إن ما يميز الفلسفة عن باقي التخصصات المعرفية هو كونها لا تكتفي بالبحث في أهم الإشكالات التي درجت على مناقشتها عبر تاريخها، بل على العكس من ذلك، تجعل من ذاتها موضوعا للتساؤل المستمر، وهي السمة الأساسية المحايثة للتفكير الفلسفي منذ نشأته إلى حدود الفترة المعاصرة، حيث استقلت مختلف المباحث العلمية ما جعل سؤال ما الفلسفة يطرح ذاته بقوة أكثر. في هذا الصدد يتبلور الإشكال الآتي:
كيف عالجت الفلسفة مسألة تعريفها لذاتها عبر التاريخ؟ وما الإشكالات التي يطرحها هذا التعريف؟
    لا شك أن للفلسفة موضوعات ومباحث كبرى تبلورت منذ الفلسفة اليونانية، وهو ما يعرف بالمباحث الفلسفية الكبرى (الوجود، المعرفة، الأخلاق والسياسة، الجمال). غير أن ظهور الفلسفة لم ينفصل عن البحث عن ماهيتها، لدرجة يمكن القول أن كل فلسفة قدمت تعريفا وتصورا خاصا للفلسفة ذاتها. ذلك ما سيتضح من خلال هذا العرض الفلسفي، مع الإشارة إلى أن سؤال "ما الفلسفة؟" سيطرح بقوة في الفلسفة المعاصرة بشكل خاص.

علوم الأوهام هي المجالات التي تأتي من جانب علمي، لكن بناء على خرافات علمية؛ مثل قانون الجذب والعقل الباطن والتنويم المغناطيسي. كل هذه المجالات التي تعتمد على الطاقة بين الكون والإنسان، أتت من نظرية الأثير؛ وهذا الأخير هو المجال الكوني الذي اعتقد إسحاق نيوتن أن الأجسام تتحرك فيه؛ ليأتي إنشتاين بنظرية النسبية التي نفت وجود هذا الأثير! وشهرة أنشتاين تزايدت لهذا السبب، لأن الكون كان يتم النظر له من خلال رؤية نيوتن، ليقلب أينشتاين هذه الرؤية.
 نظرية الأثير، سيعتمدها طبيب نمساوي يدعى مسمر Mesmer ومن اسمه اشتقت كلمة mesmerize التي تعني التنويم المغناطيسي. مسمر أراد تطبيق هذا الأثير في مجال الطب، وذلك لعلاج الناس عبر جذب الشفاء من طاقة هذا الأثير الكوني (كان لمسمر اعتقاد بقوة الأبراج وتأثير الكواكب)؛ سينتقل مسمر لمدينة باريس لإقامة صالون، يضم ديكورات وألوان وموسيقى، يسبب الجو فيه حالة تنويمية للزائر، ويتاح لهذا الزائر لعب الدور الذي يريد - يقفز، يرقص، يغني، يتشقلب إلخ. تترك هذه التجربة نوعا من الارتياح لدى الزوار؛ لتزداد شهرة مسمر مع هذا الشكل من التنويم العلاجي، فصار الأمر أشبه بحفلات تنكرية. وقد تطرقت لهذه الجوانب بإيضاح في كتاب خطورة الإنسان.

تم تقديم مداخلة بعنوان : "الإيتيقا من حيث هي فلسفة تطبيقية" ضمن أنشطة مركز الدراسات بقرطاج تضمنت مقاربة نقدية لأزمة القيم التي يعاني منها المجتمع المعاصر في مستوى الأسباب والمخارج.
يأتي هذا النشاط في سياق فك العزلة عن علم الفلسفة ومنح المشتغلين بها أدوارا عمومية والاستفادة من المباحث الأكاديمية المتقدمة في مجال الأخلاقيات والإنسانيات والاستئناس بالنتائج التي أفضت إليها بغية معالجة الاحراجات الإيتيقية التي تطرحها التطورات العلمية والتكنولوجية وأفرزتها المطالب الحقوقية للأنواع الاجتماعية التي عانت من التمييز والازدراء على غرار الأقليات والأطفال والنساء والمعوقين.
انطلقت المحاضرة من سبر للآراء تم تنظيمه في الفضاء الافتراضي وشارك فيه عدد من المهتمين حول أسباب أزمة القيم التي تعصف بالمجتمع ورصدت انقسام الاستبيان بين سوء الحوكمة وتراجع الأخلاق ولاحظت وجود تداخل بين العامل السياسي والعامل الأخلاقي ترتب عنه انتشار للعدمية القيمية والحيرة الأكسيولوجية مع التنصيص على التحلي بالأخلاق الحميدة والسياسة العادلة من أجل بناء مجتمع سوي.
ضمت المداخلة ثلاثة أقسام كبرى تربط بينها فكرة ناظمة أساسية تتمحور حول عاجلية الدفاع عن الحقوق والحريات للفئات الهشة في سبيل احترام الكرامة البشرية وتوفير شروط أساسية تضمن تحقيق الإنساني.

"تتشكل الآن حالة من العبودية المعممة، فلنحرص على أن يتشكل عصر نبالة"
فريديريك نيتشه
تقديم
     شجع انهيار النظام الإشتراكي نهاية القرن العشرين ومنظومته الفكرية، على الإحتفاء بالرأسمالية وإيديولوجيتها الليبرالية. ولاقت  شعارات المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان تجاوبا في أوساط المثقفين والأساتذة وطلاب الجامعات. فتحول الإهتمام بالفكر الإشتراكي والأمل في الثورة ونهاية "صراع الطبقات" إلى الإشادة بفكر الأنوار وقيم "الحداثة" و"ما بعدها". لكن ما غاب عن هذه "الموجات الإيديولوجية"، هو تشكل "عبودية معاصرة"، تزامنت مع ولادة الدولة الحديثة، وابتكارها لسلطة وتكنولوجيا سياسية تعمل من خلال الجسم الإجتماعي وتقيم علاقات غير متساوية ولا متناسقة، كما تتفنن في إخفاء والتضحية بمبدإ المساواة النظري كما يعلنه باستمرار القانون والفلسفة السياسية. لم تكن غاية الدولة الحديثة تحقيق المساواة والعدل والحرية، بل تثبيت مسلسل القهر والإخضاع، الهيمنة والإستغلال، وبالتالي تشكيل "عبودية معممة". من اللازم هنا، الإشارة إلى مختلف الإبتكارات والإبداعات الحديثة التي همت تقنيات السلطة وأجهزتها ومؤسساتها و فروع المعرفة الإنسانية والعلمية، والتي ساهمت تفاعلاتها في إنتاج وضع مريض، حرّض على الإكتشاف، وتجريب القوة، وتحصيل السيطرة والهيمنة. ولضمان استمرار الوضع وتثبيته، أقنعت الدولة الحديثة مواطنيها / رعاياها بالإستفادة  من منجزات "الحداثة"، والإكتفاء بوجودهم الإجتماعي المتوافق مع روح العصر؛ أي "عبوديتهم الطوعية".
إن الإحساس بخطورة استمرار الوضعية الإرتكاسية للإنسان الحالي، هو الذي حفزّنا على التساؤل عن صيرورة أخرى لهذا الإنسان ذاته؛ أي إمكانية تدشينه لصيرورة فاعلة؟
1-ولوج "عصر الفراغ" والحاجة إلى "إنسان آخر"

" البناء الفلسفي هو ضرورة تفكيك ،أي تقويض ، يستكمل عن طريق عودة تاريخية للتراث، لكل ما يتم إرساله، وهذا لا يعني أبدا نفي التراث ولا إدانته وضربه بالسلب بل بالعكس التملك الايجابي لهذا التراث" [1]
إن كانت الفلسفة من حيث المنطلق تدرج ضمن بقية الأشغال الذهنية التي يقوم بها الكائن البشري لذاتها فإن مهنة الفيلسوف تكون مضنية وتطلب كثير من التضحيات والإصرار على التفكير والإحاطة بالأشياء.
إذا كانت ممارسة فعل التفكير الفلسفي هي التجربة التاريخية التي تضع الكائن المفكر في الطريق الذاهب بالإشكاليات المطروحة إلى التخوم والأقاصي فإن الرسالة الوجودية التي يجدر بالفيلسوف أن يضطلع بها هي تحرير الحقيقة من الظن والوهم والاغتراب واللاّحقيقة وتحقيق الحرية بالالتزام والانعتاق والاقتدار.
لطالما ظلت صفة الفيلسوف في المناخ العربي الإسلامي مستهجنة وغير مقبولة من الوسط الشعبي وفي الدوائر الثقافية النخبوية وتجلب السخرية وتدفع الحشود إلى إبداء التعليقات الممتعضة والتهكم الزائد على الحد وتجعل المعني بالأمر في موقف محرج لا يحسد عليه ويختار إما الهروب والانزواء والإقامة في موقع متعال أو الاحتماء بالسلطة ووضع نفسه على ذمة المؤسسات المعتنية بالشأن العام ويلتصق بالنظام.
التعالي يدرج الفيلسوف في العالم المعقول ويسمح له باجتياز حدود التجربة والخروج من دائرة المحسوس وفك أسرار الكون وتفسير أسرار الطبيعة وإدراك الحقائق الغيبية بطريقة حدسية والنفاذ إلى الجواهر.

استهلال:
"نعيش لحظات ولادة جديدة والحطام العربي بدأ بالتفكك"
لم تكن البداية الحقيقية للمفكر طيب تيزيني في عالم الثقافة العربية قد حدثت بعد حصوله على دكتوراة  أولى في الفلسفة سنة 1967 وإصدار كتاب باللغة الألمانية سنة 1972 بعنوان "مقدمة في الفلسفة العربية الوسيطة" بعد ذلك ، وحصوله على دكتورا ثانية في العلوم الفلسفة سنة 1973 ، وإنما حينما طرح على العموم " مشروع رؤية جديدة للفكر العربي" وأعقبها باقتراح نظرية في التراث تهتم بقضية المنهج ، وأطلق عليها تسمية " من التراث إلى الثورة" وأبدع من خلالها قراءة غير معهودة لتاريخ الفكر العربي.
في الواقع لقد خاطر المفكر تيزيني بنفسه وبالفلسفة عندما بحث في التراث والفلسفة كنسقين معرفين ووضعهما جنبا إلى جنب ، وقام باستدعاء التراث إلى الحظيرة الفلسفية وتطبيق المناهج الفلسفية معاول نقدية في الموروث ، وجازف بالموقف الفكري للنخب بطرح قضية خلافية وعرضها على محك الجدل.
حينما اقترح الدكتور على المتابعين مشروع رؤية جديدة لقراءة الفكر احتاج إلى وضع نظرية في التراث العربي بغية الانتقال به من العصر الجاهلي إلى الحقبة المعاصرة وبالتالي المرور من التراث إلى الثورة.

    هناك من الناس من يقتل الحياة بعمق، وهناك من يجعل منها حقيقته الأولى والأخيرة.. في مقابل ذلك، هناك من يقول "نعم" للحياة بغض النظر عما تقدمه له، وهناك من يقول "لا" لما قدمته إليه لأنها لم تحقق طموحه، ولم تستجب لحاجياته.. ومن الناس أيضا من أضفى على الحياة حياةً تستحقها، ومنهم في نفس الآن من قتل الحياة فيه وهي حية، وبما أن الإنسان حال وأحوال، فقد كان لزاما التوفر على عينة من جنود هذه الحياة، كما كان من المنطقي وجود أغلبية ساحقة هَلكت دون المساس بمعناها..
    إن أكبر شيء يمكن أن نقدمه لأنفسنا هو الحياة التي قدمتنا لأنفسنا: أعطتنا لنا، وستأخذنا منا ذات يوم.. زرعتنا فينا، وستجني منا.. تقولنا متى أرادت، وتُصمتُنا عندما تريد.. إنها كل شيء بغض النظر عما نحمله لها من ظن أو من سوء ظن، لكنها قد تعدو للسواد الأعظم قيمة مبتذلة، أو بلاءً غير مرجو، بيد أنها تبقى وفية لنفسها إلى أن ترغب فيما لا يرغبه الإنسان، ومع ذلك فإن الفرق بين ترك الحياة وإرادتها يكاد لا يكون.
 

إلى ريــم وريــان،
إلى الصغير قاسـم.                            
"إننا الوحيدون الذين لنا قلب صاف وأياد بريئة كالأطفال"
هولدرلين
تقديم
    تعبر حياة الفلاسفة السينيكيين(1) عن تجربة فريدة، نظريا وممارسة، إذ شكل فكرهم وأسلوب عيشهم كيفية وجود مغايرة، ومثالا ل"حياة فلسفية". فقد خلقوا نموذجا فلسفيا متميزا ومثيرا داخل الفضاء الفكري والإجتماعي اليوناني القديم، من خلال اعتراضهم على مجموع القيم التي سادت الحاضرة الإغريقية، وانتقادهم لمختلف التعاقدات الإجتماعية والقوانين السياسية والقواعد الأخلاقية التي تتحكم في حياة مواطنيها. وأبانوا عن سخرية من الأعراف التي تحكم الطعام والنشاط الجنسي واحترام السلطة، في حين مثلت تجربتهم في الحياة نموذجا لذلك التوافق الصارم مع الطبيعة وطريقة متميزة في الوجود مع العالم.
1-في البدء كانت السياسة
    لا يمكن فهم الرغبة القوية للحرية عند الفلاسفة السينيكيين، إلا بالرجوع إلى ذلك الإهتمام بشؤون المدينة وأزمة السلطة التي كانت تعاني منها المدن-الدول اليونانية منذ نهاية القرن الرابع والقرن الثالث قبل الميلاد، والمطالب التي كانت تصدر من فلاسفة مهتمين بما يجري داخلها، ككزينوفون وإيزوقراط. حيث أكد الأول في "المـأثورات" والثاني في "الخطاب إلى نيقوقليس" إلى الصفات والفضائل التي يتعين على الملك أن يحوزها ليقتدر على الحكم(2). إن هذه المطالب تدل على الإطار المؤسسي القديم الذي يحكم الحياة الإجتماعية والسياسية داخل المدينة/الدولة، والمعروف تاريخيا عند اليونان ب"الديمقراطية"، والتي كانت لها علاقة مزدوجة بالنخبة السياسية: فمن ناحية، يتم منح الحق في الحديث إلى الجميع ( إيسيجوريا)، ومن ناحية أخرى، لا يستطيع الجميع أن يتحدثوا( الباريسيا). ومن تم، فهناك مفارقة بين الديمقراطية والباريسيا: حيث تصبح الباريسيا متاحة فقط عبر لعبة قول الحقيقة بطريقة ديمقراطية على المستوى الرسمي، إلى أن الباريسيا تقحم النخبوية على الديمقراطية بطريقة تختلف تماما عن البنية الديمقراطية التي تتسم بالمساواة. ومن هنا تصبح الباريسيا خطرا يتهدد الديمقراطية، وفي نفس الوقت، لا يمكن أن تقوم الديمقراطية دون الباريسيا لأنها قلب البناء الديمقراطي للحكومة(3).

" كلما زاد اقترابنا من الخطر تبدأ الطريق إلى المنقذ تلمع بجلاء أكبر ونصبح أكثر تساؤلا، ذلك أن التساؤل هو قمة التفكير"[1]
افتتاح:
" يجب أن تكون معرفة الإنسان أكثر علمية، وأكثر فلسفية، وأخيرا أكثر شاعرية ، في الوقت نفسه ، مما هي عليه"[2]
 لا يقدر الإنسان على تفادي وضعه المتناقض الذي وجد فيه ، فهو كائن صغير يتصف بالضعف والعجز وجزء مفرد يمثل حالة عرضية في الكون ويمتلك وضعا هشا من جهة ولكنه يمثل نقطة مميزة تحتوي على معظم صفات الكونية ويحمل في داخله كمال الواقع وكل شيء من هذه البشرية من جهة أخرى.كما أن تعيين هوية له تخصه من بين الكائنات واثبات ذات تميزه عن الكون هو أمر جلل ومهمة عسيرة، فكل محاولة لرده إلى الطبيعة أو اختزاله في النوع أو تذويبه في المجتمع أو ربطه بالثقافة هي فاشلة ومتعثرة وذلك لأنه هوية واحدة لا يمكن تجزئتها من ناحية وكائن متعدد الأبعاد لا يمكن ضبطه من ناحية أخرى.
إذ " يقوم الكائن في الوجود ويجري بفضله قضاء محتجب يسري بين الإلهي وما يتعارض معه. لا يستطيع الإنسان أن يسيطر علي الكثير من الوجود، والقليل فقط تتم معرفته. يبقى ما نعرفه تقريبيا وما نتحكم فيه غير مضمون. ليس الوجود أبدا- كما نعتقد بسهولة فائقة- صنيعتنا وأكثر من ذلك مجرد تمثل لنا"[3].

" إن امتلاك عالم ما يعني امتلاك توجه ما نحو ومع ذلك يبقى المرء متحررا تماما مما يواجهه من العالم الذي يقدمه أمام نفسه من حيث هو كائن"1[1]
إذا كانت الرؤية التاريخية للعالم تعاني من المأزق الذي تتضمنه فكرة التاريخ الكلي وإهمالها للعمل الفردي ، وتكتفي بنقل بقايا الماضي الصامتة وتغفل عن التجارب الحية التي عايشها الوعي العامل في الماضي وتفشل في سعيها وراء الهدف الضخم حول فهم الحياة الكلية للمجموع البشري ، فإن الرؤية الهرمينوطيقية للعالم تخضع الموضوع لتأمل حول أثر الحقيقة أكثر من معالجة المنهج وتتفادى جعل الماضي في متناول الحاضر وتفترض أسبقية التاريخ على الحياة ،وتحرص على التعبير عن ما يمثله التراث في الحاضر.
لقد أقلعت الفلسفة الهرمينوطيقية مع عادات القيام بخطوة باتجاه بناء معرفة موضوعية بالعالم التاريخي تحاكي النموذج الوضعي الذي حقق نجاحات مذهلة في معرفة الظواهر الطبيعية مع العلوم الدقيقة ،وابتعدت عن قياس الماضي بمعايير الحاضر كما لو كانت معايير مطلقة وفضلت العودة إلى الطريقة التي ينظر بها الماضي إلى الأشياء وينتج الأفكار حيث يستمر المعنى في التراث ،وتوجهت نحو اكتشاف الرؤية إلى العالم التي تتضمنها اللغات المتداولة ودراسة الحكمة المطمورة في الحكايات الموروثة وحاولت إحياء الماضي في التراث السردي عن طريق الحدس والتعاطف والإنصات الشعري ونحت معرفة مستقلة.
" المبدأ الأساسي للمؤرخ هو أن يؤول التراث بمعنى مختلف عن المعنى الذي تتطلبه النصوص لذاتها"2[2]

استهلال:
 " تُتِيحُ الفلسفة التطبيقية إعادة وضع الفكر على ذمة العمل، لا أكثر ولا أقل"[1]
لو عملنا على استعادة الذكريات الفردية والتمثلات الجماعية للمعارف الفلسفية فقط فإننا نصطدم بالعديد من المحاذير والموانع والصعوبات التي تعيق إمكانية التواصل مع المشتغلين بها وتقلل من فرص التفاعل الايجابي مع المقدم والمعروض من المواد المكتوبة والمقروءة من المسجل والمدون والمنطوق الحي منها.
لقد بدت الفلسفة في مناهج التدريس ثقيلة ومليئة بالمفاهيم الدقيقة وتغلب عليها النظريات المجردة والأنساق الفكرية المتعالية وبعيدة كل البعد عن عالم التجربة وواقع الحياة وينقصها التطبيق العملي وفعل الممارسة. كما ظهر شعور لدى الرأي العام بغرابة التفكير الفلسفي عن المناخ الثقافي السائد والتصاق النزعة الذاتية بالشخصيات الفلسفية وضخامة البرامج وكثرة المراجعات التي جدّت وتعدد الانعطافات في تاريخ الفلسفة.
لقد تحولت الفلسفة إلى خطاب مجرد وسقطت في النية السيئة وتكلست في أنساق عقيمة وشبكات لغوية منفرة بسبب الإفراط في الأبعاد الشكلية والتقيد بالجوانب التقنية على حساب المضامين والتجارب الحية ولا يدري المشتغلون بالنظر على أن وراء البداهة والتطابق والوضوح والتجربة الحاسمة والمنهج الدقيق يوجد الشك والالتباس والغموض والحس المشترك وانفعالات الفرح والمتعة والتجارب الوجودية الحية.