قدّم الفيلسوف «جيل دولوز»(1) عددا من المحاضرات بداية الثمانينات من القرن المنصرم، دارت حول السينما(2) والفكر أو الفلسفة، وقد نبّه في مستهل المحاضرة الأولى أن فكرة تقديم دروس حول السينما أو محاضرات حول الفن السّابع بعيدة عنه، فما سيُقدم عليه طوال هذه المحاضرات، إنما هو عمل فلسفي من ألفه إلى يائه، إذن ما هي حيثيات هذا العمل إنْ جاز التعبير ؟
يُعلن «دولوز» ابتداء، أنه يرغب في القيام بأشياء ثلاثة، جدُّ مختلفة في الظاهر، غير أنها تلتقي آخر الأمر.

"لم يتم انجاز شيء عظيم في العالم من دون شغف"1[1]
لكي يصبح إنسان عادي بطلا شعبيا وينظر إليه الناس بإعجاب وتقدير لا يتطلب الأمر أن يهزم أصعب الجيوش ويحطم أعظم إمبراطورية وإنما يكفي أن يظهر شجاعته بإنقاذ حياة الآخرين المهددة لكي يحصل على هذا الشرف ويمكنه أن يشتغل على تحطيم بعض الأرقام القياسية في المسابقات الرياضية لينال ذلك.
يقضي البعض حياتهم بأسرها وهم يحاولون أن ينجزوا أمرا عظيما يدخلون به التاريخ من بابه الكبير ولكن ظنهم يخيب ويصطدمون بالعراقيل ومعاندة القدر وقد يصير العمل البطولي الذي قاموا به مجرد خرق لنمط المجتمع وخروج عن السياق العام للثقافة التي ينتمي إليها ويجني الخسران والإدانة والتبخيس بدل الإشادة والتثمين وفي المقابل قد يلقى عمل جزئي قام به شخص عادي نجاحا كبيرا ويحظى بالقبول والإعجاب من عدد كبير من الناس دون أن يكون القائم به قد وعد بذلك وكان ينتظر هذه المآلات السارة.

ما هي الفلسفة؟ سؤال فلسفي بامتياز، على أي حال يمكن أن يكون كذلك (لا يوجد سؤال فلسفي في حد ذاته: بل هو يندرج ضمن إشكالية معينة، ما يعطيه معناه ومناطه) وهذا ما يفسر وجود العديد من الإجابات المختلفة، أو ما يقرب من ذلك، مثل الفلسفات المختلفة.
ما هي الفلسفة؟ لا تطرح هذا السؤال على فيلسوف، فبعد قراءة مجلد من ألف صفحة، لن تحصل على جواب مقنع! غير أنه يمكن للمرء أن يختصر المسافة، مثل جيل ديلوز وفيليكس غوتاري اللذين قدما جوابهما في 220 صفحة (في ما هي الفلسفة؟ Editions de Minuit ،1991). ولكن سيكون لدينا فقط الجواب الخاص بهما. في هذه الحالة، أعلن الصديقان أن الفلسفة هي "نشاط خلق المفاهيم". الفلسفة تقدم مفاهيم - ليست صحيحة ولا خاطئة قبليا - ولكنها ضرورية للتفكير: هذا تعريف ممكن.

" يجب على المترجم الاختيار بين تقريب القارئ من المؤلف أو تقريب المؤلف من القارئ"[1]1
يعد شغل الترجمة في المجال الفلسفي مناسبة سعيدة وتجربة مفرحة وعملية مهمة في دنيا المعرفة لدى المؤلف الذي وقع عليه الاختيار وناله الشرف وجودة التميز لكي يترجم، ولدى القارئ الذي يتوق دوما إلى الجديد ويتطلع إلى الزيادة في معرفته وتنمية تفكيره بزيارة عالم الكتب والمؤلفات التي كتبت بلغة مغايرة.
كما يفتخر الفلاسفة برؤية أعمالهم وهي تعبر من اللغة التي كتبوا بها أول مرة إلى لغات أخرى عالمية تلقى الاهتمام والانتشار ويرون في ذلك حياة جديدة لهذه الأعمال واستدامة لها وإمكانية رحبة لشرحها وتفسيرها والتعليق عليها ومنحها مناسبة أخرى لتوضيح ماهو غامض فيها وللتطوير والنماء والتعديل.

استهلال:
"الفلسفة تستمد نموها من موقفها النقدي الكوني، وتتوجه ضد كل معطى سابق من التراث"[1]
لقد تلقى أدموند هوسرل المولود في سنة 1859 بمدينة بروزنيت التابعة لمورافيا في ألمانيا والمتوفي في سنة 1938 والمنحدر من عائلة يهودية متحررة تكوينا في الرياضيات في جامعة برلين وناقش سنة 1883 أطروحة دكتورا حول مفهوم العدد وتابع دراساته العلمية بجامعة فيانا، وتمكن من نشر كتاب فلسفة الأرطميتيقا[2] سنة 1891، ولكنه ما لبث أن اعتنى بالمنطق ونشر بين 1900 و1901 كتاب البحوث المنطقية  في ثلاثة أجزاء، يتحدث الجزء الأول عن مقدمة في المنطق المحض ويتناول الجزء الثاني بحوثا في الفنومينولوجيا ونظرية المعرفة ، بينما يهتم الجزء الثالث بعناصر التوضيح الفنومينولوجي للمعرفة[3].

رحل بابا الكنيسة الكاثوليكية البابا يوحنّا بولس الثاني عن هذه الدنيا يوم السبت 2 أبريل/نيسان 2005 بعد عمر مُمتد من العمل الديني المتواصل، المفتوح على عدة جبهات في العالم. غير أنّه كان من اللافت الحضور الضخم لجنازته التي حطمت رقما قياسيا عالميا من حيث الحضور الشعبي والرسمي، إذ حضر أربعة ملوك وخمس ملكات وما لا يقل عن 70 رئيس جمهورية ورئيس وزراء إلى جانب 14 رئيس ديانة مختلفة من العالم، وقُدّر عدد المشيعين في روما بأربعة ملايين مشيّع.(1)
تلقى الخبر عامة الناس، المتدينون واللامتدينون والسياسيون العلمانيون وغير العلمانيين والإعلاميون، باهتمام كبير، فأثارت هذه الواقعة الحديث مجددا عن عودة الديني وسلطته الروحية المتزايدة(2)، حيث لامست وفاته في كل أنحاء العالم وترا في الضمير لم يكن ينتظر سوى من يعزف عليه.(3)  

تقديم
     تعتبر تجربة الفلاسفة السنيكيين وجها آخر للممارسة السقراطية للباريسيا وامتدادا للخطاب الفلسفي السقراطي، والصورة المعارضة للفلسفة الأفلاطونية. فهي تجربة مختلفة تقدّم كيفية أخرى في التفلسف وفي إدراك الحياة الفلسفية والممارسة السياسية. فإذا كان سقراط يدعو المواطنين الآثينيين إلى الإهتمام بأنفسهم حتى يتمكنوا من حكم أنفسهم والآخرين بشكل أفضل، وإذا كان أفلاطون يدعو إلى المعرفة وضرورة بلوغ الحقيقة من خلال شرط علائقي للنفس بالإلهي ولعلاقة النفس بوصفها عنصرا للإلهي، فإن الفيلسوف السنيكي يقدم الحقيقة كفضيحة ويجعل من جسده الخاص ومن حياته مسارح للحقيقة من خلال تمفصل قوي بين القول الحق والصريح وطريقة وجود منسجمة مع قيم الشجاعة والحياة العارية. تجد التجربة السنيكية خصوصيتها الحيوية أيضا في ذلك الإدراك الجمالي للوجود مع تلك الرغبة القوية في جعل الحياة، ليس فقط، موضوعا للمعرفة وللصراحة ولكن أيضا كمادة قابلة للتشكيل وكشيء فني، وكذا الإعتقاد الراسخ بوجوب الإشتغال على الذات من أجل بنائها وخلقها كعمل فني.

استهلال:
" كل عبد له في يديه القدرة على كسر سلاسله" - وليام شكسبير-
لو لم تكن فكرة الحرية في المركز، فهي على الأقل واحدة من النقاط الجوهرية التي تدور عليها الفلسفة منذ القديم ولقد زاد ذلك كثيرا في الأزمنة الحديثة وعصر الأنوار ووقت الثورة العلمية والصناعية. أما اليوم فهي تعبر عن عدة طموحات مختلطة وتلخص الكثير من أحلام اليقظة والتطلعات الشبابية الواعدة.
 قد يرفض أحدهم تمتع الآخرين بها ويؤثر بقاءهم في العبودية لكي يحتكرها لذاته ويتمتع بفضائلها لنفسه ولكنها ترفض ذلك وبدل أن يمتلكها تقوم هي بامتلاكه وتنتقل عدواها إلى غيره وتفيض على العالم بأسره. إذا كانت فكرة الحرية تتضمن كفايتها الذاتية وتملك القدرة على التحديد الذاتي فإن العبودية لو قلبناها كما هي في المسار التاريخي والحالة الاجتماعية يمكن الوعي بها والانقلاب عليها ونفيها وتحويلها إلى حرية.

تقديم
    أعطى ميشيل فوكو أهمية للأعمال وللتحولات التي يتوجب على الذات القيام بها حتى تصير جديرة بأن تكون ذاتا صريحة وصادقة وحرة. فقد استنتج من الأبحاث التي قام بها حول كتابات بعض الفلاسفة اليونان والرومان أن العلاقة مع الحقيقة هي مباشرة أخلاقية وتتمظهر في تلك العلاقة المشروطة بين الفعل والقول. إذ أن ولوج الحقيقة وممارستها يفترض إقامة علاقة خاصة مع الذات ومع الآخرين والعالم. كما لا يكفي أن تكون أي ذات كما عند ديكارت Descartes ، بل من الواجب معرفة الذات والإهتمام بها وبنائها، وتمرينها على قول الحقيقة لنفسها وللآخر كما عند سقراط وأفلاطون. ففي الفلسفة السقراطية والأفلاطونية ستظهر قيمة قول الحقيقة وأهميتها بالنسبة للحياة. فهذا سقراط يقدم نفسه على أساس أن مهمته ووظيفته هي دعوة الناس إلى الإهتمام بذواتهم...، إنها مهمة أوكلها الله إليه وهو حريص على إبلاغها بكل شجاعة مجازفا في ذلك بحياته(1). أما بالنسبة لأفلاطون، فقد ربط الإهتمام بالذات بضرورة الـتأهيل لممارسة أعمال ووظائف في المدينة (حكم الآخرين مثلا)، الشيء الذي يتطلب تدخل الآخر/معلم أو مربي (عند اليونان) أو مستشار (عند الرومان) بالإرتكاز على قول الحقيقة والكلام الصريح والصادق والحر.

" تتعرض الفلسفة للتهديد إلى حد كبير في وجودها المؤسساتي بسبب عدم جدواها فيما يتعلق بالعلوم وحقيقة أن أشكال المعرفة الأخرى لم تعد في حاجة إليها" -  بول ريكور.

على الرغم من أن هذه المقابلة مع الفيلسوف الفرنسي بول ريكور قد أجريت منذ سنة 1976 إلا أنها مازالت راهنة وتطرح قضايا تعاني منها الفلسفة الى اليوم وتقترح مقاربات ومخارج ممكنة للانتقال من الوضع المتأزم والاستفادة من الاكتشافات الكبيرة التي تقترحها العلوم الإنسانية.

الترجمة:

" الفلسفة هي التي تعطي براهين ما تحتوي عليه الملة الفاضلة"
  - أبو نصر الفارابي، كتاب الملة،
يحتفل الإنسان أين ما كان في كل خميس من الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر باليوم العالمي للفلسفة ولا يمكن الإجابة بسهولة عن سؤال ما الفلسفة؟ ، لأنها الاختصاص الذي لا يمكن تدريسه بالشكل العادي وإنما يتطلب المرور بالطرق البيداغوجية المناسبة التي تحث على التفكير والتدرب على التفلسف الذاتي، ولأنها ليست مجرد مادة معرفية مثل بقية المواد الأخرى على غرار العلوم الدقيقة والمعارف الصناعية.
لقد ولدت الفلسفة منذ الأصل في هيئة معرفة كلية تشمل كل العلوم وتتضمن جل المعارف والاختصاصات الأخرى ولقد تبلورت فكرا موسوعيا وعدت منبعا رئيسيا للفنون الحرة والصناعات والعلوم والتصورات.