" الفن هو نوع من اللغز يجعل الذي يفكه يستمتع بسرعته في الفهم وبفطنته"[1]
لعل السؤال الأولي لأي تفكير فلسفي: في أي شيء يعتقد أنه من الواجب التفكير في مثل هذا العمل الفني، والبقاء فيه وإعادة التفكير فيه ؟
هذا السؤال أساسي يمكن طرحه حول الفن، لأنه في الواقع جزء جيد من التقاليد الفلسفية، يسير على خطى أفلاطون، الذي سعى لأن يذكرنا بأن الفن لا يستحق أن يكون شيئًا من التفكير الفلسفي، وناهض كل أطروحة الفلسفة تسير على هذا النحو، فإن أي روح ترغب في التفكير بشكل جيد يمكن أن تتحول فقط عن الإغواءات الحسية التي تزرعها الأعمال الفنية على المسار الصعب للزهد الفلسفي:
ماهي الدروس التي تقدمها لنا الفلسفة عن فيروس كورونا؟ - أحمد رباص
عندما يواجه العالم واقعا يتجاوزه، عندما تكون حياة البشر على المحك، تظهر مجددا الأسئلة الفلسفية. هكذا تجبرنا فترة الخوف والذعر والقلق هاته على إعادة وضع الفكر في صلب حياتنا اليومية. الأسئلة الذي التي تظهر في مثل هذا الموقف هي من صميم الحياة اليومية للفلاسفة الذين تساءلوا، منذ 2500 سنة على الأقل، عن العالم، اندهشوا منه، وحرصوا على إيجاد إجابات من العلم.
فهم العالم الذي ينكشف أمام أعيننا.
إن التساؤل لأجل فهم العالم أمر جوهري بالنسبة للفلاسفة. يقول أرسطو بهذا المعنى: "الدهشة، هى التى دفعت المفكرين الأوائل، وكما يحدث اليوم، إلى التأملات الفلسفية.". فأن تكون فيلسوفًا هو إذن ان تكون لديك قدرة معينة على الاندهاش. هذا الاندهاش ليست عبثا، ويجب أن يجد إجابات لأنه يطرح أسئلة، يزعج. في الحقيقة، لهذا السبب كان علماء الطبيعة والرياضيات، في العصور القديمة، فلاسفة أيضا، مثل طاليس المليطي.
في الحاجة إلى الفلسفة: جيل دولوز وإبداع المفاهيم- ادريس شرود
"كلما تم إبداع المفاهيم في مكان وزمان ما، فإن العملية المؤدية إليه ستُسمّى دائما فلسفة"
دولوز- غتاري
مقدمة
- سؤال: ما رأيك في "الفلاسفة الجدد"؟
- جواب جيل دولوز: "لا شيء. أظن أن تفكيرهم بدون قيمة".
سيثير هذا الجواب ردود فعل متنوعة من طرف جيل جديد من الفلاسفة خاصة في فرنسا، توحدت جلها حول تبخيس التعريف الآتي للفلسفة: "الفلسفة إبداع للمفاهيم". يأتي على رأس هذا الجيل ميشيل أنفراي Michel Onfray(1)، الذي لا يترد كلما سمحت الفرصة، على رفض ربط الفلسفة ب"إبداع المفاهيم". لكن عند متابعة دولوز وهو يقدم تعريفة للفلسفة وحُججه وبراهينه، فإننا نقف على الدور الذي لعبه بعض المُشتغلين بالفلسفة في إدخال ما سماه دولوز ب "التسويق التجاري الادبي أو الفلسفي"، والإستجابة لمستهلك متعدد الأذواق. الشيء الذي فرض على المثقفين والكتاب التحوّل إلى صحافيين ومسايرة الأعراف والإندماج في روح العصر: "عصر التواصل".
قراءة في كتاب بيونغ تشول هان " مجتمع الشفافية " - محمد عزوزي
التعريف بالكاتب:
بيونغ تشول هانغ من مواليد 1959، فيلسوف ألماني مولود في كوريا الجنوبية، منظر ثقافي وأستاذ جامعي في جامعة برلين للآداب. تظهر أعماله تأثرا كبيرا بتراث مدرسة فرانكفورت. من أهمها : " طوبولوجيا العنف " و " ماهية السلطة " و"مجتمع الشفافية.".
التعريف بالكتاب:
يعد كتاب " مجتمع الشفافية " من أهم الكتب التي ألفها بيونغ تشول هان ، وهو كتاب صادر سنة 2012 وقد ترجم إلى اللغة العربية من طرف الأستاذ بدر الدين مصطفى أستاذ الفلسفة المعاصرة والجماليات في كلية الآداب بالقهارة، وراجعه الأستاذ جواد رضواني الباحث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة ( المغرب ). وقد نشر بمؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث سنة 2019، يقع هذا الكتاب في 104 صفحات ، يتضمن بالإافة للتوطئة والفهرس تسعة محاور معنونة كالآتي :
الحجر الصحي من وجهة نظر الفيلسوف الألماني جوتفريد فيلهيلم لايبنيز - أحمد رباص
إذا كان لا بد من وضع خطاطة للتنظيم الغريب الذي تم فرضه علينا منذ منتصف مارس الماضي، وهو التاريخ الذي تقرر فيه الحجر، فيمكننا أن نستعير من لايبنيز خطاطة المونادلوجيا.
ما هي الخصائص النظامية لتكوين المجتمع المحجور؟ لنحاول وصفها منذ البداية .
أولاً، كل شخص معزول في منزله، بدون باب أو نافذة لأنه لم يعد يُسمح له بالخروج إلا من أجل جلب ما يقيم به أوده. نشهد الآن فضأنة الدوغما الليبرالية لتعزيز الفرد وتذرير المجتمع: عدة أنوية مستقلة عن بعضها، ولكن تشكل عالما من وجهة نظرها: على الأقل هي مجموع وجهات النظر التي هي العالم.
- نوافذ متناقضة
إذا كان الأفراد مفصولين وسط أربعة جدران، فإنهم مع ذلك يستمرون في الارتباط الذي أصبح ممكنا بطبيعة الحال بفضل القنوات الإخبارية التي تركز على الخبر وتوزعه، ولكن بشكل أساسي عن طريق الشبكات الاجتماعية، فيسبوك، واتساب، إنستاغرام ، إلخ..
مفهوم العزلة في زمن كورونا - ادريس شرود
"ينبغي أن يكتب أحدهم كتابا في مديح العزلة، واصفا بُعدا للتعايشالإنساني الذي يعترف بحاجة الناس إلى عدم التواصل"
بيتر سلوتردايك
"إلى عزلتك، يا صديقي، إلى الأعالي حيث تهب رصينات الرياح"
فريديريك نيتشه
تقديم
ربطت مجموعة من الكتابات بين كورونا وسيادة مشاعر الخوف والقلق، بحيث أدخل الفيروس البشرية في حالة "اللايقين" وأضحت فكرة الموت تطارد الأفراد والجماعات. كما أحدث "الحجر الصحي" تحولا فجائيا في حياة الناس، انقطعت بموجبه العلاقات والروابط الإجتماعية، وفرضت "العزلة" نفسها بعدما سارعت السلطات المختصة لتنظيم حركية الناس تجنبا لانتشار الوباء رافعة شعار "إلزم بيتك؟". لكن العملية أثارت ردود فعل مختلفة بين مؤيد للحجر الصحي ورافض له.
ما يهمنا في هذه المقالة، هو البحث في مفهوم "العزلة" ونحن نحيا وسط الجائحة، وإثارة بعض الأسئلة حول إمكانية التعايش مع الوضع مؤقتا، والتفكير في الحياة والموت وضرورة ابتكار أسلوب حياة جديدة؟
كورونا و"مجتمع المراقبة": تأملات حول مستقبل قريب - ادريس شرود
إلى الأستاذ: عبد الرحيم اسماعيلي
تقديم
إنه مستقبل يتم إعداده الآن وهنا، ونحن وسط "الجائحة"، مستقبل له روابط بمقدمات تاريخية سكنت ثنايا تاريخ الدولة الحديثة؛ دولة التأديب والإنضباط. ففي خضم التحولات التي شهدتها هذه الدولة ونظامها الرأسمالي الليبرالي انطلاقا من القرن االثامن عشر، تم ابتكار آليات ومؤسسات لإخضاع الجسد والجسم الإجتماعي بأكمله، وسن إجراءات لتقنين سلوك الناس وحصرهم ضمن دائرة الرؤية المستديمة، وإحاطتهم بجهاز كامل من الرقابة. هكذا تطورت فيزياء سلطوية جديدة عملت على نشر إواليات ووظائف انضباطية ورقابية مرنة ومقبولة من المجتمع الجديد (المجتمع الإنضباطي). لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية، سيعيش العالم أزمة هذه المؤسسات الإنضباطية والتأديبية، الشيء الذي سمح بنمو "نزعة إصلاحية" وتشكّل مجتمع جديد اقترح وليام بوروز Williams Buroughs له إسم "مجتمع المراقبة"، والذي اعتبره ميشيل فوكو Michel Foucault "مستقبلنا القريب". إنه المجتمع الذي سيُعوّض الأشكال القديمة للتأديب والمراقبة التي ميّزت زمن "النظام المغلق" بأشكال مطبوعة بالإستمرارية والفورية في "زمن الديمقراطية والحرية !". وقد ساهم كل من جيل دولوز Gilles Deleuze ويوفال نوح هراري Yuval Noah Harariفي تحليل صيرورة "مجتمع الإنضباط والتأديب" وعملية الإنتقال إلى "مجتمع المراقبة" ورصد أهم الخصائص التي تميّزه.
حرية التفكير و الحاجة إلى اسبينوزا الآن - شفيق العبودي
في سياق الجدل الدائر حول القوانين المكبلة لحرية التعبير و التفكير أيضا بهذا البلد أو ذلك من البلدان العربية، نحن في أمس الحاجة للنبش في التراث الفلسفي لاستعادته بغية تلمس الطريق أولا لفهم ظاهرة تكميم الأفواه و ثانيا للتحريض ضدها، و لم نجد بُدا في هذا الصدد من العودة إلى الفيسلوف الهولندي باروخ اسبينوزا و بالضبط إلى كتابه الشهير أو بالأحرى رسالته "رسالة في اللاهوت و السياسة" لكن لماذا اسبينوزا؟ يقول هيجل جوابا على هذا السؤال: "إن من يريد أن يكون فيلسوفا، عليه أن يقرأ اسبينوا أولا" طبعا أنا لست فيلسفوفا و لا أريد أن أكون كذلك، أنا مجرد عاشق للحكمة/الفلسفة. و أضيف أن ظروف التضييق على حرية التفكير و التعبير لربما متشابهة مع الظروف التي عاشها اسبينوزا في القرن 17م و دفعته لكتابة رسالته، التي انطلق فيها من مسألتين رئيسيتين و هما:
ـ حرية الفرد لا تشكل خطرا على الإيمان، و أن أساس الإيمان هو العقل.
ـ حرية الفكر لا تمثل خطرا على سلطة الدولة.
منطق الحواس والعقل الحسابي عند توماس هوبز - د.زهير الخويلدي
استهلال:
" الطبيعة ، وهي الفن الذي يمارسه الله لصنع العالم وإدارته ، تم تقليدها بالفن الإنساني ، الذي يستطيع هنا ، كما في العديد من المجالات الأخرى ، أن يصنع حيوانًا اصطناعيًا"1[1]
ولد هوبز عام 1588 في ويستبورت في إنجلترا. وهو طفل بكر وابن نائب برلماني ، أتقن اللاتينية واليونانية من السنة 6. كما درس في جامعة أكسفورد ، حيث أخذ على وجه الخصوص قراءة المؤلفين اللاتين الكبار (يوربيدس ، ثوسيديدس ...). لكنه بمجرد حصوله على شهادته، أصبح مدرسًا في اللغة الإنجليزية للأعضاء الشباب من طبقة النبلاء. لقد سمحت له هذه المهنة السفر الى دول أوروببة معهم: على غرار فرنسا وإيطاليا وألمانيا . كما تفتح ذهنه بالسفر وتدرب فكريا. في عام 1630 ، أكرم نفسه بقراءة إقليدس ، وأصبح متحمسًا للهندسة.
فوكو وشجاعة قول الحقيقة: خصوم القول الصريح (المقالة الثامنة) - ادريس شرود
تقديم
أثار انتباهي وأنا أتناول في مقالات سابقة موضوع "شجاعة قول الحقيقة" عند الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو⃰ ، تطور معارضة تاريخية ل"القول الحق، الصريح والصادق والحر " تزعّمها خصوم لهم علاقة فريدة مع "الحقيقة"، ومتميّزة مع "الآخر"، وأخصّ بالذكر سقراطSocrate والفلاسفة السنيكيين les Cyniques. ذلك أن شخصيات مثل الخطيب/البلاغي والحكيم والنبي تمتلك تقنيات وطرائق في الكلام لها مفعول كبير على سلوكات وقناعات واعتقادات الأفراد والجماعات، بل ستنافس حكم ورسائل وخطابات الفلاسفة في مجتمعات كثيرة، بل وسنتصر على الرغبة في التفلسف وعيش حياة فسلفية.
نبذة عن ميتافيزيقا أرسطو طاليس - أحمد رباص
ولد أرسطو طاليس في عام 384 ق.م. وعاش حتى 322 ق.م. في ستاجرا. وهي مستعمرة يونانية وميناء على ساحل تراقيا. و كان أبوه نيقوماخوس طبيب بلاط الملك امينتاس المقدوني ومن هنا جاء ارتباط أرسطو الشديد ببلاط مقدونيا، الذي أثر إلى حد كبير في حياته ومصيره فكان مربي الإسكندر. لقد دخل أكاديمية أفلاطون للدراسة فيها وبقي فيها عشرين عاما. ولم يتركها الا بعد وفاة أفلاطون. كان من أعظم فلاسفة عصره وأكثرهم علما ومعرفة ويقدر ما أصدر من كتابات بـ 400 مؤلف ما بين كتاب وفصول صغيرة. عرف بالعلمية والواقعية.