1EC01- مفهوم الدين
اختلف الباحثون والدارسون حول إعطاء دلالة واحدة وموحدة لمفهوم الدين على اعتبار أنه موضوع يلفه الغموض وعدم الوضوح وتشتبك السبل نحو معرفة كنه وجوهره، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالأديان البدائية إن صحت هذه التسمية نظرا لما يلف الحقبة بأسرها من ضبابية ونظرا لما يسبح فيها من تحولات نوعية قد تصل إلى حد التناقض،ـ فالتطور الإنساني يتجاوز أنماطا من التفكير والاعتقاد كي يتبنى نمطا آخر ينسجم ومتغيرات حياته والتحولات الكونية.
ورغم كل الصعوبات التي قد تعترض الباحث في هذا المجال فقد حاولنا جاهدين إعطاء نظرة عامة وشاملة حول هذه المعتقدات المختلفة والكثيرة للإنسان البدائي.
وكما سبقت الإشارة فإن السؤال المحير يبقى هو: ما هو الدين؟ يقول هنري برجسون في هذا الصدد "أن الدين البدائي هو وقاية من الخطر الذي يتعرض له الإنسان إذ يفكر إلا في نفسه وعلى هذا فهو رد فعل دفاعي تقاوم به الطبيعة العقل" ([1]).

380108-de-merيؤمن علماء اللسانيات الاجتماعية بنظرية اتساع اللغات وانقسامها، وتقول كتبهم أن كل لغة تتوسع في مساحة انتشارها واختلاطها بأكبر عدد من اللغات يعرّضها للانفجار والانقسام إلى لهجات. ويقول الكاتب الفرنسي لوي جون كالفي في كتابه سوق اللغات أنه "كلما اتسَعت المساحةُ التي تنتشر فيها لغة معينة أصبحت اللغة أكثرَ قابليةً لكي تنقسم إلى لهجات". ويبدو هذا الرأي أو القاعدة عند اللسانيين هو ما يجعل التخوف واردا عند بعض اللغويين العرب تجاه ما يمكن أن يحدث للغة العربية. وهو تخوف مشروع نظرا لما آلت إليه اللغة اللاتينية في العصور الأخيرة، حيث انقسمت داخليا إلى لهجات تحولت فيما بعد إلى لغات مستقلة عن بعضها، وأضحى الفرنسي أو الإسباني أو الإيطالي المعاصر يصعبُ عليه قراءة نصوص القرن 15 الميلادي وما قبله.
ونبه ابن خلدون في مقدمته إلى تأثر اللغة العربية، في تحولها التاريخي، بالأمصار وبتنقل القبائل العربية ما قبل الإسلام، إلى توحيدها أواخر القرن الثاني الهجري مع حركة التدوين الثقافي والعلمي. كما تعرضت العربية، بالرغم بقيامها بوظائف: تواصلية ودينية وعلمية وفنية وحضارية، لهجمات خارجية ولمحاولات سلخ لهويتها. إذ تحيل دراسة تاريخ العربية وأنماطها إلى ضرورة قراءة هذه اللغة في توحدها وفي انقسامها الداخلي، أي دراسة العربية الفصحى وعلاقتها باللهجات (أو العامية) المتزامنة معها. الشيء الذي يوحي أيضا بتدخل دراسات اللغة النحوية والصرفية والصوتية في البناء المشترك لنظمها، على غرار قوانين التطور التاريخي للغات البشرية.

3inaya-azzeddineالحوار الإسلامي المسيحي هو صناعة غربية، حاضرة الفاتيكان فيه تقود والإسلام يتّبع
*- لماذا تفتقر الجامعات العربية والإسلامية إلى تدريس الظواهر الدينية بمنهج علمي؟
لا بد من الإقرار أن في البلاد العربية ثمة مصادَرة للدين من قِبل الدولة، يقابل ذلك استنزاف للفكر الديني في اللّغو. وذلك من الأسباب التي أبقت على استهلاك العرب للدين والتفكّر فيه بمنطق التحريم والتحليل، أكان في مستوى الثقافة العالمة أو في مستوى الوعي الشعبي. حيث بقي أسلوب النظر ذاك يستحوذ على رؤى السواد الأعظم من الناس، حتى عُدّت كل مقاربة مغايرة في عداد المبتدع والمنبوذ.
وضمن ذلك السياق عادة ما تم عرض الأديان الأخرى أو الإشارة إليها في كليات الشريعة، وفق منهج المنافحة عن المعتقَد الذاتي وليس بناءً على الحكم الموضوعي والتقدير العلمي. ولا تبتعد أقسام التاريخ والعلوم الاجتماعية والحضارة عن ذلك التمشّي، لذلك لم نوفّق حتى الراهن في توليد علم اجتماع ديني، أو إناسة دينية، أو ما شابه ذلك، حيث ما فتئنا ندرّس العلوم المستورَدة دون تعريبها الوظيفي ودون نقد جذري لها.

E 0001026931في سياق التعريف بقضايا التاريخ الجديد، ومنهج التاريخ الشامل ،وعلى هامش صدور الأجزاء الأولى من الموسوعة التاريخية الضخمة "تاريخ وحضارات"، قامت يومية le monde الفرنسية بنشر حوار فكري، بعمق تاريخي متميز مع المؤرخ "جاك لوغوف"J.LE GOFF ،أحد رواد التاريخ الجديد، والذي يشتهر عالميا بتخصصه كمؤرخ وسيطي، من مؤلفاته الحديثة "العصر الوسيط ،والبحث عن الزمن المقدس"(2011) و"العصر الوسيط، تفسير بالصورة"(2013) ،"هل ينبغي حقيقة تفكيك التاريخ إلى قطع؟"(2014).
أسئلة شملت موضوعات متنوعة:التاريخ وأزمنته، الحضارة والثقافة، الأديان،المدينة،الجسد،صراع الحضارات،العولمة والأفق المنظور للتاريخ الإنساني.
*لماذا تقديم سلسلة"تاريخ وحضارات"؟
   هذه المجموعة،تبدو لي أنها تجيب عن ضرورة أساسية في مجال التاريخ: وضع مجموعة من المعارف الضرورية لتربية الإنسان اليوم رهن إشارة عدد من القراء، كما يظهر لي أن هذا أكثر أهمية في عدة بلدان ،منها فرنسا،حيث التاريخ اليوم في تراجع في التعليم. يتعلق الأمر بخطأ مقلق،لأن التاريخ ،سواء على المستوى الفردي والجماعي،ضروري لفهم العالم ،ولفهم دورنا في اشتغاله.

DELACROIX 892 rmnمقدمة :
توحدت أفكار الأوربيين مطلع القرن 19م، خاصة بعيد مؤتمر فيينا 1815، حول السياسة إزاء باقي العالم. اتفقوا ضمنيا على التدخل، أينما دعت الضرورة باسم الحرية. فرفعوا شعار تحرير العبيد، منع تجارة الرقيق، ووضع حد للقرصنة وحماية الجارة والتجار. ولئن فضلت أوربا التأني، قبل تطبيق سياستها في آسيا وإفريقيا الاستوائية، فإنها تدخلت مبكرا في الشمال الإفريقي المجاور لها باحتلال الجزائر سنة 1830، تدخل خلف ضغطا قويا على المغرب، بلد استفحل ضعفه الذاتي الناتج عن قرون من الاستقرار في ظل الانحطاط، ضغط بلغ ذروته سنتي 1844 و 1860. بيد أنه لم يتوقف يوما واحدا، حيث تواصلت التهديدات لكي يفتح المخزن باب البلاد على مصراعيه في وجه التجار الأوربيين.
تأخرت لحظة الحسم وطالت مأساة المغرب حد تعبير المؤرخ عبد الله العروي، بدى عبد الرحمان وبعده محمد الرابع في دور بطل المآساة الذي يخونه القدر فيخيب مسعاه رغم علو همته، ويظهر الحسن الأول في صورة بطل المبكية يتنقل بين أطراف المملكة يرمم هذا الجانب قبل أن يهدم ذاك، ثم يأتي ع العزيز وبعده ع الحفيظ ليشخصا مسرحية مضحكة مخزية حيث ينزلق المجتمع المغربي كله في هاوية لا حد لها[1]. مرحلة عصيبة أسالت الكثير من المداد وتشعبت حولها التأويلات، ومنها هذه المحاولة التي قام بها المؤرخ الأمريكي إدموند بورك III EDMUND BURKE في دراسته المعنونة بـ " الاحتجاج والمقاومة : في مغرب ما قبل الاستعمار (1860-1912) "، والتي سنحاول ملامسة بعض أفكارها وتفكيك قضايا عبر ثنايا هذه القراءة[2].

3inaya-azzeddineيوم أطلّت جماعة سانت إيجيديو الكاثوليكية في الساحة الإيطالية في السابع من فبراير 1968، كانت عبارة عن فصل جديد من فصول الأصولية المسيحية التي تمور بها الساحة الدينية في أوروبا والأمريكتين. في تلك الحقبة كان قد ألمّ بالمحرك الديني الرئيس في روما، شيء من العطل وباتت تعوزه المبادرة التاريخية، جراء غلبة الطابع التقليدي والمحافظ عليه. تلخّص ذلك العطل في عدم قدرة الكنيسة على التلاؤم مع تحولات الناس، على غرار تواصل تحريمها للطلاق، وموقفها المناهض لمساواة المرأة مع الرجل في الترقي الكهنوتي، وهو ما لا يزال جاثما على صدر الكنيسة حتى اليوم. لم تجد كنيسة روما سبيلا للخروج من مأزق التأقلم مع الحداثة سوى التعجيل بعقد مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965) في محاولة لمواءمة رسالة الدين مع روح العصر والبحث عن مصالحة مع الزمن، بقصد الإمساك بمجريات الواقع الديني الذي بدأ ينفرط عقده وما عاد للبابا سلطان كاف عليه.

RENAISSAثلاث مراحل تميّز التاريخ العربي الحديث : عصر النهضة ، الممتد من القرن التاسع إلى عام 1952، كما يرى البعض، أو إلى هزيمة 1967، كما يرى بعض آخر، أكثر موضوعية. تلته حقبة «دولة الاستقلال المتسلّطة»، التي أسّست  لصعود «الصحوة الإسلامية». زامنت ««الصحوة» ، ومن منظور مختلف، اقتراحات ثقافية متنوعة، تبدأ بأسئلة المثقفين وتنغلق عليها.

١ . الجديد في مواجهة القديم

تميّز عصر النهضة، الذي عرف نعتاً موازياً هو: عصر التنوير، بعنصرين متكاملين: ظهور مثقفين يعطون الثقافة وظيفة اجتماعية نقدية، وولادة ظواهر اجتماعية تضمنت الصحف والأحزاب السياسية وتزايد المطابع والترجمة، والتعرّف على أشكال جديدة من الأدب والفنون. تطلّع هذا العصر، الذي عاش بقايا السيطرة العثمانية ومجيء الاستعمار الحديث، إلى بديل اجتماعي، يحاكي النموذج الحضاري الأوروبي والموروث العربي ــ الإسلامي. وهو ما دفع بمثقفيه إلى كلمة «الجديد»، التي تقاسم استعمالها محمد حسين هيكل وجبران خليل جبران وطه حسين وغيرهم. لم تكن الكلمة الجديدة محرّرة من الالتباس، فالجديد المطلوب لم يكن جديداً تماماً، فقد  بقي «الإسلام الذهبي» ماثلاً في عقول كثيرة . والأمر واضح الدلالة ، لأنّ دعاة الجديد كانوا مقيّدين إلى مجتمع تقليدي، فتحته على الجديد «صدفة استعمارية». لا غرابة والحال هذه ألاّ ينتهي مبدأ «المبايعة» في مصر، أي اختيار«رأس الدولة»، إلاّ بعد مجيء الاستعمار الإنجليزي وهزيمة الثورة العرابية عام 1882 ، ولا غرابة أيضاً أنّ تستأنف «الساداتية» مبدأ المبايعة، وأن تطمئّن ، من جديد ، إلى «الأغلبية الصامتة» ، التي ينوب عنها «أهل الحل والعقد» في كل شيء.

Rabat1889لقد كان المجتمع المغربي قبل الحماية يعتمد في معاملاته اليومية و في تدبير شؤونه المختلفة على نصوص دينية مقدسة، وكانت هي النصوص المسموح بدارستها إلى جانب النحو والبلاغة، وكانت العلوم العقلية من تاريخ وفلسفة وكيمياء وفلك لا تجد مكانا ضمن اهتمامات علماء وطلبة القرن التاسع عشر، وشكلت هزيمة ايسلي وما تبعها من اتفاقيات ومعاهدات صدمة للمغاربة أدركوا معها مقدار البون بينهم وبين الأوربيين ، فكان ذلك مدعاة للتساؤل من طرف نخبة ذلك العصر .
   في هذا السياق التاريخي بدأت مجموعة من الأفكار تتسرب إلى المجتمع المغربي مثل فكرة الحرية التي واجهت نقدا من طرف شخصيتين هامتين آنذاك أبو عبد الله السليماني و أحمد بن خالد الناصري لأنها ارتبطت بضغوط الدول الأوربية ومطالبها الكثيرة المتعلقة بضمان حرية التجارة والقيام بإصلاحات الهدف منها ضمان تغلغل القوى الأوربية وتفكيك الحدود التي يقيمها الشرع وإلى القضاء على القيم السائدة آنذاك [1].