كانط ومسألة التعليم الفلسفي - مصطفى كاك
بقدر ما يدعو هذا الموقف إلى الضحك فإنه يدعو كذلك إلى الإشفاق على مثل هذه النفس ذات الإرادة الطيبة والتي ضلت طريقها بدون شك. لكن، وبالمثل، ألا يوجد أولئك الذين حفظوا تواريخ الفلسفة، أي أسماء المؤلفات وسنوات الميلاد والوفاة، هم كذلك على طريق الضلال؟ صحيح أن الوقائع التاريخية يجب معرفتها في الفلسفة وهي تدخل ضمن ما يثير الحماس والانفعال الفلسفي؛ لكن المشكل المطروح هنا لا يتعلق بمعرفة ما يمكن أن يخلق "حمى فلسفية"، بتعبير صوريو، ولكن بمعرفة ما إذا كانت الفلسفة تصلح موضوعا للتعلم؟ أي ما إذا كان يوجد في الفلسفة شيء ينشأ عن امتلاكه نوع من المتعة عندما يرتاح الفكر؟ وبالتالي هل للفيلسوف الحق في الاستنتاج أم أن كلمته الأخيرة ستكون هي: "ابحث، وإبحث دائما، لكن لا تعثر على شيء!"؟من المؤكد أن أفلاطون يعلمنا شيئا ما عندما يقول: إن العلاقات التي تجعل سيولة الظواهر معقولة، لا تقل بدورها واقعية عن تلك الظواهر ذاتها، كما أن تلك العلاقات تمنح نوعا من الثقة والراحة الفكرية بخصوص الصلابة التي تضفيها على صورتنا عن العالم. كما يعلمنا ليبنتز أن تطابق الفكرة التي لدينا مع البريق الصادر عن نجمة بعيدة أو مع المذابح التي ينفذها الإنسان في الإنسان، لا ينبغي أن يفهم كفعل راهن لأحدهما على الآخر، وإنما كانسجام أو توافق، وهو بذلك يعلمنا كيف ندخل في علاقة توافق هارموني مع أفكار أخرى، وحقب أخرى.