1anfasse02029-   شتان ما بين الإسلام والإسلام المؤدلج
مشكلتنا اليوم ليست مع دين الإسلام، بل مع الإسلام الإيديولوجي الذي صار ينفي وينسف كل ما بنته الإنسانية من صنائع وإبداعات عقلية.. فبعد النكبة الفكرية والانتكاسة العلمية التي عاشها آباؤنا الفلاسفة والعلماء (ابن رشد وابن باجة وبن طفيل وبن عربي والرازي والخوارزمي والكندي والفارابي والبيروني وابن سينا...الخ)  في القرون الوسطى الإسلامية، ها نحن اليوم نشهد بأم العين نفس المحنة ونعاينها بشكل واضح في واقعنا الاجتماعي، لكن بكيفية مختلفة عن تلك التي كانت في الماضي الوسيط.. فالفكر الديني الإسلامي في العصور الوسطى، كان يهاجم المنطق والفكر العقلي بتهم عديدة، أبرزها : الإلحاد، ونتائج هذه التهمة كانت هي : الذبح أو القتل أو الحرق أو التعذيب  والجلد حتى الموت. لقد سمعنا أن الفقهاء قد قتلوا الكثير من العلماء والمفكرين، بيد أننا لم نسمع يوما بأن فيلسوفا أو عالما قد قتل فقيها أو رجل دين. إن "شريعة التكفير والتقتيل" هاته ليست من صميم الدين ولا موقع لها داخل الوحي الإلهي، ولكن خوف الفقهاء على مصالحهم الإيديولوجية ورغباتهم المادية، وموقعهم السياسي داخل البلاط، يدفعهم إلى تبني مواقف عدائية من الفلسفة ومن كل العلوم النقدية، يتم تصريفها على أرض الواقع في شكل تهم باطلة ولا أخلاقية تدين الفيلسوف (بذريعة الكفر والإلحاد) وذلك تحت مبرر :"الدفاع عن الدين وقداسته".

2-    مغالطات مفهوم الإلحاد في "درس الإلحاد بين الوهم والحقيقة"
درس الإلحاد بين الوهم والحقيقة كما ورد في المقرر الجديد "في رحاب التربية الإسلامية" للسنة الثانية باكالوريا، ليس درسا دينيا بريئا، كما قد يخيل لدى البعض، بل هو درس إيديولوجي مشحون بقيم العنف والتطرف ومعاداة الآخر المختلف. ففي الدرس المذكور تمت الإشارة إلى  04 أنواع للإلحاد وهي :

anfasse20025لقد كان مصطلح الإغتراب يستعمل في البداية في مجال القانون، و كان يدل على التخلي على ربح أو ثروة لفائدة الأخر، كما وظف أيضا في مجال علم النفس بالحديث عن الشخصية المغتربة أو المستلبة الفاقدة لحريتها و وإرادتها التي تجعلها مغتربة عن واقعها الإجتماعي و يحيل الإغتراب كمفهوم فلسفي ظهرت دلالاته الفلسفية من القرن 18  إلى ارتباط وجود الفرد (تبعيته) بعالم الرغبة داخل وضعية محددة و يعرف لغة في المعجم الفلسفي بأنه «البعد عن الأهل و الوطن» و قد أصبح فلسفة متغلغلة  في المجالات الحياتية الإبداعية الملازمة للإنسان في عمله سواء المادي الجسدي منها  أو المعنوي السيكولوجي، علما أن الإغتراب كفلسفة معاناة للإنسان تطال كذلك الجانب الروحي له" الروح المغتربة " كما يسميها هيجل  فعنده مثلا « تشكل لحظة استلاب الفكر مرحلة من مراحل انغماس الروح في الطبيعة، حيث يفقد الفكر حريته. و قد يعني الإغتراب عند الآخرين، النشاط الخاص بالإنسان الذي يسقطه على قوى خارجية، إما على شكل تمثلات دينية (فيورباخ) فيصبح بذلك سجينا لها، و إما من خلال قوة اقتصادية غير خاضعة لإرادته و حريته و لكنها من نتاج شغله ( كارل ماركس )».
و نجد مفهوم الإغتراب من الوجهة الماركسية في علاقة تأثر بالهيجلية  تعتبره أي “الإغتراب” فقدان الإنسان لذاته، غريب أمام نفسه، ... وذلك لأسباب متمثلة في الأزمات، حروب ...  و الإغتراب عامة يعني فقدان الإنسان شخصيته، أعماله، الذات ... و تعتبر ظاهرة الإغتراب ظاهرة اجتماعية سيكولوجية، مرضية، بل مشكلة إنسانية عامة تعرفها كل المجتمعات .
مادام الإغتراب قد اخترق المجالات الأخرى التي تصاحب حياة  الإنسان خاصة ذات البعد الإكسيولوجي  من حيث القيم، الخير، الجمال ...  التي أخذت طابعا مأزوما  من ناحية  الإغتراب . و كما لا يخفى على الجميع  على أن العمل الفني  راهنا قد عرف أزمة من الناحية الجمالية فلم يعد يعرف الجميل  و الجليل من قبيحه، ولعل هذا الإغتراب هو الذي  دفعنا للتساؤل  و للتحليل و الإستفسار عن هذا الإستطيقي المغترب في العمل الفني  خاصة و الفن عامة ؟ فما المقصود بإستيطقا العمل الفني؟ وكيف يغترب الجميل من الفن؟  و ما أسباب و ما عوامل الإغتراب الفني ؟ و لماذا العمل الفني و ليس الفن ؟ أي مستقبل للفن في ظل هيمنة الإغتراب الفني في الأعمال الفنية ؟

anfasse20024"دافعوا عن عقولكم كما لو كنتم تدافعون عن أسوار مدينتكم.." (هيراقليطس).
استهلال
إن المتأمل في الفكر العقلي المنطقي، والمتتبع لصيرورته وظروف انبثاقه الزمكانية، يدرك لا محالة حجم الخناق والتضييق اللذين مورسا على هذا الفكر عبر التاريخ، بدءا من الزمن الإغريقي القديم، حيث أزمة الحرية الفردية وانتكاسة العقل الفلسفي مع المعتقدات الإغريقية الوثنية ومفارقات الديمقراطية الأثينية، مرورا بلحظة سيطرة المتعالي اللاهوتي المسيحي، وصولا إلى المحنة الفكرية العربية مع التفكير النقلي الإسلامي المتزمت... تاريخ حافل بالقتل والعنف والنفي والهجوم على العلماء والفلاسفة و الفكر العقلي النقدي.  تاريخ بلغت سموم لدغاته جسد حاضرنا وراهننا العربي أيضا.. فاستهداف الحرية الفردية والفكر الفلسفي النقدي والعلوم، متواصل بطرق ووسائل شتى، وعبر قنوات متعددة من بينها : الحس المشترك (أو العوام)، والدين والفتاوى الدينية، والبرامج التربوية، والمخططات التعليمية ذات النفس الإيديولوجي الوهابي، المشحونة بروح التطرف والتدجين الديني.. مسار طويل من المحن والاكتواء، ظل فيه الفلاسفة وأهل العقل يتجرعون كؤوس الألم قطرةً قطرةً، ولا مِنْ رحيم يحس بأوجاعهم أو يفهم مكنونات صدورهم وأفكارهم.. ألآم قاوموها بصبر وأناة، وكل ذلك من اجل بلوغ الأمل : أمل تحقيق الشرط الإنساني، وإعلان الإنسان كائنًا عاقلا، حرا، ومبدعا، يعلو بذاته على كل البهائم والعجماوات.
غير أن المفارقة المؤلمة التي يندى لها الجبين هي أنه وبعدما تمكن الإنسان الغربي من التحرر من سلطة اللاهوت المسيحي، وانعتق من لعنة

anfasse20020إن مفهوم الراهن يقع أو يتوسط ما هو منتسب للماضي وما هو منفتح على المستقبل، لذلك أحببت أن أخصص هذه السطور المحدودة لمساءلة هذه الأزمنة التي يسافر عبرها ومن خلالها السؤال الفلسفي. لذا فهذه الورقة قد تكتسي صبغة ابستمولوجية ونقدية، تحاول استقراء مفهوم الراهن من داخل نسق المعرفة الفلسفية في حد ذاته، كما قد تلتبس طابعا تجريديا لا هو بمحايث أو ترسندنتالي. وهذا لا يعني الإغراق في التأمل النظري وإتلافا للحلول العملية واليومية المباشرة الخاصة بجدليات الراهن والحاضر، كما تدعو إليه تيمة الموضوع، وإنما هي محاولة لتفتيق معالم رؤيا نقدية للراهن، والذي استبدله في هذه الورقة بمفهوم الحاضر، طالما أن الراهن لا يتمتع بالشحنة الفلسفية اللازمة لمفهمته ضمن نسق المعرفة الفلسفية.
يعدّ السؤال الفلسفي سؤالا ذا خصيصة مرتحلة عبر ثنايا الأزمنة كما نعلم، وهو لا يستكين إلى التحديدات الجغرافية، ولا إلى لغة الحدود، أو حتى قيود المسافات والمساحات المخطوطة سلفا لتساؤلات العقل. وبهذا الشكل فيمكن للفيلسوف أن يمارس "فن الترحال" من مكانه - مقتبسا المصطلح من لسان جيل دولوز الملقوب بفيلسوف الاختلاف - دون الحاجة إلى أن تطأ قدماه العوالم المائزة التي يهاجر إليها تفكيره ويدشنها قلمه الخصوب، راغبا؛ عاشقا في الاستكشاف؛ في المعرفة؛ في الحكمة أو محبتها على الأقل. كما لو أن هناك مدّ سانكروني ودياكروني يحمل السؤال الفلسفي إلى أن يكون فوق الزمن "au de la du temps" .
وبهذا يصعب القول إن الفيلسوف يستحضر الراهن بشكل مفصول عن الماضي والمستقبل، خاصة إذا تعلق الأمر بملامسة إشكالية فلسفيةproblématique philosophique ، لأن الإشكالية وكما لا يغيب عنا تختلف عن الإشكالproblème . فإذا كان هذا الأخير موصول بموضوع معين ينكب عليه تفكير الفيلسوف، نجد الإشكالية تنسحب على تاريخ الفلسفة برمته وتجرّ معها أثقاله وأمتعته النظرية. فمثلا إذا أخضعنا مفهوم الحقيقة للتفكير الفلسفي، تماشيا مع تيمة الموضوع، فهل هناك راهن للحقيقة ؟ بمعنى آخر، هل تؤسس الحقيقة شرعيتها انطلاقا من الراهن؟ أم أن  »نظام الخطاب «  هو من يعبّئها بمفاعيل النسق، كما أفرد مشروعه الفيلسوف ميشال فوكو.

anfasse20019رؤية
الفلسفة هي الوعي.. وتمثل الأساس النظري لرؤية ومكانة الانسان في العالم. والفلسفة هي الاشارة الأولى لانفصال عالم العمل الذهني عن العمل الجسدي. بمعنى آخر، بالتفكير الفلسفي يمكننا إدراك حقائق عن الكون والحياة عبر إدراك ماهية الأشياء. أي لا يمكن ان ندرك شيئا يفتقد للمنطق. لا يمكن ان نصدق ان الإنسان قادر على الطيران بدون آلة. لا يمكن ان نصدق ان البقرة تلد حماراً. لا يمكن ان نصدق ان هناك إنسانا يعيش على ثاني أكسيد الكربون.

الادراك
الإدراك هو تكوين صورة متكاملة لكل مواصفات الشيء، مثلا طاولة، لها مواصفاتها.. أي اختلاف في الشكل لا يلغي المواصفات.. هذا يعتبر إدراكاً لشيء، أي ان الإدراك يتّسم بالثبات والاستقرار النسبي وهو غير ممكن بدون وعي الانسان.

اللوجيكا
العلم كما تعلمون هو ميدان يبحث في مختلف جوانب الحياة بصفتها نسقاً متكاملاً، وهو أحد أهم ميادين النشاط البشري. لكن للعلم منطقه، منطق العلم... تعبيره اللاتيني "لوجيكا". اذن اللوجيكا هي المنطق العلمي.. والمنطق العلمي يرفض أي منطق آخر لا يعتمد على المعرفة والإثبات المدرك وليس بالاعتماد على اللغو والحكايات والتخيلات مهما كان مصدرها ومهما كان تقييمها عظيماً من البعض.
لا توجد ظاهرة في الطبيعة او الحياة او العلوم أو المجتمع، او عالم السياسة.. لا تفسير لها.. قد يكون تفسيراً ناقصاً، لكن له اسسه التي تقود الى اكتمال معرفة الظاهرة. من هنا اهمية الفلسفة أيضا لأن الفلسفة هي انتصار العقل على النقل والتأويل. اتركوا الحكايات للعجائز، لا شيء يخسرونه ولا شيء جديد يكسبونه. اما ابناء الجيل الجديد فقد يخسرون عقولهم وتقدمهم نحو القمة اذا لم يجعلوا من "اللوجيكا" – المنطق العلمي... مقياسا للحقيقة وقاعدة عقلية في قبول او رفض الطروحات المختلفة.

anfasse20017" اللاّعدالة بالمعنى الخصوصي للكلمة تتمثل في إلغاء المساواة في علاقاتنا مع الأشخاص الآخرين ، أي عدم احترام ما تتطلبه بلورة المساواة بين كل واحدة من حركاتنا وكل واحد من حقوقهم"1[1]
تعتبر مفاهيم المساواة والعدالة والقانون قديمة، اهتم بها أرسطو في الفلسفة الإغريقية وحدد العلاقات بينها بدقة وحاجة الاجتماع البشري إليها والدوائر التي تحضر فيها بشكل مطلق ومجال تغيرها بصورة نسبية.
بشكل خاص يعد مفهوم المساواة القيمة الأساسية للديمقراطيات الحديثة ويتم كذلك التعامل مع المساواة الديمقراطية على أنها تفيد الإقرار بالتساوي بين الناس في التمتع بالحريات العامة والحقوق الأساسية.
بيد أن هذا المبدأ لا يخلو من التباس ويستعمل بطرق مختلفة ويمنح معان عديدة وتحول مفهوم التفاوت من محور المجال السياسي إلى مبدأ المجتمع المدني وتجعل حديث اللاّمساواة في الجمع قد ظهر مع تشكل المجتمع الصناعي الذي عرف تشكل أنساق وشرائح وفئات وظواهر ومجموعات ذات تراتبية متعددة الأبعاد يتعذر تصنيفها وفق نماذج المجتمع الطائفي أو وفق السلم الذي ينقسم اليه المجتمع الطبقي.
إذا كانت المساواة تنطبق على القانون والسياسة والمجتمع ويجوز للفكر أن يشتغل على ضبط معايير المساواة القانونية والمساواة السياسية والمساواة الاجتماعية فإن التفاوت يشمل الاستعدادات الطبيعة والحظوظ ونظم التربية والتعليم وفرص الشغل وملكية الثروات وشروط الاستثمار ومعدلات التنمية.
من المعلوم أن أشكال المساواة تختلف بصورة نسبية عن بعضها البعض وتبدو مستقلة ومقتصرة على دائرتها الخاصة ولكنها في حقيقة الأمر ترتبط بنظام سياسي وقانوني واجتماعي واحد تشكل تاريخيا.

anfasse11022أولا: سياق عام
يندرج أولمبياد مادة الفلسفة في المغرب ضمن الأنشطة التربوية المدرسية غير الرسمية، بحيث لا تنظمه أية مذكرة وزارية ولا يقره لا منهاج تدريس مادة الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي ولا التوجيهات التربوية الخاصة بالمادة ولا اصلاحات منظومة التربية والتكوين، ولكن في الآن ذاته لا تلغيه ولا تعرقل انجازه. ويعود هذا التقليد إلى مرحلة الثمانينات من القرن الماضي حيث دشنت بعض مجلات الفلسفة مسابقات خاصة بالتلاميذ في الكتابة الانشائية ولا ادل على ذلك تجربة مجلة "الجدل". ومع مطلع الالفية الثالثة وما أقره الميثاق الوطني للتربية والتكوين من ضرورة انفتاح المؤسسات التعليمية والمنظومة التربوية ككل على الأنشطة التربوية وانشطة الحياة المدرسية وتفعيل مبدأ الشراكات كآلية للتسيير، دشن مدرسو الفلسفة أول الأمر تجارب متعددة ومتنوعة للأولمبياد منذ سنة 2009، ساهمت فيها بشكل كبير الثورة التكنولوجيا الجديدة واطلاق الانترنيت للعموم. هكذا دشنت مواقع فلسفية مغربية (نموذج فيلو مغرب سنة 2009 تحت اشراف الأستاذ سعيد إيماني وبعض معاونيه) أولمبياد الانشاء الفلسفي حيث يتم تحكيم الموضوعات واعلان النتائج. ومن تم أطلقت مبادرات الأولمبياد على شكل مسابقات في الكتابة الانشائية الفلسفية طوال سنوات عدة، توجت بمسابقات فلسفية متنوعة موجهة لتلاميذ السنة الختامية من البكالوريا. وفي ثانوية ادريس الحارثي سينطلق الاولمبياد الفعلي ليتطور في نفس المدينة الى أولمبياد جهوي ينعقد كل سنة، وأخذت جهة بني ملال خنيفرة بعد ذلك المشعل والتي دشنت هذه التجربة في نسختها الثانية في ماي 2016 (سبق وأن نظمت مسابقات الأولمبياد في العديد من المدن المغربية منها: الدار البيضاء 2009، ايت بعمران 2010، تارودانت 2012، كلميم 2014، زاكورة 2015...).
تزامن هاجس توسيع التجربة على الصعيد الوطني مع انعقاد المؤتمر الاستثنائي للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة (الجديدة 7 و 8 ماي 2016) بعد عقد ونصف من جمودها وركود نشاطها، بحيث خلص المؤتمر الاستثنائي إلى ضرورة صياغة مشروع وطني لأولمبياد الفلسفة مع مطلع الموسم المقبل.

anfasse11017تقديم
في سياق   الوعي بالوافد الجديد الذي كشف عن صياغة جديدة للتاريخ العالمي ،وأمام إشتداد الوعي بالتخلف ووعي بضرورة مجابهة الركود و الأخطار الجديدة ،وأمام وعي لا يستطيع أن يتجاهل أن عالما جديدا شق طريقه نحو التقدم، أجبر الفكر العربي النهضوي على القراءة الجديدة والطموحة لذاته ولتاريخه .فطرحت أسئلة واعية تبحث عن تحديد حقيقي للذات والهوية ،هل هي أمامنا أم وراءنا ؟ في ماض ناجز،أم في مستقبل نريد تحقيقه ؟هل تكون بقياس الغائب على الشاهد و الإحتماء بالخصوصية الحضارية والقيم التي كانت وراء مجد حضارة العرب.أم تكون في استعادة و استلهام وتبني تاريخ الآخر المتقدم ليحل محل تاريخنا الخاص؟  .
أمام هذا الإختلاف الواقع في كيفية تلقي وإستيعاب الحداثة الغربية، إرتأينا أن نرصد موضوع الحداثة، إنطلاقا من الفكر الفلسفي المغربي، كفكر إهتم بحاضره، وانشغل بهموم زمنه، مشكلاته آفاقه وتطلعاته، خصوصا وأنه إنخرط في الإشكالية المركزية، التي فرضها وضع التخلف العربي، "لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟". فالمفكرين المغاربة أمثال عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، والخطيبي وغيرهم، جعلوا مشاريعهم الفكرية خدمة لموضوع الحداثة المغربية/ العربية، لكن نظرا لشساعة الموضوع (موضوع الحداثة) ،الذي يتجاوز محدوديتنا كأفراد، وإختلاف شاكلة / صيغة تناوله من طرف المفكرين المغاربة، إرتأينا توخيا للدقة واقتصاد الزمن، الإعتماد/الإكتفاء على أحد المحاولات الجادة والرائدة، في الإجابة على سؤال التخلف والنهضة في العالم العربي، وهي محاولة المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي؛  الذي أقصر جهده للعناية بموضوع التأخر العربي، والتنظير لكيفية تجاوزه،و الذي نشكل نحن الآن رمزا لاستمراره، فالعروي  دعا منذ كتاباته الأولى (الإيديولوجيا العربية المعاصرة، العرب والفكر التاريخي...) إلى ضرورة إنجاز ثورة كوبرنيكية في الوطن العربي، ثورة بالمعنى الذي يجعل العرب يتجاوزون تقوقعهم حول ذاتهم، والقيام باستيعاب منطق التجربة الحداثية الغربية، كتجربة أتبثت نجاحها تاريخيا وذات بعد كوني، وتمثل مكاسبها الإنسانية العلمية والعقلانية والحضارية، للدخول في المشاركة الفعلية في عملية التقدم والتطور البشريين، بل ذهب به الإعتقاد، إلى أنه ليس لتقدمنا طريق غير هذا الطريق المشرعة أبوابه " فالحداثة موجة العوم ضدها مخاطرة. ماذا يبقى؟ إما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة، وإما نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون من الناجين في أي رتبة  كان" ([1]).

anfasse11016استهلال:
" يستطيع المرء ،على أي حال،  أن يقول، من أجل أن يكون مفارقا بعض الشيء، أن إحدى مشكلات الإسلام اليوم تعود بالتحديد إلى واقع أن السياسة ليست مقدسة"1[1]
قلما وجد محور أساسي خضع للجدل والمناقشة مثل الإسلام من جهة المعتقد والإيمان والرسالة والدين وكذلك في مستوى الثقافة والتراث والسياسة والتاريخ الاجتماعي للمسلمين. فالهجومات الإيديولوجية التي أثيرت حول العلاقة القائمة والممكنة بين الطرفين غير قليلة ومن مشارب متعددة وموجات الإنكار والذم بينهما لا تحصى ولا تعد فقد تجاوزت مستوى ادعاء التفوق والريادة إلى ممارسة الهيمنة والاستيلاء.
بيد أن الحوار الأكثر صخبا هو ذاك الذي انعقد بين الإسلام والغرب وتشكل مع الحضارة التي ارتكزت على الإغريق والرومان مع الاعتماد على اليهودية والمسيحية في نسخة دنيوية معلمنة وتناسي إسهامات المشرقيين في نحت ملامح الكونية وإجحاف في حق الإسلام وغظ الطرف عن دور المسلمين في الحداثة.
ما يمكن ملاحظته هو وجود تداخل كبير وتشابك متواصل بين الإسلام والغرب منذ القدم إلى حد الساعة وذلك لانتشار الدين الإسلامي والعلوم العربية والثقافة الشرقية داخل الفضاء الجغرافي والسياسي لأوروبا واختراق الثقافة الغربية عن طريق تعدد البعثات التبشيرية والنخب الجامعية والحملات العسكرية والغزو الاقتصادي والاستعمار السياسي والاجتياح الحضاري التي أنتج التبعية والموالاة باسم الأمان والانتداب.

anfasse30130الفلسفة الأولى التي سميت بأشراف العلوم والمعارف لكونها النظر  في العلل الأولى إذ تبحث عن الحقيقة السامية التي تشغل بال الفيلسوف طيلة مسيرة سؤاله حتى انتقاله إلى جوارها فهي  كما اخبرنا الكندي " :  أنها أشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى: أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق. ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشراف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف: لأن علم العلة أشرف من علم المعلول[1] " ، فالفلسفة الأولى أو المتافزيقا كما سماها تلميذ أرسطو " اندرونيقوس الرودسي " في القرن الأول قبل الميلاد عندما صنف مؤلفات أرسطو فجاءت تلك النصوص بالتصنيف بعد البحوث الطبيعية ، وفيما بعد أخذ الفلاسفة في العصور الوسطى هذا العنوان ليشيروا به إلى الموضوعات التي ناقشها أرسطو في الميتافيزيقا بوصفها موضوعات تأتى بعد الموجودات الطبيعية ولا تعرف بالإدراك الحسي لأنها تناقش بالعقل المجرد الخالي من الشوائب الحسية لأن الحواس مخادعة وواهمة إذ لا تصل بنا إلى الحقيقة التام والكلية عكس النظر العقلي الذي هو السبيل إلى عالم المثل[i] وقد اختص أرسطو علم ما وراء الطبعة بدراسة الوجود بما هو الموجود والبحت عن العلل الأولى لهدا الوجود .

anfasse22135تـــمـــهــــيـــــد
لا وجود ليقين تام بخصوص المعرفة العلمية، كل معرفة تتخللها ثقوب سوداء لا يمكن ردمها، في الليل والضباب علينا أن نراهن، وأن نعي شروط وإمكانيات وحدود المعرفة،  وترابطها مهما تضخمت وتعمقت في التخصص، لذلك يرفع فكر التعقيد التحدي بربط المجزأ ووصل المفصل وتحاور التناقض والتعايش معه. لأن معرفتنا بذاتنا والعالم أضحت مشوشة بعدما انهارت أسس التفكير في الكون بانهيار أسس الكون، فنحن لا ندرك العالم بل فقط صورته هذا ما وصل إليه التطور العلمي، فإذا كانت المعرفة العلمية كثيرة ومعقدة في عمقها وتخصصية فإنها جاهلة. لماذا؟ لأنها منفصلة، نحن نعرف ولكن هل نعرف معنى المعرفة؟ نفهم ولكن هل نعي معنى الفهم ووعي الوعي؟ مبرهنة غودل تقول "لا يمكن لنسق مركب مصورن أن يجد في ذاته برهان على صحته" في الواقع علينا الانطلاق من هذا المعطى السالب لصياغة تصور أو خطاطة معرفية نفهم من خلالها العالم.

تبدو الحقيقة بديهية لكن بمجرد ما نحاول أن نسألها تنفجر وتتفرع في اتجاهات ومناحي عدة منها ما يؤدي إلى اليقين والصدق ومنها ما يؤدي إلى الضلال والتيه والدوغمائية والوهم. من الآن فصاعدا علينا البحث عن إمكانية الحقيقة، وبالتالي الأمر مناط هنا بمعرفة المعرفة كبراديغم معرفي جديد يعي الشروط الثقافية والنفسية والاجتماعية والانتربولوجية للمعرفة، ويعي بأن الخطأ والوهم يتقدمان جنبا إلى جنب مع المعرفة.

إن فصل المعرفة وتجزيئها لا يؤثران فقط في إمكانيات المعرفة، بل يتجاوز ذلك إلى نقص في فهم ذاتنا ومحيطنا البيئي. كان حلم منظومة التبسيط-تلك المنظومة التي تعود جذورها إلى ديكارت- بناء علم إنساني يتحكم ويسيطر على الطبيعة ويجعلها في خدمة الإنسان وتلبية لمصالحه ونزواته. هذا الحلم أصبح كابوسا بعدما تم اكتشاف ثقوب سوداء في العالم قابلتها ثقوب سوداء في العلم.
لا نجد بدا إذن من الاستعانة بالابستومولوجيا المعقدة، لأنها في نظرنا هي من باستطاعتها تفهم تعقيد العالم، ببناء تعقيد على مستوى الفكر، فالرهان الذي أخذه ادغار موران على عاتقه هو"قلب أسس الكون بقلب أسس التفكير في الكون"، بهذه المقولة يمكننا تلخيص مهمة الابستمولوجية المركبة، لكن لماذا الابستمولوجية المركبة؟ لأنها مجردة من الأساس، فبدل الانطلاق من "العبارات الأساسية" أو "عبارات البرتوكول" كأساس للمعرفة يمكننا الانطلاق من كل مكان ومن اللامكان، من الواحد والمتعدد، من بنية شبكتها ليست تراتبية ولا هي منسقة ومنظمة، فالمنهج ليس خطا مرسوما مسبقا في فكر التعقيد بل مجرد دليل يمكن من لمس الطريق، وإعادة تنظيم المعرفة دون ادعاء امتلاك المعرفة، ويمكن أن ننعت ابستومولوجيا التعقيد بأنها ابستومولوجيا فوقية، لأنها تتجاوز الابستومولوجيا التقليدية وتتضمنها في نفس الوقت.