استهلال:
" الطبيعة ، وهي الفن الذي يمارسه الله لصنع العالم وإدارته ، تم تقليدها بالفن الإنساني ، الذي يستطيع هنا ، كما في العديد من المجالات الأخرى ، أن يصنع حيوانًا اصطناعيًا"1[1]
ولد هوبز عام 1588 في ويستبورت في إنجلترا. وهو طفل بكر وابن نائب برلماني ، أتقن اللاتينية واليونانية من السنة 6. كما درس في جامعة أكسفورد ، حيث أخذ على وجه الخصوص قراءة المؤلفين اللاتين الكبار (يوربيدس ، ثوسيديدس ...). لكنه بمجرد حصوله على شهادته، أصبح مدرسًا في اللغة الإنجليزية للأعضاء الشباب من طبقة النبلاء. لقد سمحت له هذه المهنة السفر الى دول أوروببة معهم: على غرار فرنسا وإيطاليا وألمانيا . كما تفتح ذهنه بالسفر وتدرب فكريا. في عام 1630 ، أكرم نفسه بقراءة إقليدس ، وأصبح متحمسًا للهندسة.

تقديم

    أثار انتباهي وأنا أتناول في مقالات سابقة موضوع "شجاعة قول الحقيقة" عند الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو⃰ ، تطور معارضة تاريخية  ل"القول الحق، الصريح  والصادق والحر " تزعّمها خصوم لهم علاقة فريدة مع "الحقيقة"، ومتميّزة مع "الآخر"، وأخصّ بالذكر سقراطSocrate  والفلاسفة السنيكيين les Cyniques. ذلك أن شخصيات مثل الخطيب/البلاغي والحكيم والنبي تمتلك تقنيات وطرائق في الكلام لها مفعول كبير على سلوكات وقناعات واعتقادات الأفراد والجماعات، بل ستنافس حكم ورسائل وخطابات الفلاسفة في مجتمعات كثيرة، بل وسنتصر على الرغبة في التفلسف وعيش حياة فسلفية.

ولد أرسطو طاليس في عام 384 ق.م. وعاش حتى 322 ق.م. في ستاجرا. وهي مستعمرة يونانية وميناء على ساحل تراقيا. و كان أبوه نيقوماخوس طبيب بلاط الملك امينتاس المقدوني ومن هنا جاء ارتباط أرسطو الشديد ببلاط مقدونيا، الذي أثر إلى حد كبير في حياته ومصيره فكان مربي الإسكندر. لقد دخل أكاديمية أفلاطون للدراسة فيها وبقي فيها عشرين عاما. ولم يتركها الا بعد وفاة أفلاطون. كان من أعظم فلاسفة عصره وأكثرهم علما ومعرفة ويقدر ما أصدر من كتابات بـ 400 مؤلف ما بين كتاب وفصول صغيرة. عرف بالعلمية والواقعية.

تقديم
    قطع تصور "الإهتمام بالنفس" مسارا طويلا شمل الفلسفة اليونانية والهلنستية والرومانية وكذلك الروحانية المسيحية. بحيث شهدت الفترة الممتدة من القرن الرابع قبل الميلاد إلى غاية القرن الرابع والخامس بعد الميلاد، نوعا من "العصر الذهبي" فيما يخص مسألة "الإهتمام بالنفس". لكن مع دخول العصر الحديث، سيتم تفضيل وإعطاء قيمة أكبر لمبدإ "معرفة النفس"، وترك جانبا، وفي الظل على الأقل، التصور الخاص ب"الإهتمام بالنفس". وستكون "اللحظة الديكارتية" لحظة مقررة في تاريخ ونمط وجود الذات الحديثة؛ بحيث أصبح مبدأ "اعرف نفسك" المدخل الأساسي للحقيقة، لكنها ساهمت في التقليل من تصور "الإهتمام بالنفس" بل وإبعاده وإقصائه من التفكير الفلسفي الحديث(1). كما تزامن مطلع العصر الحديث مع إعطاء الاولوية للعقل وإصلاح الفهم (القرن 17م)، وميلاد فلسفة الأنوار والنزعة الإنسانية (القرن 18م)، وتزايد ظاهرة الإستغلال والنزوع نحو الهيمنة (القرن 19). رافقت هذه التحولات ميلاد العلوم الإنسانية وتطور فروع علمية مختلفة، وابتكار تكنولوجيا سياسية للجسد، جعلت فوكو يربط بين الجنسانية وبروز استراتيجية سلطوية حديثة وضعت الفرد والجماعة عند ملتقى السلطة الحيوية(2).

"لا يمكنك التغلب على الطبيعة إلا بطاعتها"[1].
ولد فرانسيس بيكون في لندن عام 1561. أصبح محاميًا بالتدريب ، حارسًا لأختام الملك جيمس الأول ، لكن تمت إزاحته من منصبه في عام 1621 بسبب الفساد. ثم تحول إلى البحث العلمي وتوفي عام 1626.
الغريب هو كيفية تمكن فرانسيس بيكون من تجسيم وعده الذي أعلن فيه بأن الطريق التي تسير عليها العلوم لازالت عقيمة ولا يبدو الوعد له قيمة ما لم يدر ظهره للفلسفة الماضية بشكل كلي لكن إذا كان الأمر بهذه الكيفية قد يجد المرء صعوبة في ضمان إمكانية المعرفة وبيكون نفسه قد يسقط في الريبية ويجب إعادة تأويل طموحه نحو التجديد وإعلان القطيعة مع فلاسفة الماضي القدامى والوسيطيين على حد سواء.

استهلال
" إنه في الخيال أنني أحاول أن أبذل قصارى جهدي وأن أقيس قدر استطاعتي"[1]
يعتبر الخيال من الطرائق الجديدة في المعرفة التي اتبعها الفلاسفة ويُعَدُّ بول ريكور واحدا منهم إلى جانب أفلاطون وأرسطو وأبيكتات وديكارت وسبينوزا وكانط وجان بول سارتر وكارل يونغ وغاستون باشلار وجلبير دوران وكاستورياديس الذين اهتموا بأدوار التمثل والتصور والترميز والتخيل اجتماعيا.
لقد منح بول ريكور الخيال أدوار مهمة ليس فقط في المجال الاستيطيقي والانشائي وانما أيضا في المجال الألسني والدلالي وسدده وفق قصدية فنومينولوجية وأدرجه في التأسيس الأنطولوجي. لقد ظل هذا المفهوم الاجرائي حاضرا بقوة في كل النصوص الريكورية منذ البدايات الى حد الخواتيم وتجول به من حقول الارادة والرمزية والتاريخ والتأويل الى حقول اللغة والاستعارة والسردية والسياسة والإيتيقا والذاكرة والاعتراف والمجتمع والاقتدار والحرية والحياة والفعل واعتبره ليس مجرد وسيلة لإعادة تشكيل الواقع بخلاف ماهو عليه بل أداة للتدخل فيه وتطويره. لقد ساعد التعويل على الخيال والمخيال بول ريكور في تمثله للواقع بصورة مختلفة وإحداث المنعطف الافتراضي للفكر الفلسفي بالتفكير في الممكن والاحتمالي وإدخال مفهوم المخيال في المباحث الاجتماعية والعلوم السياسية والأدب والرسم والسينما والمنتجات السمعية البصرية.

تقديم
    ترافق صعود الرأسمالية مع ميلاد الدولة الحديثة  وتطور عقلانية سياسية جديدة، استهدفت تعزيز سيطرة الدولة وأجهزتها الإدارية على ’’السكان’’ ومراقبة نمط عيشهم وما يُهدد صحتهم وأمنهم وحياتهم. ركّزت هذه العقلانية على نشاط الفرد وإنتاجه، واجباته وحقوقه، ومستهدفة بالأخص "عافية الدولة واقتدارها". هكذا تطور مفهوم إداري جديد لسعادة الفرد ونموه أطلق عليه ميشيل فوكو  Michel Foucault "السلطة الحيوية". هكذا تمحور تدخل الدولة حول مسائل بيولوجية كالحياة الجنسية والإنجاب وأمل الحياة والعمل والمرض والألم، والإنتباه إلى الحياة والمخاطر التي تخفيها، وبالتالي نشر آليات لتأديب ومراقبة الأجساد والبشر. أما فريديريك غرو Frédéric Gros(1)، فقد اهتم بمواضيع تتعلق ب"العنف" و"الأمن" و"العصيان". الشيء الذي ساعده على تملك معرفة واسعة بممارسات سلطة الدولة الحديثة في ظل النظام الرأسمالي الليبرالي، وبالتالي شجّعه على اقتراح مهام جديدة للدولة الحديثة كالمحافظة على "الأمن" ودعم الحاجة إلى "إعلان عالمي لحقوق الإنسانية".

استهلال:
"أنا أكون لأني قادر على الوفاء بالوعد"1[1]
يبدو من الجهل القول بأن بول ريكور لا يعرف السياسة من جهة التفكير والممارسة ، فهو قد ترأس قرابة عقد كامل الحركة المسيحية الاشتراكية من سنة 1958 إلى سنة 1969 التي انتمى إليها روكار ميشيل، كما أنه تدخل في الحرب التي اندلعت بين المدرسة الجمهورية والمدرسة الكاثولوكية واقترح جملة من الحلول الجريئة والمبتكرة ولكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ ، ثم انه قد ترأس الفدرالية البروتستانتية للتعليم وتم تعيينه من أدغار فور الوزير الأول عميد كلية نانتير وبعد موافقة غير مباشرة من شارل ديغول وهي مسؤولية سياسية تحملها في وزارة التربية ولقد قَبِلَ هذا التعيين ضمن منظور تخيلي للمؤسسة ودورها في حوكمة الادارة واصلاح الجامعة2[2]. إن التردد المنهجي الذي وجد فيه بول ريكور نفسه بين الهرمينوطيقا والفنومينولوجيا وبين فن القصص السردي والمعرفة التاريخية لا يمكن تخطيه وفهمه إلا بالاعتماد على الفنومينولوجيا الهرمينوطيقية التي تجمع بين التأويل والوصف وبين النقد وإعادة التشكيل وبين تفكيك اللاّمعنى وإنتاج المعنى حول العالم.

للجواب عن هذا السؤال، اقترح البداية بوجهة نظر ميشيل دوبوي الأستاذ في المعهد العالي للفلسفة في جامعة كاليفورنيا والمتخصص في أخلاقيات الطب الحيوي والعضو الاستشاري في اللجنة البلجيكية لأخلاقيات البيولوجيا.
أبرز ميشيل دوبوي في مقال رأى النور مؤخرا الصعوبة المحددة في التداول حول موضوع مثل المرض أو الوباء. في الواقع، هذا النوع من المناقشة يعارض حتما الحقائق - بداهة علمية - بالعديد من التمثلات التي تقدم بعدا هاما للذاتية الفردية والجماعية.
لكن هذه التمثلات ليست "علمية"، لأنها تستند إلى الذاكرة الجماعية للحقائق التاريخية (الإنفلونزا الإسبانية والسارس في هذه الحالة)، وعلى ثقافة غربية تتميز بالعلم. لذلك نحن لسنا هنا في معارضة كلاسيكية بين الحقائق العلمية والتمثلات الذاتية، ولكننا نواجه "سيناريو" أكثر تعقيدًا.

الإنسان يبحث عن المعنى، في عصر الوباء التقني البيولوجي، ويكاد يتلخص في شموليته في غريزة البحث عن البقاء، وليس شيئا أخر سوى البقاء، بشتى أنواع السبل الممكنة، والغير الممكنة، إنه لأمر طبيعي، وغير طبيعي في الآن ذاته، فمن طبيعة البشر دائما البحث عما يبقيهم أحياء، بالرغم من قضية الموت التي ترعبه وتهدد كيان وجوده في كل لحظة.

لقد سبق لمعظم الفلاسفة، خاصة في الفكر البيوإتيقي، أن توقعوا، ونبهوا، بل وشككوا، فيما قد تنتجه الثورة البيولوجية-التقنية من مشاكل أخلاقية-إنسانية، تهم مواضيع، الإجهاض، الاستنساخ، التجارب على البشر، الأبحاث التي تجرى على الحيوانات، البيئة، والأجنة  والأنسجة البشرية، التبرع بالأعضاء وزرع أعضاء الحيوانات، الصحة العمومية والأبحاث الوبائية والحروب والأبحاث حول الأسلحة البيولوجية والكيمائية ... لقد صار اليوم، التقدم التقني-البيولوجي أكثر خطورة وأشد فتكا بالإنسان ذاته، وعلى غرار ذلك أيضا، فعلت التقنية بالطبيعة  (البيئة- والحيوان)، لقد تجاوز البشر في عدوانيته أشد الحيوانات عدوانية وخطورة، فقد سبق للفيلسوف الألماني نتشه أن أشار لخطورة هذا التطور على الإنسان، حيث، عبر بقوله على ذلك، بأنه  "يخاف أن تعتبر الحيوانات الإنسان كائنا من جنسها، فقد فطرته الحيوانية بأكثر الأشكال خطورة، أن تعتبره بمثابة الحيوان الغريب الأطوار، الحيوان الضاحك، الحيوان الباكي، الحيوان الذي مآله التعاسة."[1]

مقدمة
    يميز ميشيل فوكو بين أخلاق الإغريق وفلسفتهم، وتقنيات الذات والفحص الذاتي والمسؤولية الأخلاقية عند المسيحيين. فالناس في أخلاق الإغريق، كانوا يهتمون بسلوكاتهم الأخلاقية وعلاقتهم بذواتهم وبالآخرين أكثر من اهتمامهم بالمشاكل الدينية، بحيث كان موضوعهم الكبير هو تأسيس نوع من الاخلاق تكون بمثابة علم جمال الوجود. أما أخلاق المسيحيين، فقد ركزت على مسألة التطهير واستئصال الرغبات واستكناه الذات وتأويلها. يؤكد فوكو على أن المسيحية تتهم، عموما، بأنها عوّضت نمطا حياتيا إغريقيا رومانيا متسامحا، بشكل كاف، بنمط حياتي تقشفي يتميز بسلسلة من التخليات والتحريمات والممنوعات. لكن يمكن أن نلاحظ أن الشعوب القديمة، في هذا النشاط التي تمارسه الذات على نفسها، قد طورت عددا من ممارسات التقشف التي أخذها المسيحيون عنها مباشرة(1). إن تتبع مسارات الإستمرار والإنقطاع في أخلاق القدامى انطلاقا من العصور القديمة إلى المسيحية، يضعنا أمام حقيقة الإنتقال من أخلاق كانت أساسا بحثا عن إيتيك شخصي إلى أخلاق هي بمثابة انقياد لنسق من القواعد(2). يرى فوكو في عملية الإنتقال هذه، قلبا للثقافة الكلاسيكية عن الذات، بحيث حلت في المسيحية فكرة ذات يجب التخلّي عنها -لأن الإنسان، في تشبثه بذاته كان يعارض مشيئة الله- محل فكرة ذات يجب بناؤها وخلقها كعمل فني(3).