إليه عبر الترجمة، حِرْصاً مِنِّي على معرفة الآخرين، وعلى الاقتراب منهم، والإفادة من معارفهم، بنوع من الحوار والمراجعة، والنقد، وليس بالأخْذ، والتَّبَعِيَّة، أو الطَّاعة العمياء. فمعرفةُ الآخر، هي معرفةٌ بالذات.
أدْرَكْتُ، مثل غيري، مِمَّن اعْتَنَوْا بِكُتُب التراث، وماضي الثقافات الإنسانية، أنَّ معرفة حاضر ثَقافةٍ، أو ُلغَةٍ ما، رهِينٌ بمعرفة ماضي هذه الثقافة، وهذه اللغة. لا لُغَةَ بدون تاريخ، وأعني تاريخ اللغة المعرفي، وتاريخها الجمالي. كما أنَّ لا لغةَ تبقى هي نفسها، لا تتغيَّر، ولا تتبدَّل، فكل اللُّغَاتِ تعرف انتقالاتٍ، وتنمو، وتكبُر، وتَنْتَعِش، أو تَسْتَضِيفُ، في تعبيراتها، وفي تراكيبها، مفردات، وتعابير، وتراكيب، من لُغاتٍ أخرى، ولا توجد لغة مُنْغَلِقَة على نفسها، مُكْتَفِيَة بذاتها، لأنَّ لغةً بهذا المعنى، هي لغة مَيِّتَة، لا حياة فيها.


حين نزل القرآن في شبه جزيرة العرب، لم ينزل بِلُغَةٍ عربية صافيةٍ، خَالِيَةٍ من التأثير الخارجي لِلُغاتِ الجِوار، بل إنه أدْخَلَ في خطابه، وفي تعبيراته، ما كان سائداً من «دَخِيلٍ»، مما كانت العرب تستعمله، في التداول العام، وفي لغة التَّخاطُب، بما في ذلك، ما كان من تنوُّع لَهَجِي، عند القبائل، سواء، في نُطْقِها للحُروف، والكلمات، أو في ما كانت تحتمله بعض العبارات، من معانٍ ودلالاتٍ. لم يأتِ القرآن بلغةٍ لا يعرفُها الناس، أو بلغة نزلَتْ عليهم من السماء، لو حَدَثَ هذا، لَبَقِيَ القرآن دون قارِيءٍ. فسياقات التواصُل، وشُروطُه، كما يعرفها المُتَعَلِّمُون اليوم، هي نفسها التي استجاب لها القرآن، لأنه توخَّى التواصل، لا القطيعةَ والانفصال، بدليل قوله في مطلع سورة يوسف «آلر تِلْكَ ءايَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ، إنَّا أنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ»، أي بلغة الإنسان العربي، وهي اللغة المُنتشرة، والسَّائدة، التي كان الناس يتداولُونها، في معاملاتهم التجارية، أو في أسواقهم، بما فيها سوق عكاظ، الذي كان فضاءً للمنافسة والتَّباري الشَّعْرِيَيْنِ، بين شعراء القبائل المختلفة.

265613212إن المتتبع لموضوع القبيلة في بلدان المغارب يلاحظ أن البحث في موضوعها تتقاسمه تخصصات مختلفة في العلوم الاجتماعية، فكانت محط أنظار السوسيولوجيين والانتروبولوجيين والمؤرخين والاقتصاديين والجغرافيين وغيرهم([1])، ومهما تعددت التصورات والمقاربات حول موضوع القبيلة في بلدان المغارب، فإن مضامين ومحددات هذا المفهوم تظل نسبية ولا يمكن تعميمها، نظرا لتعدد أصناف القبائل تبعا للملابسات والظروف التاريخية العامة، السياسية والاجتماعية والثقافية التي نشأ وتطور فيها المجتمع القبلي ([2]).

     ومن جهة تاريخية، فقد بدأ التطرق لموضوع القبيلة وعلاقتها بالدولة في بلدان المغارب منذ القرن الرابع عشر مع الأطروحة الخلدونية التي تعير اعتبارا كبيرا لدور العصبية والدعوة الدينية في حياة القبيلة، وتكمن أهمية النظرية الخلدونية في توصل صاحبها إلى تحليل علمي وشبه مادي لتاريخ القبائل المغاربية ([3]) ، ومعلوم أن هذه النظرية تعطي أهمية قصوى لعاملين أساسيين لتحليل تاريخ المجتمعات القبلية، أولهما دور العامل الاقتصادي في دراسة هذه المجتمعات، وثانيهما اعتبار العصبية القبلية المحرك الأساسي لتطور المجتمع القبلي ([4]).
لقد ساعدت كتابات ابن خلدون على تزكية العديد من الأطروحات التاريخية والانثروبولوجية والسوسيولوجية لأن نظرته إلى القبيلة تتمسك بفكرة السكونية وتمحور التاريخ الدائري ([5]).

fes-PATRIMOINEمقدمة:
تهدي مدينة فاس للدارس المعاصر نموذجا حضرياً متميزا، يمكن التعويل عليه لملامسة عوائد العمران البشري الذي حصلته المدينة عبر نفس زمني ليس بقصير، شكل فيه الماء حافز بناء ومظهرة دعة ورخاء. وإذا كان العصر الوسيط لحظة زمنية شكلت فيها فاس – كغيرها من حواضر الغرب الإسلامية الكبرى – شخصيتها الحضارية التي تنطبع بها إلى اليوم، فإن العهد المريني ساهم بالنصيب الأعظم في هذا البناء، حيث شكلت فاس المرينية ملاذا لنخب الغرب الإسلامي في العمارة والثقافة الدين استفرغوا عصارة تجاربهم، خاصة مع بوادر تراجع المد الإسلامي بالأندلس.
وقد كان حظ العمارة المائية غزيرا في هذا التراث الحضري المريني بفاس، من هذا المنطلق جاء عرضنا بعنوان يوحي أننا نتناول جزءا يسيرا من كل يصعب الإحاطة به، وذلك وفق ثلاثة عناصر أساس:
أولاً: مدخل مخصوص للوقوف على تميز انفردت به الإسطغرافيا المرينية قياسا مع نظيرتها الوسيطية، فضلا عن  قياس الحضور المائي في هذه الإسطغرافيا، في خطوطه العريضة.
ثانباً: محور يعنى بالتقنيات والموزعات الكبرى التي احتضنت مياه وادي فاس قبل وصولها إلى المنشآت العامة والخاصة، وذلك بالنظر إلى دور تلك الموزعات في ترشيد قسمة مياه المدينة والحيلولة دون تعرضها لأخطار الفيضانات.
ثالثاً: ملامسة الحضور المائي في النسيج العمراني لفاس المرينية، وذلك من خلال جملة من المنشآت والعمائر ذات الوظائف المختلفة.