3inayaمنذ أيام تتناقل وسائل الإعلام نبأ انضمام البابا جوزيف راتسينغر إلى موقع تويتر، في مسعى إلى مخاطبة العصر بلغته، وخصوصا جحافل الشبيبة التي باتت على موعد مع هذه الوسيلة وغيرها من وسائل الاتصال الاجتماعي الشبيهة والجديدة. كما أوردت جهات كنسية أنه لم تمض بضعة أيام على الحدث حتى فاقت أعداد المغرّدين مع البابا على شبكة تويتر، بلغات مختلفة تشمل من ضمنها العربية، نصف مليون مغرّد، وهي مرشحة للازدياد في الأيام القادمة، مع انطلاق البابا في تدوينه الأول الذي سيردّ فيه على أسئلة المستفسرين بشأن مسائل الإيمان وأحوال الكنيسة، وذلك بدءا من الثاني عشر من شهر ديسمبر من العام الجاري.

3inayaتمرّ هذه الأيام الذكرى الخمسون لانعقاد مجمع الفاتيكان الثّاني (1962-1965) الذي تقدّر الكنيسة الكاثوليكية أنها تصالحت بمقتضاه مع العصر. تعلّقت فقرات من مداولات المجمع بالمسلمين، وقد سال حبر كثير بشأنها. وكانت الإشارة الأولى "... بيد أن تدبير الخلاص يشمل أولئك الذين يؤمنون بالخالق أيضا، وأوّلهم المسلمون الذين يعلنون أنهم على إيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد، الرّحمن الرّحيم، الذي يحكم بين النّاس في اليوم الآخر" قد وردت ضمن المتن المجمعي "لومن جنتيوم" أي "نور الأمم"، وأُقرّت في نوفمبر من العام 1964 بموافقة 2151 من رجال الدين واعتراض خمسة أعضاء؛ ووردت الإشارة الثانية في فصل "نوسترا آيتات" أي "علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية"، وقد أقِرّت في أكتوبر من العام 1965 بموافقة 1763 واعتراض 242 من رجال الدين، بعد أن انتهت إلى صيغة: "تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين أيضا، الذين يعبدون الله الواحد، الحيّ القيّوم، الرّحمن القدير بارئ السّماء والأرض، ومكلّم النّاس.

Sans titreمؤلَّف "نحن والمسيحية" هو عبارة عن خلاصة تجربة بشأن الآخر، عاشها الكاتب بين مؤسستين وثقافتين، نعني بمؤسستين جامعة الزيتونة وما تزخر به من عراقة علمية، وقد سبق للكاتب أن التحق بها في بداية تحصيله العلمي، والجامعة الغريغورية بروما، التي أكمل فيها دراساته في إيطاليا، وهي الجامعة التي تخرج منها كبار كرادلة الكاثوليكية وبابواتها.
لذلك يأتي الكتاب تأملا في ثقافتين وفي دينين. من ناحية تحديات العقل المسيحي الغربي للثقافة الإسلامية، وللواقع العربي المأزوم بمسيحييه ومسلميه، ومن ناحية أخرى غوصا في المسيحية فكرا ومؤسسات، مبينا أزماتها البنيوية التي ترافقها حتى الألفية الثالثة.

565320 HAMID nمقدمة :
((غير الصحيح ليس في الدين ولكن موقفنا الذي يذهب مع تقديس الدين إلى تقديس الحلول والمواقف التي قدمها الدين في زمانه ومكانه وظروفه التاريخية المحددة بواقعها وزمانها،بحسبانه حلولا ومواقف صالحة لكل مكان وكل زمان))(1)
لم تكن الديانات أمرا طارئا أو زائدا في حياة الإنسان منذ استطاع أن يعي نفسه عبر تاريخ تطوره ونشؤه الطبيعي الذي لازال مستمرا لحد الآن، بل هي حاجة روحية وجد الإنسان فيها شعائر وطقوس وممارسات يمكن إن تعيد له التوازن والقدرة على العيش في صراعه المرير مع قوى الطبيعة المختلفة، هذه القوى التي يرى  انه عاجزا عن مواجهتها بقواه الذاتية الخاصة،فما عليه إلا أن يبتدع مؤمنا بمناصرة ومؤازرة قوى قاهره في مواجهة هذا الأخطار،أو عن طريق دفعها للاشتباك فيما بينها والتخلص من شرورها،كما أن تجربته الناجحة في تدجين بعض الحيوانات المتوحشة اوحت له طريق تقديم المكافآت والرشا وما يسمى بالقرابين والنذور للفوز باسترضاء الخارق المتوحش وكف شروره ناهيك عن مناصرته ومساعدته للإنسان في تحقيق غاياته وأهدافه.

abstrait7777"الربيع فصل الغرس"
  بوريس باسترناك
أشعر وكأن بلدان الربيع العربي جريح يئن، وكما أن الكيان الحي يفرز أجساما مضادة لمقاومة التلوث الذي تسببه الجروح أو البكتريا، أتمنى أن يكون الفكر الأنسني هو إفراز بلداننا الحبيبة لحماية نفسها في مواجهة وعي أبنائها المهزوم..
 قرأت يوما قول شكسبير ـ شعرا ـ إنه إذا المرء أطلق سهما فحدث أن غاب عن ناظريه ولم يدر له موضعا، فما عليه إلا أن يعيد الكرة مع سهم آخر، يطلقه من نفس المكان في نفس الاتجاه بنفس القوة، حتى إذا علم موضع سقوطه، وجد الأول!

abst111جهاد , نساء محجّبات,أزمة رسوم ساخرة,رفض للاختلاط ... شيئا فشيئا يتزايد عدد الغربيّين الذين يشكّكون في قدرة الإسلام على التوافق مع قيمنا الدّيمقراطيّة . فهل ستكون الكلمة الفصل للأصوليين الذين ينكرون في الدّين كلّ إمكانيّة للتطوّر؟ يرفض مالك شبل هذا المصير . ففي كتابه "الإسلام والعقل"( Perrinبرين) ُيبيّن المحلّل النّفسي و عالم الانتروبولوجيا المسلم كيف يبرهن الإسلام عبر الماضي على قدرته للتزاوج مع أفكار الحداثة. وبفضل هذا الإرث فإنّ المولود الأخير من الدّيانات التوحيديّة الثلاث يستطيع أن يتحمّل الإصلاح من وسط الجسم و دون إدّعاء واهم كما يؤكّد ذلك مالك شبل.لكن هل هذا المسار الحرج ممكن؟ أيظلّ الإسلام "الذي وقع تحديثه" إسلاما؟ هنا مكمن الصعوبة كما يردّ جون بول شارناي (Jean Paul Charnay) رئيس مركز فلسفة الإستراتجيّا في السربون. يذكّر مؤلّف كتاب"الشريعة و الغرب" وهو باحث في الإسلاميّات من الدرجة العاليّة كيف يشكّل التشريع القرآني و لا يزال المجتمعات الإسلاميّة و مخيالها. إنّه لقاء ودّي بين مفكّريْن حيث يدلّ الإسلام على حقيقتيّن مختلفتيْن تماما. فلماذا يبدو الإسلام عصيّا على"الانصهار" في الحداثة الديمقراطيّة؟

1362462453تتطلب الكتابة التاريخية توافر المادة التاريخية و الالتزام بمنهج البحث التاريخي ، كما تتحدد نوعية مواضيعها و قيمة مضمونها العلمي انطلاقا من الإشكالية التي تطرحها و مستوى مؤهلات الباحث الذي يتعامل معها . لذا فإن إعادة تصور الماضي كما وقع عملية متعذرة لطبيعة المعرفة التاريخية التي تتحكم فيها مواصفات الحادثة التاريخية التي ننشدها و نسبية الحقيقة التي نبحث عنها و مستوى الموضوعية التي نحاول الالتزام بها و جدلية الحركة التاريخية التي نحاول تلمسها و التعبير عنها .
تتميز الحادثة التاريخية بكونها فعلا منفردا لا يقبل المعاينة من طرف الباحث ، فهي ظاهرة فردية تحدث مرة واحدة في زمانها و مكانها و ظروفها ، لا تتكرر و لا تعيد نفسها و لا تخضع للتجربة أو الملاحظة المباشرة . فكل ما نعرفه عنها هو مصدر غير مباشر و غير كامل نستخلصه من بقايا آثار مادية أو سجلات مكتوبة أو روايات شفوية ، غالبا ما تكون عرضة للتلف أو الضياع أو التزوير ، بحيث يتعذر معها تطبيق القياس أو التعداد أو التعميم ، فكل ما نملكه إزاءها هو الملاحظة غير المباشرة ، و لم يتعد مستوى التعميمات و الفرضيات خاصة فيما يتعلق بملء الفجوات و استكمال الجوانب الناقصة في معرفتنا التاريخية .

3inayaبمنأى عن التفسير "الباطني" في نشأة الحركات الإسلامية، الذي راج أو رُوّج بشأن حالتي مصر وتونس، باختزال ظاهرة بالغة التعقيد وردّها إلى أفاعيل نظامي السادات وبورقيبة، قصد صدّ التيارات اليسارية؛ ثمة بنية اجتماعية وفكرية جامعة انبثقت منها جلّ الحركات الإسلامية السنّية، في مشرق البلاد العربية ومغربها. مثلت فيها حركة الإخوان المسلمين في مصر وامتداداتها في بلاد الشام، الإطار النظري والأنموذج العملي المحتذى من قبل العديد من الحركات الفرعية. حيث يلوح ظهور تلك الحركات بمثابة ردّ فعل على مستجدات مفصلية داهمت الحواضر العربية مع مطلع القرن الفائت، على غرار: الوهن الذي دبّ في مؤسسة الخلافة وفي أطرافها، وزحْف الأنموذج الغربي على نمط الحياة وتهديده للسائد والمتوارث من الأعراف والعوائد، وافتقاد رؤية سياسية للإسلام الحديث في أوطان غدت رهن مشيئة الاستعمار.