anfasse09069لا يمكن أن نخوض اليوم في مسألة المقدّس دون أن نشخّص السيرورة التاريخية التي جعلت من هذا المفهوم دون غيره محلّ سؤالنا.فمنذ الثورة الفرنسية و فلسفات العقد الاجتماعي ففلسفة التنوير،عرف العالم ما يسميه مارسال غوشي "حركة نزع السحر عن العالم" و هي حركة تميّزت بانتقال الديني إلى مجال المفارق و استقلالية المحايث الاجتماعي و السياسي عن كل تفسير ديني غيبي ممّا جعل من الإنسان فردا مستقّلا قادرا على تأسيس الحياة العامّة دون الاستناد إلى المرجعيات اللاهوتية بما أنّه لم يعد للمؤسسة الدينية من مبرر لتنظيم و تفسير حياة الإنسان.تجد هذه الحركة جذورها الأولى في الثورة العلمية الحديثة التي تجاوز من خلالها العلم التفسيرات الأنتروبومورفية الأرسطية ليحطم بذلك الكوسموس و يستند إلى الرياضيات وحدها لتفسير ظواهر الطبيعة من خلال الترييض و التكميم و هندسة المكان و إن كانت هذه الثورة علمية فإنها غيّرت من موقع الإنسان في الطبيعة و جعلته بعبارات ديكارت "سيّدا و مالكا لها" كما أنّها غيّرت من معنى العالم بالنسبة للإنسان فأصبح فضاء للتجربة و التحرّر و انقلبت حالة العجز السابقة إلى حالة قدرة فاعلة.وعلى إثر هذه الثورة،أصبح الإنسان قادرا على نقد الأفكار الدينية خاصّة تلك التي تنزع عن الإنسان دور الفعل و تمنعه عن الحريّة و المعرفة العقلية و نجد هذا خاصّة في الثورة الإصلاحية البروتستانتية التي قام بها مارتن لوثر في القرن السادس عشر ضدّ منح صكوك الغفران و الشفاعة التي يوهم بها القديسون المؤمنين و حالة الوهم التي تنشرها الكنيسة في صفوف المؤمنين من أجل ضمان طاعتهم العمياء دون تفكير أو إعمال للعقل.

anfasse09067مقدمة
    أعلن جيل دولوز في حوار "ما بعد الموت"(1) الذي خص به كلير بارني، عن رغبته القوية في تأمل السلطة الرعوية. فقد شكك في تأكيد البعض عن تراجع عمل هذه السلطة داخل المجتمعات المعاصرة، في حين أثنى على العمل المثير الذي اضطلع به كل من باروخ سبينوزا وفريديريك نيتشه وميشيل فوكو والمتمثل في إبداع مفهوم الكاهن، والذي له علاقة مباشرة بمفهوم السلطة الرعوية. فإذا كان نيتشه وسبينوزا قد خلفا مقاربة فلسفية مثيرة حول مفهوم الكاهن اليهودي والمسيحي، فإن مقاربة فوكو لهذا المفهوم وللسلطة الرعوية تطرح تساؤلات مقلقة حول علاقته بالمسيحية، وجرأته في قول الحقيقة عن هذه الديانة التي كانت بمثابة الحقل الثقافي المفضل باستمرار لديه. يتعلق الامر باختزال فوكو لقضية المسيحية عموما في أبسط عباراتها من قبيل "مراقبة الافراد" الطاغية لديه، والتي قوامها الأركان الثلاثة للسلطة الرعوية: الذاتية والجنسانية والحقيقة(2). الاكيد أن الإهتمام التاريخي والفلسفي لفوكو قد انصب حول موضوعة "الذات"، مع متابعة مختلف أنواع الخطابات وأشكال الممارسات المرتبطة بانبثاقها وقول الحقيقة عنها. يشير فوكو إلى أن قول الحقيقة عن الذات، كان موجودا في الثقافة الإغريقية والرومانية، لكن المسيحية ستقوم بخطوة حاسمة لتحوير ثقافة الذات القديمة والتاسيس لطقس "الإعتراف" وما يستلزم ذلك من اعتراف بالذنوب وإجراء التوبة وطلب العون من أشخاص مميزين (كاهن، قس، مدير، رئيس...)، أو الإستعانة بتقنيات ومؤسسات. في سياق هذه التحولات، سينبثق مفهوم السلطة الرعوية، والذي سيتوج بالإعتراف الطبي والإعتراف القضائي خلال القرن التاسع عشر.

anfasse22057"أنا مخترع علم نفس الكاهن"
نيتشه
   لم يتردد جيل دولوز بعد تقاعده سنة 1987 من تأكيد رغبته في طرح أسئلة فلسفية بعيداعن المباشرة والجانبية والتجريد، إذ هناك حالات لا تمنح الشيخوخة فيها شبابا أبديا، وإنما على العكس حرية تامة وضرورة خالصة. يتعلق الأمر بسؤاله حول مفهوم الحزن والشخصيات التي مثلته منذ فجر التاريخ، شخصيات لاتكتفي بالتمثيل ولعب الأدوار، بل تحاول قدر إرادتها و"ذكائها" تمرير عواطف حزينة للآخرين، شخصيات عمرت طويلا، وفرضت نفسها على الأفراد والجماعات والشعوب. كانت رغبة دولوز متجهة نحو رسم لوحة لهذه الشخصيات، لوحة ابتدأ العمل عليها منذ أواسط القرن السابع عشر مع باروخ سبينوزا، ثم مع فريديريك نيتشه، وأخيرا مع ميشال فوكو. اهتم هؤلاء الفلاسفة في جانب مهم من أعمالهم على البحث عن أصل أحكامنا الأخلاقية، وعلى الكشف عن  التشكل التاريخي لسلطة كانت محتاجة باستمرار إلى حزننا كي تجعل منا عبيدا. وكانت مهمة الفكر مع هؤلاء مركزة على وضع حد نهائي ل"نظام الأحكام الأخلاقية". لقد ساهمت في تشكيل هذا النظام الأخلاقي شخصيات مثيرة حقا، اعتمادا على قدرتها على استعمال الخيال وفرض الطاعة وتطبيق الأخلاق، ونذكر من بينها: شخصية "الكاهن"؛ شخصية قادت أكبر عملية تزوير للأخلاق وقلب لها، مستهدفة الحط من قيمة الحياة وكرهها ومحاكمتها ونفيها. ضدا على هذا الهوى الإرتكاسي، أقدم فريديريك نيتشه، على إبداع فكر مضاد لتيولوجيا الكاهن: فلسفة نقدية وعلم مرح، وتصور جديد للوجود مبني على فضح اضطراب الروح وكشف وهم "العالم الحقيقي" وتأكيد قوى الجسد وإثبات الحياة.

anfasse15054إن نظرة أولية إلى تاريخ الأفكار والمعارف تكشف عن كون الممارسات الاجتماعية والفكرية مرتبطة أوثق الارتباط، وإن كان لا يمكن الإقرار بتبعيـة من درجـة ما من اللزوم فيما بين المستويات المختلفة. ويمكن ملاحظة أن وتيرة تطور الأفكار والفنون والتقنيات متناسبة مع درجة التفاعل والتداخل فيما بينها : إذ كلما كان التفاعـل قويا كانت استفادة مختلف الميادين أكبر ؛ وكلما انعزلت عن بعضها البعض، بفعل عوامل عقدية أو سياسية مثلا، ركدت، وربما تراجعت.
يمكن الحديث في موضوع التفاعل بين المعارف انطلاقا من بعض المبادئ :
أ) ـ تناغم الكون : فكرة تناغم الكون شكلت، فرضية فلسفية مهمة لدى جل المذاهب، إن لم يكن لدى كلها. وتتمثل هذه الفكرة في اعتبار الكون وحدة من المكونات والعناصر تتماسك فيما بينها وتتواصل، بحيث تتأثر باقي العناصر بكل ما يجـري للبعض الآخر، قليلا أو كثيرا.   فحركة الأجرام ترتبط بانتقال الضوء ودوران الميـاه على الأرض ونمو النبات… الخ.  هكذا تكون كل المكونات مترابطة فيما بينها بدرجات معينة، تؤثر وتتأثر ببعضها البعض.
وتختلف المذاهب الفلسفية والعقدية في التعبير عن هذا التناغم المسلم به: فيسميه بعضها بوحدة الوجود؛ وتقطع فيه أخرى مناطق متعددة، متحدثة عن عالم الجماد وعـالم النبات؛ وترسم فيه أخرى مستويات متدرجة بين الحسي والعقلي؛ وتصنفه أخرى إلى عالم حسي وآخر مثالي، وتتحدث أخرى عن عالم زائل وآخر خالد. وتنشئ المذاهب أنماطا وجودية، تسند لـها درجات معينة من الأهمية، بواسطة نسج الصور والمفاهيم التي تتوفر لـها في ظروف تاريخية محددة.

hayim-berlmanأسعى في ورقة البحث المقدمة هذه**، إلى الدفاع عن الأطروحة التي تشير إلى أن طبيعة الاستدلال الفلسفي raisonnement philosophique هي في الأصل طبيعة بلاغية rhétorique. وانه بمقدار ما يزعم فيه هذا النوع من الاستدلالات أن براهينه تقوم على مجموعة من المقدمات الخاصة به وحده، فهو يوطد، في واقع الأمر، صلته الوشيجة مع عدد من الافتراضات المتآلف على صحتها بشكل معتاد؛ والتي تتكون من المبادئ principes السائدة؛ والمفاهيم notions  الشائعة والحُجَج العامَّة أو المشتركة  lieux généraux ou communs. 

وآمل أن أتمكن هنا من توضيح أن هذه الأطروحة المتعارضِة إلى حد كبير مع اغلب المزاعم السائدة في التقليد الفلسفي، هي ليست بأطروحة اعتباطية. بل على العكس تماماً، هي أطروحة متوافقة تماماً مع المناخ الفكري في عصرنا؛ وأن محاولتها المتمثلة في إعادة العلاقة بين الفلسفة والبلاغة إنما ستضمن خصوصية الفلسفة من جهة؛ وستحفظ من جهة أخرى مكانة البلاغة. وذلك من خلال إعادة الاعتبار لمفهوم الحُجَج العامَّة باعتبارها تمثل نقطة الارتكاز والانطلاق لكل فلسفة إنسانية ممكنة. 

في البدء، ينبغي أن نشير إلى أن القول الذي يزعم لنفسه امتلاك جواب ساريّ المفعول valable وكلي عن سؤال: ما هي الفلسفة ؟ لا يمكن له إلا أن يكون جواباً دوغمائياً ومتضمناً على قصور كبير أيضا. لأنه على مدار التاريخ، لم يكن ينبني تعريف الفلسفة في كل مرة يجري فيها ذلك، إلا على أساس تفضيل وإعلاء حُجَج خاصّة بأنساق أنظمة فلسفية معينة مقابل الاستبعاد والحطّ من الحُجَج المعارضِة لها.

anfasse15053" لا مجال للحديث عن شيء من الأشياء إلا بفتح العين على الاختلاف والفرق وعلى العرض والأثر" [1]
 توجد العديد من الشروط والظروف حولت الخلاف إلى مشكل يعيق التواصل ، ويسبب التوتر بين الذوات والمجموعات ، ويؤدي إلى العنف المادي والرمزي ويمزق النسيج الاجتماعي ويكرس التشنج والتصادم.
لقد ظهر الاختلاف يوم برز  تفاوت بين أفهام الناس في مداركهم العقلية وتباينت أغراضهم ومقاصدهم ومصالحهم  واضطربت المواقف والمعتقدات بينهم حول رؤية العالم ، وظهرت النزعة الفردية للإنسان والشعور بذات مستقلة تدفع إلى التميز والتفرد ، وتحولت الذاكرة الجماعية المثقلة بالجراح والاهانات والميراث المليء بالكراهية والحقد إلى مصدر إزعاج وتوتر يعوق التقدم ويمنح انبثاق الحياة المشتركة.

anfasse08054jpg" أعترف بأني ولدت وفي نفسي نزعة عقلية تجعلني أجد اللذة القصوى في اكتشاف الحجج بنفسي، لا في الإصغاء لحجج الغير" [1]
إذا كان ديكارت، إسوة بأفلاطون، قد جعل من العقل الإنساني صورة من العقل الإلهي ينطبق عليه ويعبر بالضرورة على آثاره في مخلوقاته بصورة رياضية وظل واثقا من قدرته على فهم أسرار الكون واكتشاف قوانين الطبيعة التي تتماثل مع قوانين العقل المطلق ، فإن كانط تحت تأثير هيوم ونيوتن قد وضع حلا نقديا لمبدأ المطابقة وشيد العقلانية النقدية لتحل محل العقلانية المطلقة الديكارتية ، وجعل شروط التجربة الظاهرية تفرض بالضرورة على الطبيعة قوانين الفكر ، وألح على أن تمتثل الطبيعة لأطر العقل حتى تتم معرفتها وانتبه الى أن الذات العارفة هي المشرعة على الصعيد العلمية ولكن رأى أنها لا تدرك من العالم الخارجي الا ما يتم تمثله وفق مبادئ العقل وقوانينه التي يضعها بنفسه.
على هذا النحو تكمن الإشكاليات الرئيسية التي أثيرت حول حاجة المقاربة العقلية للمراجعة النقدية في الأسئلة التالية:
 هل من تعارض في أن يكون العقل ملكة نقدية وأن يحقق التواصل بين الذات ونفسها والعالم والآخر؟
هل يشتغل العقل بصورة بديهية أم وفق مبادئ وقوانين؟ وهل هذه القوانين فطرية أم مستمدة من التجربة؟
هل هناك عقل كلي واحد ينطبق على جميع الناس أم توجد فقط عقول فردية تشتغل وفق خصوصية معينة؟

anfasse01060 من البديهي أن موضوعة العنف تثير اليوم جدلا واسعا بين أهل النظر من الفلاسفة والمفكرين، ولَإن صادروا على واقعيتها، فإن الاختلاف بصدد المصادر التي يمتح منها السلوك العنيف يظل سيد الموقف. وإذا كانت هناك بعض التصورات تؤكد على الطبيعة الطبيعية للسلوك العنيف، فإنه يمكن القول بالمقابل أن للمعطى الثقافي الدور الوازن في بلورة أسس دوافع هذا السلوك، خاصة حينما يصبح هذا المعطى ضمن المسكوتات/المحرمات الاجتماعية  المحاطة بهالة من التقديس التي لا يجوز انتهاكها. فكيف إذن تنتج ثقافة التحريم السلوك العنيف؟
   في البداية يمكننا التأكيد أن ثقافة التحريم التي تتحقق في العبارة التالية: "من الحرام أن..."، لا يمكن إلا أن تكون ثقافة واحدية وأحادية: واحدية لأنها لا تعترف بمشروعية أية ثقافة موازية، وترتد بالمقابل على نفسها في إطار انغلاقها الثقافي التشريعي، فهي الخصم والحكم في نفس الوقت، وأحادية لأن الغاية التي تنشدها واحدة، وكل غاية لا تنتمي إلى الغاية-المجموعة التي تدعو إليها تعتبر لاغية، ولما كان الأمر كذلك فإن ثقافة التحريم هاته هي ثقافة لا يمكن أن تنتج إلا التعصب، هذا الذي يكون المشرع الأول للعنف، فبأي معنى يلزم العنف عن التعصب الذي يسم ويصم ثقافة التحريم المقدسة؟
   إن التعصب هو عنف تمارسه الذات تجاه الغير اعتقادا منها أنه على خطيئة(رمت هنا المعنى الديني ،حيث يكون العنف مقدسا تجاه الفعل المدنس الذي ليس إلا خطيئة مصدرها الغِوَاية الشيطانية ،يمكن أن نستحضر هنا فعل الأكل الآدمي ،أو فعل القتل القابيلي) أي أنه فعل نبذ يقوم به الإنسان -فردا كان أو فئة- للمختلف عنه لا للمشارك ،وقد يكون هذا الإختلاف في الملة أو في السياسة أو في العلم ...عموما في تصور الأنا للعالم ،وذلك من منطلق أن هذه الأنا الأخرى على ضلالة ،بينما الأنا المتعصبة تكون دوما مصيبة في أحكامها وأفعالها أيضا ،كما أنها تمتلك اليقين والصدق التامين بصدد ما تتعصب من أجله ،طالما أنه مقدس ،والذي يمكن أن يكون قولا أو فعلا أو مكانا ،شخصا ،رقما...لكن إذا كان الأمر على هذا المنوال كيف يمكن لفكرة أو قول أو رقم حتى ،أن يكون جدرا للتعصب ودافعا لممارسة العنف؟

anfasse23047" إن الإنسان يكون قيما على نفسه بقدر ما يكون عيشه على مقتضى العقل وبالتالي لأن المدينة تكون أشد بأسا وأكثر استقلالية بقدر ما تقوم على أساس العقل وتحتكم به"[1]
تمهيد:
لا يكسب الإنسان صفة المواطنة إلا ضمن إطار الدولة والانتقال من وضعية الفوضى الطبيعية إلى الحالة المدنية ولا يصير فردا يمتلك جملة من الحقوق ويحترم قيم العدالة إلا في إطار سيادة الدولة. وكأن الفرد دون مواطنة هو كائن بلا إنسانية ودولة دون سيادة هي كيان بلا وظيفة ودون نجاعة، ولذلك استوجبت النظم الديمقراطية احترام العدالة الاجتماعية وتوفير الحقوق الأساسية للمواطنين.
لكن هل يكفي إيجاد نظام ديمقراطي في دولة ذات سيادة لكي يتمتع معظم الأفراد بصفة المواطنة؟ ماهي شروط قيام الديمقراطية في الدولة؟ هل هي توفير المواطنة بالحق أم حماية السيادة بالقوة؟ ألا يعود تفشي الاستبداد والظلم وإنتاج الفوارق الاجتماعية إلى الحوكمة السيئة للموارد والثروات؟ والى أي مدى يتطلب إعطاء الحقوق للأفراد إيجاد آلية تسهر على توفير مطلب العدالة الاجتماعية؟
 الرّهان الذي يمكن استهدافه من خلال دراسة هذه الإشكاليات يتمثل في تفادي كراهية الديمقراطية والتخلص من العوائق التي تحول دون تجسيدها على أرض الواقع ( الطغيان، الاستبداد، الشمولية، العنصرية) والسعي لتحقيق الموازنة بين حقوق الأغلبية وحقوق الأقلية وإعطاء الفرد منزلة لائقة.
المهارة البيداغوجية التي تبقى موضوع اشتغال في الساحة الحقوقية راهنا هي تنمية الشعور الوطني  وتعزيز قيم التعاون والتكافل والارتقاء بالروح التشاركية والمنزع البنائي وتثمين العقل الجمهوري والذكاء الاجتماعي وربط الهوية الفردية بالذاكرة الجمعية والتراث القومي والرأسمال الرمزي.
1- الفرد بين المجتمع والدولة

anfasse23045المرام من هذا المقالة المصغرة هو تقديم قراءة في الفصل الرابع من كتاب الماركسية وفلسفة اللغة لصاحبه ميخائيل باخيتن، وهو الفصل الذي يعرض الاتجاهات الفلسفية-اللسانية التي تحدد موضوع فلسفة اللغة، وهو ما يبين لنا أن الإشكال الأصلي لهذا الفصل هو موضوع فلسفة اللغة، إذ أن تحديد  هذا الموضوع هو الذي سيبين لنا المنهاج الأصلح لمعالجة هذا الفرع المعرفي، وهو التحديد الذي يمكن أن يقدم عبر تعريفات شاملة للغة والكلمة، كما أنه يمكن القول ولو على سبيل التأويل أن الهدف من عرض باختين لهذه الاتجاهات الفلسفية، هو البحث عن حدود الاتصال والانفصال فيما بينها من أجل ضبط قولها والانتقال إلى نقدها في فصول أخرى. 
فما هو المنطلق الذي يقدمه ميخائيل باختين من أجل تحديد موضوع فلسفة اللغة؟ يقول:
"ليس الذكاء هو الذي يبحث، في بداية العملية الاستكشافية – بانيا القواعد والتعريفات- وإنما العيون والأيادي هي التي تجتهد من محاولة القبض على الطبيعة الواقعية للموضوع." ، فهل تتجلى واقعية اللغة بما هي الموضوع المعرفي المدروس، في كونها ملموسة ومحسوسة بالتعريف الضيق للمادية؟، يجيبنا باختين بأن هاته العيون والأيادي غير قادرة البتة على الإمساك بطبيعة اللغة، وهو الشيء الذي لا ينفي أن لها طبيعة محسوسة ممثلة في "الصوت"، لذا نجده يعبر فيقول بأن الأذن ربما هي الأقرب للإمساك  بهذه الطبيعة المحسوسة، غير أن ذلك يفتحنا على إشكال آخر، فدراسة الصوت بما هو ظاهرة فيزيائية من اختصاص الفيزيائيين، بالتالي كان الصوت لا يعبر عن الحقيقة الكاملة والطبيعة التامة للغة، أما إذا تم الاقتصار  على الميكانيزمات العضوية المنتجة للصوت أو كذا النشاط الذهني/الفكري المولد للغة، سيتم اختزال ما يسميه باختين "الواقعة اللغوية"  في ما هو نفسي وعضوي، وهذه الجوانب الثلاثة المكونة لطبيعة للغة دون أن تكون هي ذاتها الطبيعة الكاملة للغة، تضعنا أمام مستويين، الأول: أن طبيعة موضوع فلسفة اللغة هي طبيعة متشابكة ومركبة، الثاني: أنه بالرغم من عدم إقصاء الجانب الفيزيائي (الصوت) والعضوي والنفسي، لم نصل بعد إلى الطبيعة الواقعية الكاملة لواقعة Factum اللغة، مما يدعونا وبحسب باختين إلى البحث عن جانب آخر  مما يجعله شرطا في تحديد اللغة، وهو  ما تم التعبير عنه بـ الشرط الاجتماعي. يقــول باختين:

anfasse16051" يجب إصلاح الذهنيات لفهم القيمة الحيوية للفهم وهذا ما يفترض بطريقة تبادلية إصلاح التربية"[1]
 تقوم البيداغوجيا المركبة التي يقترحها موران على ثلاث مهارات يفترض أن يقتدر عليها كل مدرس:
-  الوصل بين المعارف نظما وتأليفا وربطا وتركيبا وليس تجميعا أو مراكمة أو تكديس أو خلط.
Relier les connaissaces  ويكون الغرض هو استهداف معرفة المعرفة.
-   شحذ الذهن بشكل تام la tete bien faite وذلك من خلال التمرين والتحضير والتركيز والإعداد من أجل عرض وتدريس المشاكل الجوهرية والضرورية بدل أن تظل مخفية وجوهرية.
-  إدماج الاختصاصات الموجودة من أجل رفع التحديات التي تعترض حياتنا الفردية والثقافية والاجتماعية والكشف عن الألغاز العميقة التي تتعلق بالكون والحياة والكائن البشري .
على غير عادة الحداثة الغربية يدشن موران حقلا يند عن كل قرار تجتمع  فيه الأفكار الفلسفية والمعتقدات الدينية دون الوقوع في الوثوقية والاختزالية والتبسيط والمراوحات ودون الارتداد للتعصب واللاّتسامح.
لقد أعلن موران عن خطته المتمثلة في التداخل بين الاختصاصات ملكي فعل تربوي من أجل مستقبل  قابل للتطبيق والحياة والنمو وواعد بالممكنات.
من هذا المنطلق تتمثل المعارف الضرورية من أجل إصلاح التربية في النقاط التالية:
1- إدراك المعارف العمياء  les cécités de la connaissance
من اللازم تحقيق التواصل بين المعارف في مستوى الأدوات والصعوبات والمطالب من أجل معرفة ما يتم معرفته والتعامل مع المعرفة على أنها أداة وقائية من المخاطر الدائمة وعلاجية من الأخطاء والأوهام.
" من الضروري أن يدشن التعليم ويطور دراسة في الطبائع العصبية والذهنية والثقافية للمعارف البشرية، ولمساراتها وكيفياتها واستعداداتها سواء الفيزيائية أو الثقافية التي تكون تحمل خطر الخطأ أو الوهم"[2].