فشلت جميع التيارات الفكرية القومية واليسارية والليبرالية والإسلامية العربية في تحقيق تطلعات الشعوب العربية بالتحرر والتقدم والتنمية، وأخفقت في مشروعها وشعاراتها، ولم تتمكن من إنجاز نموذج واحد بنجاح. هذه التيارات ما زالت تصر على اجترار افكارها وتكرار فشلها في راهن عربي ملتبس وشائك بات يتطلب إعادة طرح الأسئلة الأساسية، ونقد قواعد التفكير ومراجعة المسلمات والبديهيات، وتفكيك المقولات والشعارات الكبرى لإعادة مقاربتها بصورة مغايرة.
في القرن الحادي والعشرين، قرن التطور التقني وثورة المعلومات والتحولات الكبرى، بات النقد الفكري ضرورياً للتفكيك وإعادة جدولة التصنيفات الأيديولوجية التي طغت على أحداث القرن العشرين. في عالم لا أيديولوجي أصبحت الأفكار والثقافة والمعرفة سائلة تتجاوز كافة جدران الأيديولوجيا. في مشهد عربي ملتبس مربك لم يعد التقدمي صاحب رؤية تنويرية حداثية، ولم يعد اليساري صاحب موقف يدافع فيه عن المضطهدين، ولم يعد اليميني هو الرجعي الذي يسعى لإعاقة التقدم. لقد خسر اليسار العربي التقدمي مصداقيته في القرن الحادي والعشرين عبر مواقفه التي بررت كافة المظالم.

خرجَت الممارسة السياسية في تونس من طور عقيم قبل الثورة إلى آخر سقيم بعد الثورة، وإن رُوعيت في العملية الأخيرة مقتضيات الديمقراطية الشكلية. مع أن الممارسة السياسية الصائبة يُفتَرض أن تحتكم بوجهٍ عام إلى قواعد اللعبة الديمقراطية، وما تقتضيه من أخلاقيات مدنيّة وفضائل حضارية، وهي كما نعرف شأن جديد لم يأْلفه العقل السياسي العربي الحديث، لِما ألَمّ به من تقليد سلطوي تسلّطي، ومن إدمان لممارسة الحكم الغشوم، ومن مصادَرة لإرادة الخَلْق ووصاية على عقولهم وأرواحهم، جعلت الناس بمثابة "السّبايا".

" طالما كانت هناك ديكتاتوريات، فلن تكون لدي الجرأة لانتقاد الديمقراطية"
 جان رستان، حيرة بيولوجي، 1967
استهلال
ليست الديمقراطية مجرد فكرة نظرية بل ممارسة عملية وليست نموذجا جاهزا قابل للتصدير والتبني بل هي عقلية وثقافة تقتضي احترام الخصوصيات وتراعي التقاليد والرموز الحضارية للشعوب والمجتمعات.
لقد جاءت الديمقراطية لكي تؤسس الحكم المدني وتخلص البشرية من الكثير من الأمراض السياسية على غرار الطغيان والاستبداد والشمولية وتفكك الدولة الدينية والدولة العسكرية وتنتصر للدولة المدنية التي تحتكم للقوانين والمؤسسات وتخضع السلطة للرقابة الدائمة للمواطنين وتنظم العلاقة بين الدولة والمجتمع.
غير أن التجارب الديمقراطية تعاني من الكثير من الأزمات وتواجه جملة من المخاطر ومهددة بالانقلابات والالتفاف وتحتاج دوما للتعديل والتطوير وتحاول دوما مواكبة المتغيرات والانتباه إلى الحركة التاريخية.

ان الولايات المتحدة تتخذ من القوة سبيلا في سيطرتها على العالم، معتمدة في ذلك على منطق – حكم القوة، فما مدى سلامة السلوك الأمريكي في إخضاعه للعالم بهذه السياسة؟

أولا: إستخدام الإعلام
تتخذ الولايات المتحدة الامريكية من الإعلام  وسيلة رئيسية أولى في إخضاع الجمهور الداخلي والخارجي، «فهذه الوسيلة لها تأثيرات كبيرة خاصة ان الجمهور المتلقي للمادة الإعلامية مغيب تماما لما يحدث حقا. وهنا فالادارة الامريكية بحاجة لخلق الوسط المناسب لتقوم بأفعالها العدوانية براحة تامة فعندما يتم اقناع الرأي العام ان أمريكا تدافع عن العالم من خطر الإرهاب فتصبح الترجمة الدائمة لكل سلوك امريكي هو دفاع انساني، وهذا ما نجده في المادة الإعلامية الامريكية، فالتدخلات العسكرية تسمى بالمساعدات او الامدادات، بينما هي لا تخرج عن معناها الحقيقي الذي ينحصر في الحرب والترهيب.»[1]

تُعرَف الفترة التي تنامت فيها ظاهرة الإرهاب في إيطاليا، والمتراوحة بين 1968 و 1984، بـ"سنوات الرصاص" (Gli anni di piombo)، وهي السنوات التي شهدت فيها الدولة ارتباكا سياسيا وتبدلا متسارعا للحكومات، كان بعضها يدوم أياما معدودة، تأتي غيرها على أمل إخراج البلاد من الأزمة لتقع في المطبات ذاتها. تهدّدَت في أعقابها السلم الاجتماعية بشكلٍ مؤذٍ، ومع ذلك لم تنحرف ظاهرة الإرهاب بالمسار السياسي العام للبلد، ولم تزد الأوضاعُ الصعبة القوى السياسيةَ المجمعةَ على نبذ العنف والمؤمنة بالتنافس الديمقراطي السلمي، سوى مزيد من الإصرار على دعم مسار الديمقراطية الفتية.

بصرف النظر عن مفهوم  المثقف البالغ الالتباس والتعقيد، والذي سنعرض إلى  بعض مداليله الإشكالية، فانّه  من المفترض أنّ الرسالة الأهم، التي على المثقف النقدي المتفاعل مع محيطه والفاعل فيه، المنحاز إلى الجماهير في غير ما مهادنة، ولا سكوت عن مظالم السلطة، إنّما هي الرسالة  التي يحملها تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه -لا بل تجاه كلّ المجتمعات إن بلغت طروحاته و أفكاره مرتبة العالمية- والتي لا تقتصر، على إنتاجه للأفكار ولصنوف الثقافة في تمظهراتها المختلفة ولا في  محاولة بثّ الوعي المعرفي في النّاس و تحفيزهم على التفكير النقدي و تحريضهم على السعي إلى التغيير، بل تتجاوز ذلك إلى ما أهمّ، وهو قيادة تغيير الوضع القائم. ليس هذا فقط، بل من مهام المثقف النقدي الأساسيّة قبل وبعد ذلك مهمّة طرح حلول للتحدّيات التي يواجهها المجتمع في منعطفاته الصعبة ولحظاته التاريخية الحرجة التي قد تفضي إلى التحوّلات الكبرى، وتبلغ أحيانا، حدّ استهداف وجوده في حاضره وفي مستقبله أيضا، مثلما هو حال  الوطن العربي اليوم  الذي يعيش أعراض المخاض "القيصري" العسير للثورات العربية  المنحرفة عن مسارها.

استهلال:
" الديمقراطية ليست نظامًا سياسيًا بدون صراعات ، بل نظامًا تكون فيه النزاعات مفتوحة وقابلة للتفاوض وفقًا لقواعد التحكيم المعروفة. في مجتمع يزداد تعقيدًا ، لن تتضاءل النزاعات من حيث العدد والجاذبية ، بل ستتضاعف وتتعمق"1[1].
من المتعارف عليه أن السياسة بالمعنى الواسع تشير إلى سمة الحياة المشتركة عند مجموعة من الناس التنظيم العقلاني للعلاقات بينهم، وأول ما ظهر اللفظ هو متعلق بالاقتصاد السياسي. أما المعنى الاصطلاحي للسياسة فيشير إلى الدولة والحكومة بالتعارض مع الظواهر الاقتصادية والمسائل الاجتماعية سواء تعلق الأمر بالعدالة والإدارة أو بالأنشطة المدنية للحياة مثل التعليم والثقافة والبحث العلمي والدفاع الوطني. كما ان السياسة الجيدة هي التنظيم العقلاني للعلاقات بين الأفراد وتحييد العنف وتفادي النزاعات.

شهدت علاقة الكنيسة الكاثوليكية بموضوع حقوق الإنسان عدة تطورات، ونظرا للمنشأ العلماني لهذا الموضوع في التاريخ الحديث فقد شكّلَ نقطة خلاف جوهرية بين الكنيسة وبين الدولة الحديثة في الغرب. حيث عبّرت كنيسة روما في عدة مناسبات عن انتقادها لمفهوم حقوق الإنسان ومعارضته. لكن في ظل تحول مبادئ حقوق الإنسان إلى مرجعيةٍ كونيةٍ، شهد موقف الكنيسة تبّدُلا مجاراة لأوضاع وأعراف دولية باتت سائدة. كتاب الباحث الإيطالي دانييلي مينوتسي، أستاذ التاريخ المعاصر بمدرسة التعليم العالي بمدينة بيزا، يحاول تتبّع هذا التحول في الموقف الكنسي من قضية شائكة لا زالت عسيرة الهضم في التصور اللاهوتي، ولا زالت مثار العديد من الحساسيات في الدوائر الكنسية، لا سيما في الأوساط الاجتماعية التي ما زالت واقعة تحت تأثير الكنيسة.