استهلال:
" ليس الإنساني مجرد جزء بسيط من الطبيعة المطبوعة قديما بل هو تاريخ إبداعي لعين الذات وإعادة تشكيل للكون: بالأحرى الطبيعة القديمة تدخل في تاريخ البشر وفي حميمية حياتهم."[1]
لقد اهتم بول ريكور بموضوع البيوإيتيقا إبان ظهورها في تاريخ الأفكار في مقالات متفرقة وخاصة في كتاب "عين الذات غيرا"[2] وفي كتاب "العادل1"[3] وفي قراءات2 حينما تناول مسألة العلاقة بين فلسفة البيولوجيا والإيتيقا عند هانس جوناس4[4]. ولكنه خصص لها حوارا كاملا مع جان بيير شانجو طبع فيما بعد في كتاب بعد تعديله تحت عنوان: " ما يجعلنا نفكر: الطبيعة والقاعدة"[5]. ولقد دار الحديث أنذاك حول إمكانية تجاوز التعارض بين الخطاب العلمي والخطاب الأخلاقي وجرى البحث عن خطاب ثالث يصادر على وجود قواسم مشتركة وتبادل للخدمات ويتعامل مع مفهوم التمثل بوصفه الرابطة الحقيقية بين الذاتي والموضوعي وقد تمت الاتفاق على أن الأخلاق تظل صالحة لحماية المجتمع من المخاطر السلبية للعلوم والتطبيقات التقنية. كما وقع التطرق في هذا السياق إلى المشاكل الناتجة عن هيمنة الميديا وتردد حكمة المعاصرين أمام إحراجات الثورة البيولوجية واتجه الحوار نحو تشكيل لجان وطنية للإيتيقا الطبية والمهنية والبيئية تكون مهمتها النظر في الحالات المستعصية والتعويل على تظافر المنهجيات المتعددة.

تعرَّف الحرية سلبا بأنها تتنافى مع الحجر والقيد؛ وتعرف بشكل إيجابي كحالة من يفعل ما يريد. من المدهش أن تكون الحرية مفهوما حديثا إلى حد ما بحيث كان فلاسفة اليونان في شأنها مقلين، مع أخذهم في الاعتبار أن الإنسان يجب أن يفكر في الكون بدلاً من أن يطيع تطلعاته الخاصة. لكن فلاسفة الحداثة، بدءًا من كيركيغارد، ثم هايدغر وسارتر، هم الذين جعلوا من الحرية مفهوما مركزيا في الفلسفة، كما يتضح من الاقتباسات الشهيرة عن الحرية. لهذا تكون المهمة الرئيسية هي تعريف وإثبات الحرية، وتبرير "الشعور الحي والداخلي" (ديكارت) الذي ينتابني عن التحرر والذي يوجد في قلب كل إنسان.
لتعريف الحرية، يكفي إعطاء وصف مناسب:
- على المستوى البيولوجي، يتم تحديد الحرية بالكائن السليم والمعافى. بخلاف ذلك، يشعر المريض بأنه محاصر في جسده؛

"معرفة الحقيقة (الظاهرة ، وما إلى ذلك) هو معرفة السبب: لا يمكن للمرء معرفة الحقيقة إذا كان لا يعرف السبب"1
نحن نجرب وتتكون لدينا خبرة. كما نختبر العالم بألوانه وأشكاله وأصواته وروائحه ، ونختبر الكل ويتم اختبارنا من خلال تقلبات الحياة. على هذا الأساس لا يمكن الاستغناء عن التجربة ويجب أن يكون لكل إنسان تجاربه الخاصة. إن التجربة تصبح خبرة وهي جزء مما يعنيه أن تكون إنسان وتساهم في تطور الإنسان كانسان. لذلك تنعكس الفلسفة بكل طريقة ممكنة على طبيعة التجربة ودورها في تطوير الفن والسياسة والأخلاق والدين والمعرفة وتشمل مختلف مستويات الحياة أي علاقة المرء بذاته والغير والعالم. في البداية يمكن التمييز بين التجربة من حيث هي لقاء الوعي مع الواقع الخارجي يترتب عنه جلب معرفة جديدة لجانب من هذا الواقع من ناحية أولى والتجربة المفهومة بوصفها وقائع معاشة ، من خلال التفكير ، تكشف عن جانب جديد من الواقع من ناحية ثانية .

"إلى أين إذن ينبغي على المرء أن يسعى؟ إلى هنا فقط:
 فكر صائب، وفعل للخير العام، وقول لا يعرف الكذب،
وتقبّل لكل ما يجري كشيء ضروري وعادي ونابع من
مبدإ ومصدر من نفس الصنف"
ماركوس أوريليوس (التأملات)
مقدمة
    تحتل الفلسفة الرواقية مكانة متميّزة بين المدارس الفلسفية سواء في الحقبة الهلنيستية أو الحقبة الرومانية وما بعدها. فقد صارت بفضلها الفلسفة طريقة حياة وكيفية وجود، وأصبح الفيلسوف يخط الكتب من أجل عيش حياته وإثبات أقواله، وليس بهدف مراكمة أطروحات ونظريات. إن الأمر يتعلق باهتمام عملي بالنفس، وانشغال حقيقي بالآخرين لقيادتهم بالنسبة للأشياء التي تناسب طبيعتهم. هكذا صار الفلاسفة الرواقيون يدعون إلى حرية التفلسف ويشجعون على السعي إلى الحكمة والفلسفة العملية وعلى تحقيق السعادة والطمأنينة. لكن الفوز بهذه الفضائل، يتطلب من الفيلسوف الإستغراق في الحاضر، وعيش الحياة في دفقها اليومي حيث الكمال الخلقي "يتطلب أن نقضي كل يوم، وكأنه يوم أخير لنا" بتعبير ماركوس أوريليوس.

استهلال:
" كل فلسفة جديدة تبني ذاتها على أنقاض ما كانت قد رفضته من الفلسفات السابقة لها"1[1]
يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى التعليم بصفة عامة وتعليم الفلسفة بشكل مخصوص إلى الشروع في عملية تغييرية جذرية في المشهد التربوي وذلك بعد التراجع الملحوظ في المستوى والفشل في التكوين والاكتفاء بالبرمجة الآلية للعقول وإعادة إنتاج الأنظمة المعرفية والمراتب الاجتماعية القائمة والتغاضي عن الابتكار واتساع الفجوة الرقمية الفاصلة عن الدول التي حققت أرقاما وبلغت مستوى عالي في الجودة.

تحطيم الأصنام هي حرفتي ، ذلك أنّه ما أن ابتُدِعَتْ أكذوبة عالَمِ المُثُل حتى تمَّ تجريد الواقع مِن قيمتِهِ ، و مِن معناه ، و مِن حقيقتِهِ.  (نيتشه - مقدمة كتابه هذا هو الإنسان)
     منحتنا ما بعد الحداثة مساحة مفتوحة لنقد المراكز التقليدية، ولكن غالبية النقد تركزت على الرجل دون المرأة، وهذه النظرة الأحادية محاولة عكسية في صناعة المراكز واستبدال مركز بمركز آخر، وكل مركز هو نموذج ومثال، يمكن أن يصبح عالما من المثل، عالم تستمد منه القواعد والمقاييس والنظريات والقيم أو اللاقيم، فمعه يعرّف الخير وضده يعرّف الشر.

1 – بَدْءًا: إمْكَان مُغَالَبَة دُوغما القِرَاءَة وَالفَهْم بِالمُقَارَبَة التَنَاصِّيَّة
القَوْل بِواحديّة النصّ المُطلقة مِن غَيْر الإحالة إلى التَعدُّد داخل بنيته ينتهي إلى الدوغما بِفَهْم واحديّ أيْضًا يَلُوذ بِظاهر الشَكْل ولا ينفُذ إلى عَمِيق اشتغال مَعانِيه، كالسائد في الدِراسات النقدِيَّة الأَدَبِيَّة الوَصْفِيَّة المُكتفِيَة عَادةً بالدَوَالّ ابْتِداءً مِن مُفرد النَصّ مُطْلَقًا وعَوْدًا إليْه، في حِين أنّ النصّ عَدَدٌ في واحد، فُسَيْفساء نُصوص صُغرى مُتحرّكة تتعالق بِنَواةٍ عميقة مُفرَدَة تَصِل بَيْن مُختلف أجزائه في كُلٍّ واحدٍ له دَوالُّه ودَلالتُه وتِدْلالاتُه الخاصّة.وكَذَا القَوْل أيْضا بِمُختَصَر النَصّ في مفهوم واحد واحديّ، إنْ حَوَّلْنَا النَظَر مِن الأدَبِيَّة إلى التَفَلسُف الّذِي يُؤدِّي هُو الآخر إلى الدُوغما بِتَغْييب العَدَد الماثل في بِنْيَة النَصّ الواحد وتَحْويل مُجْمله إلى مَقُولة مُبتَسَرَة ساكنة، بَلْ مُشوّهَة أحيانا بالاستخدام الاستدلالِيّ المُعَمَّم الاعتِباطِيّ عَادَةً.
فَالتَناصّ (intertextualité) هُو مُصطلح لِمَنْهَجٍ، لِمُقاربة تُجاوِز مُفرد النَصّ، أَيّ نَصّ، وتعتبره مُتَعَدِّدًا في واحد، إذْ لَهُ سُلالتُه (أَصْله الجِينيالوجِيّ) بِمَا يَتضمّنهُ في عَمِيق بِنائه مِن آثار تجارب وقِراءات، وَله أُفُقُه، بَلْ آفاقه بِمَا يشتمل عَلَيْه مِن إِمْكاناتٍ عِدَّةٍ للقِراءة/القِراءات.

تقديم:
" التصرف بحيث تصبح الفلسفة ممكنة، أو حتى تظل مستمرة، يمكن القيام به في أماكن متعددة. وفي مناسبات مختلفة جدا." 1[1]
يرتبط تدريس الفلسفة في العالم بتوفر المناخ الديمقراطي في المجتمعات المتعددة والثقافات المتنوعة ويتوزع نحو اتجاهات متفرقة وممارسات مختلفة، ولكنه يلتقي حول جملة من المناهج الضرورية والقيم الكونية ويستوجب إعطاء الفلسفة منزلة هامة في المنظومات التربوية والأنساق الثقافية لكي تقوم بدورها في تكوين المواطنين والمربين وفي نشر مبادئ التسامح والسلم والمدنية بين الشعوب بصورة شاملة وناجعة.

يحب الفلاسفة أن يكرهوا آين راند ومن المألوف أن يسخر الفلاسفة من أي ذكر لاسمها. قال لي أحدهم يوما: "لا أحد يجب أن يتعرض لـ لأفكار) هذه المتوحشة". ويزعم الكثيرون أنها ليست فيلسوفة على الإطلاق ويجب ألا تؤخذ على محمل الجد. لكن المشكلة هي أن الناس يأخذونها على محمل الجد بالفعل بل في بعض الحالات، بشكل مفرط.
ولدت راند في روسيا ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة في عام 1926، حيث روجت لفلسفة الأنانية التي وصفتها بالفلسفة "الموضوعانية. كما كتبت في روايتها "أطلس يتململ" (1957)، فإن فلسفتها تعكس "مفهوم الإنسان ككيان بطولي، حيث تكون سعادته الخاصة هي الهدف الأخلاقي لحياته، والإنجاز الإنتاجي هو أنبل أفعاله، ويكون العقل المبدأ المطلق الوحيد لديه". ومع تبنيها للسعادة والعمل الجاد والفردية البطولية كمثل عليا، لا عجب اذن أنها لفتت انتباه الأمريكيين وأسرت خيالهم.

يجب في البداية أن نعلم أن غوتفريد فيلهيلم لايبنتز (1646-1716) كان تلميذا وخصما لديكارت في آن واحد. قبل منطق "خطاب في المنهج" ، لكنه أضاف إلى مبدأ التناقض مبدأ العلة الكافية. إنه مبدأ عام في المنطق بمقتضاه لا تُعد القضية صادقة إلا إذا كان يمكن صياغة العلة الكافية بالنسبة لها، فالعلة الكافية قضية أو مجموعة قضايا معروف أنها صادقة، منها يمكن اشتقاق النتيجة منطقاً، ويمكن التدليل على صحة العلة بالتجربة، أو يمكن اشتقاقها من صدق قضايا أُخرى، وهذا المبدأ يُميز ملمحاً جوهريا للتفكير السليم منطقياً وهو البرهان.

"أجل أنا فخور بأن أكون موصوما بطابع أبيقور أكثر من أيّ كان، وفي كل ما أتيح لي أن أسمع أو أن أقرأ عنه، أن أنعم بالسعادة المسائية للعصور القديمة"  فريديريك نيتشه
مقدمة
    يشير ميشيل فوكو إلى قلة التفكير في مفهوم الباريسيا في الفلسفة القديمة، وعدم وجود نصوص تهتم مباشرة بمفهوم الباريسيا. لكنه يستثني الفلاسفة الأبيقوريين وخاصة فيلوديم القداري Philodème de Gadara الذي يبقى نصه الشذري حول الموضوع غير مترجم من اللغة الإغريقية(1)، ويشدد فوكو على أهمية نص فيلوديم. في الوقت ذاته، يذكّر فوكو بندرة الكتابات حول موضوع الباريسيا، ويشير إلى مقال لفيليبسون Philippson وكتاب لسكاربا Scarpat بتاريخ 1964، ومقالة مارسيلو جيغانتي Marcello Giganté  بتاريخ 1968. بالمقابل، يشير فوكو إلى الإستعمال الملحوظ لمفهوم الباريسيا في العصر القديم من طرف فلاسفة كثيرين كأفلاطون وأوريبيد وإيزوقراط وديموستين وبوليب وفيلوديم وبلوتارك ومارك أوريل وماكسيم دو تير ولوسيان، وفي النصوص اللاثينية عند سنيكا وكوانتليان، وفي الروحانية المسيحية عند جان كريسوستوم ودوروتي دو غازا،... إلخ.