
الحرية هي صيغه متكاملة ومتفاعلة في حياة الإنسان تنبثق من فاعليته الفكرية والسلوكية وترتفع خارج إطار الفردية و السكونية ,تدفع الواقع نحو الاتساع والتنوع في اختيار المواقف والتعامل معها بفاعليه وبشكل يحقق انتفاع الجميع من اختيارها كواقع يحض على تفعيل الإبداع والسلوك بعيدا عن الأنانية وجميع أشكال الصدام المبنية على تحقيق النفعية ضمن واقع مختلط بجميع الأمزجة والأهواء الفردية المتنوعة وتعزيز القيم المتساوية البعيدة عن الامتياز ضمن الواقع المعاش .
الحرية واقع يتسم بحرية الفكر والقول والفعل بدون غائية ولا تبعية وبعيدة عن التسلط والفوقية ,إنها تنتمي إلى واقع التبادل والتكافؤ في جميع المواقف السلوكية والفكرية ذات طبيعة سلمية وغير تابعة للقيم الفوقية والدونية وغير مؤطرة أو مرتهنة, لتكون قادرة على إحداث الحراك الاجتماعي والثقافي بأعلى قدر من الجدية والموضوعية. وفي واقع الكبت يمكن تصنيف الحرية ضمن قضايا مطلبيه نابعة من حاجات ضرورية لتحقيق التقدم الاجتماعي والحضاري مثل حرية التفكير والتعبير وحرية إقامة النوادي والجمعيات والأحزاب .... إلخ
وبقدر امتلاك كلمة الحرية من فضاءات واسعة يمكن استخدامها كصيغة واقعية لتبرير التصرف والاتجاه في المواقف المختلفة لحركة المجتمع وبنيته المؤسساتية ومجمل بنيته التحتية والفوقية, التي يمكن اعتبارها مصاغة على أساس الحرية, ولمعرفة منشأ الحرية علينا دراسة الذاكرة السلفية وتتبع صيغتها المفاهيمية فالحرية هي الحرية منذ الأزل إلى ما لانهاية لكن مدلول استخدامها تبدل ويمكن أن نؤشر على ذلك تاريخياً .
في المجتمعات البدائية كانت حرية جمع الثمار والصيد وحرية التنقل والجنس والإنجاب وغيرها من المواقف التي تتكيف المجتمعات وفق حاجاتها وتأمين بقائها .
فالحرية لم تكن محدودة الأبعاد لأنها ناتجة عن الضرورة وبالتالي كانت الأفعال الناتجة عنها نشطة لأنها تعبر عن الحاجة والبقاء .
ويمكن أن يوجه إلينا النقد لأننا نستخدم مفاهيم على مجتمعات لم تكن تعي ذاتها ولم تكن تعي أفعالها وتصرفاتها , لكننا غير قادرين على دراستها وفق حالتها فلسنا أفراداً منها وبيننا وبينها مسافات هائلة من الوعي لكن عندما نسقط إدراكنا على سلوكها إنما نسقطه كمقياس على هذا السلوك وفق طبيعة عصرنا الراهن ومفاهيمه, وبعد تغيير البنية الاجتماعية للمجتمع وانتقاله إلى عصر السيادة والعبودية تغيرت بنية الحرية وأُسسها وأساليب استخدامها وأصبحت من خصائص مجتمع السادة .