تتوزع القضايا المقترحة في هذه الدراسة على فضاءين وهما: فضاء الرهانات وفضاء الممكنات.
فالأول يشمل رهانات ومفارقات العملية التواصلية والتي أثارها باحثون في حقول متعددة [ علوم الإعلام، بسيكولوجيا، سوسيولوجيا الخ…].
أما الثاني فيتضمن الممكن الكانطي والممكن الهيجيلي في تبليغ الفلسفة وتعليمها. ونود الإشارة هنا إلى أننا سننطلق من فرضية مفادها أن الفلسفة تواصلية، متجنبين الخوض في النقاش الذي أثاره جيل دولوز وفليكس غاتاري عبر المصادر القائلة بأن الفلسفة لا تتأمل ولا تفكر ولا تتواصل[1].
فكيف تتوزع المساحات والأدوار على هذين الفضاءين؟

1 ـ رهانات ومفارقات التواصل:
رغم أن القاعدة التواصلية تبدو بسيطة وشفافة، حيث تحدد العملية التواصلية كتبليغ لمعلومة (أ) إلى متلقي (ب) بواسطة قناة اتصال (ج)، إلا أن هذه العملية تتضمن رهانات ومفارقات تسمح بإعادة النظر في الشفافية والبساطة المزعومتين.

anfasse30096"إنَّ الثقافة، والحضارة، والتَّنوير، تعبِّر في نفس الآن عن التَّحولات الكبرى التي تطال مجال الحياة الاجتماعية في عموميتها، كما تمثل حصيلة المجهودات التي ما فتئت الإنسانيَّة تبذلها لتطوير وضعها الاجتماعي"[1].
تشكِّل الحداثة لحظة تاريخية حاسمة في مشروع العقل الغربي، فالسِّياقات المرجعيَّة التي مهَّدت لمشروع الحداثة تبيِّن وتحدِّد أرضية العقل الغربي، كونها مستمدَّة بصورة أساسيَّة من فلاسفة عصر التَّنوير وإسهامات مفكري القرن السابع عشر، حيث شهد المجتمع الغربي حركة تحديث في سائر المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالحداثة هي "الوعي بالمرحلة التاريخيَّة"[2]، التي تقيم علاقة مع الماضي من أجل أن تفهم ذاتها باعتبارها نتيجة لنوع من الانتقال أو العبور من الماضي إلى الحاضر، هكذا يمكن فهم الحداثة إلى حد كبير بوصفها تمجيداً وإقراراً بالوعي باعتباره قوَّة في حد ذاته، ولعلَّ هذا ما نستشفُّه من قول شارل بودلير Charles Baudelaire المأثور بأنَّ الحداثة هي "العابر والزائل والطارئ"[3].

anfasse22098"لماذا نتفلسف؟ يبدو أن اللفظ يجاب عليه من ذاته: من أجل الحكمة (صوفيا) حيث الفلسفة هي الحب ( فيلاين، يحب) أو المهمة. لكن لا شيء يؤكد بأن الايتمولوجيا لها حق. لماذا لفظ ما قد كان يقول الحق؟"[1]
1- تشتق الفلسفة من الفعل الإغريقي فيلاين الذي يفيد الحب ومن المصدر صوفيا الذي يعني الحكمة ، ولكن يمكن للفظ الفلسفة أن يتم تطبيقه أولا على فيلسوف معين فيقال على سبيل الذكر فلسفة مارتن هيدجر، وفي مرحلة ثانية على ثقافة معينة فيقال على جهة المثال فلسفة إغريقية ، وفي مرحلة ثالثة على ميدان معين فيقال من أجل الإفادة فلسفة الاقتصاد وفلسفة التاريخ وفلسفة الحضارة وفلسفة اللغة وفلسفة الرياضيات.
لقد كانت الفلسفة لمدة طويلة تفيد المعرفة المطلقة ، وكان اللفظ يتضمن ما يسمى اليوم جملة العلوم الدقيقة والمعارف الجزئية ويعرف بأم العلوم. كما بقيت الفيزياء في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر تسمى الفلسفة الطبيعية. أما المعنى الراهن للفلسفة فيغطي ميدانا محددا ومضبوطا من الفكر والمعرفة بالنظر إلى إحراز مختلف العلوم على استقلالها وسيادتها على موضوعها من جهة نحت المنهج والجهاز المفاهيمي.
بيد أن المعنى الأكثر قبولا في الوقت الراهن الذي اكتسبته الفلسفة يدور حول الفعالية العقلانية النقدية التي يتم التعبير عنها من خلال الدروس الشفوية المرتجلة والنصوص المكتوبة والحوارات الحية والنقاشات الجادة والتجارب المدونة والمقابلات الفكرية التي تستهدف بلوغ حقائق الكون ومعان الأشياء وقيم الفعل.

anfasse22097 "يبدو النبي المقابل الحقيقي لما ينبغي التفكير فيه"
فتحي المسكيني
"نجد الفلسفة عند الفقهاء أكثر من الفلاسفة"   
محمد الشيخ

تقديم
     هناك إجماع شبه مطلق حول قصور الدرس الجامعي والبحث الاكاديمي في مقاربة الدين والأخلاق والقيم و والظواهر المرتبطة بها في مجتمعات جنوب وشرق حوض البحر الأبيض المتوسط. أما في مجتمعات شمال المتوسط وغربه، فقد أتى على مفكري الغرب وفلاسفته المعاصرين حين من الدهر، عدوا فيه الدين من عداد النسي المنسي، واليوم ها هم يعودون الواحد بعد الآخر، من هابرماس إلى فاتيمو، مرورا بدريدا ورورتي وغيرهم كثير، إلى الإهتمام بالدين(1). مع العلم، أن الأمر يجري داخل مجتمعات تنوير، وحداثة وما بعدها، بل وحداثة فائقة. في هذا السياق، نلحظ اهتمام العديد من ممتهني الكتابة جنوب وشرق المتوسط بإعداد مداخل إلى فلسفة الدين، وأخلاقيات الإعتقاد، والبحث في تاريخ الأديان، على اعتبار أن الدين في الوقت الحاضر أصبح في قلب النقاش، خاصة بعد الاحداث الكبرى التي شهدها العالم منذ الربع الأخير من القرن العشرين. لكن ما يثير حقا في هذه العودة، هو حدوثها في سياق المطالبة بحقوق نوعية للكائنات البشرية؛ أعني "الحق في الوجود" و"الإستمرار في الحياة". وهنا، يقول فتحي المسكيني: "إن تفاهة القتل قد أصبحت المشهد الأخلاقي للإنسان الأخير، ونحن نقول للمسلم الاخير"(2)، في حين يعلن محمد الشيخ: "صرنا الأمة الأكثر عنفا في تاريخ البشرية"، وينبه بقوة إلى "انتشار ثقافة الموت"(3). فرضت هذه الوضعية على الاستاذ التونسي البحث في إمكانية عودة الملة إلى "نفسها العميقة" والزج بفكرة "موت الإله" وإعادة قراءتها على ضوء التطورات الراهنة، وطرح مخارج لمواجهة الحاضر وأفق الملة، وتنمية المناعة للإستمرار في الوجود. أما الاستاذ المغربي، فاستنجد بلحظات الإبداع في الفلسفة العربية الإسلامية لمواجهة معضلة التفكير في التراث وحدوده، منتقدا أغلب القراءات التي تناولته شرقا وغربا وشمالا(المستشرقين)(4).

anfasse22093«  ton secret, on le voit toujours sur ton visage et dans ton œil, perds le visage. Deviens capable d’aimer sans souvenir, sans fantasme et sans interprétation, sans faire le point. »
Gille Deleuze.

لم يستطع الأدب المعاصر أن يرسم لنفسه مساره الحالي إلا بتفاعله مع الفكر الفلسفي، وذلك من خلال آخر الأبحاث التي عرفها هذا الفكر حيث يتجلى أهمها في ظهور مدارس لأول مرة استطاعت أن تزاوج بين الأدب والفلسفة، أو بالأحرى نهلت من الأدب خياله كما استلهمت من الفلسفة مناهجها، حيث أضحى التمييز بين بعض الكتابات صعبا من خلال تصنيفها، هكذا نجد تعقيدات بليغة في الحكم على عديد الأعمال، إذ ما الذي يمكن أن نقوله عن كتابات بروست وكافكا وهمنغواي وكونديرا وكامي وسارتر.. هل هي كتابات في الفلسفة أم في الأدب؟ بعبارة أخرى كيف تزوج الأدب بالفلسفة خلال الحقبة المعاصرة؟ وما هو الأثر الفلسفي الذي وجد في كبريات الأعمال الأدبية؟

anfasse10094" لا ترتكز المعرفة التاريخية على معطيات جاهزة مثل بقية العلوم، بل يتم بناؤها من خلال منهج خاص يتبعه المؤرخ بحيث يستنطق الماضي ويحوله الى وثائق دلالية تمارس عليها الملاحظة والنقد"
بول ريكور، التاريخ والحقيقة، 1955.

يطرح وضع الفلسفة في التاريخ تحديا كبيرا، فالفلسفة تقدم نفسها على أنها معرفة بالأبدي بينما فن التاريخ يسرد ما وقع في حقبة معينة وبهذا التمشي يتعذر علي الفكر العثور على واحد منهما على أرضية المغاير.
الفلسفة نظرية تبريرية ذات مناهج كونية تبحث عن المطلق والعام بينما التاريخ تمشي معياري تراجعي يعتمد على قابلية الدحض من أجل البرهنة على حقيقة نظرية معينة ضمن موقف معرفي وإمكانية التعديل.
كما تبدو عبارة فلسفة التاريخ في غير محلها وفارغة من كل معنى لأنها تتناول صيرورة الحقيقة الأبدية من جهة أولى وتتعارض مع ما تعتقده الفلسفة من حيث هي شيء إنساني في إقرارها بأن الحقيقة ليس لها تاريخ بل تتابع جدلي في الأنساق المتعاقبة وتجاوز الأبدي الحقيقي للظني المرجح من جهة ثانية. فإذا كانت الفلسفة في معظمها متأتية من العالم الإنساني فأنى لها أن تنجو بنفسها على مستوى الوعي من التاريخية؟

anfasse02096هيغل؟! كل الفلاسفة مروا من هذه العمارة الفلسفية الشامخة وسكنوا هذا المعبد وافتتنوا بأعماقه الديالكتيكية الموحدة بين الذاتي والموضوعي، بين الفكر والوجود، بين العقلي والواقعي، الكلي والجزئي، العياني والتجريدي، الواجب والحق، الضرورة والحرية، الحياة والمعرفة، الهوية والاختلاف، المطابق والنقيض، المادة والصورة، الجوهر والعرض، العلة والمعلول، الوحدة والكثرة، الوجود والعدم. كل الفلاسفة سكنوا هذا المعبد الهيغلي، وحتى من أبدى عقوقا وهجره، ظل يكن له الاحترام والوجل، أو يقتبس منه فكرة أو مفهوما. تأثير الكتابات الهيغلية، وخاصة المنطق وفينومينولوجيا الروح، كان كبيرا على كل العلامات الفلسفية المعروفة: ماركس، كير كجارد، هوسرل، هيدجر، كوجيف، هيبوليت، باتاي، لاكان، فوكو… الخ. كل العمارات الفلسفية وقفت على أساس فكر هيغلي، وخرجت من تحت معطف المنطق أو فينومينولوجيا الروح:  الماركسية، الوجودية، الفينومينولوجيا.
يصعب استجماع شمولية الفكر الهيغلي، فهو لقوة تجريده كان ورشة للكشف المستمر منذ وفاة مؤسسه إلى الآخر. دفعت تحولات في بنية التاريخ بأجيال من الفلاسفة ومترجمي النص الهيغلي إلى تدشين قارات جديدة لقراءة هيغل. لكن كيف ننسج خيوط علاقة قائمة أو ممكنة بيننا وبين هيغل هنا والآن؟ أية علاقة قد تربطنا في المغرب كمكان وفي فجر الألف الميلادية الثالثة كزمان بهيغل الفيلسوف الصارم فلسفيا حد توحيده بين الفكر والوجود توحيدا قاسيا سياسيا وتاريخيا، وهو التوحيد الذي ينتهي إلى إقصائنا من التاريخ واعتبارنا جزءا صغيرا ملحقا بأوروبا. من هنا يكون مبتدأ العرض الذي اقترح تشطيره إلى مشاهد وصور تتوزع بين مراحل تبدأ من أوروبا خاصة ألمانيا وفرنسا، ثم شمال إفريقيا، لتصل إلى أمريكا. كيف قام هيغل بهذه الرحلة؟ وكيف تمكن النسق الهيغلي من إنجاز رحلته؟ هل كان فيلسوف هيدلبرج ويينا مقبولا ومستساغا في هذه الأصقاع والأمكنة؟ بتعبير أوضح: هل باستطاعة النظرية الفلسفية –خاصة حين تكون حاملة لأحكام مشبعة بفلسفة التاريخ- أن تحقق الترحال والانتقال بالرغم من قساوتها في حقنا؟

anfasse02095لقد أشكلت الفلسفة على الإنسان أيما استشكال واستعصت على الفهم أيما استعصاء سواء من جهة العبارة أو الفكرة أو المنهج أو الموقف. ولقد زاد هذا الغموض عند قيام الاتجاهات الفلسفية وبروز الفلاسفة الكبار واكتساح المدارس الفكرية والمذاهب العلمية واندلاع نزاع العمالقة حول الوجود.
إذ تبدو الفلسفة من جهة أولى تجربة فكرية صعبة تجلب الحيرة والارتياب وتوقع الذهن في الكثير من المزالق ومن جهة أخرى يمكن حفظ قواعدها واستعمال طرقها في الحياة والتعويل عليها في التطور.
لم تقل هذه الحيرة ولم يتناقص هذا الالتباس إلا عندما تم اعتبار الروح الفلسفية هي بلوغ نصيب من المعرفة بشكل متأني بالاعتماد على مسالك منهجية معلومة والتمتع بجرعة من سعادة الحكمة المرحة.
لقد ربط الفلاسفة حينئذ التفكير بالحياة والمعرفة النظرية بالاهتمام بالمعلومات المفيدة وجعلوا عملية اكتساب الحقيقة مقترنا بإنتاج المنفعة وصناعة الذكاء وابتكار الآلة واختراع القانون وإضفاء القيمة.
بيد أن الفلسفة ليست مذهبا تام التكوين ولا عقيدة جامدة تشكلت بصورة مكتملة ولا تتضمن نسقا مغلقا وإنما هي فلسفات أوجدها العديد من الفلاسفة وتوجد في التاريخ وترتبط بالواقع وتعرف حدوث عدة تغيرات والكثير من المراجعات بحيث تتجدد فيها المفاهيم وتنمو عبرها المناهج وتتوالد المقاربات.

أمام دعاوي موت الإنسان، وانتهاء الفلسفة، وتفكيك العقل، والانتصار للاعقل، يلاحظ هابرماس، بنوع من الهدوء أنه "في العشر سنوات الأخيرة، أصبح النقد الراديكالي للعقل موضة". هذه الموضة نفسها طالت حتى هوامش الحداثة، وخاصة في الآداب؛ حيث ساد التأثر بكتابات ديريدا المستندة على البنيوية واللسانيات. وبذلك دخلنا في علاقة وحيدة الجانب مع الحداثة، نستقبل ما هو جديد وفاتن ومغر!
 
أولا: من هو ديونيزوس؟
ديونيزوس Dionysos هو إله الخمر والسكارى في الميثولوجيا الإغريقية، وهو من بين أهم الآلهة عند اليونان. كانت ولادته غريبة، كما كانت حياته بئيسة. ولد في ظروف جد معقدة، فهو ابن للإله زيوس Zeus وسيميلي Sémélé (وهذه امرأة وليست إلهة)؛ لذا كانت الولادة من الأب وليس من الأم. أخرج زيوس من أحشائه ديونيزوس الصغير، واحتفظ به في فخده لمدة ثلاثة أشهر لكي تكتمل ولادته بشكل "طبيعي". وقد أثارت ولادة ديونيزوس حقد وغيرة هيرا Hera (زوجة زيوس)، مما اضطر معه زيوس لتحويل ديونيزوس الصغير إلى بنت وسلمه إلى أثاماس Athamas وإينو Ino ليتعهداه بالرعاية والتربية. ولكن الإله الصغير لم يسلم من شر هيرا التي سلطت الجنون على أبويه بالتبني (أثاماس وإينو)، مما دفعه إلى الهجرة بعيدا حيث حوله زيوس إلى جدي –قصد التمويه على هيرا- وهناك تعهدته بعض الحوريات بالرعاية.

"هجين موقفنا من أنفسنا"
نيتشه
"علاجنا صعب أكثر، لأننا لا نعرف إن كنا مرضى"
سنيكا
مقدمة
    حين سئل فوكو عن الأعمال التي ستلي المؤلفات التي كتبها حول "تاريح الجنسانية"(1)، أجاب: "سأهتم بنفسي".
تلقيت "صيحة" ميشيل، هذه، فوق أعالي جبال الأطلس الكبير، ولازلت أسمع صداها يخترقني كما اخترق الشعاب المحيطة بتلك المدينة الصغيرة المزينة باشجار اللوز×. إن جواب ميشيل فوكو أضحى بالنسبة لي ول"الآخرين"××، "لازمة"، نكررها صباح مساء للدلالة على ضرورة العودة إلى الموطن والمأوى الخاص. فموضوعة "الإهتمام بالنفس" ستصير رهانا وجوديا مهما لفئة من الباحثين عن المعرفة، فئة لا تعرف نفسها وتجهلها. وثمة سبب وجيه، فنحن لم نبحث عن أنفسنا بعد، ذلك أننا نبقى بقدرة قادر غريبين عن أنفسنا، لا نفهم من أمر ذواتنا شيئا(2). تطلبت منا هذه العودة، التزام الصمت والعمل في هدوء، مع إقامة طويلة قرب "المنابع". مع مرور الأيام، اتضح لنا أن لازمة "الإهتمام بالنفس"، تطرح إشكالات فلسفية وتاريخية وإيتيقية ووجودية، إذ لا يكفي تكرار اللازمة حتى تتحقق مفعولاتها، بل كان من المستعجل القيام بعمل ما، والشروع فعلا في البناء. ستتحول "صيحة" فوكو إلى رغبة قوية للبحث في مفهوم "الإهتمام بالنفس"، وسيصير هذا الفيلسوف مرشدا لنا أثناء إنجاز هذا العمل. لكن بعد عشرين سنة، لازال مفهوم "الإهتمام بالنفس" يثير الاسئلة المحرقة والإشكالات الصعبة، مع غياب الدلالة الذي نعطيها للعبارات المرادفة لهذا المفهوم(3). نرغب في هذه المقالة، الإقامة وسط دروس فوكو الحاملة لعنوان:"تأويل الذات"(4)، للوقوف على مفهوم "الإهتمام بالنفس"، وإزالة الغموض عن بعض الإشكالات التي يطرحها هذا المفهوم، مع الزج به في النقاشات الدائرة حاليا حول أزمة الذاتية المعاصرة.

 " لم يكتف ، من خلال السفر، باكتشاف أجنَبَةِ العادات الأخرى، بل وكذلك بأن ثقافة المرء بحد ذاته لا تقل غرابة، بل وإثارة للضحك، فيما لو رآها بعيني الآخر. هذه هي، برأيي، نقطة الصفر في الفلسفة. كل فيلسوف يتبنى لحظة التهجير هذه."1[1]
ليست الترجمة ضرورية ولازمة للفكر الذي يشتغل عليه الكائن البشري في وجوده في العالم فحسب وإنما هي أمر حيوي وتجربة حاسمة قصد بلورة فهم الذات وبلوغ التفاهم مع الغير.
لذلك يمر ردم الفجوة بين الأنا والآخر ورفع اللبس الحضاري بين النحن والهم وإزالة سوء التفاهم التاريخي بين العرب والغرب عبر تمتين جسور الترجمة التوليدية وتنقية مقاصدها.
في هذا الإطار تحتل الترجمة الفلسفية مكانة مرموقة في سبيل بناء مشروع استراتيجي للأمة وتحيين العقل العربي والوحي الإسلامي في راهن الدراسات المعرفية وحاضر الفلسفة الحية وفي اتجاه عقد محادثة كونية بين مختلف الألسن التي لازالت تشارك في كتابة نص الوجود.