art-cultureإنّ التقييم كمقوم للقيم يبدو للوهلة الأولى عنوان فخر، يجذب لكل فلسفة أطرافها، فتختل الموازين، و تختلف الآراء حول الواحد الذي ينتج العديد من الأشكال، و التي تأخذ صورا كثيرة يوما ما، إنها حال البشر، يختلفون على الاتفاق، و غير ذلك من التطويرات التي تبعث على التصورات المتنوعة، قصد ولوج العام، و التستر بظله الفاضل، و إلا بدا الأمر نشوزا وجب تخطيه، إنها منمقات العالم الذي يجمّل الرسوب بمساحيق الجهل بالاختلاف، فمن خبايا العالم أن وجد الإنسان، و وجدت الصدامات، و هذا ما يدعوا إلى التساؤل: ماذا عن لغة الحرب؟
إنّ العيش في تراكيب مندمجة تحت لواء واحد يُفرض فرضا، من الصعب في مكان تحقيقه، و إن محاولة بعث الروح في جسد ولد مريضا لمن السذاجة إدخاله دائرة البحث و التفتيش، لكن تبقى المحاولة مشروعة ما دامت تبقى في إطار المحاولة لا غير، فإنّ عدّة الصراع لجوهرية في تحرّك الأفكار بسيارة الهجوم، و مقود الدفاع بين الفينة و الأخرى في مدينة شاسعة تسمى الحياة، فالحي ليس حيّ الحركة أو التنفس بقدر ما هو حيّ برؤيته القابلة للتبني، فالأمّة التي لا تصبر على أهل الفكر أمّة بلغت من الانحطاط الاجتماعي مبلغ عدم العودة للمنهج الصحيح و الناجح، و سبيل ذلك هو البديل الغير مجدي في كثير من الأوقات، بل و تتطور إلى هدف حتميّ الانجاز، فسبب إقرار الصدام و محاورة الظلم من باب الاستغناء عن حقائق مبرهن عليها، لهو قمة الذاتية الراجية للسيادة و السيطرة، و إنّ الإقصاء لأجل الإقصاء لهو عصب التمرد الفكري، و دليل ذلك وجهة الأخطار التي تعنّت التوجه، حتى و لو كان هذا الاتجاه مرفوضا منطقيا.

grand_favelas_hyperr_aliste_008_copyيمثل الشريط* حوارا فلسفيا يتمحور حول مفهوم الهوية. ويتميز الفكر الفلسفي عموما بكونه فكرا حواريا ينفتح على الأخر الشبيه أو المختلف، الذي يقاسمنا أفكارنا أو المختلف المعارض. كما أن الحوار الفلسفي لا يهدف إلى نقل معلومات جاهزة أو تكرار أفكار متداولة أو إصدار أحكام مجانية وبدون سند نظري بل يتوخى إعادة النظر في مصادر تلك الأفكار وشروط تشكلها ويقصد النظر في بنية العقل الحامل لها وفي أبعادها ودلالاتها. لذلك يشترط في الحوار الفلسفي أن يكون تفاعلا نفسيا وفكريا وأخلاقيا وان تحكمه ضوابط فكرية منها التهيؤ الفكري للحوار والإلمام بموضوع الحوار ومجالاته والاهم من ذلك الالتزام بالأخلاق الفكرية من حسن إصغاء للآخر واحترام لموقفه ومن التزام بآداب الاعتراض. ولعل المشاهد للحوار المعروض يستشعر ويرى ويدرك قيمة الجهد المبذول من طرفي الحوار، المتحاور(اليزماغو  Elise Marrou) والمحاور(رفائيل انتهوفن Raphael Enthoven)* بالخصوص الذي حرص على خلق فضاء يتلاءم وموضوع الحوار ويتجلى ذلك الجهد في إلمامه بأفكار محاوره وطروحاته وكذا إعداده لمختلف السندات والوسائط الممكن توظيفها قصد تعميق الحوار وتفعيله ، ويظهر ذلك العتاد من خلال الانطلاق من الحياة اليومية، وفي المتن الفلسفي الذي يتم استحضاره، وفي اللوحات الفنية والأشرطة الموظفة... مما أضفى على الحوار عناصر الإثارة والتشويق ونأى به عن التكرار والابتذال والسطحية والمشادات الصبيانية التي تعج بها البرامج الحوارية في القنوات العربية.

" الفلسفة تنزه في فردوس الحقيقة"ABSTRAIT-5
عدت اليك أيتها الحبيبة الغالية وفي قلبي شوق الي لغتك ومعانيك بعد أن أعيتني معارك السياسة والحماسة ، فأنا لا أستطيع أن أفارقك وان هجرتك الى حين، عدت اليك وأنا على يقين أن قدري هو أن أعلمك لمريديك ما حييت وأن أسترسل في التدريب عليك والتفنن في طرح أسئلتك والتهرب من أجوبة عمالك وكهنتك. عدت اليك وقد كان الملل ينتابني من تكرار دروسك واجترار مادتك وضعف نجاعتك وعزوف الطلاب عن طلبك ومحاصرة النفاق مبادئك.
اني على علم أنك تطلبين الحقيقة وأنك تنفرين من التقليد وتمجدين الثورة وأن عاشقك يسترسل في وصالك دون أن يقعك ويكد في سبيل فيستشهد من أجلك ولكن ما العمل وهذه حالك وأنت الملكة التي تتربع على عرش القلوب وتجرس على الأريكة في قصر المعرفة؟ كيف أنطق بلسانك وأهمس باسمك وأنت بعيدة المنال ومرتفعة المقام؟ وأي الطرق المؤدية اليك وأنت الدرة المكنونة والجوهرة النفيسة؟ وكم من شخص تاه في بحر عشقك دون ان يذوق طعم الحقيقة؟ والى متى هذا الهجران ونحن لا نؤمن الا بحقيقته؟
كيف نسكت ونحن نرى الحشد يحول الوهم الجماعي الى حقيقة فردية ناقلا اياها من محور السياسة الشمولية والحزب الواحد الى دائرة الفلك الايديولوجي وحراس التاريخ التذكاري وكهنة السوق الجدد؟ ولكن هل يمكن فلسفيا أن أخرج من رأسي وأطل على العالم وأقول شيئا شاملا وكونيا وصالحا للجميع وأنا أعبر عن عمق وضعيتي الخاصة؟

ANFASSEالأخلاق تمثل إنساني قبل كل شيء، إشكالية الأخلاق الإلهية المرتبطة بالأسطورة المتطورة(الدين) و الأخلاق الإنسية لم تنته إلى الفصل الكلي بين هذه و تلك ، و ككل الصيغ الصورية للعقل و العاطفة البشريين تتموقع الأخلاق ضمن واحدة من أكبر إشكاليات الفكر الحديث : إشكالية الفكر و الواقع، على اعتبار الأخلاق قواعد صورية مجردة، إذا : هل تكون الأخلاق مستقلة عنا استقلالا كليا بمعنى أنها إلهية المنشأ و المقصد؟ هل الأخلاق ناجزة بمعزل عن تمثلاتنا و إدراكنا و تصوراتنا الذهنية و السيكولوجية؟ إذا نفينا استقلال البنية الأخلاقية عن قوة خارجية و علوية ، فهل تكون الأخلاق عبارة عن منظومات من الخلق الإنساني و مرصوفات إيديولوجية من خلقنا نحن، تخييل بشري هادف ؟ ألا يمكن أن تكون الأخلاق باعتبارها تمثلات بشرية مجرد آليات لتنظيم العالم وفق رؤى معينة بالذات؟ هل من تاريخ للأخلاق يساعد على كشف بنيتها المضمرة؟ و هل الأخلاق ضرورة في عالم التنظيم القانوني للمجتمعات ؟ ألم يقضي العقد الاجتماعي على ضرورة الأخلاق باعتبارها بنية ناتجة عن المخيال الاجتماعي للناس لا تربطها صلة بالتنظيم الدولتي المُبَنين ؟

tableau-contemporain-0116يميز كانط بين نمطين من القوانين: فهي إما أن تكون قوانين الطبيعة وإما أن تكون قوانين الحرية, وما يبحث عنه كانط هو فيما إذا كانت توجد قوانين كونية وضرورية(1), فيجب التمييز إذن بين ميتافيزيقا الطبيعة وميتافيزيقا الأخلاق. وحين يقول كانط بميتافيزيقا الأخلاق فلكي يفصل بين الأخلاق والتجربة, وحتى تكون للفعل قيمة أخلاقية فيجب أن يكون القانون ينبني على ضرورة مطلقة, وهذا  يعني ألا يكون للطبيعة البشرية دخل في مبدأ الإكراه, فمبادئ الإكراه يجب أن يبحث عنها في المفاهيم القبلية للعقل الخالص, فلا يمكن إذن للتجربة أن تكون مصدرا لأي قانون أخلاقي , لذلك ترتكز كل فلسفة أخلاقية على ما هو خالص, وتعطي قوانين قبلية(2).

يتوجب إذن على ميتافيزيقا الأخلاق حسب كانط أن تفحص فكرة مبادئ إرادة خالصة ممكنة, وليس أن تفحص أفعال وشروط الإرادة الإنسانية التي يمكن استخلاصها من السيكولوجيا, ولكي تتأسس ميتافيزيقا الأخلاق, تحتاج إلى نقد للعقل الخالص العملي(3), فما يوجه العمل إذن هو كيف تكون الأوامر الأخلاقية ممكنة؟ وعلى أي أساس ينبغي أن تقوم الأفعال الإنسانية؟ وهل توجد شروط تحدد للسلوك الإنساني مجاله وحدوده؟ ومن أين تستمد تلك الشروط مشروعيتها؟ ومن أين تستمد مبادئها؟

anf1234أ- فضول طفولي
قضى الأب لحظات يتجول بابنه في مدرسته، مقر عمله، ويستفيض في إبراز خصوصيات الفضاء ومحاسنه،وبعد أن استشعر أخيرا علامات الرضا من بريق عيون ابنه البريئة توجه نحوه في زهو: هل أدركت الفرق بين مدرستكم ومدرستنا وانه لا مجال للمقارنة، نفوقكم من حيث شساعة المساحة وجمالية الفضاء وروعة الطبيعة وعلى مستوى التجهيزات والبنيات التحتية. طأطأ الابن رأسه إشارة اعتراف واستسلام. ولما هما بالمغادرة والعودة إلى البيت تناهت إلى الاحشاد الغفيرة من رواد المؤسسة، التي تلتصق ببابها الحديدي وتتدافع على جنبات سورها الإسمنتي الذي يطوقها، وإلى مسامع كل الحضور أصوات ترنيمات، مألوفة وغريبة في نفس الآن، تتكرر في كل لحظة وعند مرور موكب كل جنازة: وقفنا ببابك يا مول الموالي ترحمنا بفضلك على كل حال، مولانا نسعاو رضاك وعلى بابك واقفين يا من يرحمنا سواك يا ارحم الراحمين. وتزداد حدة تلك الأصوات كلما اقترب الموكب من سور المقبرة الذي يحاذي سور المؤسسة ويفصل بينهما ممر قلما يتسع للجموع المهرولة خلف الجنازة خاصة إذا كان اسم صاحب الجنازة لامعا ومعروفا. تنبه الصغير إلى البلبلة التي يحدثها موكب الجنازة إذ تخرس أصواته صوت كل لسان وتنطق كل أصم ، كما تشل حركته كل متحرك وتحرك كل ساكن، وترى عيون اليافعين المتجمهرين أمام باب المؤسسة مخطوفة وأحاديث يومياتهم مقطوعة كأن صاعقة نزلت عليهم...بعدما غاصت الجموع خلف أسوار المقبرة التفت الابن نحو والده مصدوما ومستغربا:

jadalيرتبط الجدل عادة بالتصورات الذهنية المتضاربة والمختلفة للأشياءوالعالم والوجود، وبالإنتاج الفكري للإنسان والمنطق والمناظرات  والمقارعات الفكرية والحجاجية، والسجال الفلسفي والكلامي والديني والمذهبي والسياسي والثقافي وو..، فترى كل فريق أو طائفة تجادل الأخرى/ الخصم، لتثبت شيئا في نفسها تظنه صوابا وحقيقة، فتلتمس له كل الوسائل - بما فيها الاستدلالية واللغوية والبلاغية والأسلوبية- والحجج الفكرية والدينية والفلسفية لتدحض ما تعتقده خطأ لدى الطرف الآخر المجادل، وتلزمه عليه .
يفيد الجدل في مدلوله اللغوي الفتل والإحكام، فنقول: جدله يجدُلُه ويجدِلُه أي أحكم فتله[1]، و" جدل الحبل: فتله، وزمام مجدول وهو الجديل"[2] والجدل: محرّكة: اللّدد في الخصومة، والقدرة عليها[3]. وقد يفيد الجدل كذلك المنازعة والخصومة كما في قوله تعالى:"وكان الإنسان أكثر شيء جدلا"[4]، "أي: مجادلة ومنازعة فيه"[5]، و بمعنى أيضا" أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل إن فصلتها واحدا بعد واحد خصومة ومماراة بالباطل"[6]، وقد يعني المخاطبة كما في قوله تعالى:" قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها"[7]، "أي تخاطبكما فيما بينكما"[8].وقد يكون الجدل كذلك مرادفا للخطابة، كما نجد لدى أرسطو في قوله:" إن الخطابة هي النظير المقابل للجدل"[9]، وقد يعني في الفلسفة بحث الفيلسوف عن الحقيقة بالمواجهة التي تكون بالحوار.[10]

anfasseأ-حكاية حقيقية
يروى في إحدى قرى المغرب العميق أن شخصا ذا جاه ومال، وعراقة وشرف،   كان يعيش في قريته آمنا مطمئنا يحظى بمكانة عالية بين أهل القرية، يأتيه أهل القرية في كل شئ ويأخذون بمشورته ويتحدثون عن نبله وكرمه، وحينما توغل المخزن إلى تلك القرية الهادئة ازدادت شهرة صاحبنا حيث أصبح قبلة للمخزن وأعوانه يكرمهم ويعد لهم الولائم والسهرات... وبمرور الأيام تبددت ثروته، ومن حسن حظه أن سياسة الاقتراض قد امتد صداها وفتحت ذراعيها لذوي الاحتياجات، وأنقذت ماء وجه صاحبنا الكريم. نسي بسرعة ليالي ضيق ذات اليد ورجع مثل حاتم الطائي إلى عادة كرمه ينحر فرسه للمخزن وأعوانه إلى أن أفلس بالمرة ولم يجد درهما واحدا يسدد به ما اقترضه. تم الحجر عليه وصودرت أعراضه وممتلكاته واقتحم المخزن بيته وطارده في القرية. هكذا تبخست قيمة الكرم وانخدشت صورة الرجل وتعفنت سيرته وأصبح رمزا للخزي والمذلة، وعزا أهل القرية حاله إلى المخزن تارة والى سياسة الاقتراض تارة أخرى، أو إليهما معا. منذ ذلك الحين اقترنت لدى أهل القرية سياسة المخزن بسياسة الاقتراض وما يسببانه من إدانة وإهانة وصار يثير حديثهما التوجس والاشمئزاز، والضحك والسخرية... وعند الضرورة وأثناء نزول فترات القحط يتسلل أهل القرية خلسة وعلى مضض، خوفا من الفضيحة ومن سطوة المخزن، إلى مخادع الاقتراض أملا في الحصول على مبلغ من المال قد يحميهم ويشبع رغباتهم التي ما فتئت تتزايد يوما بعد يوم ويمدد لحظات انقراضهم.

Philosophieإنّ التفلسف حقيقة واقعة رغم انكارنا لها، و هروبنا منها، أو مجافاتنا لها، و معارضتها. وهذه العملية الطبيعية القابعة في أعماق البشر، و مازالت تحرك الأفراد و الشعوب، على سبيل الرغبة حينا، أو قصد بلوغ الأهداف أحيانا أخرى.
إنّ التفلسف يأخذ معناه من جمع أجزاء مختلفة تتراس لتعطي قالبا ضخما تصهر فيه من كل ايديولوجيا مبدأ متميزا عن الآخر، و منه للتبسيط فالتفلسف هو عملية سد فراغ التفكير، و رأب صدع العمليات الذهنية، لبلورة نتائج تبدوا صالحة إلى حد ما، فيصدقها القلب، و يقبلها الضمير الإنساني.
و هنا و بناء على ما تقدم نجد السؤال التالي:
ما أهمية التفلسف بالنسبة لنا نحن أبناء آدم؟
تكمن أهمية التفلسف في تعدد الحقائق، و اختلافها باختلاف مستقبليها، و استقبالهم لها، كما تدخل في مجالها أيضا مدى الرغبة و الحاجة اليها، مستعينين بالمناهج و الطرائق المتنوعة.

abst111قصة الخليقة
سجل المعلم على اللوح الأسود بالطبشور الأبيض، بعد مؤشر الزمن والتاريخ، عنوانا عريضا: الفلسفة والعلم أية علاقة؟ 
تردد في احد أركان الفصل صوت مألوف: الفلسفة أم العلوم يا أستاذ! استحسن المعلم الرد بحركة رأسه المعتادة، وتذكر فجأة أن جل الوصايا والتعاليم التربوية التي لقنها وتشربها تستحثه على عدم الركون لهذه المعلومة المستهلكة وان عليه أن يستفز افهام ناشئته ويشحذها ويدفعها للتفكير والمساءلة وينمي قدراتهم ومهاراتهم على التفكير السليم بدل من شحنهم وتسمينهم بالمعلومات والأفكار إلى حد الترهل.
لكي يخترق حجب الصمت ويخلف ثقوبا في فضاء الفصل أطلق عنان حنجرته:  جميل إذن العلوم من صلب الفلسفة أو بلغتنا اليومية هم أبناؤها، فمن يكون الأب؟ هل  يعقل أن تلد الأم (الفلسفة) العلوم بدون أب؟ ولماذا  الاعتراف بالأم وحدها وبالمقابل تم نكران وطمس للأبوة؟  ألا يشكل ذلك استبطان للنزوع الاوديبي كرغبة في قتل الأب واستئصاله؟

anf12312يعتبر الفيلسوف الالماني اكسيل هونيث من  ابرز  الفلاسفة المعاصرين . كما انه يشغل مدير معهد فرانكفورت الشهير برفع لواء النظرية النقدية.
في البداية , حدثنا عن وضعية المعهد؟ وما هو تشخيصكم لحالته؟ وهل النظرية النقدية في وضعية مريحة؟

المعهد يمكنه ان يمر باحسن اللحظات . فما يلاحظ للوهلة الاولى ان النظرية النقدية اتخدت عدة اشكال وليست شكلا واحدا كما كانت عليه في بداية القرن العشرين. فاليوم ما يسمى بنقد المجتمع اتخذ اشكالا مختلفة. هناك مقاربات نقدية جديدة يمثلها ميكاييل واشتر او شارلز طايلور ومقاربات اخرى اكثر راديكالية تمثلها التيارات ما بعد البنيوية خصوصا في فرنسا.
فالمقاربات النقدية هي كثيرة جدا والنظرية النقدية ما تمثل الا النزر اليسير . في  وضعيتنا اليوم حيث تعيش الراسمالية ازمة عميقة علينا ان نكون في المستوىفالشباب لاتهمه النظرية النقدية بقدر ما يهمه مقاربة جديدة لنقد المجتمع الراسمالي. فالنظرية النقدية فقدت تاثرها القوي على مستوى الطلبة وخاصة الشباب البعيد عن الاجواء الجامعية.هذا حاصل بسبب عدم تسييس الشباب وخاصة في المانيا . بالاضافة الى ان النظرية النقدية غاب تاثيرها كذلك على الفضاء العمومي.

اذن انطلاقا من هذا التقليد النقدي واستلهاما لاعمال هابرماس طورتم نظريتكم المسماة نظرية الصراع من اجل الاعتراف . هل هي من المقاربات النقدية الجديدة التي تحدثم عنها؟

نعم فهي من المقاربات النقدية الجديدة .فانا نطلق من فكرة الاهتمام بمبررات النقد العملي واسبابه.حيث وجدتها في الشعور بالظلم والاهانة وعدم الاعتراف. هذه هي نقطة الانطلاق لايجب ان نفكر في الاحتجاج او في النقد العملي باعتبارها اسبابا نفعية او مادية بل بالرجوع الى مصطلح الاعتراف و انعدام الاحترام.
بعد تمكني من ذلك رجعت الى هيغل الذي الهمني في صياغة اطروحتي. فهذه طريقة من الطرق للانخراط في التقليد النقدي مادام هيغل لعب دورا كبيرا فيه. لكن رجعت الى هيغل الشاب حيث وجدت فكرة جيدة لديه مفادها ان المجتمعات تحافظ على استقرارها  عن طريق صراعات مجموعاتها من اجل الاعتراف. فهذه الفكرة هي التي انطلقت منها لاطور اطروحتي حول الاعتراف  فجميع المجتمعات تتمحور حول دوائر الاعتراف التي بموجبها تسمح لافرادها بالدخول في اعتراف متبادل.
هذا لايعني ا ن هذا الاعتراف هو متماثل او متساو. على سبيل المثال في مجتمعات العبودية ليس هناك  اعتراف متماثل لكن الية ادخال الافراد تبقى في  دائرة الاعتراف .
اما في مجتمعاتنا الحديثة فيمكن الحديث عن تلاث دوائر : اولاها دائرة الحب  حديثة لانجدها في المجتمعات القديمة  لانها ممرتبطة  بعدةا كراهات. اما الثانية تتمحور حول السوق حيث تتحرك اليةالاعتراف المتبادل. ساتحدث عن دائرة الاحترام القانوني حيث لايشكل السوقسوى  جزئه الصغير. فهذه الدائرة تتمحور حل القانون الحديث الذي اعطى للافراد حقوقا متساوية ومنح لهم الاستقلالية فهذه الدائرة محط نزاع دائم بين من يملك تلك الحقوق ومن هو محروم منها . اما الدائرة التالثة فهي مختلفة عن الدوائر الاخرى حيث تتمحور حول الاعتراف المتبادل بين الافراد بالنظر الى قدراتهم المحترمة. من هنا فان اغلب النزاعات هي من طبيعة طلب الاعتراف .

/  اشرتم سابقا الى عودتكم الى هيغل والنظرية النقدية  لكن بطريقة كلاسيكية , فانتم تستعملون الفلسفة بالاضافة الى العلوم الاجتماعية متاثرين بعالم الاجتماع هربرت ميد  من اجل تطوير نظريتكم حول الاعتراف . كيف يمكن ان تشر ح لنا هذا؟

نعن انا استفيد من مختلف التوجهات والمقاربات النقدية. فهربرت ميد من ابرز المفكرين الامريكيين وله فكرة جيدة مفادها لايمكن ان ان نطور وعي الذات بدون الاعتراف بالاخر.هذا يعني ان في مراة الاخر يمكن ان نطور وعينا ونحقق هويتنا. فالتقدم الانساني مرتبط اشد الارتباط باشكال الاعتراف المتبادل. فهربرت ميد تحدث عن مختلف الدوائر في مجتمعه الخاص الشيئ الذي جعله يميز بين تقدير الذات واحترامها وهذا مهم بالنسبة لي. فالخلفية لتي تحكم هذه الفكرة هي ان بدون  هذه ا شكال الاعتراف بالذات لن يتمكن احد من الاسهام بطريقة حرة وفعالة في التكوين السياسي للمجتمع. من المهم تحقيق بعض الشروط وتحقيق اشكال الاعتراف المتبادل حتى يتمكن الناس من المساهمة في الفضاء العام بدون اكراه  وبدون خوف. هذه جوهر الاطروحة التي ادافع عنها. وهي قريبة من فكرة ادورنو حيث يعتبر ان الحريةهي ان تحقق وجودك  بدون قلق اما الجمهور.
انطلاقا من هذه الفكرة احاول ان اطور اطروحتي بالاعتماد على النظرية النقدية ومقاربات نقدية اخرى.تاركا النموذج الهاربماسي الذي اقتصر نموذجه على شكل واحد من العلاقة : مستوى احترام الذات الذي يمكنه ان ينتج اشكالا من التواصل. في حين انني اعتبر ان هناك شكال اخرى من الاعتراف حيث يمكن ان يشعر الافراد  بحريتهم  امام الجمهور. فهابرماس اقصى الاشكال الاخرى للاعتراف..

/ اذن هونيث هل المرجعية الماركسية حاضرة بقوة في اعمالكم؟

سؤال مهم دائما يطرح علي. فالامرالذي يجب ان يطرح عن اي ماركس نتحدث؟ عند ماركس الشاب نجد الكثير من الامور التي تذهب في اطار نظرية الاعتراف . فماركس قبل ان يطور نقده للاقتصاد السياسي . فنجد عنده فكرة مهمة مفادها ان الشكل الوحيد الانتاج الصحيح في المجتمعات الانسانسة سيكون نوع من التعاون في اطاره نكون نعترف للاخر بمختلف تمظهراته بمعنى اخر ناخده في الحسيان باعتباره مستهلكا ومتعاونا.في كتاباته الاولة نجد مصطلح الاعتراف حاضر بقوة وكيف ان حدسه حول الاعتراف المتبادل لعب دورا كبيرا في نقده للاقتصاد السياسي . هذا يلعب دورا مهما لكنه غير واضح. فالفكرة المحورية لديه تقول بان اشكال التنظيم الاقتصادي السياسي هي التي تمنع من ظهور اشكال الاعتراف  المتبادل.. فهذا النقد جاء متاخرا. من هنا فماركس حاضر بشكل من الاشكال في اطروحتي.سبب اخر هو حدسه حول ان الراسمالية بدون ضوابط ستكبح جماح ظهور اشكال الاعتراف المتبادل. في هذا السياق هناك علاقة وان لم تكن قوية بالمرجعية الماركسية في كتاباتي.

/ هناك الكثير من الانتقادات الموجهة اليكم منها ان عملكم مرتبط في العمق  بصعود سياسة الهوية وانكم تتناسون مسالة اعادة التوزيع. وهذا هو ما ادخلكم في نقاش وسجال مع الفيلسوفة الامريكية نانسي فرايزر؟

سؤال مهم. سيكون كارثيا اذا تجاهل النقد الاجتماعي  مسالة الموارد المادة وعدم التكافؤ في التوزريع الخيرات المادية.هذا هو الوجه القبيح لمجتمعاتناالحديثة وتتفاقم الامور اكثر. في المانيا مثلا فالهوة تتزايد بين الاغنياء والفقراء كما ان الوضعية التي تعيشها الطبقات الشهعبية متدهورة عما كانت عليه منذ عقدين.فلابد من اخد الامر بجدية في كل نظرية نقدية. فطريقتي في مقارية هذا الامر تختلف عن المقاربات الاخرى التي تتمحور حول اعادة التوزيع. فاحاول ان افهم  ما ذا يعني اعادة التوزيع. يعني بان لنا معايير شرعية تسمح باعادة التوزيع. بمعنى اخر اخد الاموال من الاعنياء ودفعها للفقراء والى الطبقات المتوسطة. فالمشكلة لا تكمن هنا بل في ما هي المبادئ  التي يمكن ان نرجع اليها في اقتراح ادوات ؟ او وسائل؟اعادة التوزيع وهنا ايضا هذا يندرج في بعض مبادئ الاعتراف الموجودة في المجتمعات الحديثة. فالطريقة التي يكن ان ندافع بها عن اعادة التوزيع تمر بمرجعية دائرة الاحترام القانوني قائلين  من اجل الحصول على حقوق لابد من رصد  بعض موارد مالية.
هذه هي الاستراتيجية للدفاع عن الحقوق الاجتماعية  هي اساس مجتمعات الرفاهية التي نعيشها في فرنسا والمانيا وانجلتراوبدرجة اقل بامريكا . لكن نحن في اوروبا لنا حققوا اجتماعية قوية لكن هذه الحقوق لاتشكل الا عنصرا من عناصر دائرة الاعتراف القانوني.فهذا حاصل التوسع الاعتراف القانوني لتضمينه مظهرا ماديا وفي هذالمعنى  جعل الاعتراف القانوني اكثر قانونية . المظهر الاخر للدفاع عن فكرة اعادة التوزيع سيكون بان بعض القدرات او بعض الانجازاتالحاضرة في نمط انتاجنا عير مقدرة من طرف الاديولوجيات الفاعلة في مجتمعاتنا على سبيل المثال هناك بعض الاشغال غير المحترمة بالرغم من اهميتها الانتاجية وهناك مظهر اخر لاعادة التوزيع تتمثل في الاعتراف الكامل بالافراد والمجموعات الاجتماعية.في هذا السياق فاعادة التوزيع ليست الا الواجهة لمبادئ معيارية اخرى متجذرة في مبادئ الاعتراف في هذا المعنى انا ضد من يفرق بين الاعتراف واعادة التوزيع.فهما وجهان لعملة واحدة.

/تحدثنا عن النقد الموجه اليكم بسبب اعادة التوزيع . , لكن هناك نقد اخر موجه اليكم حول عملكم خاصة حول الفكرة التي تعطونها اهمية للاعتراف او الى الاحترام المؤدي الى رغبة الافراد في تمثل دور الضحايا  حيث ما نلاحظه احيانا ان  هناك تنافس حقيقي بين الضحايا .كيف تردون على هذا النقد؟

هذه مسالة معقدة. لايمكنها ان تكون مرتبطة مباشرة  بنظرية الاعتراف. هذا مرتبط قليلا بصراعات الاهداف الشرعية للاعتراف.فالسؤال  هو كالتالي: هل فقط  مجرد انت تكون ضحية فانت هدف شرعي لشكل خاص من الاعتراف؟ اعرف ان هذه التساؤلات هي اهداف لصراعات  لايمكننا ان نتفاداها لكن لايمكن ان نعطيها اهمية كبيرة.فهذه ثقافة جديدة تنتشر ويجب علي كسوسيولوجي ان احاول تفسيرها . فممكن لافراد ان يتقمصوا دور الضحية للحصول على اعتراف او احترام اجتماعي هذا ما يبدو لي اكثر في مجتمع عجز عن تقديم اشكال مختلفة للاعتراف . فهذه اعراض مرض المجتمعات الحديثة. فان يحاول الناس الظهور في الاعلام كضحايا فهذا على سبيل المثال دليل على مرض المجتمع الذي همش الكثير من الافراد والمجموعات الاجتماعية .لقد فقدنا الكثير من اشكال الاعتراف بالافرد. فمحاولة تمثيل دور الضحية هو شكل من اشكال التوازن والتعويض : بقدر ما تكون ضحية نعترف بك. فهذه اشارة على تغير مجتمعاتنا وثقافتنا

/ اظن ان انشغالكم الحالي يتركز حول التحولات التي اصابت الراسمالية؟لقد عرضتم هذا المشروع  على معهد فرانكفورت التي تديرونه . بماذا يتعلق اساسا؟

نعم هذا هو المشروع الجديد الذي اقترحته  على معهد فرانكفورت. بايجاز نحن في مرحلة جديدة من الراسمالية . فالمنعطف النيو لليبرالي الذي حول  الراسمالية نفسها  مثلا فكرة الحرية وتقدير الذات . لكن هذه الافكار تتطور بطريقة ما لتفرغها من محتواها. فعوض تحرير الناس بالسماح لهم لتحقيق ذواتهم  تم خلق مبرارات جديدة لكبح جماح الذات  باشكال جديدة من مرونة العمل.
هناك تناقض كبير تعيشه الراسمالية في طورها الجديد. كل التعاريف المعيارية للحرية واحترام تحقيق الدات تم طرحها بطريقة شبه اديولوديجة من طرف النظام الراسمالي نفسه لكنها اليات  تساعد على الرفع من القوات الانتاجية ليتم رفعها كشعارات للطور الجديد من الراسمالية..  نقترب اكثر من تحليلات لوك بولانتسكي  الذي لايشتغل بمفهوم الاديولوجية لكن نتقاسم  نفس الفكرة حيث ان المفاهيم المعيارية تنتج في الواقع نقيضاتها او تفرغها من محتواها.

 

//www.fabriquedesens.net/Theorie-de-la-reconnaissance