الواقع واللغة - التعبير القاصر
اللغة في تعبيرها الفكري عن الاشياء والموضوعات دائما ما تكون قاصرة عن الاحاطة والتطابق التكاملي مع ما يدركه الوعي والفكر من تلك الموضوعات في وجودها الحقيقي الواقعي، والفكر والموجودات يبقيان مختلفان من حيث علاقة التفاوت في ترابط الفكر- اللغة بالموجود في حقيقته...ويبقى الفكر الأدراكي عاجزا عن استيعاب الوجود تماما الذي يبقى على الدوام محتفظا بما يراه مدّخرا فيه كفائض معنى غير مكتشف ولا مدرك في العديد من الجوانب المحجوبة عن الادراك الحقيقي للموجودات والظواهر.. الوعي الادراكي الحسي للموجودات وتناول العقل لإحساسات تلك الموجودات الواصلة اليه ليس شرطان كافيان للتسليم بحقيقة الاحاطة والالمام الكامل بتلك الموجودات..فالواقع الحقيقي للأشياء يختلف عن الوعي الادراكي لها والتعبير عنها بمنطق ولغة العقل..
القديس أنسلم 1033 – 1109 كان وصف هذا التفاوت في القرن الحادي عشر بين تعبير اللغة القاصر عن الاحاطة بالأشياء المدركة قائلا ( أن وجود شيء ما في الذهن فقط هو أدنى من وجوده في الواقع) وهو تعبير دقيق في تشخيصه الحالة التي تكلمنا عنها، فالعقل لا يستطيع أدراك الوجود على حقيقته في تطابق الشيء مع دلالة الفكر - اللغة في التعبير عنه تماما.. فالعالم المدرك بمكوناته وظواهره التي لا تحصى ولا تحد لا يقف الوعي بها وأدراكه لها عند حدود تفكير العقل وتعبير اللغة عن بعضها. فالعالم بلا محدوديته كفضاء يستوعب الطبيعة والانسان أكثر مما يستطيع الانسان والعقل واللغة أستيعابه والأحاطة به..
فالعالم بما يحتويه من موجودات لا حصر لها هو فضاء لا متناه لا تحّده عقولنا المحدودة الادراك ولا اللغة المعبّرة عنه في كل أشكال تمّثلاته الذهنية.. ويعتبرلودفيج فينجشتين أن حدود اللغة عند الفرد التي يعبّر بها عن العالم هي ذاتها حدود أدراكه وفهمه عالمه بما يستطيع الإحاطة به من خلال تعبير الفكر - اللغة عنه....لذا فهو لا يستطيع فهم وادراك العالم ليس على حقيقته وحسب وأنما حتى على صعيد عدم معرفة مكوناته وظواهره اللامحدودة.