هل يجب أن نحترم الآخرين؟ من يجب أن نحترم؟ - ما الذي يجب احترامه؟ هل يجب أن نحترم الأشياء كما يجب أن نحترم الآخرين؟ وهل يجب أن نحترم الطبيعة؟ هل يجب أن نذهب إلى حد احترام ما لم يوجد بعد، أي الأجيال القادمة؟ ولكن ما هو الاحترام؟ إنه شعور يُختبر أمام القانون الأخلاقي، وبالتالي أمام الشخص الذي يحمل في داخله القانون الأخلاقي الآخر، يا أخي الإنسان. من الواضح أن الطبيعة ليست شخصًا. لماذا يكون من واجب احترام الطبيعة. يتعلق الواجب بالالتزام الأخلاقي. تقليديًا، يفرض الواجب بشكل قاطع الاحترام بين الأشخاص الأحرار والمتساويين: فهم يتمتعون، بطريقة ما، بالمساواة في الحقوق والواجبات. بهذا المعنى لا يمكننا إلا أن نتحمل واجبات تجاه الآخرين. لكن السؤال يطرح ضمنا مسألة ما إذا كان من الممكن أن تكون هناك واجبات تجاه ما ليس شخصا، تجاه ما ليس موضوعا للحقوق والواجبات. على سبيل المثال، هل لدينا واجبات تجاه الأشياء، أو الطبيعة، أو تجاه هذه الكائنات المحتملة التي لا وجود لها والتي ستكون من نسلنا أو حتى تجاه الموتى الذين لم يعد لهم حقوق. تتمثل الصعوبات في أنه لا تستسلم لإغراء القول بأن لدينا واجبات تجاه أنفسنا، لأنه باحترامنا الإنسانية في أنفسنا، فإننا نحترمها في الوقت نفسه في الآخرين، لدرجة أنه، وفقًا لعمانويل كانط، من واجبنا أن نجعل السعادة كما هي. فمن الواجب احترام الذات. كما يتعلق الأمر بمعاملة الإنسانية في النفس وفي الآخرين ليس فقط كوسيلة، بل دائمًا كغاية. يبدو أننا لا نستطيع أن نتحمل واجبات تجاه ما ليس له حقوق في الوقت الحاضر. ماذا لو وضعنا أنفسنا من منظور المسؤولية تجاه ما ليس بالآخرين، وما ليس حاملاً للقانون الأخلاقي. مع العلم أن ما لم يوجد بعد لا يمكنه الدفاع عن نفسه أو المطالبة بالحقوق. وبهذا المعنى، فهم معرضون للخطر، وميلادهم هو مسألة حماية الطبيعة. فهل من واجب حماية الطبيعة من الحيوانات المفترسة التكنولوجية، للحفاظ على النظام البيئي للأجيال القادمة؟ هل هو واجب أم أنها مسؤولية؟

انطلاقا من قلق فلسفي ما فتئ ينتابني بخصوص مصطلح "الأنثروبومورفية" وفي محاولة لاستكشاف نطاق دلالته، توقف مؤقتا مسعاي في هذا الصدد عند حد الأنسنة التي يضفيها الإنسان على الحيوان. ومن أجل إشراك القارئ الكريم في اكتشاف هذا الحيز من القارة التي تشملها الأنثروبومورفية، تجشمت عناء ترجمة مقال جان كلود بودان.

ارتبطت الأنثروبومورفية بصحافة سيئة ويُنظر إليها على أنها ساذجة في أحسن الأحوال. إن الاهتمام بالحيوانات لا يعني إسناد قدرات الإنسان ومهاراته إليها، ولا يعني الغرق في سخافة الحديث معها كما يحدث مع الإنسان. في كتابه ألف باء "A مثلما في Animal"،* يميز جيل دولوز بين صنفين من العلاقات بالحيوان، العلاقات الإنسانية والعلاقات الحيوانية. إن تبني علاقة إنسانية أمر ممكن فقط مع الحيوانات الأليفة أو بالأحرى العائلية، التي تدعم الإسقاطات الرمزية للتحليل النفسي. إن حب الحيوانات الأليفة يؤدي إلى هذا السلوك غير المحتمل المتمثل في التحدث إليها وإقامة مجتمع معها ينكر حيوانيتها. إن الإسناد الأنثروبومورفي مطلوب بالضرورة في هذا الموقف. ويعارض دولوز هذه العلاقة التي تأخذ في الاعتبار وجود العوالم الحيوانية وخصوصيتها. يتضمن التواصل مع الحيوانات تحديد وقراءة العلامات التي من خلالها تبني الحيوانات عالمها الخاص. تحل السيميولوجيا وعلم سلوك الحيوان محل علم النفس التناظري التلقائي. يؤكد دولوز على أن الصيادين، الصيادين الحقيقيين، يصبحون حيوانات بطريقة ما عندما يتعرفون على آثار الحيوانات ويتفاعلون معها، ويتصرفون بطريقة حيوانية مع الحيوانات.
ولكن يمكننا أن نقول إن الأنثروبومورفية ليست مشكلة إذا سلمنا بأنه لا توجد طريقة أخرى للحديث عن الحيوانات والتحدث إليها سوى استخدام لغتنا الطبيعية ومقولاتها. والحال أن من يتصرف بهذه الطريقة لا يدعي إذا سئل أنه يؤمن بمعنى الكلمات التي يستخدمها. فكما تظل لغتنا بطلمية بينما علمنا كوبرنيكي عندما نقول أن الشمس تشرق، كذلك القول بأن الحيوان ذكي لأنه حسب طريقه للهروب من الفخ لا يحمل بالضرورة مذهبًا عن ملكات تشبه ملكاتنا. ومن المؤكد أن الذي ينجو من شبهة الأنثروبومورفية هو الديكارتي، المؤيد للآلة الحيوانية. لا يمكن أن يكون هناك أي غموض: إذا قلت إن قطة معينة تفكر في تغطية برازها، فأنا أعلم أنها لا تفكر في ما تفعله، ولكنها تنتج فعلًا يحدده جهازها العصبي آليا، وما إلى ذلك. والدليل أنها لا تكاد تغطيها بالكامل. الميزة الإبستيمولوجية لهذه النظرية هي أنها تطيع قانون مورغان للبخل الذي يأمرنا بعدم اللجوء إلى ملكات عليا عندما يمكننا الاستغناء عنها لتفسير السلوك. لكنها بدورها تصبح عرضة للسخرية إذا تعهدت، بدعوى الاستغناء عن المفاهيم ذات الأهمية الإنسانية، بوصف صرخة كلبة تم ركلها للتو بالقول إن ما نسمعه صرير نوابض معدنية.

المقولة الاولى:

يقول الفيلسوف ريتشارد فايمان (الزمن هو ما يحدث عندما لاشيء آخر يحدث).

بالحقيقة كلنا نعلم ان اسحق نيوتن مكتشف قانون الجاذبية كان يعتبر الزمن جوهرا كليا لانهائيا مطلقا. الى ان فنّد هذا الرأي انشتاين في النظرية النسبية العامة عام 1915 قائلا الزمن نسبي.

لا نيوتن ولا انشتاين اعتبرا الزمن الارضي هو (توقيت) زمني نسبي وهو زمن واحد كوني في خاصيته الكليّة المتفردة انه ليس موضوعا يدركه العقل. وان هذا النسبية بالزمن تكون لدينا اوضح حين نتعامل مع موضوعة الزمن قياسا بسرعة الصوت وليس بمقياس سرعة الضوء. ومعلوم ان سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت كثيرا (تبلغ سرعة الصوت 355 مترا في الثانية. وتبلغ سرعة الضوء 300 الف كيلو متر في الثانية في الفراغ).

لماذا اهتدى العلماء الفيزيائيين الى اهمية ترتيب فهمنا للزمن بتوقيتات زمنية تبدأ من الثانية وتنتهي بالفصول الاربعة بمعيارية قياس سرعة الصوت على الارض. هذا التقسيم بين التوقيت الزمني الارضي النسبي واختلافه عن الزمن الكوني هي ليست حقيقية بمعيارية وحدة الزمن النسبية على الارض وفي الكون معا الغير قابلة للتقسيم والتجزئة فالزمن لا يحده زمن حسب ارسطو لايجانسه فمثل هذا الزمن غير موجود.. لذا نطلق على زمن الارض (توقيتا) بالاستدلال الفيزيائي على حركة الكواكب في المنظومة الشمسية. وان التوقيت لقياس مقدار حركة الاجسام لقطع مسافة معينة انما هو زمن استدلالي حيادي فقط ولا يكون موضوعا مستقلا يدركه العقل.

اذا اعتبرنا أن الزمن سبب معياري لقياس مقدار حركة جسم ما لقطع مسافة معينة. والزمن محايث حيادي ميكانيكي لا يدركه العقل كموضوع مستقل عن الاجسام المتحركة التي يحتويها. مع هذا قال ارسطو في تعريفه الزمن انه مقدار حركة الجسم لكن الزمن ليس بحركة مستقلة وليس موضوعا للعقل. عندها يحدث الزمن حين يكون كل ما لا يقع تحت سطوة المطلق الزمني الذي هو في حقيقته المثبتة علميا نسبيا المحايث لكل موجود او موضوع يدركه العقل. كما ورد في عبارة ريتشارد فايمان.

هل طبيعة العقل جدلية كما يقول هيجل؟
وهل قوانين الطبيعة وجدت يحكمها الجدل الديالكتيكي كما يقول انجلز؟
لا تعتبر مصادرة فكرية فلسفية قولنا ان كلتا العبارتين خاطئتان.

في تخطئة عبارة انجلزفإن قوانين الطبيعة ثابتة فيزيائيا وهي قوانين ليست من صنع الانسان ولا يمكن التلاعب بها ولا دخل للانسان ان يحاول تغييرها بل قدرات الانسان معها هو في كيفية اكتشافها والاستفادة من تطبيقاتها في تحسين حياته والتكيّف المتعايش مع بعضها.

قوانين الطبيعة الثابتة يغلب عليها طابع الثبات العلمي والفيزيائي الدائم ولا تعي ولا تدرك تلك القوانين اهمية الدخول في جدل مع قوانين والظواهر التي هي من صنع الانسان. فالثابت من القوانين الطبيعية لا يدخل مع قوانين العقل المصنوعة انسانيا المتغيرة باستمرار.

الديالكتيك الجدلي سواء في المادة او التاريخ يحكمه القانون الاول (وحدة وصراع الاضداد) بمعنى حركة التطور التاريخي جدليا اول ما تتطلب هو وحدة قطبي التناقض، وتعني الوحدة هنا وحدة قطبيي التضاد الجدلي بعلاقة تجانس نوعي متماثل بينهما فمثلا لا يمكن حدوث جدل تطور وحركة تضاد ديالكتيكي بين شجرة وحيوان. فهما لا يحملان المجانسة النوعية الواحدة كما ينفقد بينهما عامل التضاد بينهما. لذلك لا يحصل جدل بينهما ولا يمكن ان يحصل.

فالديالكتيك في المادة والتاريخ ومظاهر الطبيعة، كل نوع من جدل يحصل بين واحد او اكثر من ظواهر ما مررنا به المادة والتاريخ ومظاهر الطبيعة يجب ان يحصل بين قطبين متضادين يحملان المجانسة النوعية الواحدة كما يحملان التضاد في وجوب زوال السلب على حساب فوز ونجاح الايجابي الذي يحمل استحداث ظاهرة جديدة هي الاخرى محكومة بجدل تغييري دائم لا يتوقف. اذن كي نحصل على ظاهرة جدل ديالكتيكي علينا التوفر على:

  • طرفان متضادان تحكمهما المجانسة النوعية الموحدة المتماثلة التي تجمع بينهما على صعيد وحدة التجانس النوعي.
  • الطرفان المتضادان اللذان يشكلان طرفي الجدل هما طرفين تحكمها الحركة الدائبة المستمرة في رضوخهما لتقبل التغيير الذي سيكون حاصل عملية التضاد بينهما جدليا بوجوب اندثار وزوال احد الطرفين لحساب الاخر.
  • كل جدل ديالكتيكي بين متضادين لا يتم الا في مساعدة ظروف موضوعية لا علاقة لارادة الانسان بها. وهذه الظروف تسمى العوامل المساعدة.

الترجمة
مقدمة
تقدم لوز أسكاراتي ، مع كتابها التخيل وفقًا لبول ريكور، عملًا طموحًا وأصليًا. طموح قبل كل شيء ، لأنه دراسة يتبعها مفهوم الخيال خلال اللحظات المختلفة للفكر الريكوري من قراءته الأفكار الأولى لهوسرل إلى القضايا السياسية والاجتماعية في اليوتوبيا. لذا فإن القصد الأساسي لهذا العمل يتكون من تأليف مقاطع مختلفة من مجموعة بول ريكور والتي عادة ما يتم النظر فيها بشكل منفصل: على وجه الخصوص، يتمثل الجانب الأساسي لقراءة ريكور من قبل المؤلف في إعادة تقييم أهمية الفينومينولوجيا في هرمينوطيقيته . تتكون الأطروحة التي تم الدفاع عنها في إظهار أن تطوير فلسفة التخيل من قبل ريكور هو استئناف وتحسين أحد الأشكال التقليدية للفينومينولوجيا ، أي التباين التخيلي أو المخيالي [1]. من خلال قراءته لهوسرل ، كان ريكور قد رأى في الأدب الخيالي من وجهة نظر منهجية الإدراك الأكثر كمالًا للإزالة الإقليمية (أي حقيقة الارتقاء من الحقيقة نحو الماهية) إلى العمل في فكرة التباين الأولاني ، موردا قويا للتفكير في اليوتوبيا بالاختلاف مع الأيديولوجيا في حوار متجدد مع النظرية النقدية وعلم الاجتماع البراغماتي. في الواقع، إذا تم بالفعل تنفيذ عمل أساسي حول مفهوم الخيال عند ريكور ، وكذلك على اليوتوبيا أو الخيال الاجتماعي ، فإن أصالة مقاربة أسكاراتي تتمثل في حقيقة ربط كل هذه الجوانب من الفكر الريكوري من خلال إقامة حوار بين ريكور والمنظرين الاجتماعيين الرئيسيين. في هذه المناسبة، تستخرج نصوصًا غير معروفة أو غير منشورة مثل محاضرات عن الخيال ومحاضرات حول الإيديولوجيا واليوتوبيا ، وتعتمد على مجموعة من الأدبيات الثانوية التي ليست مألوفة في فينومينولوجيا اللغة ، مما ألهم العديد من المفسرين من أمريكا اللاتينية مثل روزماري ريزو باترون أو ماريانا تشو. لإبراز هذه الأصالة ، من الضروري الخوض في تفاصيل العمل ، والتي تتكون من جزأين. يتمثل الأول في إظهار التطور التدريجي للفلسفة الريكورية للخيال باعتباره دافعًا رئيسيًا لفكره ، وهذا يحدث بصورة ثانوية فيما يتعلق بفينومينولوجيا هوسرل. وتبلغ ذروتها مع أطروحة الأنثروبولوجيا الفلسفية ، والتي اقترحها بول ريكور بقصد وصف الإنسان بأنه قادر على التخيل ، وهو مفهوم من المفترض أن يثير معضلة الفينومينولوجيا المتعالية لهوسرل بينما يعيد تنشيط "مطلبه ''.

     إنَّ الواقعية السِّحْرية لَيْسَتْ تَيَّارًا أدبيًّا يَجْمَع بَين الواقعِ والخَيالِ ضِمْن إطار إبداعي فَحَسْب ، بَلْ هِيَ فلسفة إنسانية مُتكاملة تَرْمي إلى اكتشاف العناصر الغامضة في الواقع المُعاش ، والانقلابِ عليه ، وإعادة إنتاجه أفقيًّا وعَمُوديًّا ، مِن أجل تَحويلِ العناصر الرُّوتينية إلى رُموز عجائبية ، ونَقْلِ الأنساقِ الحياتية مِن الرَّتابة الخاضعة للزمنِ والمكانِ إلى السِّحْرِ السائلِ في التراكيبِ اللغوية العابرةِ للتَّجنيسِ والحُدودِ. وبالتالي، تَصِير الأبجديةُ زمنًا مُتَدَفِّقًا ومَكانًا غامضًا ، يَلِد نَفْسَه بِنَفْسِه، ويتكاثر في آلِيَّاتِ الفِعْلِ الإبداعي ، وأدواتِ التَّعبير الفَنِّي ، فتنتقل الاستعاراتُ البصرية مِن المَلَلِ المَحصورِ في النظام الواقعي المادي الاستهلاكي إلى الدَّهشةِ الباعثةِ للأحلامِ المَكبوتةِ والذكرياتِ المَنسيَّةِ والرَّغَبَاتِ المَقموعة ، فَيُصبح الواقعُ الساكنُ وقائعَ عجائبية مُتحركة شكلًا ومَضمونًا ، ويُصبح الإنسانُ تاريخًا لانبعاثِ الحَيَوَاتِ السِّرِّيةِ مِن أعماقه السحيقة ، ونُقْطَةَ الارتكازِ في عملية الاندماج بين الماضي والحاضرِ والمُستقبَلِ . وإذا صَارَ الإنسانُ تاريخًا مُتَوَاصِلًا بلا قطيعة معرفية ، فإنَّ الوَعْيَ الإنساني سَينتقل مِن التَّكرار القاتلِ لِعُذوبةِ الرُّوحِ وتَدَفُّقِ الشُّعُورِ إلى التَّوليدِ الرُّوحي المُستمر للأحداثِ والوقائعِ . وإذا صارَ الواقعُ سِحْرًا دائمًا بلا انكسار شُعُوري ، فإنَّ بُنية الحضارة ستنتقل مِن كَينونةِ الزَّمَنِ المُستعارِ إلى كِيَانِ الحُلْمِ المُستعادِ .

     إذا كانَ الإنسانُ هُوَ الساحرَ الذي يُنَقِّب عَن وجهه بَيْن الأقنعةِ ، ويَبحَث عَن الأحلامِ الوَرديةِ في الواقعِ الجريحِ ، فإنَّ الواقعية السِّحرية هي انقلابُ السِّحْرِ على الساحر ، وهذا الانقلابُ لا يَكُون دمويًّا ولا مُتَوَحِّشًا ، لأنَّ الهدفَ مِنْه هُوَ إحلالُ الحِبْرِ مَكانَ الدَّمِ ، وتَتويجُ القَلَمِ سَيْفًا على الأوهامِ لا سَيْفًا على الرِّقَابِ ، وقَتْلُ الوَحْشِ داخل الإنسان ، ولَيْسَ قتل الإنسان . وبالتالي ، يُصبح العملُ الأدبي عمليةَ حَفْرٍ في الأحلامِ الورديةِ والحُلُولِ السِّحْريةِ في رُوحِ الزمنِ وجَسَدِ المكانِ ، ولَيْسَ حاجزًا عسكريًّا بَين الحُلْمِ والكابوسِ ، أوْ نُقْطَة تَفتيش عسكرية في مَسَارِ الفِعْلِ الاجتماعي المُنْدَمِج معَ التجربة الإبداعية الإنسانية . لذلك ، كانت الثقافةُ الحقيقيةُ هِيَ زَمَنَ الخَلاصِ لا زَمَنَ الرَّصَاصِ .

خصصت مجلة الفلسفة philosophie magazine عددها السنوي الأخير للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو. في محاولة مني لتقديم فكرة تقريبية عن هذا الإصدار الجديد، ركزت على مقدمات أربعة مقالات اخترتها كنماذج.

شاركت في هذا العدد فيكتورينا دي أولفيرا بمقال تحت عنوان: "الفرد في مواجهة السلطة".

قالت في مستهله إن ميشيل فوكو مات قبل أربعين عاما، لكن فكره ظل أكثر راهنية. سواء انتقد علاقات الهيمنة، أو هاجم السجون، أو الطب النفسي، أو الحياة الجنسية، فقد نفذ بصفته مؤرخا هذه المهام الهامشية، بينما وضح كيف تسير السياسة ومعايير الحياة اليومية جنبا إلى جنب.

تورد فيكتورينا جملة لميشيل فوكو من كتابه "أركيولوجيا المعرفة" (1969) يقول فيها: "أكثر من شخص مثلي بلا شك، يكتبون حتى لا يكون لهم وجه". لكن، تلاحظ الكاتبة، هذا الوجه مألوف جدا، حتى لغير المتخصصين في الفيلسوف. اجتذبت دروسه في كوليج دو فرانس، التي قدمت من عام 1970 حتى وفاته في عام 1984، حشدا كبيرا من المستمعين استوعبهم بالكاد المدرجان اللذان تم تخصيصهما لهذه المناسبة. إنه نجم يأتي الطلبة من جميع أنحاء العالم للاستماع إليه. إذا كان ساحرا، فربما يكون ذلك أيضا لأنه غير راضٍ عن مقاعد الجامعة ومهتم بالهوامش، في الوجود التي ليس لها الحق في أن يتم الاستشهاد بها في البحوث الأكاديمية. فكر فوكو في مثليته الجنسية، التي اختبرها في البداية بخجل، ثم اعتبرها أسلوب حياة في حد ذاته واقتراحا أخلاقيا. كان من الممكن أيضا مقابلته في نوادي المثليين بالعاصمة؛ الشيء الذي بلا شك ليس عبثا بالنظر إلى الاهتمام والفضول اللذين يثيرانه. وإذا أراد في البداية أن يرسم خطا على «وجهه» كما يقول، باهتمامه ببنيات المعرفة والعلوم، فإن منتصف السبعينيات شكل نقطة تحول كبرى في تفكيره. فالذات، الفرد أصبح عندئذ أساسيا بالنسبة إليه، وذلك حتى نهاية حياته. كيف جاءت نقطة التحول هذه؟

في محاولة جوابية تقول فكتورينا إن فوكو بدأ يحقق نجاحه الأول ككاتب عندما نشر كتابه "الكلمات والأشياء" (1966)، وهو كتاب عن آثار العلوم الإنسانية. ورغم أنه كان جافا ولم يكن بالضرورة موجها لعامة الناس، إلا أنه بيع "مثل الكعك الساخن"، كما أشارت صحيفة لو نوفيل أوبسيرفاتور، وأثار سجالات عديدة – سارتر، على وجه الخصوص، هاجمه بشدة.

في نظر الكاتبة، يتمثل نهج فوكو في تحديد القاعدة المشتركة في تاريخ العلوم، أي المصفوفة (épistémè باللغة اليونانية) التي انطلاقا منها تتطور هذه العلوم، وتفضل هذه المعرفة أو تلك، وهذا الخطاب أو ذاك. يسمح لنا علم الآثار (arkhè، تعني في اليونانية المبدأ) بالعودة إلى مصدر المعرفة المختلفة وتحديد القواعد التي تخضع لها المعرفة.

كثيراً ما أثير السؤال حول ما إذا كانت الفلسفة علماً، وإلى أي مدى هي علم، وما هي علاقاتها بالعلوم الأخرى. للعثور على الحل، يجب علينا أولا تعريف العلم. للوهلة الأولى، يبدو لنا العلم كنظام معرفي. لكن هذا النظام له أمر خاص يجب تحديده. للوصول إلى هناك، دعونا نرى ما هو هدف العلم.
يبدو أن العلم يحوز على غرض مزدوج: فمن ناحية يجب أن تلبي حاجة الروح؛ ومن ناحية أخرى، يهدف إلى تسهيل وتحسين الممارسة. حاجة العقل هذه هي غريزة الفضول والشغف بالمعرفة. أخيرًا، يهدف العلم دائمًا، إن لم يكن الهدف، إلى تحسين الظروف المادية للوجود، على الأقل، من خلال حقيقة أنه يسهل الممارسة ويحسنها من خلال شرح النظرية. ويحقق هذا الهدف المزدوج بوسيلة واحدة وهي التفسير. ومن خلال شرح الأشياء، يشبع العقل غريزة الفضول على أكمل وجه ممكن. إن معرفة أن الحقائق موجودة هي متعة أولى، ولكن معرفة سبب وجودها وفهمها هو إرضاء لمستوى أعلى. يمكننا أن نتصور العلم كصراع بين الذكاء والأشياء. اعتمادًا على ما إذا كان الذكاء منتصرًا أم مهزومًا، فإنه يرضي أو يعاني. إنها سعيدة بشكل خاص عندما تتمكن من فهم الشيء الذي تفحصه تمامًا، وفهمه، وجعله خاصًا بها، إذا جاز التعبير. هذا هو التفسير المثالي. لذا فإن الشرح هو أفضل وسيلة لإشباع غريزة الفضول. كما أنها أفضل طريقة لتحقيق الهدف الثاني للعلم من خلال جعل الأشياء قابلة للاستخدام بسهولة أكبر. عندما نعرف شيئًا ما بشكل كامل، يمكننا استخدامه بشكل أفضل وأكثر فائدة مما لو كنا نعرف وجوده فقط. لأن الشيء الموضح والمفهوم أصبح [كلمة غير مقروءة] نستخدمه أفضل بكثير من الشيء الأجنبي. في حين أن الحرارة، على سبيل المثال، التي نعرف قوانينها جيدًا، قد أدت إلى ظهور التطبيقات الأكثر فائدة، فإننا نستمد فائدة قليلة من الكهرباء، التي لا نعرف طبيعتها أو قوانينها الحقيقية والتي يكون استخدامها تجريبيًا بالكامل تقريبًا. لذا، فإن أفضل طريقة لتحقيق هدف العلم هو الشرح، يمكننا أن نقول: هدف العلم هو الشرح. لكن هناك شكلان من أشكال العلم وطريقتان للتفسير. تشرح الرياضيات من خلال البرهنة، أي من خلال إظهار أن النظرية المراد إثباتها متضمنة في نظرية أخرى مثبتة بالفعل، وأن ذكر أحدهما يعني ذكر الآخر، وأن أحدهما، في كلمة واحدة، مطابق للآخر. فالإظهار رياضيًا يعني إنشاء هوية بين المعلوم والمطلوب. لذلك تشرح الرياضيات عن طريق علاقات الهوية. كيف نثبت أن الزوايا الثلاث للمثلث تساوي زاويتين قائمتين؟ من خلال إظهار ما يجب قوله:

يبدو أن مفاهيم مثل القوة والسلطة والقدرة والاستطاعة متداخلة ومختلطة ومتشابكة وتحضر بشكل مكثف في مجال النظر والممارسة وتخترق بنية العقل وأنطولوجيا الفعل ولذلك تحتاج الى تحري وتحديد وتمييز. وفي هذا الصدد تثار الاشكاليات التالية: ماهي القوة الفيزيائية؟ وما المقصود بالسلطة السياسية وما معنى القدرة الاخلاقية؟ وهل تحتاج السلطة السياسية لكي تحافظ على كيانها القوة الفيزيائية أم القدرة الأخلاقية؟

بالمعنى الدقيق للكلمة، تشير السلطة إلى القدرة على الفعل، وتشير هذه القوة الفيزيائية إلى الفرد الذي يشهد من خلال هذه القدرة على وجود يحركه مبدأ "أنا أستطيع"، وهو مبدأ النشاط الذي يؤكد نفسه من خلاله في عالمه. وبما أن القدرة على الفعل تنطوي على أصل، فإن الفرد، من خلال ادعاء نفسه بأنه أصل الفعل، يكتشف قضية بديهية أساسية: القوة التي ليست سيدة على نفسها لن تكون سوى قوة رد فعل مغتربة، عاطفية. ولذلك فإن الفرد مدعو إلى أن يصبح مطيعا، من خلال تثقيف نفسه، لكل سلطة على نفسه، بحيث تصبح قدرته على التصرف في يده وحده. وبالتالي فإن ماهية السلطة الأخلاقية هي حق الفرد في القيام بعمله وامتلاكه والمطالبة بالاعتراف به، وهو ما يسمح لنا بقياس أهمية العلاقة بين السلطة وتأكيد الذات: من خلال الاختيار، نختار أنفسنا. لكن قد يقع المرء غالبا في الخلط بين السلطة والقوة ويحكم عليهما من خلال المظهر والتعريف وليس من خلال الفعل والممارسة.  هذه العلاقة بين تأكيد الذات والسلطة تسمح لنا بفهم الانبهار الذي تمارسه على الفرد جميع أشكال السلطة الاجتماعية: أفراد، سجناء الرأي، يخلطون بين المرئي والمعقول، ويستسلمون لوهم زيادة وجودهم بالمظهر. والذي يبدو مؤكدًا من خلال ممارسة الاختيار والقرار المرتبط بوظيفتهم: خدمة الذات بدلاً من خدمة وإخضاع الآخرين للسيطرة هو الاعتقاد بأن السلطة غير المنظمة تسمح لك بتأكيد نفسك على الخنوع. ما زال يعتقد أننا نفعل ذلك من خلال العمل، تمامًا مثل هؤلاء المؤلفين الذين ينشرون ما كتبه الآخرون لهم. كل هذه السلوكيات المدمرة للعدالة وللفرد، تنشأ من الخلط بين القوة والقدرة، وتغرق في الإفراط الذي يريد فرض النظام من خلال نشر فوضى اغتصاب السلطة.

  1. 1- هيدجر والعدم

تناولت سابقا باكثر من مقال متناقضات هيدجر المستترة خلف تعابير غامضة غير مفهومة لا قيمة فلسفية لها بخلاف الذين يرون الغراب صقرا.

عثرت مؤخرا على عبارة لهيدجر فاتني التعقيب عليها بمقالاتي الثمانية السابقة المنشورة لي عنه في مناقشة بعض مما ورد بكتابه الشهير(الكينونة والزمن) حيث يقول متفلسفا (الموجود هناك الديزاين الانسان هو ركض الموت الى العدم) .

الموت في الفلسفة او بالعلم هو مرادف لفظي للعدم ولا فرق ان تقول موت او ان تقول عدما فانك بكلا المفردتين انما تقصد فناء الكائنات الحيّة بيولوجيا بما لا تدركه عقولنا من سبب ولا من كيفية. في مقدمة هذه الكائنات التي يطالها الفناء الارضي هو الانسان.

والموت والعدم هما دلالة متطابقة بالجوهر والصفات غير المدركة عقليا. فالشخص يعرف دلالة الموت انها دلالة العدم لكنه يعجز عن تفسير ماهية كل من المفردتين ماهو الموت وما هو العدم؟. اذن كيف يركض الموت نحو العدم وكلاهما دلالة فناء الكائنات الحية واحدة.؟ الموت والعدم تعبرّان عن مدلول واحد هو الفناء.

 لو نحن اعتبرنا الموت او العدم لافرق في التسمية ولا في الدلالة انه (ذات) وهو ليس بذات لسببين الاول الذات تدرك ذاتيتها وتعيها لانها تمتلك الحياة , وتعرف خاصية ذاتيتها بالتامل العقلي لوجودها بحسب تعليل ديكارت الذات او العقل خاصية تفكيره هو اثبات لوجوده. وهذا لا ينطبق على الموت او العدم فالموت لا يدرك ذاتيته كما ولا تدرك عقولنا ان الموت يمتلك ذاتا يدركها تهرول نحو الفناء العدمي.

والسبب الثاني ان الموت لا يمتلك ذاتا هو ان الذات تدرك ذاتيتها ليس بالتفكير المجرد وانما بالمغايرة الموجودية مع غيرها من موجودات الوجود الطبيعة والعالم من حولنا..

شيء عن الادراك
في البدء الادراك هو ليس الوعي بالشيء. ان تدرك الشيء بالحواس هو معرفة موجوديته كموضوع وتسمى هذه العملية بالانطباعات الاولية. اما وعي الشيء او الموضوع فهو معرفة حقيقته عقليا وليس حسيّا فقط. دأب فلاسفة عديدون على تقسيم الموجود المدرك كموضوع الى مظهر هو الصفات الخارجية له والى محتوى دفين يدعى الجوهر. وهي تشبيه مرادف لقولنا شكل الشيء ومحتواه.

وخلاصة القول ان مقولة لماذا لا يكون مضمون الشيء منفصلا عن قابلية ادراكه التي يمتلكها الموجود المادي الشيئي كينونة مستقلة؟ مقولة خاطئة وفرضية تعسفية تحاول وضع العربة امام الحصان لاسباب اوضحتها سابقا واوجزها بكلمات:

اولا قابلية الادراك هي كيفية وسيرورة تجمع بين المادة وادراكها كما هي وسيلة معرفية لا تمتلكها المدركات لاتموضعا ماديا فيها ولا تجريدا تعبيريا يصدر عنها. بل يمتلكها الحس والوعي العقلي لها فقط.

ثانيا مضمون الشيء لا يكون موضوعا لادراك قائم لوحده منفصلا عن موجوديته المادية الموحدة شكلا ومحتوى. المضمون يحتاج دائما لشكل يحتويه وبغير هذه الملازمة لا يمكننا تصور مضمون بلا شكل يحتويه. كما ولا يمكننا تصور شكلا خاليا من مضمون او محتوى دلالي عليه كما في مثال الرسوم الهندسية المجردة فالخطوط التي يتشكل منها الشكل الهندسي تحدد مضمونه الهندسي الذي ندركه للوهلة الاولى فارغا ما عدا محدداته المستقيمة. في أن يكون دلالة على مثلث او مستطيل او دائرة وهكذا. اي ان ابعاد اشكال الخطوط الهندسية المجردة اعطت للحيّز المكاني الذي احتوته مضمونا متفردا هندسيا. المثلث نقصده ادراكيا بالتسمية على اساس خطوطه الثلاث ونحن لا ندرك من الوهلة الاولى الادراكية ان للمثلث ثلاثة زوايا مقدارها 180 درجة احدها زاوية قائمة الا بمعرفة مضمون المثلث واستعمالاته وليس في ادركنا شكله التخطيطي كخطوط مجردة.