يذهب هوسرل صاحب المنهج الظاهراتي (الفينامينالوجيا) وفي سبق لشيلر له إلى أن استخدام المنهج الحدسي الانفعالي الوجداني النفسي الذي يعنى بمعرفة (الماهيات) المقصود بالماهيات هنا ليس جواهر الاشياء وانما الماهيات هنا هي (القيم) الوجدانية النفسية التي يجسدها السلوك القصدي بالحياة. وتشمل ابعادا فلسفية تتجاوز مبحث الاخلاق والعاطفة.

الماهيات بمعنى القيم الانسانية التي مصدرها العاطفة والنفس وليس بمعنى جواهر الاشياء التي لا يدركها العقل المباشر كموضوعات له كذلك هي الماهيات التي هي جواهر الاشياء ايضا لا تكون موضوعات ادراكية يعيها العقل. ومن المهم جدا هنا الانتباه الى التفريق بين الماهية التي هي سلوك وجداني انفعالي نفسي من جهة وهذا ما يعنى بدراسته هوسرل وبين الماهية الجوهر في الاشياء المحتجب خلف الصفات الخارجية لذلك الشيء الذي تقود محاولات العقل فهمه وادراكه الى منهج الميتافيزيقا في تغليب تفكير العواطف والوجدانات القلبية الروحانية على تفكير العقل المنضبط بالصرامة المادية..

الامر المهم الذي يجب الاشارة له ان الماهية سواء اكانت جوهرا في الاشياء يحتجب خلف الصفات الخارجية لها او الماهية التي هي القيم السلوكية الانفعالية التي يمارسها الفرد بالحياة فكلاهما بالعرف والمنهج الفلسفي لا يشكلان موضوعين مستقلين لادراك العقل المعرفي لهما. ولكي يكون الموضوع مدركا عقليا يتوجب توفرالاستقلالية فيه وليس شرطا الاستقلالية المحددة بابعاد المادة . فالخيال يصنع موضوعات ادراكية للعقل ليست متعينة بابعاد مادية يدركها الحس. وفي كلتا الحالتين فان ادراك العقل لموضوعاته انما هي تجريد لغوي. وفي هذا المعنى تصبح مقولة الفيلسوف الامريكي سيلارز الوجود لغة صائبة تماما.

وبناءا عليه اذا كانت الماهية جوهرا في الاشياء او كانت الماهية قيمة وجدانية فكلتاهما ليستا موضوعين لادراك العقل. اذن مالفرق بينهما منهجيا؟ الفرق المنهجي بينهما هو ليس في اختلاف منهج الاستدلال المعرفي لهما وانما الاختلاف يكمن في عجز الادراك العقلي في فهمهما فهما مباشرا واقعيا أوالوعي المتخارج عقليا معهما.

محاولة معرفة ماهيات الاشياء كجواهر تحتجب خلف الصفات الخارجية لها تقود حتما المنهج الفلسفي الذي يتبعه الفيلسوف الى السقوط في براثن الميتافيزيقا التي يعتبرها كانط وفلاسفة الماركسية والوجودية مسعى عبثي لا جدوى منه.  

في اختلاف منهجي ومعرفي حين تكون الماهيات هي القيم الوجدانية الانفعالية والنفسية السلوكية في الفلسفة الظاهراتية لدى هوسرل واشياعه فان المنهج المعرفي يكون هو (الحدس). ماهية الشيء كجوهر كما مر بنا هي الخاصية المتفردة لذلك الشيء التي تحجبها الصفات الخارجية. وهناك من الفلاسفة مثل بيركلي وهيوم يرون ان الشيء بذاته كينونة موحدة لا انفصال فيها بين جوهردفين وصفات بائنة وانما ادراكها يكون في ادراك الكلية الموجودية لها كينونة مستقلة استقلالية تامة عن رغائب الانسان. ويستشهدون على ذلك باننا ندرك الصفات الخارجية للحيوان انها هي ادراكنا ماهيته الحقيقية ولا يوجد فرق بين جوهرالحيوان وصفاته الخارجية خارج ادراكنا الكينونة الموجودية للحيوان كائنا حيّا في الطبيعة.

  • يأخذ الماركسيون على الفلسفة الظاهراتية المثالب التالية:

انها فلسفة لا زمانية خارجة عن التاريخ فهي لا تستطيع فهم العلاقات الانسانية على حقيقتها. بوصفها علاقات ديالكتيكية تنجم عن عصور مختلفة من حيث التقنية والانتاج والعمل.(عن زكريا ابراهيم).

في تعقيب مقتضب جدا نجد ان تاريخ الفلسفة عموما من حيث هو محكوم بتحقيب تاريخي- زماني فهو بالحتم يكون لا زمانيا صرفا كونه تجريد لغوي لا مادي تحكمه تراكم الخبرة التاريخية العابرة لزمانيته. كما ان الديالكتيك بالمفهوم الماركسي ليس هو المسار او المنهج الوحيد الذي يحكم التطور التاريخي المادي وغير المادي. والعلاقات الانسانية عبر العصور لا يوجد اكثر من تنظير ديالكتيكي واحد يطوّعها كوقائع في محاولته تلبيس تلك العلاقات المنهج الجدلي الديالكتيكي. التاريخ في مساره الاعتباطي العشوائي لا ينتظمه منهج تطوري واحد مرسوم سلفا يحتوي وقائع تاريخه. لا ديالكتيكيا جدليا ولا ليبراليا راسماليا. في عبارة سابقة لي قلت ان عشوائية التاريخ التي تلعب بها الصدف غير المتوقعة غير المسيطر عليها انما تجعل من التاريخ مسار تصحيح اخطاء البشر.

  • كما تتهم الماركسية وهي محقة كونها محكومة بالفلسفة المادية التاريخية ان ظاهرية هوسرل (الفينامينالوجيا) عاجزة عن كل عنصر اجتماعي وكل عنصر تاريخي الى حد وصل باحد الماركسيين قوله ان الوعي لدى هوسرل ليس وعيا منخرطا في الواقع ولا وعيا متضمنا في التاريخ. وهوسرل حسب ادانة الماركسية له يمجد بافراط شديد مرجعية (الانا). ( عن زكريا ابراهيم).

ايضا في تعقيب مقتضب نجد هوسرل يناقض نفسه ظاهراتيا بالقول ان الواقع حصيلة وعي جمعي قصدي وهو تعبير صائب لا يتناقض مع الادبيات الماركسية. الانا لا تجد ذاتيتها حسب تعبير هيدجر تلميذ هوسرل الا في وجودها – في – عالم. وهي قصدية هادفة تنسجم مع مجتمعية الماركسية و تعارض فينامينالوجيا هوسرل الانفرادية المنعزلة مجتمعيا حول تمجيده الانا في تجريد يستنسخ رؤى ديكارت من حيث الانا جوهر انساني منفرد بمكنته تحقيق وجوده الانطولوجي بالفكر.

- الانسان كائن ميتافيزيقي

استذكر قبل دخولي في تفاصيل عنونة هذه الفقرة تثبيت مقولة هيدجر الفلسفية الساذجة (الانسان كائن لغوي وليس كائنا عقليا) إذ من البديهيات عدم وجود لغة بعدية بغياب عقل قبلي سابق عليها.

أجد الانسان كائنا ميتافيزيقيا بالفطرة الضرورية لانسنة الانسان وجوده الذاتي المتفرد عن باقي كائنات الطبيعة. ميتافيزيقا الانسان ليس محركها البحث عن معرفة وادراك (الاله) او الخالق او حاجة الوجود الانساني الى ميتافيزيقا التديّن وكلاهما هدفان لا تنكرهما الميتافيزيقا الخوض فيهما فلسفيا.. بل كل تفكير انساني عبر العصور في مختلف القضايا التي تعترضه ويعيشها أما أن يختار التكيّف المغلوب على أمره معها أو الاحتدام التصارعي في فرض ارادته الذاتية عليها..

أنسنة الانسان بميتافيزيقا الروحانيات والتصوفيات الدينية أي في محاولته التسامي فوق الوجود المادي في تعطيل احساسات البدن وفي تعطيل فاعلية العقل المحدودة بالمدركات التي تشكل لديه موضوعات موجوديته الارضية كفرد ضمن مجتمع. بعض جوانب المباحث الميتافيزيقية الخاصة بالاديان واللاهوت تكون خاصيتها تغليب النزعة الدينية ولا ارى ضررا بذلك. سواء اكان الانسان هو مخترع دينه والهه بعلاقته بالطبيعة حسب فلسفة فيورباخ  في محاولة الانسان معرفة وجوده الارضي بدلالة ميتافيزيقا السماء.

او سواء أن يكون الانسان معطى ديني روحاني تكون فيه ميتافيزيقا التفكير اللاهوتي عموده الفقري. اي كما في تعبير الوجودية الانسان وجود طاريء وأجد بناءا عليه يكون التدين في حياته ملازما طارئا ايضا محكوما به الانسان.

ميتافيزيقا التفكير عند الانسان سواء اكان خرافيا اسطوريا وثنيا او تدينا روحانيا عاصر الانسان طويلا فهي أي ميتافيزيقا التفكير الديني عموما بالنتيجة كان ضرورة حياتية قديما جدا وضرورة نفسية يحتاجها الانسان حاضرا.أنا هنا اتجاوز نظرية علماء الفيزياء والفلك ان لا مستقبل للفلسفة امام تقدم فتوحات العلم.

 حين تقودنا الميتافيزيقا الوصول الى الايمان الديني التوحيدي المعاصر فهي عندها  لم تعد ميتافيزيقا إعدام علمية تفكير العقل من جهة ولا إعدام أهمية حياة الانسان الارضية من أجل أهداف غيبية يتأمل حصوله عليها في عالم ما بعد الفناء الارضي.

- الوعي اللازماني

تعودنا أن نفهم الشعور أو الوعي أن يكون زمانيا بالضرورة الادراكية في وحدة الزمكان غير القابل للتجزئة ولا الانفصال على نفسه. بمعنى أن تدرك المكان من غير ملازمة الزمن الافتراضية فرضية خاطئة تقوم على تعجيز العقل ان يدرك المكان مجردا عن زمانيته.. هذا الفهم الفلسفي الدارج تاريخيا بغض النظرعن مدى صحة البرهنة عليه.

سبق لبرجسون التنويه الى مثل هذه الفرضية التي تذهب الى أن الادراك هو ادراك ثنائية اندماج الزمان والمكان في وحدة كلية غير قابلة للتجزئة هي الزمكان. وقال برجسون بسخرية أن إدراك المكان لا يحتاج الزمن. ومن المهم التنويه الى ان فرويد سبق له ان قال اللاشعور اي اللاوعي لا يحتاج الزمن. وقد عالجت توضيح هذه المقولة في مقالة سابقة لي. ولم يقل فرويد بما ذهب له برجسون لاحقا ان الشعور او الوعي الادراكي اليقظ غير الحلمي لا يحتاج الزمن. كونه فيلسوفا وليس عالم نفس.

لما كان من البديهيات التي تؤكد لنا الزمن على الارض وفي الكوني ليس موضوعا مستقلا للعقل ولا نمتلك وسائل معرفتنا لصفاته الخارجية ولا امكانية معرفته ماهويا أي جوهرا لذا يكون من المباح أن ننكر الزمن كجوهر يحتوينا ويحتوي عالمنا الخارجي بموجوداته دونما وعينا الادراكي به. بعبارة صادمة الزمن وجود افتراضي غير موجود. حتى حين نقول هو دلالة ادراكية لمعرفتنا الاشياء وموجودات عالمنا الخارجي يصبح أمرا مشكوكا به.

- هوسرل ولا زمانية الشعور

بعد إختراع مصطلح الوعي القصدي الذي اصبح شماعة من يريد الطعن بديكارت  اصبح الوعي الفلسفي كما سبق وذكرته بمقالة سابقة لي ثلاثة انواع من التراتيبية التصنيفية الزائفة هي الوعي بمفهومه الفلسفي العام الذي اعتقد به لا يوجد غيره من انواع الوعي مثل الثاني الرائج فلسفيا هو الوعي القصدي ثم ثالثا الوعي الخالص. حينما اقول لا يوجد غير مصطلح الوعي فبه ينتفي ان يكون ملزما له القصدية ولا ان يكون تعاليا صوفيا يسمى الوعي الخالص. الوعي لا وجود له من غير موضوع.

عمد هوسرل الى لعبة ربط القصدية بالشعور واعتبر هذا الربط كافيا لان نقول الشعور وليس اللاشعور هو لازماني. ماذا فعل بهذا اللامنطق الفلسفي هوسرل؟

  • قام بتعطيل الادراك العقلي للاشياء كون العقل يحكمه الشعور الادراكي وليس اللاشعور.
  • جعل كلا من الشعور واللاشعور لا زمنيان وهي قضية فلسفية خلافية.
  • اذا كان وسبق لفرويد ان ادعى ان الفعاليات التي يقوم بها الشعور هي نسبة واحد بالعشرة بالنسبة لفعالية اللاشعور الذي اعطاه نسبة تسعة بالعشرة في تمشية حياتنا الانسانية سلوكا طبيعيا. لو صح انتساب هذا الافتراض التعسفي لفرويد مقبولا لترتب على ذلك اخطر قضيتين بالحياة هما :
  • ان الواقع الذي نعيشه ويتحكم به اللاشعور بنسبة تسعة من عشرة هو واقع خيالي زائف والواقع او الوجود الحقيقي هو غير وجودنا الارضي هذا. علما ان افلاطون قال بذلك ونيتشة ردده بتاكيد لا رجعة لنا عنه أو التشكيك به. الطريف اعتقد جازما انه لم يعد يؤخذ اليوم بصواب هذه الافتراضية الخاطئة.
  • ان ادراكنا الاشياء في حال مساواتنا بين الشعور واللاشعور بخاصية انهما كلاهما لازمنيان عندها يكون معنا ادراك العقل للمكان لا يحتاج ملازمة زمنية. فرضية صحيحة منطقيا رغم ان تاريخ الفلسفة يذهب عكس ذلك اي تخطأتها. أنه لا إدراك للمكان من غير ملازمة زمانيته له.

- الوعي القصدي

القصدية لدى هوسرل هي خاصية ان يكون كل شعور شعورا بشيء حسب تعريف هوسرل. ونرى ان الشعور لا يتحقق حدوثا ما لم يكن ملازما موضوعه. الشعور هو ادراك الذات لوجودها بمحايثة ادراكها لمواضيعها في عالمنا الخارجي.

 بهذا يكون تحصيل حاصل تحقق الشعور قصديا هو في تحقق ادراكه لموضوع. تحقق الشعور هو في وعيه لموضوع. لذا تنتفي صفة تحقق الشعور بغياب او عدم ادراك قصدي في التفكير بشيء له معنى وهدف.

وحين نقول ان لازمانية الشعور تكون في حال الزامنا ان يكون قصديا. وبالمعنى الذي مررنا به نعيد التذكير بان قصدية الشعور نحو السعي لتحقيق هدف مسبق هو تحصيل حاصل لكل شعور انفرادي منتج في مجتمع.

ويكون الشعور لازمنيا وهذا محال في تحقق الادراك الحقيقي حينما يكون هدفه القصدي ادراك المكان بمعزل عن الزمان . بتعبير آخر تفكيك ادراك وحدة ثنائية الزمكان هو المحال في تحقق الادراك الفلسفي.

قد يبدو غريبا حين نعتبر استحالة ادراك المكان من غير ملازمة زمانية له ما يترتب عليه ان لا يكون الشعور القصدي لازمانيا. الادراك الحقيقي الذي اعتمدته الفلسفة عبر عصور طويلة ولحد يومنا هذا انه يتعذر ادراك المكان موضوعا مستقلا عن زمانيته. علما ان الغرابة اننا نعجز اثبات هذه المقولة من حيث اننا نعجز ادراك الزمان موضوعا مستقلا كما هو حال ادراكنا المكان.

مصطلح الزمكان هو التوليفة التي لا انفكاك يطالها هي لا زمن ادراكي لمكان بغير توليفة تعشيق الزمكان. ليس هناك من حاجة تدعونا الزام الشعور – هنا نستعمل مصطلح الشعور المرتبط بعلم النفس علما ان المرادف للشعور هو الوعي المرتبط بالعقل وليس بالنفس -  ان يكون زمانيا وهو في طبيعته العلائقية بالمكان هو خاصيته الزمانية.

 الزمان ملازمة غير متموضعة تكوينيا بالمكان. بمعنى في حال اقرارنا بثنائية الزمكان يكون الزمان دلالة ادراك محايد في استدلالنا معرفة الاشياء والموجودات. حينما نتداول تعابير ومصطلحات لمعنى واحد مثل الوعي، الشعور، الادراك فهي تعابير عن طبيعة وخاصية امتلاك القصدية.

كيف وهل يتسنى لنا اثبات عدم قابلية الشعور ادراك المكان من غير ملازمة زمانية؟ في المتداول فلسفيا الجواب لا . لكن العبرة تكمن في البرهنة على صحة ما ندعيه. سبقت الاشارة الى سخرية برجسون من عدم تحقق ادراكية المكان بمعزل عن الزمان مؤكدا انه لا وجود لزمن يلازم مدركاتنا المكان. وايضا ما يؤخذ على هذا الطرح استحالة البرهنة على صحة هذا الادعاء.

الشيء فكرة

من اروع عبارات الفيلسوف الاميركي سيلارز مقولته ( الوجود لغة).

المعلومة الفلسفية التي تذهب الى أن الشيء فكرة تؤكد أهمية العقل في تخليقه لمدركاته الحسية، والعقل لا يكون محايدا في إدراكاته الاشياء والمواضيع، بل هو يقوم بتخليق وجودها، محاولا إنتشالها من وجودها الطبيعي الانطولوجي ألمنسي، الى وجود مغاير جديد حيوي يدركه العقل ليس لمجرد إدراكه وليس في كيفية إدراكه،بل في قصدية العقل من فاعلية هذا الإدراك. اي لماذا يدرك العقل هذا الشيء دون غيره. ومقولة ديكارت "العقل قسمة مشتركة عادلة بين البشر" لا يعني هذا أن العقل واحد مشترك عند كل البشر في تجلياته ومعطياته وتفكيره وإبداعاته، بل المقصود أن عقل الانسان إمتياز نوعي يختلف عن باقي موجودات الطبيعة من جهة، ونوعي أكثر خصوصية أنه مختلف أشد الإختلاف بين شخص وآخر داخل النوع البشري الواحد.

لم يكن ديكارت هو الفيلسوف الوحيد في إختراعه منهج الشك وضرورة إعمال العقل في معرفة الوجود كاملا، وإستثنى العقل من الايمان الديني، ومثله فعل شوبنهاور، هيوم، لوك، وليم جيمس، وجون ديوي، هؤلاء جميعهم ذهبوا الى وجوب فصل الايمان الديني عن مجمل معاملة مواضيع الفلسفة وقضايا الوجود بالمنهج العقلاني، وأن تصدي العقل لمسائل الميتافيزيقا هو ضرب من العبث واللاجدوى أن يقود الى نتيجة. وإنما يكون الايمان التسليم المطلق الذي يكون مصدره القلب. وهذه النظرية الفلسفية تعتمدها الاديان وتشرحها بتفصيل النزعات الصوفية من أن حدود العقل تتوقف نهائيا في قفزة المتصوف من موقع الوجود الانساني الى موقع الوجود المتسامي الروحي في محاولة الاتحاد النوراني بالخالق.

يذهب جون سيرل الى أن المضمون القصدي الذي هو الموضوع في المعنى البنيوي ليس هو ذاته الموضوع في المعنى القصدي. وهكذا يفرق سيرل بين أن التجربة الادراكية إنما تقوم على موضوع يتخذ صفته ومعناه الوجودي- البنيوي في ممارسة تجربة الادراك عليه، فالموضوع وجود مستقل لا علاقة تربطه وجوديا بإدراكه هو للانسان.الفلسفة  هي تفكير عقلي باللغة لمعرفة حقيقة الانسان بالوجود.

مفهوم هيرقليطس كل شيء في حالة من الصيرورة الدائمية إنما هو ضمنا ألغى أن يكون لأي موجود كيانا انطولوجيا ثابتا. الوجود بمحتوياته الموجودية هي حالات من تغيرات دائمية، والموجودات قد تتبعثر وتتغير وبعضها يتلاشى في مكون مادي يحتويه، لذا نجد بارمنيدس الذي يرى كل موجودات العالم ثباتا يلازمها، ويقر بارمنيدس أن للوجود وجود قائم بذاته يمكن إدراكه بغض النظر عن حركة موجوداته فيه التي هي ثبات.

الخطأ عند الانسان طبيعة فطرية في تكوينه، وليس الخطأ الحرية بإتخاذ القرار، عليه يكون حصولنا على ذات إنسانية يملؤها الخير، تكون في توقعاتنا أن الانسان خّطاء.من العسير علينا تصور الانسان موجودا غير محدود القدرات والارادة، وهذا لا يعني الانسان ليس مسؤولا عن أخطائه، والاخطاء ليست عفوية تتلبس الانسان من المحيط الخارجي.

تأويل النص في متابعة فائض المعنى يدخل النص في فوضى الهوامش التي بلا معنى. الأصل في النص معنى متعدد القراءات لكننا يجب الحفاظ على ما يدّخره من معنى أصيل لا تكتشفه القراءات العددية الكميّة بل تكتشفه القراءات النقدية النوعية.

فوضى أفكار نيتشة الفلسفية التي لا ينتظمها المنهج هي إنتقالات متقافزة في فوضى تغييب المعنى غير الماثل لا في النص ولا في خارجه، لذا يبقى الاجتهاد بقراءة نيتشة هي قراءات يحتويها المزاج المتشظي خارج صرامة منطق العقل الفلسفي المنّظم.ربما لا نخطيء التعبير حين نقول ليس من واجب الفلسفة قول كل شيء في تناسيها أن تقول شيئا واحدا يغني عن قول كل شيء.اختم بالقول ان التفكير المادي يخلق التجريد (التخليقي) في الاشياء اي تغييرها في حين لا يستطيع التجريد اللغوي (خلق) المواضيع او الموجودات المادية المستقلة ادراكيا.

 - الخيال ومنطق العقل

كيف يخدع الخيال منطق العقل؟ عديدة هي المباحث الفلسفية التي تخدع العقل مثل تضليل اللغة والفكر وتضليل العاطفة والنفس وكذلك تفعل الحواس. اما ان يخدع الخيال العقل فلا اجده واردا مقبولا كون الخيال مفتوح على كافة الاحتمالات والتاويلات والنهائيات المفتوحة. السبب ان الخيال لا يحتويه منطق العقل بمحددات ادراكية ثابتة في حين نجد الخيال اوسع في فضائه الذي يحتوي العقل ويخرج على محدداته المنطقية.

علي محمد اليوسف

مقدمة

هذا العمل الأكاديمي المسمى أسطورة الدولة المكتوب بأسلوب واضح يسهل قراءته، كُتب في سياق الحرب العالمية الثانية، التي غادر خلالها إرنست كاسيرر (1874-1945) السويد ليستقر في الولايات المتحدة. إرنست كاسيرر هو شخصية علمية، مهتمة بجميع مجالات المعرفة، سيتم إدراج عمله في تاريخ الفكر، في تقاليد أعظم الفلاسفة. وبناء على طلب زملائه وأصدقائه في جامعة ييل، كتب هذا العمل الكبير، الذي يهدف إلى فهم أصول النازية وأسبابها. كما ينظر حول دور الثقافة والعقل في مواجهة إغراءات الفكر والعنف. فما علاقة الدولة بالأسطورة؟ لماذا تستعمل الدولة الأساطير أثناء ممارستها للحكم ؟ ومتى قام الناس بأسطرة الدولة؟ وكيف تحولت الدولة نفسها الى اسطورة ينظر اليها الأفراد من منظور المخيلة والذاكرة والوجدان؟ وماذا ترتب عن ذلك في مستوى الحقوق والحريات والمواطنة والمكاسب المدنية التي دافعت عنها البشرية؟ وماهي حدود هذا الترابط غير المنطقي بين سياسة المعقول وثقافة اللامعقول؟

تأملات حول القرن العشرين

وفقا لإرنست كاسيرر، فإن الكوارث السياسية في القرن العشرين ترجع جذورها إلى النمط الأسطوري للفكر الإنساني. إن إعادة إصدار كتاب أسطورة الدولة، أحدث أعمال الفيلسوف إرنست كاسيرر، والذي نُشر لأول مرة في عام 1946، لم يكن من قبيل الصدفة. إنه يستجيب بشكل واضح، في نظر المحرر، للأحداث الجارية. والواقع أن عصرنا قد يبدو مرة أخرى فريسة لشياطين الشر، التي تعوقها إن لم تكن تزعزع استقرارها بسبب الانقسامات الاجتماعية، في حين أصبحت الأنظمة الديمقراطية محل نزاع وإضعاف. يطارد القلق البليد أذهان الناس أكثر فأكثر، وهو القلق المتعلق بالعودة إلى ثلاثينيات القرن العشرين، إلا أن كاسيرر، وهو لاجئ من عام 1933 في السويد ثم في الولايات المتحدة، ألف كتابه بتحريض من الأصدقاء الذين حثوه على تسليط الضوء على أفكاره. عين فلسفية على الأخبار المأساوية في ذلك الوقت والحرب العالمية الثانية والأنظمة الشمولية. كاسيرر، المولود عام 1874، هو فيلسوف كانطي جديد، وريث مدرسة ماربورغ لهيرمان كوهين وبول ناتورب. وبروح موسوعية، نشر العديد من المؤلفات حول تاريخ الفلسفة، المثقفة والمشهورة، التي سعت إلى دمج المعرفة العلمية الحديثة في جميع المجالات. ومع ذلك، فإن عمله الرئيسي هو فلسفة الأشكال الرمزية، حيث يطور، بروح كانطية، فلسفة الثقافة. تشكل الأفكار التي تم تطويرها هناك الخلفية النظرية لهذا المقال. كيف يتعامل الفيلسوف الأكاديمي كاسيرر مع موضوعه، الأخبار الرهيبة في عصره؟ وكما يشير عنوان الكتاب، فإن الأسطورة هي مدخله. الأطروحة الرئيسية، والتي هي أيضًا الخيط المشترك للتحقيق، هي أن الأنظمة الشمولية، وخاصة النازية التي تجذب معظم انتباه المؤلف، ترجع إلى عودة ظهور الأسطورة على نطاق واسع في مجال الأعمال التجارية. ولا بد من الاعتراف بأن هذه الفكرة مخيبة للآمال، حتى مع الأخذ في الاعتبار تاريخ الكتاب، المكتوب في حرارة اللحظة حتى قبل اكتمال التسلسل التاريخي الذي يركز عليه. إنها، قبل كل شيء، أطروحة الأنوار، الوريث المستحق لفلسفة التنوير. وعلى هذا النحو، فإن تاريخ البشرية هو موقع معركة بين الأسطورة والعقل، حيث ناضل العقل في البداية لتحرير نفسه من الأول، دون أن ينتصر تمامًا.

يمكننا القول إن جميع الناس يَدْرَءُونَ عن التَّعَاسَةِ، وضد ذلك فهم يطمحون ويهدفون ويبحثون عن السعادة، مثلما يجمع كل الفلاسفة على أن الإنسان يوجد وهو يتجنب التعاسة ويطمح للخير الأسمى Le bien suprême، لكن ما إن يحاول أي شخص كيفما كان نوعه تحديد ما التعاسة حتى تتعدد تمثلاته وتكثر آراؤه، فكل منا ينظر إلى تعاسته من منظوره الخاص، فهناك من الفلاسفة من حصر التعاسة في الجهل والبخل والخوف والظلم، وهناك من رأى أن التعاسة مصدرها أنها تجثم في النفس جثوم العادة.
ذلك أن تحقيق اللذة هي بداية التعاسة. وهي الشر الأول الموافق لطبيعة الإنسان، أي الشر الذي يجب على كل الناس الدَّرْءُ عنه، لكن ما نلاحظه هو سعي الناس وراء إشباع وتلبية الحاجات الغريزية واللذات التي لا تنتهي، وبدون تأمل وتفكير حثيث يفضل الإنسان تحقيق اللذة التي يعتبر أنها تجلب له أفضل نفع، بينما هي عكس ذلك فاللذة شر لا ينتهي، كما أنها محاكاة وتقليد الآخر في كل شيء هو من بين العلل الممهدة للوقوع في مطب التعاسة، خاصة عندما نتبع ونقلد آراء الآخرين-الأغيار الرائجة، ونتركهم يفكرون بدل أن نفكر نحن بأنفسنا لأنفسنا.
إن سلك دروب الآخرين، وترك الآخرين يفكرون بدلي لمسلك خطير يؤدي إلى تعاسة الفرد، كما أن إيمان الفرد بالوصفات الجاهزة والآراء والمنظورات والتمثلات والمعتقدات والقيم الرائجة وتبعية الغَوْغَاءُ والدَّهْمَاءُ لا يمكن أن نجني وراءه سوى تعاسة التعاسة.
يحيل مصطلح التعاسة في اللغة الإغريقية Δυστυχία إلى نشاط عقلي يصيب الإنسان يلمس الجسم بجميع تفصيلاته حتى ملامح الوجه والفكر بكل تجلياته وأبعاده، أكثر مما يشير إلى غضب وتوتر عارم لدى الفرد، وترتبط التعاسة بحالة-شعور عدم الرضا الدائم والكامل.

نجد في واقعنا عديد التمثلات والتصورات والآراء والمنظورات والمعتقدات والقيم والمعايير والسنن والأعراف السائدة عن التعاسة، وهذه مسألة جد طبيعية، لأن كل واحد منا وكيف ينظر إلى تعاسته أو مصدر تعاسته، ويعود أصل هذا الاختلاف والتباين إلى طبيعة التعاسة ذاتها لكونها معقدة ومركبة، ولا يمكننا أن نفند تصورات عوام الناس عن التعاسة، لأنها تمثلات صحيحة فعلاً، لأن كل فرد ينظر إلى التعاسة من منظوره الخاص به، لكن نتفق جميعاً على أن التعاسة كيفما كانت تشكل شراً لا يحمد عقباه، كما أنها متأصلة في الذات الإنسانية.
وبالتالي يحق لنا وفق ما قيل سابقاً، ربط التعاسة بالشر المنبوذ والمتجذر في الذات البشرية، وأن التعاسة تشكل حدّاً في ذاتها، وتحتاج تأملا عقليا محكما لتحديد جوهرها، فهي على صلة وثيقة بالحياة السيئة، أو العيش التعيس، وتحقيق اللذات، بل حتى طموح المرء في تحقيق ثروة، نصرح منذ الآن أن تحقيق ثروة مالية تعاسة حقيقية، لأنه حتى ولو امتلكت مال الدنيا لن تزداد إلا شقاءاً وتعاسة، كما نجد العديد من الأفراد يفعلون أكثر ما بوسعهم لنيل رضى الآخرين وحب الناس أو ما يعتبرونه مجداً وشرفاً، نقول أن هذا لا معنى أو لا علاقة له بالمجد والشرف، بل مجرد وهم وتوهم وهذيان وبهتان ويزيد من هرمون التعاسة، هكذا نعلن كما أعلن ماركس، أن التعاسة آفيون الشعوب.

من خلال العنوان أعلاه، يبدو أن رهان هذه السلسلة من المقالات يتمثل في قراءة ما قاله اوكتبه الفلاسفة عن مفهومي الحقيقة والحرية. أما عن المنهجية التي سيخضع لها البحث فستكون ضمنية وتلقائية، تستمد مقوماتها وتوجهاتها من نصوص بعض المؤلفين التي سوف يتم تقديمها واعتمادها.
البداية بالفصل الثالث من كتاب مارسيل كونش "أساس الأخلاق" المنشور في طبعة فرنسية أولى سنة 2003. وقد كان الكاتب قيد حياته (ولد يوم 27:مارس 1922 ومات يوم 27 فبراير 2022) فيلسوفا فرنسيا وأستاذا فخريا بجامعة السوربون.
يستهل الكاتب فصله بالإشارة إلى أن الأمر يتعلق بالإجابة على سؤال أساس الأخلاق من خلال التحدث إلى شخص يستمع. وتساءل:كيف أعرف ما إذا كان يستمع لي؟ وأحاب بأنه يعرف ذلك عندما يتحدث بدوره، وليس بأي طريقة أخرى: يجب أن تتوافق كلماته مع كلمات كونش، سواء أجاب أو رد. وحتى يجيب السامع، يجب أن يسأل. ويعرف الكاتب أنه لا يسأل إلا كائنا قادرا ليس فقط على الإجابة، بل قادر أيضا على أن يسألىبدوره. لأنه لكي يجيب، عليه أولاً أن يعيد السؤال على نفسه كسؤال. وما يطلبىه منه يطلبه من نفسه.
والفكرة التي أراد كونش الوصول إليها هي أن سلطة السؤال لا يمكن أن تكون من جانب واحد فقط. يمكن للشخص الذي يجيب أيضا أن يطرح السؤال علي وعلى نفسه. وقد حدث أن محاور سقراط كان يسأل هو ىالٱخر. وهذا هو الحوار سؤال/جواب.
من هنا فصاعدا، لست وحدي من أتوقع من محاوري أن يجيب بصدق، أي أن يقول ما يراه كما يبدو له، ولكنه يتوقع مني ذلك أيضا. يفترض كل محاور أن الآخر قادر على قول الحقيقة أو عدم قولها (إما أنه كاذب أو خاطئ). لذا، فكل منهما يفترض أن الآخر قادر على الحقيقة، capax veritatis. نحن نتحاور تحت فكرة الحقيقة. ولكن هذا يعني أننا نتصور ونفهم بعضنا البعض ككائنات حرة. هذه هي الحقيقة الأولى التي يجب على المحاور أن يعترف بها معي.
يواصل كونش حديثه قائلا: المحتوى الكوني الأول لفكرة الحقيقة هو فكرة الحرية. حتى الٱن، ليس لدينا سوى حقائق خاصة قلنا إنه ينبغي تجاهلها هنا. إن وجوب تبادل المتحاورين الاعتراف بكونهم أحرارا يمثل النقطة الأولى التي يجب أن يتفقوا عليها، ليس بطريقة مشروطة، بمحض الصدفة مع قناعاتهم، ولكن بطريقة ضرورية؛ إنها الحقيقة الكونية الأولى. ولكن سيقال إن الحقيقة التي يتم تحديدها من خلال الاتفاق الضروري بين المتحاورين ربما تكون، "بالمعنى المطلق"، باطلا. هذا غير مهم. ما نسعى إليه هو الحقيقة الإنسانية، أساس الأخلاق الإنسانية، وليس الحقيقة الأخلاقية الخاصة بالملائكة أو الصدفيات.

مقدمة
يعرّفنا أرسطو، في كتابه الأخلاق النيقوماخية، على أخلاقيات تضع في المركز الاهتمام بـ”الحياة الطيبة”. هذه الأخلاق، التي قد تبدو غريبة تمامًا عن مفاهيمنا الحالية، تدعونا في الواقع إلى إعادة التفكير في ماهية الحياة المنجزة في ضوء أخلاقيات الفضيلة. لكن أخلاقيات السعادة هذه - بعيدًا عن كونها تمجيدًا للذاتية الأنانية - هي أيضًا أخلاقيات الآخر وتعطي مكانة الصدارة للصديق. وبالتالي سيكون الهدف من هذا المقال هو التشكيك في العلاقة بين الصداقة والسعادة في إطار الأخلاق الأرسطية. وبتعبير أدق فإن السؤال الذي سنحاول الإجابة عليه في نهاية هذا المقال هو: هل الصداقة ضرورية للسعادة؟ الأطروحة التي سندافع عنها من خلال عدة حجج هي أن الصداقة ضرورية بالفعل لتحقيق السعادة. للدفاع عن أطروحتنا، سيكون من الضروري أولاً تقديم نظرة عامة على القضايا المحيطة بسؤالنا. للقيام بذلك، سيكون من المفيد توضيح المفاهيم الرئيسية التي تحيط بالمفهوم الأرسطي للصداقة والسعادة والتي ستكون بالتالي أساسية للتطوير الجدلي. وسيتضمن ذلك تسليط الضوء على المفاهيم الأرسطية الثلاثة وهي الفضيلة والسعادة والصداقة. وبعد ذلك، سوف نقترح ثلاث حجج رئيسية لصالح أطروحتنا. سيتم مناقشة موضوعات حب الذات، والإنسان باعتباره "حيوانًا سياسيًا" تباعًا، بالإضافة إلى الجوانب المختلفة للصديق باعتباره مكونًا مباشرًا لخيرنا وسعادتنا. بالإضافة إلى ذلك، سوف نقوم بدمج كل من الاعتراضات "الشائعة" التي سنسعى إلى تفكيكها لدعم أطروحتنا بشكل أفضل وحدود المنطق لتسليط الضوء على العيوب الممكنة في الأطروحة.

التحديد المفهومي للحقل الايتيقي

من المعلوم أن ارسطو اشتغل في كتبه على تعريف المفاهيم الهامة التي تتنزل ضمن الحياة العملية للبشر.

أولا وقبل كل شيء، سنحتاج إلى تحديد المفهوم الأكثر هامشية لسؤالنا - ولكنه لا يزال ضروريا لفهم جيد للحجج وهو مفهوم الفضيلة. وسنستمر في الحديث عن السعادة بالمعنى الأرسطي: eudaimonia فن السعادة، الذي يحتل مكانة مركزية في أخلاقياته. أخيرًا، سيكون الأمر يتعلق بشرح مفهوم الصداقة ذاته الذي يشير إليه أرسطو:  الفيليا philia. سيكون من الضروري بعد ذلك شرح صفاتها الخاصة، وموضوعها، وكذلك التمييز بين الأشكال المختلفة “المشتقة” من الصداقة التي تميل المفاهيم المشتركة إلى ربطها – بشكل خاطئ، وفقًا لأرسطو – بالصداقة الحقيقية. اولا هناك اشارة إلى الخير الأسمى الذي يمكن ربطه بالسعادة والحياة المنجزة وثانيا اشارة إلى شكل الصداقة بامتياز، الذي يتميز بالفضيلة. فماهي الدلالة الفلسفية لهذه المفاهيم الايتيقية؟ ولماذا حاول ارسطو التقريب بينها؟

يشكل كتاب "مدخل إلى الخطابة" لصاحبه أوليفيي روبول من الكتب المهمة جداً، إن لم نقل من المصادر والمراجع الأساسية جداً في حقل الخطابة والحجاج، فلا يمكن دراسة هذا الحقل الأخير ويستحيل دراسته دون العودة إلى هذا الكتاب، الذي نعلن منذ هذه اللحظة، أنه يشكل "إنجيل الخطابة"، وصدر هذا الكتاب لأول مرة في لغته الأصلية الفرنسية سنة 1991م، من طرف دار النشر الفرنسية الشهيرة: المطابع الجامعية لفرنسا Presses Université de France وتعرف إختصاراً ب "PUF"، وهو بالمناسبة يشكل أواخر ما كتبه روبل، أي قبل آخر كتاب له المعنون ب "قيم التربية" والذي سيصدر سنة 1992م، وما يهمنا حالياً هو كتاب "مدخل إلى الخطابة" الذي سننتظر حتى سنة 2017م لتصدر أول طبعة منه باللغة العربية لغة الضاد، وهذا يعني أننا انتظرنا ما يقارب 26 سنة، ليترجم إلى لغتنا العربية، وسهر على هذه الترجمة الأستاذ والمترجم الفذ : رضوان العصبة، وراجع الترجمة عن أصلها الفرنسي الفيلسوف التحليلي الحاذق: الدكتور: حسان الباهي، وجدير بالذكر، أن ترجمة الأستاذ رضوان العصبة لم تخن النص بتاتاً، والقارئ له أكيد لن يفرق بين أصله باللغة الفرنسية وترجمته للغة العربية، خاصة عندما اطلعنا على النسخة الفرنسية، واكتشفنا مدى دقة وفعالية الترجمة العربية، كما نشير أن المترجم أفرد مقدمة من الطراز الرفيع تخصه، ولا أنكر أنني لم أستطع التمييز بينها وبين مقدمة الكتاب حتى أنهيتها، ويمكن اعتبارها مدخلاً وقراءة جيدة للمتن الروبولي، بعدها مباشرة قدم روبول تقديما موجزا لكتابه، وبعد التقديم عرض تعريفه للخطابة ووظائفها الأربعة:

الوظيفة المقانعية (الحجاجية والخطبية) والتأويلية والكشفية والتربوية.

والكتاب يحتوي على تسعة فصول كالآتي:

الفصل الأول: أصول الخطابة في اليونان.

الفصل الثاني: أرسطو، الخطابة والجدل.

الفصل الثالث: النسق الخطابي.

الفصل الرابع: من القرن الأول إلى القرن العشرين.

الفصل الخامس: الحجاج.

الفصل السادس: التصويرات.

الفصل السابع: القراءة الخطابية للنصوص.

الفصل الثامن: كيف نحدد الحجج؟

الفصل التاسع: أمثلة عن القراءة الخطابية.

إن أعمال مارتن هايدجر صعبة بسبب حداثتها وتعقيدها. ويمكننا أن نشير في تلخيص أعماله إلى عدة ظواهر أساسية تحدث عنها، ولكننا لا محالة ندرك أولاً هذه الظواهر على نحو لم يقصده هايدجر. ولا يمكن أن يكون هناك بديل لمواجهة أعماله بشكل مباشر.

إن هايدجر (1889-1976) هو بلا شك الفيلسوف الأبرز في القرن العشرين، وهو بلا شك الفيلسوف الأبرز في التقليد القاري أو الأوروبي. ومن بين أولئك الذين درسوا معه أو تأثروا به بشكل كبير هناك العديد من أشهر المفكرين في السنوات الخمس والسبعين الماضية: حنا أرندت، جاك دريدا، ميشيل فوكو، هانز جوناس، هانز جورج غادامير، جاكوب كلاين، ألكسندر كوجيف، كارل لويث، هربرت ماركوز، جان بول سارتر، وليو شتراوس.

درس هايدجر أعمال الأساتذة الألمان البارزين خلال زياره الدراسي وفي سنوات التدريس المبكرة (تقريبا 1910-1925)، لكنه تأثر بشكل كبير بإدموند هوسرل، مؤسس المحاولة "الفينومينولوجية" لوصف ومناقشة الأمور تماما كما تقدم نفسها لنا، وتوضيح من نحن وما نتسبث به كمكسب عندما نسمح للأشياء بإظهار نفسها لنا للمراقبة أو الاستخدام.

كان هايدجر مهتما بشكل خاص بفهم معنى أو معقولية "الوجود"، لأن كل ما نتعامل معه بطريقة ما "موجود". أدى هذا الاهتمام إلى إصداره الأول والأهم، Sein und Zeit ( الوجود والزمان )، في عام 1927. اقترب من مسألة الوجود من خلال فحص كينونة "الوجود" البشري (أو Dasein ، حتى نستخدم لغة هايدجر)، لأنه يجب علينا دائما تحديد كينونتنا أو إمكانياتنا، وبالتالي يجب أن نفهم الوجود نفسه بطريقة ما. إلى جانب ذلك، في اختيار طريقنا، نعقل أيضا كيانات أخرى بمعناها.

تتساءل المقاربة الفلسفية لمعنى كلمة " المجازفة ": هل هذه الظاهرة تخص الإنسان من حيث المبدأ؟
يبدو أن هناك تشابهًا تاريخيًا مع سلوك سائقي الدراجات البخارية الشباب في سباق العربات في إلياذة هوميروس؛ لكن في هذا العالم اليوناني لم يكن هناك أي خطر لأن الآلهة كانت حاضرة. في ذلك الوقت، لم تكن كلمة "خطر" موجودة. تعود أصول كلمة "خطر" إلى اللغة البحرية للرومان وتعني في المقام الأول الشعاب الصخرية التي يجب تجنبها. ديكارت، مؤسس الذاتية، هو أول من تحدث عن المخاطرة بمعنى مشكلتنا: الشعور بالقوة من خلال المخاطرة. ومثل هذا الخطر ليس سوى ظاهرة في العصر الحديث. عندما يجتمع العلماء لمناقشة المخاطر التي قد يتعرض لها شباب اليوم، يمكننا أن نفترض أنهم سوف يحاولون بعد ذلك فهم، أو فهم أفضل، لمكونات هذه السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وما ترتبط به. وعندما يجتمع العلماء من مختلف الفروع لمناقشة مثل هذا الموضوع، يكون لكل منهم منطلقه الخاص وطريقته الخاصة في الوصول إلى المعرفة بالموضوع المعني. ولكن، عندما يكون من بين هؤلاء المشاركين فيلسوف، وهو لا يرفض تمامًا الصورة غير التعسفية التي قدمها لنا ديكارت عن الفلسفة، وهي أن الفلسفة باعتبارها ميتافيزيقا ستكون أصل كل العلوم – وبالتالي فإن الميتافيزيقا ستكون أصل كل شيء. فروع العلم – ألا ينبغي لهذا الفيلسوف أن يأخذ بعين الاعتبار جذور مثل هذا المشكل الوجودي للخطر؟
لكي نبدأ في هذا الاتجاه، دعونا نطرح بعض الأسئلة ولنسترشد أولاً بعنوان الحالي من المبحث. إنه يتحدث إلينا عن الإنسان، أي عن الناس، أي الشباب أو المراهقين، وبشكل خاص، عن سلوكهم. ولا يتم ذكر ذلك على أنه أي سلوك، بل على أنه سلوك تحدده المخاطر. ولذلك فإن هؤلاء هم المراهقون الذين يكون سلوكهم مثيرًا للقلق إلى حد ما. وهذا القلق الذي يثيره المتأثرون بهذا السلوك المحفوف بالمخاطر هو الذي يمكن أن يحفز الرغبة في فهم مثل هذا السلوك بشكل جدي. بدافع من هذا الاهتمام المجازف، يمكننا، كخطوة أولى، أن نقود إلى تصنيف السلوك المعني على أنه محفوف بالمخاطر. وبهذه الطريقة نقوم بتأهيل بعض سلوكيات المراهقين والحكم عليها من أجل استيعابها وفهمها بشكل أفضل. ولكن ماذا نعرف عما يجب أن يجعل مثل هذا السلوك المثير للقلق مفهوماً؟ ماذا نعرف عن المخاطر؟ ألا ينبغي أن يكون لدينا معرفة جادة حتى نتمكن من توضيح الظاهرة لفهمها؟ هل نعرف ما هي المجازفة في حد ذاتها؟

تمهيد
سادت بين هيجل وشوبنهاور علاقة عداوة وبغضاء كان الخاسر الاكبر فيها شوبنهاور في عدم إمكانيته مجاراة خصمه اللدود هيجل، وقد عمد شوبنهور إلى استفزاز هيجل في الجامعة في محاولته تأليب الطلبة عليه في جعله توقيتات محاضراته هي في نفس مواقيت محاضرات هيجل، في مسعى تأكيد فرادته العبقرية الفلسفية وفشل  في مسعاه، وأصدر كتابه الشهير (العالم إرادة وتمثّل ) أراد التفلسف به، فلم يلق الكتاب أدنى إهتمام، لا يستحقه أصلا، إلا بعد مرور فترة طويلة من رد الاعتبار له. وفي هذه المقالة أستكمل مناقشة بعض آراء فيلسوف الارادة شوبنهور، بعد أن تناولته بمقالة سابقة نشرت لي بعنوان ( فلسفة شوبنهاور وبؤس الإرادة ).

هيجل والمطلق

عندما يقول هيجل الفن والجميل هو الوجود الحسّي في المطلق. نجد كم كان هيجل عميقا في أفكاره الفلسفية الثاقبة رغم نزعته المثالية، فهو يعتبر العقل  هو الروح المطلقة أو الفكرة المطلقة في إدراكها المتناهي محاولة الوصول لمرحلة أدراكها المطلق اللامتناهي، إذ يعتبر هيجل المطلق ليس مفهوما ميتافيزيقيا متواريا خلف محدودية إدراك العقل البشري أن يطاله. بل المطلق هو فكرة لا محدودة ولا متناهية في إدراكها موجودات الطبيعة بنفس آلية ممكنات إدراكها ما هو غير مادي ولا متعّين لا يدرك بالحدس الحسّي المباشر.

ولا فرق عند هيجل بين محدودية الإدراك الذاتي عن إدراك فكرة المطلق الذي لا يعتمده هيجل ولا يتعامل معه ميتافيزيقيا. ويبدو من فلسفة هيجل أنه لا يتنكر لوجهة النظر الفلسفية التي ترى الانسان وجودا وجوهرا ميتافيزيقيا لا يمكن نزعها ولا مصادرتها منه.

المطلق المدرك عقليا حسب الفهم الهيجلي هو الإمكانية غير المحدودة في إدراكها اللامتناهي في تفعيل الخيال بدلالة العقل في محاولة الوصول الى مابعد اللغة والتعالي على محدودية الادراك الحسي. وضرب هيجل مثلا على ذلك الفن والجمال بمقولته الفلسفية " أنّه الوجود الحسّي في المطلق" بمعنى الوجود الحسّي هو إدراك ذاتي ليس غايته إثبات وجود الذات الانطولوجي بالمغايرة المادية أو غير المادية الخيالية، بل هو إدراك مطلق الوجود ورغبة وصول إدراك (الانا) تخوم ما يعجز بلوغه العقل في محدوديته الإدراكية خارج بلوغ فكرة المطلق والوصول له بالعقل الخيالي لا بغيره الذي يعبر المتّعينات الكينونية التي تحّد من إنطلاقة الحس الإدراكي المحدود أنطولوجيا. فالمتصّور الخيالي للمطلق هو تحقق وجود العقل في إدراكه ألاشياء بالطبيعة وفي والكوني معا.

من المعلوم جيدا أن الوجود الحسّي لمدركات الوجود هو متناه محدود لا يتجاوز قدرة إستيعاب منظومة العقل الإدراكية للاشياء خارج أبعادها في محدودية الإدراك الحسّي لها.، وبهذه المحدودية للعقل حسّيا لا يمكنه بلوغ ما هو مطلق لا متناهي الوجود. من حيث الوجود الحسّي بحكم محدوديته الإدراكية فهو لا يأخذ منتهى مداه في فضاء اللانهائي المطلق. ولا يأخذ الوجود الحسّي منتهى إدراكه في تحققه الوجودي من غير التحليق خارج محدوديته التي تسلبه قدرة الوصول لفضاء إدراكي لامحدود.

توطئة

يمكننا البدء بإدانة هيجل في إختلاقه فكرة المطلق العقلي الواقعي الذي يحتوي كل شيء في الوجود. فهو قد اختلف مع اسبينوزا من منطلق أنه لا يؤمن بوحدة وجود تقود الى إيمان ديني بوجود خالق هو جوهرأزلي لكل موجود كما أراد اسبينوزا إثباته. وفي الحقيقة، أصبح مذهب وحدة الوجود تتوزّعه العديد من الإجتهادات التجاذبية بين الديني واللاديني، بين الروحي والنفسي، بين المتناهي واللامتناهي، بين الصوفية الدينية والفلسفة.

1-  المتناهي واللامتناهي

التفكير متناه في محدودية القدرة على معرفة وفهم أشياء من العالم وليس كل العالم. ويكون التفكير الخيالي خاملا حسب توصيف ديفيد هيوم كونه يستنفد نفسه قبل تمام إدراك مواضيعه المستمدة من عالم لامتناه. لا يتمكن التفكير الخيالي التموضع الكامل في إدراكه اللامتناهي. عن هذه الحقيقة يعبّر ديكارت ")ربما يوجد ما لانهاية له من الاشياء في العالم، وفي المباينة مع ذلك فليس عندي في الفاهمة أية فكرة عنه".(

ليس بعيدا ولا غريبا تكرار المقولة الفلسفية أن ما يعرفه الانسان ليس أكثر مما يدركه فعلا.في محاولة المتناهي المحدود معرفة اللامتناهي المطلق محاولة عقيمة لا معنى لها، فالتفكير الخيالي لا يستطيع فهم أشياء لا تكون لها معرفة صورية حتى بالتعريف البسيط لها بالذاكرة... يصف بول ريكور الإرادة بأنها ذات سعة ومجال بلا نهاية.

ألارادة لها سعة ومجال تفكيري بلا نهاية صحيحة، لكن فاعلية الإرادة التخييلية إنما تكون في المتحقق المنجز لما تقصده وتبتغيه..ويقصد باللامتناهي المطلق فلسفيا هو الخالق غير المدرك بصفاته ولا حتى بأدنى بعض ماهويته الإفتراضية الذاتية. هذا اللامتناهي الذي لا يمكن الإحاطة به. أما المتناهي فهو المدرك الذي يمكننا تحديده بالمقارنة مع متناهي آخر يشاركه المجانسة النوعية.،،وهو محال تعجيزي للعقل في مسالتين الاولى انه لا يمكننا ادراك لامتناهيين اثنيين يتشاركان المجانسة النوعية ويوجدان باستقلالية عن بعضهما. الثانية عدم استطاعتنا تحديد اللامتناهي لأننا نحتاج الى حده بشيء يجانسه النوع وهومحال. تعجيزي لمحدودية الادراك العقلي.أي يتعذر تحديد اللامتناهي بشيء يمتلك قدرة المداخلة الجدلية مع المتناهي. هنا أود تثبيت نقطتين لماذا نستطيع إدراك المتناهي ولا نستطيع إدراك اللامتناهي،؟

إدراك المتناهي هو إدراك لشيء متعّين محدد بخواص المادة التي تدركها عقولنا (الطول، العرض، الارتفاع ، الزمن). وهو ما لا ينطبق على اللامتناهي الذي لا يمتلك مثل هذه الصفات التي يدركها العقل. والسبب الثاني أن كل محدود هو سلب بتعبير اسبينوزا وهيجل، أي كل محدود يفقد العديد من الصفات الايجابية التي يمتلكها لحساب تعينّه المادي السلبي. فاللامتناهي لا يخضع لتجريد عقلي يدركه بتحديد صفات له لا يستطيعه اولا ولا مدركا من قبل العقل ايضا.