
قد يبدو الأمر مثيرا للحيرة، حين نحاول البحث عن فكرة "حقوق الإنسان" انطلاقا من التاريخ الفلسفي، خاصة و نحن نعيش في عصر يشهد توظيفا متناميا لحقوق الإنسان، بعد أن تبلورت في المواثيق و معاهدات مؤسسة ترعاها المنضمات الدولية.
فإذا كانت "حقوق الإنسان" تشهد كل هذا الرواج، فما الذي سيضيفه العودة إلى جذور هذه الفكرة؟ أم أن في الواقع ما يدعو إلى الاهتمام بها أكثر، خاصة و أن حقوق الإنسان على الصعيد الواقعي تشهد تشويها و توظيفا إيديولوجيا، مما يجعل من هذه المنظومة مجرد شعار أو ظلت في مستوى "النوايا الحسنة" على حد عبارة كانط.
فهل يمكن القول أن الانتهاك الكبير الذي تتعرض له حقوق الإنسان يعود إلى كونها فكرة لم تتأصل بالشكل الكافي و هو ما يعرضها للتجاوز و التحريف؟ و أنها لازالت تحتاج إلى تجذير أو "تأسيس" خاصة و أن التأسيس يعني " الأساس و العماد الذي يقوم عليه البناء بمعنى الركائز و الدعائم"، و التأسيس هو التشييد و البناء ذاته.
بمعنى آخر التأسيس هو البناء النظري و يقابله على الصعيد التجريبي الالتزام؟
و لكن على ماذا تتأسس حقوق الإنسان؟ هل على الحق الطبيعي أم على القانون الأخلاقي؟
سواء كانت حقوق الإنسان تتأسس على الحقوق الطبيعية للإنسان أو القانون الأخلاقي، فإن ما يمكن التأكيد عليه أن "حقوق الإنسان" حق من حقوقه ، فهي جوهرية جوهرية الذات لأن الإنسان ليس سوى حقوقه. فإذا لم تكن حقوق الإنسان مجرد ملحق أو فكرة تضاف للإنسان، فإنها ليست ابداع للعصر الراهن، و إنها فكرة الإنسان ذاتها تستبطن فكرة الحقوق. إن هذا يعطي لنا مشروعية البحث في أصل و أساس حقوق الإنسان، حتى نتمكن من الدفاع عنها كجوهر أصلي. و هو ما يبرر العودة إلى فكر الأنوار حيث عرفت هذه الفكرة مخاضا فلسفيا مع فلاسفة العقد الاجتماعي و فيلسوف الأنوار كانط، حيث بدأت تتأسس فكرة حقوق الإنسان انطلاقا من سؤال "ما الإنسان؟" و هو ما يعني أن التفكير في "حقوق الإنسان" كان بالانطلاق من البحث عن تعريف للإنسان. فأي حقوق؟ لأي إنسان؟
إن البحث في حقوق الإنسان لا يكون إلا بتحديد ما هو الإنسان؟ لذلك سنبدأ بالإجابة عن هذا السؤال؟