" نشهد اليوم اضطرابًا غير مسبوق في عملية العمل والاستهلاك المتسارعة التي اعتدنا على العيش فيها"
حنة أرندت 1906-1975 هي واحدة من أهم المثقفين في القرن العشرين ، وقد تناولت ظواهر الفلسفة والسياسة والأخلاق وتعقلت فوضى العالم ونشطت في مناهضة للنازية وكانت في الوقت نفسه مقاتلة في مجال حقوق الإنسان ونبهت من الأخطار التي تهدد الديمقراطية وقاومت للاستبداد وانخرطت بقوة في المعارك الرئيسية، وفكرت في الحدث وفي هشاشة الإنسان وعاشت في حياتها ما افترضته من أفكار جادة.
تحاول حنة أرندت أن تصف الوضع البشري بطرحها الأسئلة الاشكالية التالية: ترى من نكون؟ وأين نحن؟ وما العالم الذي نسكنه؟ وما طبيعة العصر الذي نعيش فيه؟ وماهو المصير الذي ينتظرنا؟ وكيف يمكننا أن نتغلب على هشاشتنا ونصنع المشترك؟ وهل ارادة الحياة المشتركة ممكنة؟ ومتى تتحقق كرامة الانسان؟

“مشكلة سقراط” أول عنوان موح بشكل مباشر لمقطع من كتاب “أفول الأصنام” لفريديريك نيتشه، أحد آخر منشوراته. سقراط وأفلاطون، كما يقول هذا الفيلسوف، كانا منحطين. بتعبير أدق، كان سقراط منحطا ينتمي إلى أدنى طبقة من الشعب، إلى الدهماء.

يقول نيتشه: “كل شيء عنده (سقراط) مبالغ فيه، مهرج، كاريكاتوري. كل شيء مخفي في نفس الوقت، غني بالدوافع الخفية، تحت أرضي. لغز سقراط يكمن في المعادلة الغبية بين العقل والفضيلة والسعادة – معادلة معارضة لكل غرائز الإغريق الأوائل، للصحة والنبل اليونانيين. يتم توفير مفتاح هذا اللغز من خلال الاكتشاف السقراطي للجدلية، أي البحث عن الأسباب. كان اليونانيون الأوائل من الطبقة العليا يزدرون البحث عن أسباب سلوكهم وعرضها. لم يكن الامتثال للسلطة، للقيادة سواء من الآلهة أو من أنفسهم، سوى مسألة أخلاق حسنة بالنسبة إليهم. الوحيدون الذي يلجأون إلى الجدل هم أولئك الذين لا يملكون وسائل أخرى ليكونوا مسموعين ومحترمين. إنه نوع من رد فعل الأخيار ضد الأشرار”.

عرض الفيلسوف الألماني غوتفريد فيلهيلم لايبنتس (1646-1716) نظريته في الربوبية في كتيب بعنوان: "مقال الثيويديسية عن طبيعة الله وحرية الإنسان وأصل الشر" (1710 ) وفيها وصف نظاما فلسفيا شهيرا يعتمد على "الانسجام المحدد مسبقا" لشرح وجود الشر على الأرض. وهكذا، وفقا لتفاؤلية لايبنتس، الشر ليس إلا ظلا للخير. تبني لايبنتس أدلة تبرر خيرية الله على الرغم من الشر الموجود في العالم.
ينطلق لايبنتس في نظريته من مبدأ الكمال والخير الإلهي. وبحسبه، لا شيء يمكن أن يكون كاملا مثل الله، لذا فإن العالم ليس كاملاً، ولكن، بما أن الله خير، فإن العالم الذي خلقه هو بالضرورة أفضل عالم ممكن. لذا فإن العالم الذي خلقه الله لا يمكن أن يكون كاملاً ؛ وبالتالي فإن الشر ليس سوى مظهر، وإذا اعتقدنا أن العالم يعاني، فذلك لأننا غير قادرين على إدراك الهدف الجيد بالضرورة الذي يبرر هذه المعاناة.

" الفن هو نوع من اللغز يجعل الذي يفكه يستمتع بسرعته في الفهم وبفطنته"[1]
لعل السؤال الأولي لأي تفكير فلسفي: في أي شيء يعتقد أنه من الواجب التفكير في مثل هذا العمل الفني، والبقاء فيه وإعادة التفكير فيه ؟
هذا السؤال أساسي يمكن طرحه حول الفن، لأنه في الواقع جزء جيد من التقاليد الفلسفية، يسير على خطى أفلاطون، الذي سعى لأن يذكرنا بأن الفن لا يستحق أن يكون شيئًا من التفكير الفلسفي، وناهض كل أطروحة الفلسفة تسير على هذا النحو، فإن أي روح ترغب في التفكير بشكل جيد يمكن أن تتحول فقط عن الإغواءات الحسية التي تزرعها الأعمال الفنية على المسار الصعب للزهد الفلسفي:

عندما يواجه العالم واقعا يتجاوزه، عندما تكون حياة البشر على المحك، تظهر مجددا الأسئلة الفلسفية. هكذا تجبرنا فترة الخوف والذعر والقلق هاته على إعادة وضع الفكر في صلب حياتنا اليومية. الأسئلة الذي التي تظهر في مثل هذا الموقف هي من صميم الحياة اليومية للفلاسفة الذين تساءلوا، منذ 2500 سنة على الأقل، عن العالم، اندهشوا منه، وحرصوا على إيجاد إجابات من العلم.

فهم العالم الذي ينكشف أمام أعيننا.

إن التساؤل لأجل فهم العالم أمر جوهري بالنسبة للفلاسفة. يقول أرسطو بهذا المعنى: "الدهشة، هى التى دفعت المفكرين الأوائل، وكما يحدث اليوم، إلى التأملات الفلسفية.". فأن تكون فيلسوفًا هو إذن ان تكون لديك قدرة معينة على الاندهاش. هذا الاندهاش ليست عبثا، ويجب أن يجد إجابات لأنه يطرح أسئلة، يزعج. في الحقيقة، لهذا السبب كان علماء الطبيعة والرياضيات، في العصور القديمة، فلاسفة أيضا، مثل طاليس المليطي.

  "كلما تم إبداع المفاهيم في مكان وزمان ما، فإن العملية المؤدية إليه ستُسمّى دائما فلسفة"
دولوز- غتاري
مقدمة
- سؤال: ما رأيك في "الفلاسفة الجدد"؟
- جواب جيل دولوز: "لا شيء. أظن أن تفكيرهم بدون قيمة".
سيثير هذا الجواب ردود فعل متنوعة من طرف جيل جديد من الفلاسفة خاصة في فرنسا، توحدت جلها حول تبخيس التعريف الآتي للفلسفة: "الفلسفة إبداع للمفاهيم". يأتي على رأس هذا الجيل ميشيل أنفراي  Michel Onfray(1)، الذي لا يترد كلما سمحت الفرصة، على رفض ربط الفلسفة ب"إبداع المفاهيم". لكن عند متابعة دولوز وهو يقدم تعريفة للفلسفة وحُججه وبراهينه، فإننا نقف على الدور الذي لعبه بعض المُشتغلين بالفلسفة في إدخال ما سماه دولوز ب "التسويق التجاري الادبي أو الفلسفي"، والإستجابة لمستهلك متعدد الأذواق. الشيء الذي فرض على المثقفين والكتاب التحوّل إلى صحافيين ومسايرة الأعراف والإندماج في روح العصر: "عصر التواصل".

التعريف بالكاتب:
بيونغ تشول هانغ من مواليد 1959، فيلسوف ألماني مولود في كوريا الجنوبية، منظر ثقافي وأستاذ جامعي في جامعة برلين للآداب. تظهر أعماله تأثرا كبيرا بتراث مدرسة فرانكفورت. من أهمها : " طوبولوجيا العنف " و " ماهية السلطة " و"مجتمع الشفافية.".

التعريف بالكتاب:
يعد كتاب " مجتمع الشفافية " من أهم الكتب التي ألفها بيونغ تشول هان ، وهو كتاب صادر سنة 2012 وقد ترجم إلى اللغة العربية من طرف الأستاذ بدر الدين مصطفى أستاذ الفلسفة المعاصرة والجماليات في كلية الآداب بالقهارة، وراجعه الأستاذ جواد رضواني الباحث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة ( المغرب ). وقد نشر بمؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث سنة 2019، يقع هذا الكتاب في 104 صفحات ، يتضمن بالإافة للتوطئة والفهرس تسعة محاور معنونة كالآتي :

إذا كان لا بد من وضع خطاطة للتنظيم الغريب الذي تم فرضه علينا منذ منتصف مارس الماضي، وهو التاريخ الذي تقرر فيه الحجر، فيمكننا أن نستعير من لايبنيز خطاطة المونادلوجيا.
ما هي الخصائص النظامية لتكوين المجتمع المحجور؟ لنحاول وصفها منذ البداية .
أولاً، كل شخص معزول في منزله، بدون باب أو نافذة لأنه لم يعد يُسمح له بالخروج إلا من أجل جلب ما يقيم به أوده. نشهد الآن فضأنة الدوغما الليبرالية لتعزيز الفرد وتذرير المجتمع: عدة أنوية مستقلة عن بعضها، ولكن تشكل عالما من وجهة نظرها: على الأقل هي مجموع وجهات النظر التي هي العالم.
- نوافذ متناقضة
إذا كان الأفراد مفصولين وسط أربعة جدران، فإنهم مع ذلك يستمرون في الارتباط الذي أصبح ممكنا بطبيعة الحال بفضل القنوات الإخبارية التي تركز على الخبر وتوزعه، ولكن بشكل أساسي عن طريق الشبكات الاجتماعية، فيسبوك، واتساب، إنستاغرام ، إلخ..

"ينبغي أن يكتب أحدهم كتابا في مديح العزلة، واصفا بُعدا للتعايشالإنساني الذي يعترف بحاجة الناس إلى عدم التواصل"
بيتر سلوتردايك
"إلى عزلتك، يا صديقي، إلى الأعالي حيث تهب رصينات الرياح"
فريديريك نيتشه
تقديم
ربطت مجموعة من الكتابات بين كورونا وسيادة مشاعر الخوف والقلق، بحيث أدخل الفيروس البشرية في حالة "اللايقين" وأضحت فكرة الموت تطارد الأفراد والجماعات. كما أحدث "الحجر الصحي" تحولا فجائيا في حياة الناس، انقطعت بموجبه العلاقات والروابط الإجتماعية، وفرضت "العزلة" نفسها بعدما سارعت السلطات المختصة لتنظيم حركية الناس تجنبا لانتشار الوباء رافعة شعار "إلزم بيتك؟". لكن العملية أثارت ردود فعل مختلفة بين مؤيد للحجر الصحي ورافض له.
ما يهمنا في هذه المقالة، هو البحث في مفهوم "العزلة" ونحن نحيا وسط الجائحة، وإثارة بعض الأسئلة حول إمكانية التعايش مع الوضع مؤقتا، والتفكير في الحياة والموت وضرورة ابتكار أسلوب حياة جديدة؟

إلى الأستاذ: عبد الرحيم اسماعيلي
تقديم
إنه مستقبل يتم إعداده الآن وهنا، ونحن وسط "الجائحة"، مستقبل له روابط بمقدمات تاريخية سكنت ثنايا تاريخ الدولة الحديثة؛ دولة التأديب والإنضباط. ففي خضم التحولات التي شهدتها هذه الدولة ونظامها الرأسمالي الليبرالي انطلاقا من القرن االثامن عشر، تم ابتكار آليات ومؤسسات لإخضاع الجسد والجسم الإجتماعي بأكمله، وسن إجراءات لتقنين سلوك الناس وحصرهم ضمن دائرة الرؤية المستديمة، وإحاطتهم بجهاز كامل من الرقابة. هكذا تطورت فيزياء سلطوية جديدة عملت على نشر إواليات ووظائف انضباطية ورقابية مرنة ومقبولة من المجتمع الجديد (المجتمع الإنضباطي). لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية، سيعيش العالم أزمة هذه المؤسسات الإنضباطية والتأديبية، الشيء الذي سمح بنمو "نزعة إصلاحية" وتشكّل مجتمع جديد اقترح وليام بوروز Williams Buroughs له إسم "مجتمع المراقبة"، والذي اعتبره ميشيل فوكو Michel Foucault "مستقبلنا القريب". إنه المجتمع الذي سيُعوّض الأشكال القديمة للتأديب والمراقبة التي ميّزت زمن "النظام المغلق" بأشكال مطبوعة بالإستمرارية والفورية في "زمن الديمقراطية والحرية !". وقد ساهم كل من جيل دولوز Gilles Deleuze ويوفال نوح هراري Yuval Noah Harariفي تحليل صيرورة "مجتمع الإنضباط والتأديب" وعملية الإنتقال إلى "مجتمع المراقبة" ورصد أهم الخصائص التي تميّزه.

في سياق الجدل الدائر حول القوانين المكبلة لحرية التعبير و التفكير أيضا بهذا البلد أو ذلك من البلدان العربية، نحن في أمس الحاجة للنبش في التراث الفلسفي لاستعادته بغية تلمس الطريق أولا لفهم ظاهرة تكميم الأفواه و ثانيا للتحريض ضدها، و لم نجد بُدا في هذا الصدد من العودة إلى الفيسلوف الهولندي باروخ اسبينوزا و بالضبط إلى كتابه الشهير أو بالأحرى رسالته "رسالة في اللاهوت و السياسة" لكن لماذا اسبينوزا؟ يقول هيجل جوابا على هذا السؤال: "إن من يريد أن يكون فيلسوفا، عليه أن يقرأ اسبينوا أولا" طبعا أنا لست فيلسفوفا و لا أريد أن أكون كذلك، أنا مجرد عاشق للحكمة/الفلسفة. و أضيف أن ظروف التضييق على حرية التفكير و التعبير لربما متشابهة مع الظروف التي عاشها اسبينوزا في القرن 17م و دفعته لكتابة رسالته، التي انطلق فيها من مسألتين رئيسيتين و هما:
ـ حرية الفرد لا تشكل خطرا على الإيمان، و أن أساس الإيمان هو العقل.
ـ حرية الفكر لا تمثل خطرا على سلطة الدولة.