3inayaخلال العشريتين الأخيرتين شكّلت مواضيع الدين والتديّن ومؤسّسة الكنيسة، أبرز العناوين في جدول اهتمامات الباحثين الاجتماعيين في إيطاليا. وقد حاز الإسلام نصيباً معتبراً من تأمّلات العاملين في ذلك المجال. كان موسم "ما بعد العلمنة"، كما سماه جوزي كازانوفا، حافلا بالاهتمام بالدين. برزت أثناءه طائفة من علماء الاجتماع الديني في إيطاليا، مثل: غوستافو غويزاردي، وماسيمو إنتروفينيي، وإنزو باتشي، وسابينو أكوافيفا، وفرانكو غاريلّي، وستيفانو ألِيافي، ورنزو غولو، وجيوفاني فيلورامو وآخرين. ثلّة من هؤلاء أوْلت الإسلام اهتماما خاصا، من بينهم ستيفانو أليافي، ورنزو غولو، وإنزو باتشي، وباولو برانكا. توزعت الأدوار وتكاملت، متمحورة حول ثلاثة مشاغل:

3inayaحين اختلّ نظام التوازن الاجتماعي بين أطراف الدولة العثمانية، وجد استجداء أتباع المسيحية العربية النصرة والمعونة من إخوة الإيمان في الخارج مبرّرا. في زمن كانت فيه تلك الديانة منهَكَة على جميع الأصعدة. ولكن أن يستمرّ ذلك المسلك حتى عصرنا الراهن، فهو مما ينذر بوجود خلل عميق في البناء الاجتماعي يستدعي المراجعة والتصحيح. لأنه مما ينافي الصواب أن نزعم أن أتباع تلك الديانة ركن من أركان البيت، في وقت يلاقون فيه رهقا في دينهم ودنياهم في أحضان أوطانهم.
فالناظر في انعكاسات الثورات المجتاحة للبلاد العربية يلحظ العديد من المحاسن التي طالت المسيحية، بما ألحقته من مراجعة لطبقات غائرة في الوعي، جراء ما أُدمن من رؤى وسلوكيات وعوائد، بتنا نراها بمثابة الأمر الواقع، سأولي تلك الآثار بعض الاهتمام.
طيلة العهود السابقة ساد خطاب غير علمي، في تناول واقع المسيحية في البلاد العربية، كان أقرب إلى التخمين الباطني منه إلى الرصد الموضوعي. وهو ما يتنافى مع أغراض التفهم الرصين والتقدير الصائب، فضلا عن مستوجبات التعاطي السياسي والتشريعي والحقوقي المتزن، ما يشي بوهن قدرات العقل في الثقافة العربية. فالقول بأن المسيحية العربية مكوّن أصيل في الثقافة العربية، وأن المسيحي شريك في الحضارة العربية الإسلامية، وَرد في مجمله ضمن أغراض الاستهلاك السياسي، بما افتقر إليه من مصداقية سوسيولوجية، وبما عازه من طرح جاد لمعنى ذلك المكوّن الأصيل ومدلولات تلك الشراكة الحضارية.

communiللجسد في مختلف الثقافات البشرية تمثلات  أنتربولوجية  و إثنية خاصة من جهة ، كما له تمثلات روحانية صرفة ترتبط بخاصيات الثقافات المحلية و بالخطابات العرفانية من جهة أخرى، و لا تختلف في ذلك المجتمعات " المتقدمة" عن المجتمعات " المتخلفة" ، فحتى الثقافة الغربية لا تملك على هذا المُستوى أي تصور عقلاني يميزها عن المجتمعات " البدائية" {1} .
و يشكل الجسد عنصرا تأسيسيا لمفهوم الذات أو الشخص في مختلف تمثلات الكائن البشري، سواء كانت تمثلات ذات طابع ديني أو بيولوجي أو ثقافي ... فكل ثقافة تؤسس لمفهوم بيولوجي عن الجسد، عن مفهوم الوراثة و عن التكوين الجسدي، فمثلا: تعتبر مجموعة من القبائل الإفريقية في شرق القارة أن لكل طفل خصائص جسدية يكتسبها حتما عن أحد  أجداده السالفين{2} ، بمعنى أنهم يؤمنون بفكرة تناسخ الأجساد التي تذكرنا بفكرة تناسخ الأرواح  في  المعهود  البوذي و في بعض الديانات الشرقية القديمة...

3inayaالترقّي بالوعي الديني في تونس ليس أمرا هينا، لأن المسألة تمسّ القطب ومريده والمعلّم وتلميذه. فالفكر الديني، في الجامعة أو في الجامع، مرهَق ومنهَك، والحال في المحصلة نتاج تجفيف ساد على مدار عقود حوّل البلاد إلى قفر خاو. ما جعل المجتمع، قبيل اندلاع الثورة، يوشك أن يتهدّده مرض فقدان المناعة الدينية، التي لا تزال آثارها بادية إلى يوم الناس هذا. فمن فرط عياء الوعي ما انفك يهتزّ لكل ناعق، مستوطن أو وافد، وإن كان ممن ينبغي أن يفقَّه ويدرَّب ويُعلّم ويؤدَّب.
صار الإدراك الديني، مع مدّعي التديّن وشاهري اللاّتدين، قصير النظر قليل الأثر، وقصّة نعمان الآرامي توجز ذلك القصور، بالتساوي لدى الذين اُتُّبِعوا ولدى الذين اِتّبَعوا. فكما ورد في سفر الملوك الأول، يُروى أن نعمان لما قدِم إلى أورشليم للتداوي تهوّد ودان بدين اليهود، ولما شدّ الرحال عائدا إلى موطنه احتار في أمر عبادة يهوه، فما كان من حكماء بيت الرب إلاّ أن أفتوه بالتزوّد بحِمل بغلين من تراب الأرض المقدّسة لينثره عند موضع عبادته، وعنده يسجد ويقدّم قربانه لربّه، فسيتقبّل منه طالما أنه يقف على أديم الأرض المقدّسة. هذه القصّة تعطي فكرة بيّنة عن التصوّرات الدينية القاصرة أحيانا لدى المفتي والمستفتي. لذلك ما لم ينفتح الفكر الديني في تونس الجديدة على المقاربات العلمية وينهل من معينها الصافي: علم الاجتماع الديني، الإناسة الدينية، علم الأديان، لهاويت الأديان وغيرها، ويخرج من المشاحنات الديماغوجية، التي أدمنها العقل الخامل على مدى عصر الظلمات الدكتاتوري حتى استنزفت قواه، فسيبقى محدود الوعي بذاته وبما يدور حوله في العالم.

pein02102011 (Qui n,en connaît qu,une n,en connaît aucune )
Max -Muller
يمثل البحث المقارن،عنوانا مقبولا عند الكثيرين من الباحثين وخاصة في مجال علم مقارنة الأديان بل يعد اليوم من أخصب الدراسات منهجا وأصعبها لتشابك قضاياه في الزمكانية وكذلك في دائرة المقدس واللامقدس.
ولهذا فان هناك ثمة مقاربات متعددة للبحث المقارن حول ماهية المقارنة كعنصر جوهري في الدراسات المقارنة للأديان والذي تنطلق منه الدراسات والأبحاث لتحديد المفاهيم الأساسية للبحث المقارن للأديان والتي حددت في:
فهم ظاهرة أو فكرة ما وتحديد مجالات التباين والاشتراك والتأثير والتأثر وتفسيرها.
ومن اجل الوصول إلى نتائج موضوعية يتم على أساسها وضع التصورات المتنوعة لكشف الأبعاد الخفية والحقيقية.
وهذا كله يجرنا إلى تحديد نطاق المقارنة في علم مقارنة الأديان.فالتحديد يدفع بنا إلى معرفة العوامل المتنوعة والتي لها الدور الأساس فيه.فالمؤهلات الشخصية وإمكانيات البحث من مادية ومعرفية هي التي تحدد هذا الإطار.
وهذه المسائل يتم من خلالها استيعاب البحث المقارن في الأديان بل هي التي تضيء الطريق نحو نجاح المقارنة وتكون ضمن خمس مراحل:

ANFالتاريخ هو مجموع الأحداث و الوقائع الماضية التي أنتجها الإنسان و هو يمارس حياته الاجتماعية، و السياسية و الاقتصادية و الفكرية، بدون ادراك منه أن أنشطته الآنية ستتحول مع مر الزمن إلى تاريخ . إنه الثابت أو القاعدة التي تحكم الإنسان في كل مجتمع من المجتمعات الادمية ، لتمثل بذلك ثابتا كونيا. و من هذا المنطلق يمكن القول أن الإنسان كائن تاريخي، ينتج التاريخ و يصنعه، و يستهلكه في نفس الآن .
و مما لا ريب فيه، فإن كلا من الاستهلاك و الانتاج عمليتان دقيقتان، تعدان قوام و عماد بناء الشخصية الثقافية و الحضارية للأمم . و كي يكون البناء ناجعا و ناجحا ينبغي أو يتعين الاقتناع بنسقين متقابلين متلازمي الحضور و الوجود في الجسد التاريخي، و هما :
1-    النسق الثابت: و يقصد به الشق التاريخي المتميز بالقوة و الحامل لخصوصيات:
-    الأصالة
-    القداسة
-    القدرة على الصمود
-    الاستمرارية

277hيبحث الكتاب في العلاقة بين العالم والسلطان وما يترتب عن هذه العلاقة من مهادنة ومنافسة تارة، وموالاة وصراع تارة أخرى. وذلك كله من خلال تواردهما على المصادر الأصولية والمقاصدية. 
فالعالم والسلطان كل منهما يتوارد على النص قصد تحليله وتأويله1. والعالم من جهته وبحرصه على المعرفة الإسلامية لا يملك الابتعاد عن السياسة، وذلك لحضور البعد السياسي في المادة الإسلامية2.
ورغم اختصاص المادة الإسلامية بهذه الخاصية، فإن الفقيه كثيرا ما كان يبتعد عن المجال السياسي:
-إما لأن السلطان أراد إبعاده.
-أو لتخوف العالم من السقوط في حبال السلطة واستدراجه .
-أو لتخوفه من ضياع علمه بعد احتضانه من طرف السلطان3.
إن اعتماد "الأصول والمقاصد" لهذه الدراسة ترجع لما لهذين العلمين من تأثير على السياسة الفعلية، ولما له من مشروعية وسلطة داخل المجتمع الإسلامي عبر تاريخه، هذا مع عدم إقصاء "الكلام" لما له هو بدوره من تأثير منهجي على الأصول. فالكلام ولا شك كان نتيجة التقعيد الاجتماعي والسياسي، غير أن أصحاب الملل ساهموا في إخفاء الظهور السياسي والاجتماعي لهذا العلم-وربما بوحي من السلطان – الذي نشأ نشأة سياسية.
نشط بعض علماء الكلام في نشر فكرة الجبر وأثقلوا المصطلحات الكلامية بالأفكار السياسية، وتعرضوا لمشكل الكبيرة، ومسألة المنزلة بين المنزلين، وتكلموا بإسهاب في العدل الإلهي متخذين له صورا من الأبعاد السياسية4، وقالوا بتعليل أفعال الله مع بعض الاختلاف بين المعتزلة والاشاعرة حول بعض القضايا، الأمر الذي ترتب عنه انزلاق سياسي لدى الاشاعرة، يقول أبو الحسن الأشعري : "ومن ديننا أن نصلي خلف كل بر وفاجر ولا ننكر أن علماء الكلام تحولوا عن الكتابة السياسية كالبحث في مرتكب الكبيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى البحث في دقيق العلم كالحركة والسكون واللون والصوت والرطوبات واليبوسات5... وهذا كله كان من إيحاء السلطة القائمة آنذاك.

ABSTRAIT-5الثقافة بإجماع المختصين في العلوم مفهوم واسع يشمل ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة و المعتقد و التراث و الفن و الأخلاق و القوانين و العادات الاجتماعية  و إذا ما عدنا إلى الأصل اللغوي و الثقافة و التثقيف فستجد معنى التقويم : ثقف الرمح أي قومه و هذبه و الإنسان أدبه وعلمه أما الأخلاق فهي التلقيف بمعنى التهذيب و التأديب و اكتساب النفس الفضائل التي هي أهل لها  جاء عند الفيروز أبادي ( 1415هـ، ص. 132) " رجل مهذب : مطهر الأخلاق .". كما جاء في ( المعجم الوجيز 1400 هـ،ص. 647): " و هذب الصبي رباه تربية صالحة خالصة من الشوائب "  فنرى إذن أن الثقافة و الأخلاق متلازمان بل إن جوهر الثقافة هي الأخلاق و كل المظاهر الروحية فيما كانت معقولات أو حكمة أو إيمانا أو علوما أو جماليات أو حقوقا كونية كحقوق الإنسان بما فيها الحقوق الثقافية التي لا تصطدم مع الهوية الإنسانية ، و هذا ما يدركه حتى العامي من الناس. ألا ترى أحدهم يقول عمن يسلك سلوكا مشينا و همجيا :" إنه ليس بمثقف". أي هي أقرب لحال الطبيعة المتوحشة والغرائز الهوجاء