راودتني فكرة الكتابة حول هذا الموضوع منذ أيام، لكن عندما أردت تصريف الفكرة عمليا عشت، أثناء صياغة العنوان، لحظة تردد بين الصيغة المختارة عاليه وبين الصيغة الأخرى التي تشير إلى مفهوم التسامح بين حقوق الإنسان والفلسفة. إن ما حملني بالأساس على اختيار الصيغة الأولى بدل الثانية هو أسبقية الفلسفة على حقوق الإنسان التي يجرى الآن التأسيس لها فلسفيا.

1 - تأملات فلسفية حول مفهوم التسامح

في البداية، أعلن أن البحث في القواميس عن دلالة ومعنى كلمة «تسامح» لأجل المقارنة بين أشكال حضوره في لغة أو أكثر لا يدخل ضمن مقاصد هذا المقال. نحن نعلم أن هذه المهمة البيداغوجية قام بها، على أحسن وجه، العديد من الدارسين نخص منهم بالذكر سمير الخليل من خلال مقاله القيم عن «التسامح في اللغة العربية» والموجود ضمن كتاب جماعي بعنوان «التسامح بين شرق وغرب». لكن الأهم من كل ذلك، بالنسبة لسياق موضوعنا، هو أن تعني الكلمة نفسها في اللغة العربية ما تعنيه كلمة» TOLERANCE» في اللغة الفرنسية.

موجز عام: اعضال الاستطيقا والاطيقا مع دريدا يطرح اسئلة حارقة؛    كيف نكتب والحال إن الكتابة قد ولّى عصرها وما المكتوب إلا إخفاء لما كان منتظرا ؟  كيف نتفكّر الأشكال الرئيسي : أيّة جمالية في التفكيك؟ وما علاقته بالاطيقا؟ ..قد يمثل استشكال الكتابة الفلسفية والاستطيقا في خضم التفكيك، دافعا إلى ضرورة مواجهة أسئلة أخرى من قبيل: هل يمكننا أن نحيا جماليّا؟ وهل مازال باستطاعة الفيلسوف، أن يحوّل الحياة إلى ''ظاهرة استطيقية''؟

RESUME’ : Esthétique et éthique chez le grand Derrida : quelles problématiques et quelles solutions ??. L’écriture comme jeu de mots et de phonèmes. Voilà la crise de l’occident ; y a-t-il une approche esthétique ??

"لدي تخوف رهيب من أن يتم تقديسي في يوم ما."
نيتشه
يؤكد المؤرخ الكبير زييف سترنهل فكرة مفادها أن العمل الكبير يحتمل دوما دلالتين مهمتين، تلك التي يعطيها الكاتب من جهة، ومن تقدمها الأجيال اللاحقة من جهة ثانية، لذا قد نقول في هذا الصدد إذن، أن كل عمل لا يمثل نفسه بقدر ما يمثل إما نظرة من أوجده، أو قراءة القارئين اللاحقين عنه.. لكن وبغض النظر عن هذا الأمر الذي يقف عند احتمالات لامتناهية، فقد يكون من المجحف الحكم على عمل ما انطلاقا مما نراه فيه، اللهم إلا إذا اعتبرناه قولا عابرا لا يمثل العمل الأصلي.. فكم من مفكر عبر عن امتعاضه المباشر من عديد التفسيرات التي اقترنت بأعماله، مؤكدا أنها حامت ولم تصب، أو أنها لم تحقق الاثنين..بل إن هذه القراءات التي قد تجانب الصواب أحيانا يمكن أن تجني على النص المقروء وصاحبه.. والحال أن مناسبة حديثنا في هذا الشأن، تدور حول موضوع قديم جديد ألا وهو علاقة نيتشه بالنازية، باعتباره موضوعا أسالت مداد العديد من المهتمين باللحظة النازية إبان العقد الثالث من القرن العشرين، بين من يؤيد هذا الارتباط الكبير، وبين من يرى فيه إجحافا للرجل وفهما عاميا لفلسفته.. من ثمة فما هي حدود الالتقاء بين التصور النازي وفلسفة نيتشه؟ أين تنتهي الأولى كي تبدأ الثانية؟ بل بأي معنى سنربط بين الاثنين رغم التباعد التاريخي الحاصل بينهما؟

في يوم 24 (مايو/أيار) من عام 1543م، وبينما كان على فراش الاحتضار، نشر عالم الفلك والرياضيات والفلسفة نيكولاس كوبرنيكوس بحثه الذي يدحض فيه نظرية أرسطو الفلكية والتي تبناها من بعد أرسطو العالم الفلكي بطليموس، والتي تتحدث عن أن الأرض هي مركز الكون، بينما أثبت كوبرنيكوس بالأدلة الرياضية أن الأرض مجرد كوكب يدور حول الشمس، تلك الأطروحة التي كان يعلم كوبرنيك أنها ستقلب عليه الأوساط العلمية والكنيسة حينها، بل ستجعله ضحية جديدة من ضحايا محاكم التفتيش.(1)

أطروحة ستغير السماء في عين كل فيزيائي، مؤسسة بذلك بداية عصر النهضة الأوروبي، والتخلص من سيطرة الكنيسة، إذ مثلت تجسيدا لتحدي المجتمع العلمي للكنيسة الأوروبية، ممهدة لثورات اجتماعية وسياسية وفلسفية وعلمية أخرى شكّلت عالمنا الحالي، ووضعت أسس علم الفلك والفيزياء، واضعة حجر الأساس للثورة الصناعية وبزوغ عصر التكنولوجيا والبرمجيات وكل ما يُشكّل حياتنا اليوم. (2) 

" في الخطابة، الحجج خاضعة لتصديق السامع"[1]
لم يفقد النموذج الخطابي القديم الموروث عن الإغريق والعرب قدرته التوجيهية للأقوال الراهنة سواء في المجال التربوي أو المجال السياسي أو المجال القضائي أو المجال الأدبي أو المجال الأخلاقي والتاريخي.
لقد استفاد كل من فن المحاماة والإشهار وصناعة الأفلام على سبيل المثال من القدرات الخلاقة والمحاسن التي منحها القدامى لفن الخطابة دون ركوب المخاطر وتخليف الضحايا وتضمن مجموعة من المساوئ.
من هذا المنطلق تضمن فن الخطابة تاريخا عريقا تراوح بين حسن الكلام وإجادة المغالطة وفن الإفهام وتفضيل الإصغاء وتفادي الثرثرة والتركيز على توفير شروط الإقناع وخلق ظروف التصديق والتوكيد.

لقد عبر القدامى من العرب والمسلمين عن إشكالية الترجمة، بشكل يٌظهِر وعيهم الكامل بها ودرايتهم العميقة بصعوباتها، فلا يخلوا تأليف من تواليفهم، في مجال من المجالات من ذكرٍ أو إشارة لها، تٌظهر مدى مالقيته عندهم من حفاوةٍ واهتمامٍ.
لذلك نقترح الوقوف على جوانب من ذلك الاهتمام، من خلال نصوص لنموذجين في فكرنا العربي والإسلامي هما الفارابي وابن تيمية.

1-الرابطة المنطقية وإشكالية الترجمة:

يقول الفارابي(260ه339ه/874م950م): "فلما انتقلت الفلسفة إلى العرب واحتاجت الفلاسفة الذين يتكلمون بالعربية ويجعلون عباراتهم عن المعاني التي في الفلسفة وفي المنطق بلسان العرب، ولم يجدوا في لغة العرب منذ أول ما وضعت لفظة ينقلون بها الأمكنة التي تستعمل فيها » أستين « في اليونانية و  » هست « بالفارسية فيجعلوها تقوم مقام هذه الألفاظ في الأمكنة التي يستعملها فيها سائر الأمم، فبعضهم رأى أن يستعمل لفظة » هو « مكان » هست « بالفارسية و » أستن «باليونانية". (كتاب الحروف، ص122) إن هذا النص يلخص وبعمق الإشكالية اللغوية في ترجمة الفلسفة عند العرب والمسلمين، والتي رافقت مسيرة التفلسف عندهم، بداية باكتشافها لدى الأمم المجاورة، ثم انبعاث حركة النقل والترجمة، وتميز هذا الجو الذي رافق تشكل فكرنا الفلسفي العربي والإسلامي، معاناة مشاكل الترجمة وصعوباتها وما تخلفه من إضطراب في المعاني وإشتراك في الأسماء، والأمثلة كثيرة لمصطلحات عجز تراجمنا وفلاسفتنا عن إيجاد  لفظة لها بالعربية.

تقديم:
لقد درج الباحثون في معالجتهم لإشكالية العقل والنقل، على مقاربتها من زوايا نظر إيديولوجية ضيقة، لا تسعف في الوقوف على جوهر المشكلة، فإما من ينتصر للعقل ويضيق النقاش في الجدل حول أسسه و مبادئه، وإما من ينتصر للنقل فيحتج على الأول بما يدعيه من مشروعية وقداسة لنصوصه بدعوى امتلاكها للحقيقة.
لكننا في هذا القول، سنحاول مقاربة المشكلة من زواية نظر مخالفة، تروم أساسا النظر إلى إشكالية العقل والنقل، الفلسفة والشريعة، إلى كونها في الجوهر مشكلة صراع بين العقل و الخيال بين ماهو معقول وماهو متخيل بين الحقيقة و المجاز، بين الخاصة والجمهور، كل ذلك من خلال نصوص فلسفية للفارابي وابن باجه وابن رشد أخذناها من تواليف مختلفة وأسسنا بها تصورنا للموضوع.

" إذا كان للأسف صحيحا أن السياسة ليست شيئا آخر سوى ألم ضروري للمحافظة على الإنسانية، فإن هذه قد بدأت فعلا في الاختفاء من العالم"1
لقد لمع العديد الفلاسفة في مجال الفكر السياسي ويمكن أن نذكر من الحقبة الإغريقية أفلاطون في محاورتي الجمهورية والسياسي،  وأرسطو في كتاب السياسة ورسالة الأخلاق إلى نيقوماخوس والفترة الحديثة نيكولا ماكيافيلي في كتاب الأمير، وسبينوزا في رسالة السياسة والمقالة السياسية التيولوجية،  وتوماس هوبز في اللويثيان وجون جاك روسو في العقد الاجتماعي والمفكر ألان في كلام حول السلطات، وكذلك عمونيال كانط في مشروع السلم الدائم وهيجل في كتابي مبادئ فلسفة الحق والعقل في التاريخ.

أي واقع نعيش فيه اليوم ، لقد أصبحنا حائرين بين عوالم عديدة يصعب الفصل بينها ، بين العالم الداخلي للإنسان، و عوالمه الخارجية المركبة و المعقدة ، وهذا التركيب و التعقيد راجع أساسا إلى اللعبة المتوحشة التي يمارسها الجنس البشري لعقود .
  إن أي محاولة لفهم ما يقع ألان من تبعثر و فوضى  في عالمنا الخارجي ، لا يمكن ان يفسر من وجهة نظرنا المتواضعة ، إلا من خلال مجهودات العقل البشري للسيطرة على كل جوانب الحياة من حولنا .
هنا سنطرح السؤال التالي : ما غاية الإنسان من التقنية ؟ هل من أجل  الفهم والسيطرة على الطبيعة ؟ أم أن غايته منها هي السيطرة على الإنسان نفسه و توحيد سلوكه و أنماط عيشه ؟
لقد كان الهاجس الكبير الذي سيطر على المجتمع الغربي في العصور الحديثة هو السيطرة على الطبيعة في مختلف جوانبها، و تسخير خيراتها و مواردها في يد الإنسان، بعد أن كانت مصدر الرعب الذي يهدد وجوده .

الفلسفة تعرية والصحافة تغطية، الأولى تعري الواقع محاوِلة الكشف عما يخفيه، وعاملة على إماطة اللثام على ما يمكن أن نعتقد فيه أبدا، بينما الثانية تصور لنا الواقع كما هو دون زيادة أو نقصان، الأولى تعري الواقع عن طريق تأويله، فتقول إن الانسان هو مقياس كل شيء، وإن كل قيمة أو حقيقة يؤمن بها هذا الكائن إنما منبعها ما تقدمه له من نفع لا غير. فتعدو كل حقيقة قيمة مؤقتة ليس لها من الإطلاق شيء. أما الثانية فإنها تنقل لك الواقع كما يحدث، جاعلة منه حقيقة ثابتة لا تقبل الشك بتاتا، ثم تخبرك ضمنيا أنها تلتزم الحياد تجاه ذلك، بل إنها تعتبره من أخلاقياتها القبلية.

        لكن وعلى النقيض من ذلك، قد تلتقي الفلسفة والصحافة في شيء مهم، ألا وهو السؤال؟ تخيلوا معي فلسفة دون روح التساؤل، وتخيلوا معي أيضا صحافة دون أسئلتها، بيد أن بين هذا التشابه اللفظي اختلاف يكاد يصل حد التضاد، والذي يكمن أساسا في طبيعة السؤال المتعلق بهما معا، لذا قد نتساءل عما هي حدود العلاقة بين السؤال الفلسفي والصحفي؟ وهل يمكن أن يكون هذا الأخير فلسفيا حينما يبحث عن حقيقة ما ـ هذا إذا كانت توجد حقيقة ـ أم أن غرضه يكاد لا يتجاوز الإخبار فقط؟

طه عبد الرحمن

لعل الصيغة التي جاء بها عنوان هذا المقال تختزل مساره المنهجي حيث ستكون البداية بالحديث عن انصراف الدكتور طه عبد الرحمن عن فيلسوف قرطبة ليليه بيان انتصاره لمن يوصف بأنه "حجة الإسلام". وقبل الشروع في تفعيل هذه الخطاطة المنهجية، يجدر بنا الإشارة إلى النص المرجعي المعتمد في هذه المحاولة البحثية. يتعلق الأمر بواحد من "حوارات من أجل المستقبل" المضمومة في كتيب صادر سنة 1999 عن "منشورات الزمن". في التقديم الذي يتصدر هذه الحوارات، يشير طه عبد الرحمن إلى أنها أجريت في بادئ الأمر مع ثلاث صحف مغربية هي "العلم" و"الاتحاد الاشتراكي" و"الأحداث المغربية"، ومع ثلاث جرائد عربية وهي "القدس" و"المستقلة" و"الشعب"، بالإضافة إلى القناتين التلفزيتين: الأولى والدوزيم.

لدينا ثماني حوارات وثمانية منابر؛ بمعنى أن محاورنا خص كل منبر إعلامي بحوار واحد من هذه الحوارات. وإذا افترضنا أن الفيلسوف طه أتي في تقديمه على ذكر وسائل الإعلام التي تعامل بها وفق الترتيب الذي اتخذته حواراته في كتيبه، جاز لنا أن نستنتج أن الحوار الذي يهمنا هنا وهو بعنوان "رشديات" كان من نصيب جريدة "المستقلة"، علما بأنه لم تتم الإحالة، في بداية كل حوار أو في آخره، إلى المؤسسة الإعلامية التي نشرته أو أذاعته.