
وانما تُصبح إمرأة"
سيمون دى بوفوار
كتب فولتير يقول: "إن تقدم العقل بطيء بينما جذور الأفكار الفاسدة ضاربة فى العمق". هذه الجذور هى تحديدا ما أود أن أعرض له فى صدر هذا المقال وألفت النظر إليه، طالما أن أمر انتزاعها غير ميسر. والمسألة ـ كما سوف نلاحظ ـ تتطلب منا البحث والخوض فى أفكار وتصورات دفينة فى أذهاننا ـ معشر البشر ـ تتعلق بالمرأة وعلاقتها بالرجل، فضلا عما تتطلبه من مناقشة جادة لمكانة المرأة فى الفكر الأنسني الذى لطالما تمنيت أن يجد له ملاذا آمنا فى ربوعنا، باعتباره السبيل ـ ربما الوحيد ـ المتاح أمامنا للعودة إلى التاريخ(1).
أقول إن السعى الحثيث للتعرف على الأفكار والتصورات الدفينة فى أذهاننا، والتي تتعلق بالمرأة وعلاقتها بالرجل، والتى تشكل فى الوقت نفسه ميراثا، يُعتد به فى رسوخه وصلابته، لابد وأن يشكل البداية المنطقية لمقال كهذا. فلنلتمس إذن إجابة شافية على السؤال التالي: كيف بنى العقل البشري فكرة النوع؟
ولكن..كيف السبيل لمثل تلك الإجابة الشافية؟! إنها تتطلب بالضرورة قدرا من الرصد والتحليل، لا يمكن أن يسمح به الحجم المقرر سلفا لهذا المقال، فالأرجح أننا فى حاجة لدراسة تُخصص بأكملها لذلك الغرض، أتمنى أن تُتاح لي الفرصه لانجازها فى المستقبل! وحتى ذلك الحين، أرانى قانعا بأن المخرج الوحيد من هذا المأزق هو الاكتفاء بعرض أحد النماذج التفسيرية، بشرط أن يعبر في مجمله عن المحاولات المبكرة لبناء العقل البشرى لفكرة النوع، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لابد للنموذج المُختار أن يكون فلسفيا مدعما بالأسانيد العقلانية، تتفق فيه العديد من الأفكار الفطرية للشعوب البدائية حول هذا الموضوع..!
لقد وضع لنا الفيلسوف اليوناني أرسطو واحدا من أقدم وأبرز النماذج التفسيرية لعملية التناسل وتحديد النوع. وهو نموذج فلسفى مدعم بالأسانيد العقلانية، تتفق فيه العديد من الأفكار الفطرية للشعوب البدائية حول هذا الموضوع. إضافة إلى أن نمط التفكير الأرسطي ليس فى واقع الأمر غريبا عن خطابنا الحديث، لاسيما العلمي منه، فمازلنا حتى الآن نجهل على وجه اليقين مكمن القدرة على تحديد النوع!! وقد استند كاتب هذه السطور فيما يقول للكتاب الرابع من مؤلفات أرسطو "عن الجنس الحيوانى"، الذى كتبه، ما بين عامي 330 و322 ق.م. وفيه ينطلق أرسطو من فكرة تضمنتها أعمال من سبقوه(2).