صار الفكر الفلسفي نقمة على ابن رشد بعدما كان نعمة أيام لقائه بأمير المؤمنين أبي يعقوب، فأمره هذا الأخير برفع القلق عن عبارة أرسطو، لكن النقمة على ابن رشد ستظهر عندما قرر الخليفة يعقوب المنصور الموحدي إلحاق الاذى بابن رشد و جماعة من العلماء، فأصدر منشورا يتهمهم فيه بتهمة الانحراف عن الدين، يقول المنصور " و من عثر له كتاب من كتبهم ( ابن رشد و باقي العلماء ) فجزاؤه النار التي يعذب بها أربابه "
تعددت الروايات بخصوص مسألة النكبة فمن بينها نجد صاحب المعجب عبد الواحد المراكشي يقدم رواية يفسر فيها أسباب هذه المحنة فيقول " لها سببان جلي و خفي ؛ فأما سببها الخفي و هو أكبر الأسباب، فإن الحكيم أبا الوليد رحمه الله أخذ في شرح كتاب الحيوان لأرسطوطاليس صاحب كتاب المنطق فهذبه و بسط أغراضه، فقال في هذا الكتاب عند ذكره الزرافة " و كيف تتولد و بأي أرض تنشأ و قد رأيتها عند ملك البربر " [1]
و يضيف صاحب المعجب بأن هذا الخلاف استمر على ذلك الحال إلى أن استحكم ما في النفوس، ثم إن قوما ممن يناوئه من أهل قرطبة و يدعي معه الكفاءة في البيت و شرف السلف سعوا به عند أبي يوسف و وجدوا إلى ذلك طريقا بأن أخذو بعض تلك التلاخيص التي كان يكتبها، فوجدوا فيها بخطه حاكيا عن بعض قدماء الفلاسفة بعد كلام تقدم : " فقد ظهر أن الزهرة أحد الآلهة " فأوقفوا أبا يوسف على هذه الكلمة فاستدعاه بعد أن جمع له الرؤساء و الأعيان من كل طبقة، فلما حضر أبو الوليد رحمه الله قال له بعد أن نبذ إليه الأوراق، أخطك هذا فأنكر فقال أمير المؤمنين لعن الله كاتب هذا الخط و أمر الحاضرين بلعنه، ثم أمر بنفيه إلى قرية اليسانة قرب قرطبة، و كتب عنه الكتب إلى البلاد بالتقدم إلى الناس في ترك هذه العلوم جملة واحدة، و بإحراق كتب الفلسفة كلها إلا ما كان في الطب و الحساب، و مدينة اليسانة كانت موطنا لليهود، و جعلت الفيلسوف المضطهد ملجأ لدى تلميذه المزعوم موسى ابن ميمون، حتى إن بعضا من أعدائه جعل تأكيد هويته بأنه يهودي .