بادئ ذي بدء، يتعين علينا بداية أن نعلم أن قضية الشغل من القضايا التي يواجه فيها الحيوان الناطق على مستوى وجوده في هذا العالم المادي قلقا مستمرا، فهذا القلق هو ما يجعل الإنسان في صراع دائم مع ذاته، ومع وغيره حول كل ما توفره الطبيعة من حوله من ثروات طبيعية بغية استغلالها لصالحه من أجل البقاء، فهو يشقى من أجل الاستمرارية ليس إلا! إن بين الإنسان والشغل علاقة جدلية تربط بينهما منذ اللحظة الأولى التي وعى الإنسان بها شغله، الذي يبذل فيه جهدا سواء كان جسميا أو فكريا، مقاوما بذلك كل ما هو خارج ذاته في هذا العالم بغية تجاوز قلقه. إن هذه القضية القاسية وهي- الشغل- وعلى حد تعبير الفيلسوف الألماني (إيمانويل كانط) "ستجعل الإنسان يتحمل الشعور بالتعب الذي يكره، كما سوف تجعله يمارس التألق الكاذب الذي يحتقره، وستنسيه حتى قضية موته التي ترعبه"[i] .

انطلق الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان من القول أن أسس نظرية العدالة العالمية تحددت صيغتها مع  كبير فلاسفة السياسة المعاصرين وهو الأمريكي جون رولز، و جاء بها على طورين في كتابيه "نظرية العدالة" سنة 1961 و "قانون الشعوب" سنة 1999، فأفرد الكتاب الأول لمبادئ العدالة الأهلية أو الوطنية، وهي التي تنظم البنية القاعدية للمجتمع ومراده بهذه البنية القاعدية؛ المؤسسات الاجتماعية الأساسية بدءاً بالدستور وانتهاء بالأسرة و خصص الكتاب الثاني "لمبادئ العدالة الدولية" وهي التي تنظم العلاقات بين مختلف المجتمعات والتي ينبغي أن تلتزم بها كل دولة في سياساتها الخارجية.
وأوضح طه عبد الرحمان معاني الميثاق الآمنة عند رولز بإبرازه أن الفيلسوف الأمريكي المعاصر قد سلك في استنباط مبادئ العدالة الدولية نفس المسلك التعاقدي الذي اتبعه في استنباط مبادئ العدالة الأهلية، وقام هذا المسلك على مفاهيم مترابطة ثلاثة تكشف آثار التفكر في مذهب سياسي، وهذه المفاهيم هي مفهوم العقد الاجتماعي ومفهوم الوضع الأصلي، ومفهوم حجاب الجهل.

مقدمة:
" الذكاء الاصطناعي (IA) هو مجال علوم الكمبيوتر، وهو مجموعة من التخصصات التي تركز على التفكير وتقليد القدرات البشرية."1[1]
إذا كان حرص الإنسان على إيجاد آلات ذكية تساعده في القيام بوظائفه المعرفية يعود إلى الزمن القديم فإن الاختصاص المعرفي الذي اختص في هذا المجال واقتلع مكانه من بين التطبيقات الدقيقة هو معاصر.
يشهد الذكاء الاصطناعي في المرحلة الراهنة تطورا اقتصاديا هاما ضمن إطار الإعلامية المتقدمة وقد تم ترجمة هذا التقدم عبر المشاريع الكبرى في البحث الوطني والدولي في الدولة المتحكمة في سيادة العالم وعن طريق التطبيقات التي عرفت نجاحات كبيرة في المجال الصناعي وداخل قطاع الخدمات والإدارة.
لقد اعتمد المنظرون للذكاء الاصطناعي على مقاربات متنوعة وتعريفات مختلفة تبعا لتنوع واختلاف التقاليد والإحالات التي اعتمدوها ورجعوا إلى الجذور والينابيع الأسطورية والدينية عند الإغريق والشرق واخذوا من التراث والتاريخ ما يدل على قدرة الكائن البشري على خلق كائنات اصطناعية ذكية شبيهة به.
الإشكالي في عبارة الذكاء الاصطناعي لا يثار من جهة الاصطناعي فهذا المضاف على غاية من البداهة وإنما من جهة الذكاء فهذا الأمر مطلب عزيز وقيمة ثابتة يبحث عنها الكل وتتداخل فيه العديد من العوامل.

في يوم الجمعة 30 مارس 2018، بثت إذاعة فرنسا الدولية برنامجا كان بمثابة حكاية عن قتل الفيلسوف الفرنسي الماركسي الذي هيمن على الفلسفة الأكاديمية خلال الستينيات والسبعينيات لزوجته هيلين ريثمان أثناء إصابته بنوبة جنون يوم 16 نونبر 1980. هذا البرنامج الإذاعي الذي اقترحه فابريس درويل والذي قدمته كلارا سايير بمشاركة زوي غابييه استضاف الفيلسوف كومت-سبومفيل.
في بداية البرنامج الإذاعي، تم التذكير بما كتبه لويس ألتوسر عن هذه الحادثة المأساوية في مذكراته الحاملة لعنوان "المستقبل يدوم طويلا": "أتذكر سؤالي الذي لا نهاية له: لكن كيف حدث أن قتلت هيلين؟
في هذه المذكرات، كتب ألتوسير يقول:"هذا هو مشهد القتل كما عشته. فجأة أقف وأنا لابس منامتي بجانب سريري في شقتي (الكائنة) بالمدرسة العليا للمعلمين. حل يوم رمادي من نونبر - الأحد السادس عشر، حوالي الساعة التاسعة صباحا - على يسار النافذة الطويلة جدا، التي تم تأطيرها لفترة طويلة بواسطة ستائر ذات لون أحمر إمبراطوري، قديمة للغاية، ممزقة بفعل الزمن وباهتة بسبب أشعة الشمس، ليضيء أسفل سريري. كانت هيلين أمامي، مستلقية على ظهرها، مرتدية هي الأخرى منامة."

" أي شيء يستطيع العقل البشري تصوره والإيمان به، تتمكن الإرادة الإنسانية من تحقيقه"
لقد دأبت السلطة على استغباء الشعب ونشر التفاهة واحتقار الفكر وحجب الحقائق عن الناس واستخفت بالعقل وحاصرته وزينت للجمهور الاستهلاك والتقليد ودعته إلى الرضوخ والاستسلام للعادات والسائد، غير أن الوعي الذي يشتغل داخل صخب الواقع وينمو في كنه الذوات المتحاورة يرفض هذه المواقف التافهة والمتحاملة ويدخل في اشتباك مع اليقين والتصديق القبلي ويتسلح بالتساؤل المفكك والشك المحير.
في الواقع يختلف الاستعمال العامي للعقل من طرف الإنسان العادي عن الاستعمال العمومي له من طرف الكائن المفكر والخبير المحاسب والمثقف العضوي. فماهو العقل يا ترى؟ وما دوره في حياة الإنسان؟ هل له أدوار خاصة أم عمومية؟ وفيم تتمثل أدواره العمومية؟ هل يمثل العقل أداة جلب المصالح الجزئية وتحقيق النجاعة السياسية والاقتصادية أم مملكة الغايات وفضاء للحوار والتواصل والنقد؟ وماهي حدوده؟

تقديم
    أثارت حياة الفلاسفة السنيكيين جدالات واسعة بين مختلف الإتجاهات الفلسفية والاوساط الإجتماعية والسياسة، فقد كانت أفكارهم وسلوكاتهم وأسلوب عيشهم محط نقاش وردود فعل من طرف مختلف الشرائح والفئات، وخاصة خلال فترات ازدهار الحركة السنيكية وتألق ممثليها المشهورين. إذ عكست فلسفتهم وطريقتهم في الحياة وجُرأتهم على قول الحقيقة إرادة قوية في القطع مع الممارسات والتصورات والمفاهيم الفلسفية المعاصرة لهم، وطرح تصور آخر للفلسفة وللحياة الفلسفية الحقة. هكذا انخرط الفلاسفة السنيكيين في نقد مظاهر الإنحطاط المميّزة للمجتمع المنغلق، والمتعلقة بالجهل وعدم معرفة الأشياء الضرورية للحياة، وفي المقابل دافعوا على العيش وفقا للطبيعة والإكتفاء الذاتي والسيطرة على الميول العقلية وتحرير النفس من تأثير الثروة والشهرة والسلطة. وكانت طريقتهم في الحياة تعكس التطلع إلى إنقاد البشر وإقناعهم بإمكانية تعلّم الفضيلة وعيش "الحياة الحقة".

" يمكن أن يكون الطب بالنسبة للفلسفة العامة في العلوم مناسبة التفكير الابستيمولوجي الأساسي في العلاقة بين النظرية والتطبيق داخل العلم" -  ألودي جيرو - فلسفة الطب،1[1]
لقد انتهت الفلسفة في الآونة الأخيرة أن اتخذت دلالة واسعة جدا بحيث لم تعد تفيد أي شيء تقريبا بالنظر  إلى معناها الأصلي الذي كان يشير إليه اسمها المنحدر من التراث الإغريقي: فيلوصوفيا أي محبة الحكمة.لعل الاستعمالات الضعيفة لمفردة الفلسفة هي التي تسببت في هذا الانحباس الدلالي والقصور الوظيفي عندما غدت الصناعة تقتصر على ابتكار المفاهيم وتمثيل العالم وتحليل اللغة العلمية والتفكير في المعرفة، بينما تم إهمال المعاني الجذرية للفلسفة الأصيلة والحية والتي احتمت بها البشرية عند الشدائد سابقا للدفاع عن نفسها وللاحتماء بالقيم الكونية لما كانت تربطها بالحكمة العملية وتتخذها سلاحا ثوريا ضد الظلم والتفاوت وفنا في الحياة الجيدة، وتزج بها في معركة ضمان البقاء في صراع إرادات من أجل حسن الوجود للأكثر صلابة واقتدار.

" يمكن أن يحل نقد العقل الأداتي مكان نقد العقل الوظيفي"
هابرماس يورغن، نظرية الفعل التواصلي، المصنف الثاني.
يتميز الفكر السوسيولوجي عند يورغن هابرماس بالتشخيص المروع والرهيب للعقلانية الحديثة ولم يكتف بإجراء نقاش قوي وجدي حول الميتافيزيقا مع مارتن هيدجر بل خاض نقدا موسعا حول الحداثة ضمن مشروع جدلية التنوير مع هوركايمر وأدورنو ولم يتوقف عند النقد السلبي للعقلانية الأداتية التي قامت به مدرسة فرانكفورت لما كشفت خضوع الفردانية للتنظيم الإداري ومعاملة الأفراد بوصفهم أرقام وليس لهم سوى قيمة تبادلية بل حاول إيجاد حلول للأزمة التي تعاني منها البيروقراطية والاستعمال التقني للعقل من خلال مفهوم العقلانية التواصلية وفكر في الاستعمال الحواري للعقل بين الذوات ضمن الفضاء العمومي.

استهلال:
" ليس أمام الفلسفة الشخصية عمل أهم من اكتشاف الواقع الأصيل الذي يختفي وراء ستار العموم المصطنع"1[1]
لقد مارس نيقولاي برديائيف (1874-1948) تأثيرا عميقا على الفكر الفلسفي في الحقبة المعاصرة وذلك ليس من خلال تناولها لقضايا الحرية الخلاقة وبحثه الأساسي في الشأن الإنساني من زاوية وجهه ومعنى وجوده بل عندما ساهم في قيام أنثربولوجيا جديدة تضع الإنسان في مواجهة إمكانية صناعة مصيره بنفسه عن طريق الوعي الباطني بالفعل وتنمية الموهبة الإبداعية وتمكين الذات من الابتكار والتجديد والإضافة.
لقد عُرِفَ على نيقولاي برديائيف التصاقه بالإيمان وانتمائه للمؤسسة الدينية ولكن هذا الارتباط لم يمنعه من ممارسة النقد التاريخي ليس من حيث الماهية والجوهر وإنما من جهة الحضور التاريخي والممارسة السلطوية وتأثير الانفعالات الإعتقادية في السلوكيات الدنيوية وتدخل رجال الدين في الشؤون البشرية.

"في أقصى درجات تقلّبي، لم أكن في يوم من الأيام ملحدا بمعنى منكر لوجود الإله"
(تشارلز داروين)
باستعراض سريع لمسار الإلحاد ومنشئه، فإننا -بقدر من التأمل التاريخي- سنجد الإلحاد، الجازم بإنكار الإله، أمرا مستحدثا على التاريخ الإنساني، فهو، كما يرى "سلطان العميري"[2]، وإن كان موجودا في العصور القديمة بنسب ضئيلة وحالات شاذة، فإن صيحته الحديثة تلك ما هي إلا نتاج لثورة الحداثة على الكنيسة الأوروبية في قرون متأخرة.
بدأت القصة من العصور الوسطى، إذ كان للطغيان الكنسي حينها، وانقطاع المسيحية التاريخي عن أصل الوحي الإلهي وتحريف الكثير من مبادئها، أثر بالغ في نمو هذه النظرة المتمردة تجاه الكنيسة، حتى ظهرت الشيع الملحدة التي، وفقا لـ "ول ديورانت"[3]، كانت قد تخطت مئة وخمسين طائفة خلال القرن الثالث عشر.    

"الفيلسوف هو من يعرض حياته كشهادة فاضحة عن الحقيقة"
 فريديريك غرو
تقديم
    وقفت في مقالة سابقة على التجربة الفريدة للفلاسفة السنيكيين، وأكدت على تميّز كيفيتهم في الوجود وأسلوبهم في العيش، واعتبرتها مثالا ل"الحياة الفلسفية"(1). فالإيمان ببراءة الوجود والعيش وفق نواميس الطبيعة ، والرغبة في ابتكار "عالم آخر"، كلها ملامح لحياة نبيلة وجميلة حسب الفيسلوف السنيكي. فالبراءة تدرك عنده كلعبة الوجود والقوة والإرادة مثلما أدركها الفيلسوف هيراقليط، الذي فهم الوجود انطلاقا من غريزة لعب وجعل منه ظاهرة جمالية. أما نواميس الطبيعة، فهي المرشد الحكيم لسلوك الفيلسوف السنيكي، وليس أخلاقيات العادات ولا قوانين المؤسسات وأعراف المجتمع. إنه من يشرّع خيره وشره باستعمال عقله وتفعيل إرادته، واضعا أوامر ونواهي "القيم العليا" على محك النقد، ومنخرطا بالفعل في تحويلها. لكن إنجاز هذا المشروع الإيتيقي، تطلب من الفيلسوف السنيكي عملا زهديا متكاملا ومتواصلا، وانهماما خاصا بذاته(بجسده وروحه/تفكيره)، مرتكزا في كل ذلك على سلاح الحقيقة والجرأة على قولها للذات وللآخرين.