في كتابه تاريخ الكذب يطرح جاك دريدا سؤاله المشروع عمن يمكنه أن يروي لنا تاريخا للكذب؟ وهل يمكننا أن نسلم بأنّ للكذب تاريخاً؟ إذا كان الكذب يفترض الابتكار المتعمد للتخيلات فليس كل التخيلات  والخرافات كاذبة. والشيء ذاته ينطبق على الأدب.
يستعين دريدا بمقالين هما: ( السياسة والحقيقة) ل(حنة آرندت)  نُشر  لأول مرة بالانجليزية  سنة 1967 في مجلة نيويوركر  بعد تغطيتها لمحاكمة ايخمان التي صدرت في كتاب (ايخمان  في القدس) إذ تعرضت حنة  آرندت  لسيل من الادعاءات والتلفيقات والأكاذيب التي قيلت بحقها. وفي سنة 1971 أصدرت مقالتها (السياسة والكذب) والذي تطرقت فيه إلى الخداع والتصريحات السياسية الكاذبة والتي حولت فجوة المصداقية إلى هوة استدعت من حنة طرح امكانية الكذب على الذات والتدقيق في هذه الإمكانية المتطورة للكذب، لاسيما ما يتعلق بالعلاقة بين الكذب والسياسة وتاريخ هذه العلاقة والإسهام الذي قدمته في تغذية الكذب وتطوير أساليبه.

تكمن جدة الفيلسوف الدانماركي سورين كيركجارد (1813 ـ 1855)، في كونه عمل بشكل أو بشكل آخر على عدم حصر الفكر الفلسفي في دائرة المثالية المطلقة التي أوصلت العقل إلى تحقيق المطلق مع هيجل، حيث لا وجود لفكرة كونية يثبتها ويؤسس لها العقل، وإنما على فتح الفلسفة أمام أفق قديم جديد ألا وهو الجانب الوجودي المتمثل في ربط الانسان بمفهوم القلق، والذي يصيبه فور تفكيره في الحياة والعالم والمآل.. إذ تبقى أسئلة قائمة بذاتها لم ولن يتمكن العقل بأدواته الصارمة من فهمها، فما بالك بتفسيرها. في هذا الصدد يرى الرجل أن الهروب من القلق يتحقق عبر ثلاثة أطوار، الأول جمالي والثاني أخلاقي والثالث ديني.. والحال أن كيركجارد خصص في كتابه الذي يحمل مفهوم القلق اسما له، خصص حيزا كبيرا يشرح من خلاله كيفية تشكل القلق ومظاهره وعلاقته بالإنسان.. حيث كانت الحاجة ملحة في هذا الصدد لاقتباس جزء صغير عنونه ب: مفهوم القلق، على الأقل كي نكسب معرفة أولية حول مفهوم يشكل عشب وجودنا دون أن نعيره اهتماما يذكر، إما استسهالا به أو جهلا له..

" الفلاسفة يكتفون بتأويل العالم في حين أن المطلوب هو تغييره"
كارل ماركس
لم تكن الفلسفة سوى آثار محفوظة في كتب ومؤلفات وسير ذاتية لشخصيات يرويها الناس بصورة تقريبية مع إضافة بعض الأساطير لبطولات وهمية وقدرات خارقة ومع تنقيص لمواقف متخاذلة وخيانات جبانة.
لم تستمر الفلسفة إلى اليوم سوى في صورة دروس رسمية في المؤسسات التربوية وعدة حلقات نقاش في بعض المنازل الثقافية وفي شكل محاضرات علمية ومسامرات فكرية يلقيها بعض من البحاثة هنا وهناك.
تحولت الفلسفة بصيغة المفرد وبصيغة الجمع إلى ترف معرفي وتراوحت بين صناعة ذكورية وهواية نسوية يزدريها العامة ويسخر منها الخاصة ويتأفف من شرها الحكام ويحذر من تدخلها القاصي والداني.

بعد قرون من التساؤل حول السعادة، انكب الفلاسفة على الفشل. في العصور القديمة، طرح الفلاسفة بصدد السعادة كحالة مطلوبة ومرغوب فيها مجموعة من الأسئلة. وكان منطلقهم أن الفلسفة يجب أن تقودنا إلى السعادة. بينما نلاحط اليوم نزوع الفلاسفة إلى التساؤل عن الفشل. هل يمكن أن يصبح الفشل أفقا فلسفيا جديدا، موضوعا جديدا للدراسة كان مفتقدًا إلى حد كبير في التفكير الفلسفي، أو مجرد موضة جديدة؟
ما هي السعادة؟ هل هي النجاح، كماتغنيبه برنارد تابي سنة 1985؟ هل هي حالة أم أفق؟ هل هي رغبة أم جوهر الإنسان؟ كيف تتحقق السعادة؟ أمن خلال العمل على العالم أو على ذواتنا؟ هل توجد السعادة في نهاية بحث مثل كنز، أو غنيمة، أم أنها مسألة تحويل ذاتي؟

نبذة مختصرة عن المحاورة :
  تبدأ المحاورة بوصول كل من سقراط و شيريفون إلى منزل كاليكلس لحضور جلسة من جلسات جورجياس .وذلك رغبة من سقراط في التحدث إليه .ولكي يطرح عليه الأسئلة، كعادته .
     و تدور المحاورة بشكل أساسي بين كل من سقراط و جورجياس و بولوس و كاليكلس .و موضوعها باقتضاب عن فن الخطابة أو (البيان) و الإقناع  و العدالة .و قد حاول سقراط فيها بوصفه -الفيلسوف المحنك- إحراج محاوريه بقوله أن العدالة هي فضيلة و أن من يتصف بها هو بدوره فاضل لأنه لا يرتكب الظلم ،وأن أشقى الناس هو من يرتكب الظلم -لا من يمارس عليه الظلم- فهو سيعاني مع نفسه .
    تنتهي المحاورة بخرافة عن العذاب الذي يتلقاه الظالمون غير العادلين و الطغاة في العالم الآخر من طرف الآلهة .

تقديم
    أولى ميشيل فوكو اهتماما خاصا بسؤال العلاقة بين الذات والحقيقة، دفعته إلى الرجوع إلى الروحية المسيحية في مرحلة عرفت تطور المؤسسات الرهبانية، وظهور قواعد حياة جديدة، تعزى أساسا إلى هجرة مجموعة من المبادئ من الأوساط الوثنية إلى الفكر والممارسة المسيحيين، وخاصة ما تعلّق بنظام الأفروديسيات. يشير فوكو إلى اهتمامه بالذات والحقيقة والتحول إلى النفس عند المسيحيين  عندما لاحظ في إطار اشتغاله حول تاريخ الجنس، العلاقة الموجودة، بين أشكال التحريم في مجال الجنس وضرورة قول الحقيقة عن الذات. ما أخذه آباء الكنيسة الأوائل من الفلاسفة الوثنيين هو مفاهيمهم عن قواعد الحياة، وخاصة تدبير اللذة   (le régime des aphrodisia) كما يمكن تلقّيه داخل فكر مسيحي مشغول بمسائل الزواج وعلاقته بالعلاقات الجنسية والإنجاب وكبح الشهوة (la continence) (1). إن بحث ميشيل فوكو في الذات والحقيقة وقواعد الحياة عند المسيحيين، يأتي في سياق تفحصه للطريقة التي تؤسس بها الذات نفسها عبر سلسلة من التقنيات الذاتية،  وتحليله الجينيالوجي لتكون الذات تاريخيا والتي لها نزعة أن تصبح في نفس الآن"أنطولوجيا تاريخية لذواتنا" بتعبير فوكو. قاد هذا البحث إلى التساؤل حول مفهومي الإتصال والإنفصال بين الأخلاق الوثنية والأخلاق المسحية، وخصوصية نمط الوجود المسيحي، وأشكال التحول إلى النفس وقول الحقيقة في شأنها والإهتمام بها.

" حقا إني أعيش في زمن أسود، الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها، والجبهة الصافية تفضح الخيانة والذي مازال يضحك لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب ، أي زمن هذا"  -  بريخت-
أثارت حادثة تعرية الممثل السوري المقيم في ألمانيا لنفسه أثناء تقديمه لعرضه المسرحي ضمن فعاليات "أيام قرطاج المسرحية" بتونس العاصمة الكثير من الجدل والتعليقات وطرحت إشكاليات حرية التعبير وآداب الفنان وشروط الذوق وحقوق المتفرج وفلسفة المسرح ومراوحته بين الجرأة والاختراق والتخلق.
لعل المناخ الثوري العام الذي تمر به تونس يدفع الكثير من الضيوف إلى المخاطرة والمغامرة بالانخراط في التجربة النضالية عن طريق الانتفاضة الفنية والإبداع الجمالي وابتكار أشكال من التمرد والرفض والمواجهة ولكن واقع الحال يبين أن بعض الأنماط التعبيرية لا تدرج الا في خانة الفن الهابط وجمالية القبح وتظل مجرد تقليعات أشبه بالصرخة الطبيعية التي لا تجد صدى ولا تملك أي وقع على الجمهور.

إن السؤال حول ماهية الفعل أي فعل بشري ينبغي أن يطال كل ما نقوم به من أفعال، وهو فرصة لمراجعة وتقييم الذات سلوكاتها وأفكارها ومساءلة مدى فاعليتها في كل لحظة من لحظاتها ،وبالتالي أن نوازي بشكل دائم بين ما نقوم به ونفكر فيه وبين مدى فاعليته ونجاعته بالنسبة لنا ،هل فعلا يجلب إلينا المتعة أم لا ؟وهل ينبغي أن نستمر فيه ؟  فمثلا نجد من يشتغلون بالفلسفة، فمع أنهم يشتغلون داخل الحقل الفلسفي وينتجون معرفة فلسفية معينة، فهم بالضرورة يهتمون بسؤال الفلسفة وبحاجة الناس إليها،بل يسائلون بشكل نقدي صريح  دور الفلسفة وماهيته ،ولماذا ينبغي أن أن تستمر الفلسفة ؟ ونفس المنطق ينطبق على الأنساق المعرفية التي تنشغل بهموم معرفية ما ،وهو نفسه ما ينطبق على الممارسات والأفعال الإنسانية وحتى إن كانت أفعال بيولوجية طبيعية محضة.

أولا : ماهي السيرة الذاتية والأعمال العلمية والفكرية للشخصية المفهومية التي تنحتونها؟
زهير الخويلدي ، فيلسوف تونسي وأستاذ مساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، رقّادة ، القيروان، الجمهورية التونسية.
أستاذ مبرز وكاتب فلسفي وباحث أكاديمي في الجامعة التونسية مختص في الفنومينولوجيا والهرمينوطيقا والايتيقا وفلسفة السرد والنظرية السياسية والاجتماعية.
نال شهادة الدكتورا في الفلسفة المعاصرة بعد مناقشة أطروحة بعنوان تقاطع السردي والإيتيقي من خلال أعمال بول ريكور من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 9 أفريل بتونس.
ينشط في العديد من المؤسسات التابعة للمجتمع المدني ويؤثث دوريا عدة منتديات ثقافية وملتقيات فكرية في عدة جمعيات.
يكتب بشكل مستمر في العديد من الصحف والجرائد والمواقع الإخبارية والثقافية والمجلات الفكرية العربية وشارك في العديد من الكتب الفلسفية الجماعية مع أكاديميين عرب ضمن أعمال تأليفية مشتركة.

ستشهد الهرمينوطيقا بعد دلتاي منعطفا حاسما سيساهم في دخول هذا الحقل المعرفي إلى مجال أكثر تعقيدا وخصوبة، وهذا المنعطف سيتأسس على نقض التصور المنهجي الذي اضطلع بالاشتغال عليه كل من شلايرماخر ودلتاي، وإن كان هذا النقض لن يتبلور صراحة  إلا مع غادامر إلا أن إرهاصاته ستبدأ مع هايدغر الذي سيتجاوز التصورات الميتودولوجية إلى الحديث عن طابع جديد للهرمينوطيقا يتجلى في الطابع الأنطولوجي، الذي يبحث في شروط وجود الفهم وإمكانية فهم هذا الفهم.
والحديث عن هرمينوطيقا هايدغر ليس بالأمر الهين ولا هو بالأمر الذي يمكن تلخيصه في فقرات محدودة، لكن يبقى المهم هو تبيان أهمية المنعطف الذي شكله هايدغر في مجال الفلسفة التأويلية وكيف اتجه بالفكر الهرمينوطيقي إلى أعمق ما يمكن أن يصله وفي قالب لغوي أعقد مما يمكن فهمه بسهولة، ويمثل هايدغر ضمن هذا العرض الموجز للهرمينوطيقا نوع من المجانسة بين الفينومينولوجيا والأونطولوجيا من جهة والهرمينوطيقا من جهة أخرى.

لا يخفى على مطلع أن ل(الكسندر كوجيف) الفضل في التعريف بفلسفة هيغل في الجامعات الفرنسية, وقد حضر محاضراته عدد كبير من المفكرين والمثقفين الفرنسيين, أمثال: جاك لاكان ورولان بارت وليفي شتراوس, وجورج باتاي مابين (1933-1939) في معهد الدراسات العليا. ولكن الذي كان يتلقاه هؤلاء لم يكن النسخة الأمينة من فلسفة هيغل الألمانية, بل هي النسخة المشوّهة أو المؤولة كوجيفيا لتتلاءم والمزاج الفكري الفرنسي, وهذه الأفكار ذاتها أصبحت البديل لفلسفة هيغل حتى عند الألمانيين الذين صعب عليهم فهم النسق الفلسفي لهيغل فعاد إليهم هيغل بنكهة ولكنة فرنسية.