الواقع واللغة - التعبير القاصر

اللغة في تعبيرها الفكري عن الاشياء والموضوعات دائما ما تكون قاصرة عن الاحاطة والتطابق التكاملي مع ما يدركه الوعي والفكر من تلك الموضوعات في وجودها الحقيقي الواقعي، والفكر والموجودات يبقيان مختلفان من حيث علاقة التفاوت في ترابط الفكر- اللغة بالموجود في حقيقته...ويبقى الفكر الأدراكي عاجزا عن استيعاب الوجود تماما الذي يبقى على الدوام محتفظا بما يراه مدّخرا فيه كفائض معنى غير مكتشف ولا مدرك في العديد من الجوانب المحجوبة عن الادراك الحقيقي للموجودات والظواهر.. الوعي الادراكي الحسي للموجودات وتناول العقل لإحساسات تلك الموجودات الواصلة اليه ليس شرطان كافيان للتسليم بحقيقة الاحاطة والالمام الكامل بتلك الموجودات..فالواقع الحقيقي للأشياء يختلف عن الوعي الادراكي لها والتعبير عنها بمنطق ولغة العقل..

القديس أنسلم 1033 – 1109 كان وصف هذا التفاوت في القرن الحادي عشر بين تعبير اللغة القاصر عن الاحاطة بالأشياء المدركة قائلا ( أن وجود شيء ما في الذهن فقط هو أدنى من وجوده في الواقع) وهو تعبير دقيق في تشخيصه الحالة التي تكلمنا عنها، فالعقل لا يستطيع أدراك الوجود على حقيقته في تطابق الشيء مع دلالة الفكر - اللغة في التعبير عنه تماما.. فالعالم المدرك بمكوناته وظواهره التي لا تحصى ولا تحد لا يقف الوعي بها وأدراكه لها عند حدود تفكير العقل وتعبير اللغة عن بعضها. فالعالم بلا محدوديته كفضاء يستوعب الطبيعة والانسان أكثر مما يستطيع الانسان والعقل واللغة أستيعابه والأحاطة به..

فالعالم بما يحتويه من موجودات لا حصر لها هو فضاء لا متناه لا تحّده عقولنا المحدودة الادراك ولا اللغة المعبّرة عنه في كل أشكال تمّثلاته الذهنية.. ويعتبرلودفيج فينجشتين أن حدود اللغة عند الفرد التي يعبّر بها عن العالم هي ذاتها حدود أدراكه وفهمه عالمه بما يستطيع الإحاطة به من خلال تعبير الفكر - اللغة عنه....لذا فهو لا يستطيع فهم وادراك العالم ليس على حقيقته وحسب وأنما حتى على صعيد عدم معرفة مكوناته وظواهره اللامحدودة.

الإدراك والوعي
في البدء الإدراك هو ليس الوعي بالشيء. ان تدرك الشيء بالحواس هو احساسك الانطباعي لموجوديته كموضوع مستقل له خواص خارجية وتسمى هذه العملية بالانطباعات الاولية.

اما وعي الشيء او الموضوع فهو معرفة حقيقته عقليا وليس حسيّا فقط. دأب فلاسفة عديدون الى تقسيم الموجود المدرك كموضوع الى مظهر هو الصفات الخارجية له والى محتوى دفين يدعى الجوهر او الماهيّة لا تدركه الحواس. وهي تشبيه مرادف لقولنا شكل الشيء ومضمونه.

وخلاصة القول ان مقولة لماذا لا يكون مضمون الشيء منفصلا عن قابلية ادراكه التي يمتلكها الموجود المادي الشيئي كينونة موحدة شكلا ومحتوى مستقلة؟ هذه مقولة خاطئة وفرضية تعسفية تحاول وضع العربة امام الحصان لاسباب اوجزها بكلمات:

اولا قابلية الإدراك هي كيفية وسيرورة تجمع بين المادة وادراكها كما هي وسيلة معرفية لا تمتلكها المدركات لاتموضعا ماديا فيها ولا تجريدا تعبيريا يصدر عنها. بل يمتلكها الحس والوعي العقلي لها فقط. ويرتبط الإدراك والوعي برابطة تكاملية كونهما حلقتين في منظومة العقل الإدراك ية .

ثانيا مضمون الشيء لا يكون موضوعا لادراك قائم لوحده منفصلا عن موجوديته المادية الموحدة شكلا ومحتوى. المضمون يحتاج دائما لشكل يحتويه وبغير هذه الملازمة لا يمكننا تصور مضمون بلا شكل يحتويه. كما ولا يمكننا تصور شكلا خاليا من مضمون او محتوى دلالي عليه له معنى كما في مثال الرسوم الهندسية المجردة فالخطوط التي يتشكل منها الشكل الهندسي تحدد مضمونه الهندسي الاستيعابي الذي ندركه للوهلة الاولى فارغا ما عدا محدداته المستقيمة في الخطوط. في أن يكون دلالة على مثلث او مستطيل او دائرة او مربّع وهكذا. أي أن أبعاد اشكال الخطوط الهندسية المرسومة غير المنفذّة واقعيا المجردة أعطت للحيّز المكاني الذي احتوته مضمونا تصوّريا فقط متفردا هندسيا غير موجود بالواقع بل هو مرسوم على ورق او سلايد او لوحة وسيلة ايضاح وهكذا...

ثالثا الإدراك لا يجزيء موضوع ادراكه الى شكل هو الصفات الخارجية والى مضمون او محتوى هو جوهره وماهيته. فالإدراك هو وعي كينونة الشيء الموحد في كليته الموجودية البائنة للادراك الخارجي. اما الوعي المعرفي للشيء المدرك انطباعيا حسيّا فهو يستطيع ادراك ماوراء الصفات الخارجية اذا ما اتيحت له وجودا كموضوع مستقل.

يستعير فلاسفة المنطق عبارة هيجل " الحقيقة هي الكل" بمعنى فهم الحقيقة لا يكون صائبا الا اذا كان ضمن نسق تام من الترابط الحقائقي الذي لا يتقبل التجزئة على حساب تفكيك الهيكل النسقي الكلي الذي يضيع في فك ترابط أجزائه وفصلها عن بعضها البعض.

ويفرق فيلسوف المنطق "بوزانكت" أن الحقيقة لا يفهم معناها ولا تكون صائبة الا ضمن نسق منتظم يحتويها. والحقيقة لا يمكن الاستدلال عليها إلا اذا كانت ضمن نسق كلي ترابطي داخليا يجمعها بغيرها في بنية كلية واحدة.

والحقيقة المنطقية هي ليست الحقيقة في المفهوم الفلسفي الذي يقوم على نسبيتها وحمولة الخطأ والصواب معا بداخلها، وحتمية إندثارها حينما تكون (درجة) في سلم مفهوم البحث الدائب عن مطلق الحقيقة الوهمي الزائف الذي لا يمكن بلوغ أزليته. ترافقها حتمية تطورها النسبي على الدوام عندما تكون حقيقة (نوعية) لا تندثر ولا تموت بل تستحدث نفسها بإستمرار.

منطق الحقيقة النسقي هو غيره مفهوم معنى الحقيقة الفلسفية، فالمنطق لا يعتبر إكتساب الحقيقة المجردة مصداقيتها كما هي في المفهوم الدارج في تطابق الفكر مع الواقع في معرفة حقيقة المادة، بمعنى آخر تطابق تعبير اللغة مع الموجود الشيئي تطابقا تاما يعطيه حقيقته المادية الصادقة.

وتأكيد هذا المنحى لدى فيلسوف منطقي مثل " بوزانكت" الذي لا ينكر وجود الوقائع الانطولوجية الشيئية منفردة مستقلة في العالم الخارجي تعبر عن نفسها في إدراكها الحسي لكنه لا يعتبرها حقائق معرفية. الحقيقة في الشيء المنفرد المادة التي تدرك حسّيا في تطابق وجودها الخارجي مع معنى الفكر المعبّر عنها، والتي لا يحتويها نسق ترابطي من الحقائق داخليا وتكون حقيقة منفردة لوحدها. الحقيقة التي لا تشكل إنتظاما نسقيا متداخلا بغيرها لا معنى لها. لذا تكون الحقيقة التي تدركها الحواس زائفة كونها تعبر عن موجود خارجي منفصل عنها.

مقدمة
في الميتافيزيقا، مشكلة الكليات هي مسألة ما إذا كانت الخصائص موجودة، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي؟ الخصائص هي الصفات أو العلاقات التي يشترك فيها كيانان أو أكثر. ويشار إلى هذه الأنواع المختلفة من الخصائص، مثل الصفات والعلاقات، باسم "الكليات". وبينما يتفق الفلاسفة على أن البشر يتحدثون ويفكرون في الخصائص، فإنهم يختلفون حول ما إذا كانت هذه المسلمات موجودة في الواقع أم ببساطة في الفكر والكلام. باعتبارها أحد أعمدة الفكر التنويري، يتم انتقاد فكرة الكونية في الوقت الحاضر باعتبارها تؤدي إلى ظهور النزعة العرقية الأوروبية. تذكير بتنوع العالم الذي لم يجهله فلاسفة عصر التنوير.لكن، أين يجب أن نضع المقياس الصحيح بين الكونية والنسبية؟ وكيف تشهد فكرة الكونية تصدعا؟

ارتياب حول فكرة الكونية

تعتبر الكونية اليوم الجانب الأكثر إثارة للجدل في تراث عصر التنوير. بالنسبة للبعض، فهو يمثل نموذجًا للتحرر من خلال العقل، ووعدًا بالمساواة بين جميع البشر. وبالنسبة للآخرين، على العكس من ذلك، فهو يجسد الإمبريالية الثقافية للغرب ورفض الاختلافات. فهل العالمية هي اللغة الحديثة للكوزموبوليتانية والحرية الفردية أم أنها أيديولوجية الاستيعابية والاستعمارية الجديدة؟

وللابتعاد عن الرسوم الكاريكاتورية، علينا العودة إلى القرن الثامن عشر. التنوير لا يحتكر العالمي. في الاستجابة لأزمة العالمية المسيحية الموروثة من العصور الوسطى، سعى فلاسفة عصر التنوير إلى تطوير أخلاق عالمية، لكنهم لم يطوروا عالمية أحادية، بل على العكس تمامًا. أقترح تحديد ثلاث لغات عالمية متنافسة، ومتناقضة أحيانًا، تتوافق مع ثلاث عمليات، نظرية وبلاغية، لعولمة الخطاب الفلسفي. الأول قانوني وعالمي، ويفترض المساواة المجردة بين الأفراد. والثاني تاريخي: فهو يعكس ظروف تطور "الحضارة". والثالث، أخيرا، أمر بالغ الأهمية. فهو يتجذر في حالات الهيمنة ويدافع عن الحرية. ولا تتكشف لغاتها الثلاث في سماء الأفكار الصافية، بل تسعى إلى تفسير التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدتها المجتمعات الأوروبية خلال القرن الثامن عشر. مع الثورة الفرنسية، أعيد نشر هذه اللغات على مستوى سياسي أكثر صراحة: مستوى المواطنة. ومن ثم تنفتح خطوط عديدة للصراع، لا يمكن فصلها عن الجانب النظري والسياسي. هل يتعين علينا أن نعزز جمهورية عالمية للبشرية، باسم عالمية حقوق الإنسان، أم نسعى قبل كل شيء إلى جعل حقوق المواطن فعالة ضمن إطار وطني؟ وكيف يمكننا حل تناقض الثورة العالمية التي تستبعد الكثير من الأفراد من المواطنة النشطة، وحتى من الحرية؟ إن إرث عصر التنوير، إذا فُهم بشكل صحيح، يقدم إمكانية العودة التفكرية إلى الأصول المتضاربة للعالمية الحديثة. لقد أصبحت فكرة الكونية موضع شك بالفعل؛ لقد تعلمنا نحن المعاصرين أن نكون حذرين منها. وإذا كانت قد انتصرت ذات يوم، فإن التاريخ يبين لنا أنها كانت بمثابة قناع للاستعمار والتعصب العرقي لقمع الناس "على هامش التقدم" باسم "الحضارة". واليوم، وهي أكثر تواضعًا أو أكثر تحفظًا، يبدو أنها لا تزال تغذي هذه العولمة التي يدينها أولئك الذين لا يستطيعون الاستسلام لتجانس العالم وتوحيده. وفي مواجهة ذلك، نحن على استعداد للدفاع عن الهويات والاختلافات بكل قوة. إلى أن نواجه سببًا آخر - بنفس القدر من القوة - لعدم الثقة: الخصوصية؛ خاصة عندما يبدو أنه يعزز الأنانية الضيقة أو الانسحاب المجتمعي أو القومية العدوانية. بين الشرين أيهما تختار؟ الإمبريالية أم الطائفية؟ العالمية أم التفاضلية؟ إن الحرج كبير، وترددنا، وحتى ضميرنا المذنب، محسوس بشكل خاص فيما يتعلق بحقوق الإنسان. القيم الأساسية التي لا جدال فيها بالنسبة للبعض، وأدوات الإمبريالية الغربية الساخرة بالنسبة للآخرين، لا يبدو أنها تجد مكانها بين عالمية وعدها وخصوصية أصلها. ونحن نعتقد عادة ــ وهذا تقليد راسخ ــ أن هذا التناقض يشهد على حقيقة مفادها أننا تجاوزنا عصر التنوير. هؤلاء، الذين كانوا واثقين بسذاجة من العقل والتقدم وسعادة الإنسانية، كانوا يحلمون بعالمية متجسدة تلامس الحقيقة والخير والجمال. لكن، في بعض الأحيان، مع حسن النوايا، كان من المربك للرجل بشكل عام والذكر الغربي الأبيض، أن يروا الحلم العالمي يتحول إلى كابوس إمبريالي. ما هي الإمبريالية في الواقع، إن لم تكن تلك الخاصة التي، في هذيان جنون العظمة، تعتبر نفسها ظاهرة كونية وتؤكد نفسها على هذا النحو؟ باختصار، إن عدم الثقة المعاصرة لدينا سيكون علامة على فشل تجربة التنوير في أوروبا والعالم الحر. لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة: إن التقييم النقدي لفكرة الكونية، بعيدًا عن كونه نفيًا لعصر التنوير، هو بلا شك أحد أثمن تراثه. وربما يستمر هذا الفكر في توجيه فزعنا المعاصر. دعونا نرى كيف.

مقدمة
لقد أصبح العلم جانبًا أساسيًا من جوانب المجتمع الحديث، مما يسمح لنا باكتساب معرفة أكبر بالعالم من حولنا وتطوير تقنيات جديدة لحل المشكلات المعقدة. ومع ذلك، فإن ممارسة العلوم ليست بهذه البساطة كما يبدو. يعتمد العلم على فرضيات وأفكار وإجراءات محددة تتأثر بإطار فلسفي أوسع يعرف بالفلسفة العلمية. تهتم فلسفة العلم بأسس العلم وأساليبه ونتائجه. انها نظام فلسفي يدرس موضوعات مثل ماهية العلم، وكيف يعمل، وما الذي يميز المعرفة العلمية عن أنواع المعرفة الأخرى، وما هي حدود البحث العلمي؟. فلسفة العلم هي أحد الفروع التقليدية للفلسفة. يمكننا تعريف فلسفة العلم، أو نظرية المعرفة، بأنها هذا النظام الذي يسعى للإجابة على السؤال: ماذا يمكنني أن أعرف؟ وكيف؟ فمن يسعى إلى تحديد حدود المعرفة؟. إنها مسألة استخلاص قوانين من دراسة تاريخ العلم، أو العقل البشري، تسمح لنا بالإجابة على هذا السؤال. ان فلسفة العلم هي دراسة فرضيات وأسس ونتائج البحث العلمي. وتدرس فروع العلوم المختلفة وبنيتها الأساسية. الأسئلة المركزية هي "ما هو العلم؟" و"ما الذي ليس علمًا؟" وكذلك "ما الذي يميز العلم؟" و"كيف نحقق التقدم العلمي؟". فماهي التحولات التاريخية والمعرفية التي حدث في فلسفة العلوم؟

تاريخ فلسفة العلوم

تاريخ فلسفة العلوم له جذوره في الفلسفة وظهر كنظام مستقل خلال القرن التاسع عشر. يعتبر أوغست كونت وجون ستيوارت ميل من الأفراد المهمينين في ظهور هذا التخصص، على الرغم من أن فلاسفة مثل كوبرنيك وبيكون وجاليلي وكبلر طوروا أفكارًا مهمة وحاسمة في موضوعات ذات صلة.

الحقيقة والواقع

يمكن اعتبار فلسفة العلم وسيلة لوصف ممارسة البحث وطريقة لتحديد كيفية تنفيذها. كيف يرتبط العالم الحقيقي والبيانات التجريبية والنماذج والنظريات ببعضها البعض، وما الذي يمكن فعله لتحسين علاقتها؟

ان العلاقة بين الحقيقة والنظرية هي جوهر العلم، فهي تحدد ما إذا كانت النظرية مقبولة كواقع. إن الجدل بين الواقعية واللاواقعية هو جدل فلسفي علمي، فهو يستكشف أسس الحقائق العلمية المقبولة بشكل عام.  الاختزال العلمي فكرة مثيرة للجدل في فلسفة العلم. في هذا النموذج، يختزل العلم التفاعلات والكيانات المعقدة إلى مجموع الأجزاء المكونة لها. فما هي فلسفة العلم؟

مقدمة
اذا اردنا تعريف للاختصاص الفلسفي بطرح الأسئلة الجدية المحيرة وترك الأجوبة العادية الفارغة فإننا نذكر الحادثة التالية: " أحد المارة يسير في الشارع ويسأل أحدهم عن الوقت. فيجيب الآخر، الفيلسوف: “ولكن ما هو الزمن؟ ". ولتحديد طبيعة كل شيء نحتاج الى معرفة خصائص الفلسفة والبحث عماهي؟

أولا: طبيعة الفلسفة

1° لكل إنسان فلسفة عفوية.

الفلسفة هي نظام جديد بالنسبة لك. ربما لاحظت أنه يثير فيك أو في من حولك الفضول والخوف معًا، ولكنه أيضًا يثير سخرية متنوعة (راجع الشخصية الكاريكاتورية لبانغلوس في "كانديد" لفولتير الذي يدعي أنه يعلم "علم الميتافيزيقيا واللاهوت وعلم الكونيات"). الفضول لأن الكثير من الناس يشعرون أنه يتطرق إلى أسئلة أساسية دون معرفة أي منها بالضبط. السخرية، لأن الفيلسوف معروف بكونه شخصًا، يغذي نفسه بالتجريد، وغالبًا ما يكون غير مناسب للحياة العادية، ويطرح أسئلة بعيدة كل البعد عن هموم الحياة اليومية ويقترح إجابات معقدة وغير مفهومة للبشر العاديين. لتوضيح أي سوء فهم، لنبدأ بملاحظة بسيطة: أنت وكل شخص تعرفه لديك آراء في مجموعة واسعة من المجالات. يشير كل واحد منا إلى القيم الأخلاقية، على سبيل المثال عندما نعجب بهذا السلوك أو ذاك أو نشعر بالفزع منه، أو عندما نتحدث علنًا عن قضايا حساسة مثل عقوبة الإعدام، والقتل الرحيم، وحماية البيئة، والأخلاق، وما إلى ذلك. كل هذه الآراء تسترشد بفكرة معينة عن الخير والشر، بقناعات حميمة، ورثناها بالتأكيد من تعليمنا، من بيئتنا، لكننا صنعناها بأنفسنا. إن مجموعة هذه الآراء، التي نعتبرها مبررة بصدق، والتي توجه حياتنا وتنظمها، تشكل فلسفة. على هذا النحو، كل إنسان هو فيلسوف ويمارس الفلسفة كما نثر السيد جوردان، أي دون أن يعرف ذلك، بل والأكثر من ذلك: الجميع يسألون أنفسهم أسئلة فلسفية، سواء حول الموت أو السعادة أو الوقت أو حتى أصل الأشياء.

2° الفلسفة العفوية والفلسفة النقدية

كل هذه الآراء تشكل فلسفة عفوية. هذا لا يعني أن الأشخاص المعنيين لا يفكرون، لكن آرائهم تعتمد في معظم الأحيان على التقاليد والتعليم الذي تلقوه والخبرة الحياتية والتأثيرات التي مروا بها وليس على تفكير منهجي وشخصي من شأنه أن يربط بين هذه الآراء المختلفة ويربطها. وربطها بمبادئ مشتركة ومدروسة بعناية والتي اعتدنا أن نسميها بأسماء الأسس. ليست هذه الآراء مجزأة ومستقلة عن بعضها البعض فحسب، بل إنها لا تجد مبررها وتماسكها ووحدتها بالنسبة إلى المبادئ الأولى التي ندركها، والتي تنتج عن تفكيرنا الشخصي والتي نلتزم بها بشكل عام. مدروس ومعقول. ومن ناحية أخرى، إذا اتخذنا هذه الخطوة لإعادة اكتشاف الجذور المشتركة لجميع آرائنا من خلال طرح السؤال النقدي على أنفسنا: "من أين يأتي ما أفكر فيه وما أؤمن به؟ "، ثم انتقلنا إلى فلسفة صريحة واعية بذاتها (ولم تعد عفوية)، باختصار إلى موقف فكري ونقدي نحتفظ له عادة باسم الفلسفة. لقد صاغ الفيلسوف الإيطالي غرامشي هذا السؤال بشكل مشهور: هل من الأفضل أن "نفكر" دون أن يكون لدينا وعي نقدي به، بطريقة مفصلة وعرضية، أي "المشاركة" في تصور للعالم "المفروض" ميكانيكيا من قبل العالم الخارجي، في بعبارة أخرى من قبل إحدى المجموعات الاجتماعية العديدة التي يرى كل فرد نفسه منخرطًا فيها تلقائيًا منذ دخوله إلى العالم الواعي ... أم أنه من الأفضل تطوير تصوره الخاص عن العالم بطريقة واعية ونقدية وبالتالي فيما يتعلق بـ هذا العمل الذي يدين به المرء لعقله... للمشاركة بنشاط في إنتاج تاريخ العالم، ليكون مرشدًا لنفسه بدلاً من القبول السلبي والجبان بوضع الختم خارج شخصيتنا؟ ".  مقتطف من غرامشي من “الكتاب 11” في دفاتر السجون، المجلد الثالث

تمهيد:
" يجب اعتبار الإنسان كائنًا حرًا، وجديرًا بالاحترام." عمانويل كانط

إذا كان بوسعنا أن نتحدث عن البشر والأشياء، فذلك لأن لديهم واقعًا ملموسًا لا جدال فيه، على الرغم من أنه من المحتمل جدًا ألا يكونوا موجودين. ولكننا لا نفهم أن نساوي الإنسان بالشيء، أو أن ننسب إليه نفس القيمة. فحتى أقسى المجرمين لا يمكن تجريدهم من مكانتهم كإنسان. لذلك هناك فرق جوهري بين الأشياء والبشر. لكن على أي أساس هذا الاختلاف؟ لماذا يبدو من المشروع إعطاء قيمة أكبر للأشخاص من الأشياء؟ هل يوجد البشر بنفس طريقة وجود الأشياء؟

 إن مجرد حقيقة الوجود، وحقيقة الموجود، لا يعطي الأشياء في الواقع بُعدًا استثنائيًا.

1. ما هو الشيء المشترك بين الأشياء والأشخاص؟

اولا. هذه هي الحقائق القائمة

كلمة "شيء" لها معنى واسع جدًا، وفي اللغة اليومية، تُستخدم للإشارة إلى جميع أنواع الكائنات. ولكن مهما كانت طبيعة هذه الأشياء، فإن كلاً منها يتوافق مع واقع ملموس ومحدد. كلمة "شيء" تأتي من الدقة اللاتينية التي أدت إلى ظهور كلمة "واقع" باللغة الفرنسية. ومن ثم فإن الشيء ينتمي إلى الوجود: الشيء هو، في مقابل العدم الذي، بحكم التعريف، ليس موجودا. ولذلك فإننا نفهم هنا من مصطلح "الوجود" الحقيقة البسيطة المتمثلة في معارضة كل ما هو غير موجود. وبهذا المعنى الواسع للغاية، يمكننا أن نؤكد أن الأشياء والناس موجودون: إنهم موجودون، لأننا نستطيع أن ندرك حقيقتهم عن طريق حواسنا.

ب. وجود محدود ومؤقت

لا شيء في العالم يمكن الحكم عليه بأنه أبدي – إن لم يكن الله، فلا يزال يتعين علينا أن نؤمن بوجوده. كل شيء قابل للتغيير والمرور. ومع ذلك، يمكن لأشياء معينة أن يكون لها وجود طويل جدًا (الجبال موجودة منذ ملايين السنين) وهو ما يتجاوز بكثير عمر الإنسان. لكن الطبيعة تخضع لإيقاع الصيرورة والتغيير الدائم. وهكذا، يرى أفلاطون أن كل شيء في الطبيعة له نمط وجود متقلب وعابر. بالنسبة له، الأفكار وحدها هي التي لها كائن دائم يفلت من الحركة. والإنسان ليس استثناءً: فهو بطبيعته كائن سريع الزوال وعابر. تميزه المحدودية: وجوده محدود، محدود بالولادة والموت. فالإنسان، على الأرض، لا يمر إلا عبر الأشياء تمامًا. حتى لو أراد ذلك، فلن يتمكن أبدًا من الهروب من هشاشة الوجود والوصول إلى الأبدية. ولكن إذا كان الإنسان محدداً بالواقع والمحدود، فلا يمكن أن نقول إنه اختزل إلى هاتين الصفتين.

مقدمة

ماكس فيبر (1864-1920) هو المؤسس الرئيسي لعلم الاجتماع الألماني، وهو مؤلف عمل كبير لا يزال يدرس في جميع أنحاء العالم اليوم (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، الاقتصاد والمجتمع، "العالم والسياسي"...). هذا الكتاب الأخير:"العالم والسياسي" عبارة عن مجموعة من محاضرتين ألقاهما عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، ألقيا على التوالي في عامي 1917 و1919. تتعلق الأولى بـ "مهنة الباحث ودعوته". والثاني، حول "مهنة السياسي ورسالته": يستخدم فيبر مصطلح بيروف، والذي يعني المهنة والحرفة معًا. تحدد "مهنة السياسي ودعوته" ماهية السياسي الجيد في ظروف السياسة الحديثة. يتم تعريفها على أنها النضال من أجل الحصول على سلطة الدولة أو الإطاحة بها أو تحويلها: وفي هذا السياق يقدم فيبر تعريفا للدولة التي أصبحت مشهورة الدولة هي سلطة احتكار العنف المشروع وتعيد توزيعه في شكل قوانين. وفي نهاية المداخلة، يركز على العلاقات المختلفة التي يمكن أن يقيمها السياسيون مع الأخلاق. وعلى هذا فإن الساسة والناشطين يواجهون معضلات أخلاقية، وهناك العديد من الإجابات المحتملة لها: هل ينبغي للسياسي الجيد أن يتبع قناعاته دون أن ينحني على الإطلاق؟ ماذا يفعل عندما تبدو العواقب أسوأ مما لو تنازل عن مبادئه؟ ألقى فيبر هذا المؤتمر في عام 1919، في سياق دولي بالغ الصعوبة: في فترة أزمة كهذه، ما هي الصفات التي يجب أن يتمتع بها السياسي لكي يرقى إلى مستوى الحدث؟

الصفات الحاسمة للسياسي الجيد

بالنسبة لماكس فيبر، يتميز السياسي الجيد بثلاث صفات "أساسية وحاسمة": وهي "العاطفة، والشعور بالمسؤولية، والبصيرة".

العاطفة والمسؤولية

من خلال العاطفة، يجب أن نفهم "الارتباط لسبب ما"، والذي يميزه فيبر عن "الإثارة العقيمة" البسيطة. إن الارتباط الحقيقي بقضية ما لا يعني أن تكون شغوفًا بها للحظة واحدة: بل بالأحرى أن تخدمها، وتشعر بمسؤوليتك تجاهها. لأن الشغف وحده، مهما كان أصيلاً، لا يكفي. إنها لا تجعل من الفرد سياسيا عندما لا تجعل من خدمة "القضية"، وبالتالي المسؤولية أيضا فيما يتعلق بهذه القضية على وجه التحديد، النجم الذي يوجه العمل بطريقة حاسمة. وبالتالي فإن العاطفة الحقيقية لا تنفصل عن الشعور بالمسؤولية. إنه ارتباط دائم بقضية ما، وهو ما لا يتضمن بالضرورة أفعالًا مذهلة، ولكنه يتضمن تحمل الفرد مسؤولياته فيما يتعلق به.

مدرسة الجشتالت Gestalt  مدرسة في علم النفس تعنى بوحدة الشعوراو الوعي واستقلاليته الذاتية كموضوع. ونادت بأن الوعي ليس مكوّنا من عناصر مستقلة على غرار أن جميع مدركاتنا تتكون كموجودات من عناصر عديدة رغم أنها تتعايش جميعها ضمن وحدة كليّة كينونية مستقلة تسمى الموجود او الشيء المستقل. واعتبرت الكل ليس فقط مجموع اجزائه ولا يفهم الكل في انحلال عناصره.

والجشتالت كلمة المانية تعني الشكل او الهيئة او النمط المنظّم الذي يتعالى على مجموع الاجزاء. وظهرت حركة الجشتالت عام 1912 في نفس الوقت الذي ظهرت فيه نظرية السلوكية التي قادها ماكس فرتماير. وهي تعتبر السلوك تعلما ناتجا عن مثيرات خارجية. اما رواد الجشتالت فيعتقدون أن التعلم فهم وادراك وتمييز.. ونظرية الجشتالت جاءت ايضا كرد فعل على البنيوية التي تحاول تجزئة الادراك الى مكونات . (نقلا عن ويكيبيديا الموسوعة ).

الوعي الادراكي في الفلسفة

هنا نجد أن الوعي بمعنى الشعورالنفسي فهم مستقل ذاتيا يدرك بالممارسة الادراكية الانفرادية. صواب هذا التوصيف حين نعتبر الوعي وهو كذلك خاصية انفرادية تحكم انفراديتها الممارسة الادراكية الواحدية للشيء في كليته. حيث من المتعذر أن يمارس الوعي دوره المعرفي والادراكي بنفس طريقة واسلوب تفكير جميع أو عامة الناس. هذا يعني أن وعي الفرد الواحد لا ينوب عن وعي المجموع تجاه معرفة الشيء او الموجود الواحد.  المقصود الوعي الجمعي يتوزع على عدد مدركي الشيء الواحد بتنوع كيفي بما لا حصر له كما في خاصية عمل عقول الناس كجوهر نوعي غير مبرمج جمعيا بالادراك والتفكير...فليس كل العقول تدرك الموجودات في تنميط واحد مشترك نوعيا.

الحقيقة أن خاصية الوعي من حيث امتلاك الفرد لها هي ثنائية تتالف من خاصية فردية مجمع عليها. حال الوعي يشابه تماما كما في مقولة ديكارت العقل أعدل قسمة ومساواة بين جميع الناس في امتلاكهم له. لكن كما ينطبق على ان العقل جوهر (نوعي) منفرد و ليس نموذجا متقولبا واحديا في التفكير المنمذج الذي ينوب عن العقول الاخرى. فلكل عقل تفكيره الخاص به لكنه عقل يحمل المجانسة النوعية الواحدية البيولوجية والتفكيرية المجردة مع باقي العقول الانسانية عموما.

في مفهوم مدرسة الجشتالت النفسانية ان الوعي او الشعور كليّ لا يقبل التجزئة الى عناصر كما هو حال العناصر الموجودة في تكوينات الاشياء بعالمنا الخارجي والموجودات بالطبيعة. وان مرجعية الشعور هو علم النفس وليس مرجعيته فاعلية بيولوجيا الادراك العقلي.

صحيح جدا ان نقول الوعي جوهرا ادراكيا موحدا شعوريا مصدره العقل. وصحيح ان الوعي او الشعور كليّ التكوين وكليّ الادراك معا بغض النظر عن ان تلك المدركات والموجودات والمواضيع تتكون من عناصر تشكل كينونة موجودية كليّة انطولوجية يدركها الوعي الانفرادي النوعي بواحدية تكاملها الوجودي في مدركات العالم الخارجي ولا يدركها بعناصرها التكوينية في الاشياء والموجودات.

تمهيد : سبق لي ونشرت مقالة بعنوان (ميرلوبونتي ونفي واقعية الحقيقة) وهذه المقالة تكملة لها.
يذهب ميرلوبونتي نحو تناول موضوعات كلاسيكية بالفلسفة بنوع من التغريب الذي يثير نوعا من الحساسية الفلسفية. فهو مثلا لا يعترف بوجود (ذات) مدخّرة في عالم الانسان الداخلي كما ذهب له القديس اوغسطين. طالما ان هذه الذات لا يمكننا التحقق منها كموجود يمتلك استقلاليته الا في مغايرتها المعاشة ضمن عالم خارجي يحتويها.

ويذهب ميرلوبونتي ابعد اكثر الى ان العالم الخارجي ليس حقيقة. وكذلك (الذات) ليست حقيقة.أعتقد انه من المتفق عليه انه بدلالة العالم الخارجي ندرك ذواتنا بمغايرة ادراكاتنا الموجودات. وليس بهذه الخاصية الادراكية المتفردة نستطيع معرفة حقيقة العالم الخارجي ايضا.الذات جوهر فردي لا وجود حقيقي له سوى بالمغايرة الادراكية العقلية للأشياء والتفكير بما حولنا من موجودات في عالمنا الخارجي والطبيعة وموضوعات الخيال الميتافيزيقي.

العالم الخارجي مفهوم وليس مصطلحا لكينونة وجودية متعيّنة ماديا محدودة بابعاد الموضوع سواء اكان الموضوع ماديا أو غير مادي يدركه العقل ويمكنه بها معالجة العالم الخارجي كموضوعات. متى يكون موضوع تفكير العقل غير مادي؟ كل مواضيع تفكير العقل المستمدة من الخيال هي غير مادية بمعنى هي تجريد صوري تتمثّل الواقع. إنها تصورات ذهنية يبتدعها العقل ويعبّر عنها لغويا او يتم التعبير عنها بأنشطة ادبية وفنية. وحتى الصمت الحركي جسديا كما في المسرح الصامت واليوغا واوضاع حركات الجسم الايحائية غير الناطقة لغويا كما في الرقص والباليه وطقوس العبادات الصوفية الوثنية منها والتوحيدية على السواء.

في الواقع ميرلوبونتي كان قريبا جدا من فلاسفة الوجودية وفينامينالوجيا هوسرل وهو محسوب فلسفيا عليهما لذا نجده يكرر المرادف الفلسفي للذات على انها وعي قصدي يحتاج العالم الخارجي لتوكيد ذاتيته الموجودية بالمغايرة في تاكيد وجوده وسط عالم يحتويه كانسان. والذات من دون وعي قصدي هادف يلازمها سلوكيا ومعرفيا لا وجود حقيقي لها على ارض الواقع.

كما انكر ميرلوبونتي مقولة القديس اوغسطين اعتباره الحقيقية – هكذا وردت في اطلاقية غير محددة في ترجمة دكتور زكريا ابراهيم لم يذكر بأي نوع من الحقيقة يقصد اوغسطين كون الحقيقة مفهوما فلسفيا مطلقا يصل احيانا حد البحث عنها يكون ضربا من الميتافيزيقا. والحقيقة ليست مصطلحا فلسفيا متفقا عليه محدود الدلالة بل هي مفهوم لا نهائي مطلق .  انكر ميرلوبونتي مقولة اوغسطين الحقيقة وجودها العالم الداخلي للانسان وهي ادانة صريحة واضحة صائبة. والذات ليست حقيقة استبطانية يدّخرها العالم الداخلي للانسان. متعللا ميرلوبونتي بالمقولة الفلسفية عن الوعي القصدي التي تذهب الى ان الذات لا تعي وتدرك نفسها الا بالمغايرة الموجودية مع محتويات العالم الخارجي الذي ايضا انكره ميرلوبونتي ان يكون وجودا تتحدد موجودية الانسان بدلالة ادراكه العالم الخارجي.

توطئة
 من أصعب تحديات کتابة تأریخ الفلسفة ونشوئها، هو تحدید نقطة البدأ التفلسف  والفیلسوف الأول في تأریخ البشریة برمتها. هذا ما أکده (أنتوني جوتليب)[1] في کتابه "حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلي عصر النهضة" بقوله: "لن يحسم التاريخ أبداً هوية منشيء الفلسفة، فقد يكون أحد العباقرة الفقراء هو من أخترعها ثم غرق في لُجة التاريخ غير المكتوب قبل ألتمكن من الإعلان عن نفسه للأجيال القادمة. اذ ليس هناك ما يدعونا لأن نعتقد بوجود ذلك الشخص، ولكن عندئذ ما كانت الفلسفة لتظهر إلي الوجود. ولحسن الحظ توجد علي الأقل سجلات لإحدى بدايات الفلسفة حتی لو لم نتيقن من أنها لم تُسبق ببدايات أخری زائفة".

إن بذور الفلسفة نبتت في تربة ما، لکنها لم تکن أسیرا للمحددات الجغرافیة المحیطة بها. فمنذ نشأتها، طمحت بتجاوزها وکانت بثابة رحالة تجوب في آفاق غربا وشرقا. ولأن الفلسفة، فکر کلي/کلیاني جامع وکوني في ذاتها، تجاوزت الجغرافیا و انتقلت عبر القارات والثقافات. ولأنها کانت مؤثرا ومتجذرا في فکر الإنسان حیثما کان، تأثرت أیضا بالثقافات والأفکار التي تحتویها. فلذا، کانت حاضرة في کل مجمتع وحضارة عن طریق الفلاسفة اينما کانوا بشکل من الأشکال.

وإن کانت الفلاسفة أبناء بیئتهم الخاصة، لکنهم إجتازوا الأفق الثقافي لمجتماعتهم وذلک من خلال التواصل مع أفکار فلاسفة أخری في غیر مجتمعاتهم أو عصرهم. وأنهم انتجوا فلسفة، لیست محلیة الطابع، بل فلسفة إنسانیة طامحة.

لذا نتساءل: هل هناک تأریخ 'الفلسفة' أم تواریخ الفلسفات؟ هذا السؤال لیس من باب الجدل، إنما دعوة لقراءة التأریخ المتداول للفلسفة من وجهة نظر إنسانیة شاملة تتجاوز "المرکزیة الغربیة" في تدوین الفلسفة وتملیکها. بتعبیر آخر، خطوة نحو التحرر من هیمنة السرد الغربي في استکتاب نشوء وتطور الفلسفة.

 لذا، فالمقال هو دعوة الی استکتاب فلسفي بدیل لتأریخ الفلسفة من وجهة نظر إنسانیة وبنظرة غیر اسعلائیة التي تهمش الآخر/ الغیر الغربي. لحد الآن من یقرا کتب تأریخ الفلسفة، یتبادر الی ذهنه تأریخ ولیس تواریخ للفلسفة والتي تبدأ مباشرة من الیونان وتسمیتها بالمعجزة الإغریقیة. والذین ینکرون هذا السرد، فهم یقومون بدافع ایدولوجی ولیس فلسفي.