صورة الإنسان في رواية «الريح الشتوية» لمبارك ربيع - البشير البقالي
إن هذا الموضوع يضعنا أمام إشكال نقدي عبر عنه الدكتور «محمد أنقار» بقوله: «إن الإشكال الأساس، في رأينا، ينحصر في محاولات النقد لضبط المنطق والقوانين المورفولوجية للشخصية الروائية في فضائها الإنساني، أي ما يسميه "باحثين" ب " صورة الإنسان – Image de l’Homme" في اتصاله بالحدث الآني غير التام»(1).
ومرد هذا الإشكال، أن صورة الإنسان يتداخل فيها ما هو فكري وما هو جمالي في إطار وحدة تخييلية، فالإنسان من حيث هو موضوع تناوله الفكر عبر التاريخ، خضع لوجهات نظر عديدة ورؤى متباينة، في سياق التحولات الاجتماعية والتاريخية والثقافية المتراكمة. وهذا بالضبط ما يفرز الجانب الفكري للإشكال. خصوصا وأن الأديب في تصويره للبطل يعبر عن فلسفة معينة تكمن وراء رسمه لملامح الشخصية(2). مما يفرض على المتلقي استحضار المرجعيات الفكرية التي أطرت رؤيته وتصويره للشخصية الروائية.
وتجدر الإشارة إلى أننا لا نرجح الجانب الفكري في الصورة على الجانب الجمالي. لأننا، مبدئيا، لا نتصور الصورة الروائية إلا جماليا. إنما نشير إلى حضور هذا الجانب الفكري في التصوير إلى جانب عناصر أخرى جمالية تدخل جميعها في نسيج الصورة؛ إذ أن جمالية الصورة تتحقق وفق شروط نصية وأخرى غير نصية. الشيء الذي يجعل صورة الإنسان خاضعة في معظم حدودها لذهن المتلقي، للكشف عن خطط تشغيل المكونات والسمات ووظائفها، على اعتبار أن لكل نص طبيعته المتفردة التي تحددها الاختيارات الجمالية والمرجعيات الفكرية والفلسفية التي يتشكل في حضنها. وهذا ما تؤكده هوية الرواية غير الثابتة.
إن الهوية غير الثابثة للرواية سبب أساس في افتقار النظرية الأدبية - راهنا- إلى نظرية روائية. فما هو متراكم حول الرواية لا يعدو كونه نقدا روائيا بادي القصور النظري إذا ما قورن بنقد الشعر، وهذا يجعل حصر صورة الإنسان بين فكي نظرية مجازفة نقدية، وتعسفا في حق الكيان الجمالي الذي أراد المبدع تشكيله.