kainate.jpgربــط المشــرق بالمغــرب عبــر قصّــة حـبّ
يقدّم الروائيّ المغربي هشام بن الشاوي في روايته «كائنات من غبار» «شركة مطابع الأنوار المغاربية، 120 صفحة من القطع الوسط»، شخصيّات عديدة، منها مفترضة ومنها واقعيّة من لحم ودم، يبثّ فيها الروح من خلال دقّة توصيفه لما يعتمل في دواخلها من حالات متنوّعة، حيث تتمتّع تلك الشخصيّات بمرونة حركيّة حتّى لكأنّها تحاول تلبّس القارئ، وإقناعه بمدى تجذّرها ومثيلاتها في الواقع، ذلك أنّ واقع الرواية لا يبتعد عن واقع الحياة، يأخذ الروائيّ عدّة لقطات ومحطّات من الحياة، ليبدأ بالتفنّن في إضفاء رؤاه عليها.

عبر أساليب عديدة منها السخرية، منها المرارة، منها الألم، منها الإيلام، ولا يبقي القارئ محايداً بل يدخله في قلب اللعبة الروائيّة الدائرة، يُشركه من خلال استخدام ضمير المخاطب في كثير من المقاطع، يوقعه في شِراك الخدع الروائيّة، بحيث يفرض عليه اتّخاذ موقفٍ ممّا يجري، لا عبر الفرض، بل عن طريق تسريب القناعات، المتطرّفة منها، والغريبة، لكن الجريئة في طرحها الروائيّ..

anfasseإن الحديث عن الشاعر المبدع محمد السرغيني كما يقدم لك نفسه في آخر إصداره "وصايا ماموث" لم ينقرض"(1) هو حديث عن الذي طوع الحركة والإيقاع على ركح مسرح شعري أعاد الكرامة إلى العصور الجيولوجية التي كانت تحتفي بالديناصورات والخراتيت والماموثات.
إنه حديث عمن تنسم رائحة التراب والرمل والحصى والوحل الرطب، والساكن في حديقة بيت بعد انبجاس الماء من بئرها، والمبتكر لفاكهة بكر لم تتورط في خطيئة.
إنه حديث عن الذي نسج من شرايينه أسطورته في شكل وصايا لها من الحصافة ما به تحسن استقبال السماد الروحي.
إنه حديث عن الكائن الليلي الذي احترم الأرق كما احترم الحلم، والمتحامل على جذعه وأطرافه، والباحث دوما عن إبرة في متاه رمال.
إنه حديث عن الذي أتقن تصويب العدسة نحو الأفق ليرمم الفضاءات ويعيد تحديد مقاسات الطول والعرض والمدى.
إنه حديث عن الذي روّض اللغة بين الإبهام والإيضاح والصحو والسكر بتقنية عالية من التخييل الرقمي.
إنه حديث عمّن حمل عصاه، والتفّ حول شياهه الضالة.
إنه حديث عن الذي روض النماذج المشبوهة من النهارات والظهيرات والأصائل والعشايا، والذي ميز بين اللون المخصي واللون الفحل.
إنه حديث عمن احترف الرسم بالصيغة الألفبائية. وعمن خبر فجاج الطريق الشائك المبلط، وسار على أحجاره المسنونة التي لا تزال محتفظة بآثار الأقدام العارية، وسنابك الخيول وأخفاف الجمال وزوابع الخريف وعواء ذئاب القطب الجنوبي.
بهذه الملامح التي رسمها لذاته الشاعرة، يعانقك الشاعر المبدع محمد السرغيني وهو يستدرجك لولوج محراب تجربته الشعرية الجديدة كي يتلو عليك وصاياه وينفث مزاميره كي تخطها الرياح على الرمال.

theatre.jpegدراسة مشهد من مسرحية "عطيل والخيل والبارود" لعبد الكريم برشيد
يرجع الأصل اللغوي للمسرح إلى المكان الذي تسرح إليه الماشية، ثم أطلق على منصة المسرح فعلى صالة العرض. ويعتبر المسرح في الاصطلاح، كما عرفه عبد الكريم برشيد، شكلا من أشكال التعبير عن المشاعر والأفكار والأحاسيس البشرية وسيلته في ذلك فني الكلام والحركة بالاستعانة ببعض المؤشرات الأخرى. يتجاور في المسرح العلم والفن والأدب والتفاعل النفسي والاجتماعي، ويلتقي الحاضر والغائب والممكن والمحال؛ يتفق معظم الباحثين في هذا الفن أن المسرح بدأ يونانيا منذ القرن السادس قبل الميلاد مع احتفالات ديونيزوس، وظل هدفه التطهير. ولم يعرف العرب المسرح إلا مع عصر النهضة خصوصا مع مارون النقاش (1847)، لكن المسرح العربي يجد تجلياته وجذوره التراثية في الحلقة والبساط وسلطان الطلبة واحتفالات الشيعة بذكرى مقتل الحسين ثم الحلقات الصوفية ومسرح الدمى وخيال الظل... نذكر من بين رواد المسرح الطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج وعبد الكريم برشيد وتوفيق الحكيم وغيرهم. فما مضمون هذا المشهد المسرحي الموسوم بـ"لعبة الوهم والحقيقة"، وما أبعاده وما خصائصه الفنية؟
يتكون العنوان من جملة مركبة من غير إدماج، لكن بواسطة أداة العطف الواو، فلعبة خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه وهو مضاف والوهم مضاف إليه مجرور، والواو واو العطف والحقيقة معطوف على الوهم، فالوهم هو ما نتوهمه ونتصوره ونتخيله كأن يكون خيالا أو تخييلا، أما الحقيقة فضد الوهم وترتبط بالواقع وما تحدسه الحواس. لقد جمع الكاتب بين نقيضين في العنوان. فما علاقة هذا التناقض بمضمون النص وتفاعل أحداثه؟

تطيل اللغة عمرا من العالم الذي تقوم بتمثيله
بيير غيرو
ما ثقافة الصورة؟
نقصد بثقافة الصورة الأهمية التي أصبحت منوطة بها في التواصل بين البشر، وفي تسجيل نشاطاتهم بكل تمفصلاتها، حيث انتقلنا بفعلها من الثقافة الشفاهية والثقافة المكتوبة إلى الثقافة المرئية التي تستعيد كل شيء بالصورة وتحينه دوما، وقد ساهم في ذلك التقدم التقني في وسائل الاتصال للحداثة المعاصرة، فالصورة مافتئت تشغل كل مناحي الحياة الإنسانية فكرا وسلوكا وقيما.
أصبحت الصورة تراود الإنسان في حله وترحاله، في وعيه ولا وعيه، من خلال تعدد الوسائط التي أصبحت تقوم عليها بدءا بالتلفاز والصور الفوتوغرافية والأنترنيت وغيرها، إلا أن الصورة وإن كانت مكملا، إلا أنها تستثير الوجدان أكثر من العقل، وهي بطبيعتها تلك لا يمكنها أن تستقل عن اللغة في التواصل الفعال، مهما بدا لنا أن عصر الصورة يوحي بعكس ذلك.
اللغة وأساليب التواصل المتعددة
لقد ثورت الحداثة أساليب التواصل وعددت من تجلياتها، والتواصل مبني على أن يملك المتحاورون المتخاطبون على الأقل قدرا من الرصيد اللغوي  المشترك، وأن يتعلقوا بتراث ثقافي يستمدون منه بعض العناصر للتواصل، فاللغة تقوم وظيفيا على خلق التفاهم وتحديد المعارف الثقافية بين الأفراد والاندماج الاجتماعي بينهم وتحقيق التضامن والتكافل، وتعمل اللغة أيضا من جانب التنشئة الاجتماعية في المحيط على خلق الهويات الفردية وتوضيح التمايزات بين الأفراد داخل مجتمع معين عن طريق الاختلاف في الأسلوب، ولعل هذا الجمع بين ما هو اجتماعي من جهة وما هو فردي من جهة أخرى هو الذي يقسم اللغة نفسها إلى ما هو اجتماعي عام (اللسان) وما هو أداء فردي خاص (الكلام)، كما تعمل اللغة على حفظ العوالم الرمزية لكل مجتمع على حدة، فمن خلالها يستطيع الإنسان امتلاك العالم رمزيا وتحدي المكان والزمان وتحديد  موقفه وموقعه من ذلك.

snow.jpgلا مجال للحياة على الحياد ؛ أنت شاهد وقضيّة وطرف في صراع يتلوّن في كلّ حين بلونٍ صارخ . لم تعد هنالك مساحة للوقوف في مركز الدائرة ، وكلُّ واحدٍ منا يسير في حركة مضطربة وقلقة في فراغ الدائرة الّتي تتسع وتضيق في كلّ لحظة فنزداد قهراً وخوفاً ونزداد معرفة ووعياً بعبثيّة البقاء على الحياد .
السؤال الأوّل الذي تداهمك به الرواية يجيء مرفقاً بغلافها " لماذا ثلج ؟! "
 إنّ العنوان ينفتح على دلالات كثيرة يصعب حصرها ، فهي تتوالد لتنفتح بدورها على دلالات أخرى تجعل عالم الرواية عالماً حيّاً يضجُّ بالحركة والحياة والشخصيّات الّتي تبدو لأوّل وهلة بسيطة تحركها واقعية الأحداث إلاّ أنّها سرعان ما تكشف عن نفسها لتبدو أشدّ تعقيداً من صورتها تلك ؛ فالشاعر اليساري والشيوعي "كريم ألاقوش أوغلو " الملقّب بكا لم يستطيع على الرغم من قصر المدّة الّتي قضاها في مدينة " قارص"  المنسيّة أن يبقى محايداً أو شاهداً بل أصبح طرفاً فيها قبل أن يصبح قضيّة قائمة بحدّ ذاتها .
تدور أحداث الرواية حول زيارة " كا " إلى مدينة  قارص الضائعة تحت النسيان والثلج الذي استمرّ هطوله أياماً عديدة جعلت المدينة مغلقة وقطعت كل الصلات مع العالم الخارجي لتبدو مسرحاً تدور فيه الأحداث والشخصيات ، ويقيم كا في زيارته تلك في فندق " ثلج بالاس " الذي كان في أساسه بناءً أرمنيّاً حيث يلتقي بإيبك الّتي تعيش مع والدها وأختها قذيفة بعد أن انفصلت عن زوجها ، ويقع الشاعر بحب " إيبك"  صديقته القديمة وزميلة الدراسة ويعيش تلك الأيام مغموراً بسعادة هذا الحب الذي بنا عالمه في خياله فكان ملهماً له في معظم قصائده ، ويلتقي في الوقت ذاته بمجموعة من الشخصيّات الّتي تجره إلى مسرح الأحداث ليتشعّب عالم الرواية بتشعّب تلك الاتجاهات السياسيّة ، حيث يلتقي برجال دين وإسلاميين متطرفّين وعلمانيين ورجال الدولة والشرطة وأكراد وغيرهم الكثير . إلاّ أن الكاتب يسلّط الضوء على كثير من القضايا والمواضيع الّتي تعاني منها تركيا حتّى هذه اللحظة من مثل قضيّة الأكراد والإسلامييّن . وأهم تلك القضايا هي قضيّة الحجاب الشرعي الّذي منع في المعاهد والجامعات مما يسبّب موجة انتحار تسري في صفوف الفتيات المحجّبات مما يثير استغراباً و مخاوف من تفشّي هذه الظاهرة واتّساعها لتشمل تركيا بأكملها .

جاء "المتنبي " في عصر متأخر من الحضارة العربية، التي ازدهرت وفاقت سمعتها أصقاع الدنيا وهو لا بلا شك قد تأثر بالشعراء الذين تغنوا بالمرأة كرمز حضاري له عبقه الشعري الخاص .
وإذا كان حال المرأة في الشعر الجاهلي صورة جميلة يزين بها الشعراء مطالع قصائدهم ، وعلاقتهم بها تتخذ طابع التكريم والتقدير مرة، والتبذل والمجون أخرى، فهي عند المتنبي أيضا على هذا النحو. فقد كانت صورها الحسية ماثلة في شعره - كما سنرى - تطفح منها رائحة الغرائز بأجل الصور البدائية، وبأسلوب يعتمد على التصريح كما نجد تشابها في المعاني التي طرحت لدى بعض الشعراء الذين جاءوا في كافة العصور، (كالبحتري وجميل بثينه ، وبشار بن برد، والطرماح

وغيرهم ) ومعاني المتنبي .

ولو استطردنا في شرح هذا التماثل في المعنى الذي طرحه المتنبي في غزلياته وجدنا تشابها مع هؤلاء الشعراء، غير ان المتنبي وصف حبيبته كالشمس في سطوعها ونقاوتها، وجمالها الأخاذ في قوله .

anfasseأحسستُ بالانقصاف وموتُ بسّام حجّار يَهْجُمُ عليّ كعصفِ ريح زَهَقَتْ من باب انخلع فجأة. ظَلَلْتُ مبهوتا والنعيُ على شاشة الحاسوب يتموّج كالسراب في عينيّ الآخذتين في الغيام. لم أمنع الدمعة.. تركتُها تحفُرُ مجراها نحو الخارج، انحدرت بامتهال حتى لسعتني برودتها عند العنق. فَعَلَها بنا شاعرُ العُزلة والموت والصّمت الجهير، وغافلنا بكل هذا الغياب المر،، الحارقِ في النفس كخيانة، كصدّ حبيب لا نتوقع منه أن يُدير لنا في يوم الظهر، ويسحب خطاه بعيدا إلى حيث لاشيء من بعد.
 
أحسستُ بدمعي يغلبني، وكابرتُ وأنا أُغالِبه،،، ليس أكثر من ثوان، ثم انْهارَت فيّ كلُّ مدافعة أو ردّ. خشيتُ في لحظة أن يَلْحظ الزملاء في الجريدة بكائي الصامت، لكن، وأنا أرفع عينيّ إلى الضوء، طالعني الوجه الأسيان قُدّامي على الشاشة، وديعا ينظر إلى تحت كأنه يداري دمعه. قلتُ : إنه بسّام حجّار، الشاعرُ الذي أحببت، لم يزل في أوائل خمسينه.. وبكيت في صمت...
 
غصّةٌ في القلب لا تنحل. وجرحُ موت قديم يصحو عميقا في الوجدان. مخلبُ الوحش يهصر مرة أخرى فراشة شَعْشَعَتْ فيّ بالضوء. لم أفتّش في الخبر عن تفاصيل. خاطرٌ يَصْدُقُني التوقّع. إنها فعلة المرض الخبيث. تيقّنتُ من بعد، السرطان، الذي لم يَفُتْ على اكتشافه سوى أشهر قلائل، هجم على الكبد دفعة واحدة وفتّته...
 
عدتُ لأهمس لنفسي، إنه بسّام حجّار.. شاعرٌ مثله ما له إلا عزلته وموتاه (والده وأخته و...) يشاطرهم حزنه وهشاشته وصمته الكبير.. لابد أنه اختار الموت منذ البدء، منذ أن قادته رؤاه إلى ما لا - بحكم العادة - يُرى، إلى أبدية أخرى تضجّ بها الأشياء مسكونة بأرواح أحبّة رحلوا...

khelladi.jpgتمــهـــيــــد :
إذا كانت الدراسات المتعلقة برصد العلاقات بين النصوص قد نشطت بشكل كبير منذ سنوات الستين من القرن الماضي انطلاقا من التصورات التي أعلنت عنها الباحثة البلغارية "جوليا كرستيفا " تحت عنوان " التناص" والتي بنتها على ما قدمه الشكلانيون الروس حول مفهوم الحوارية الذي انبثق بقوة عند باختين في دراسته لدوستوفسكي....فإن النقد العربي لم يغفل هذا الموضوع بل كان سباقا إلى طرح العديد من مفاهيمه وحدوده وقضاياه بصيغ متعددة ، وتنبه منذ القديم إلى هذا التعالق بين النصوص والذي جعل رولان بارث – مثلا – في العصر الحديث يؤكد بأن (كل نص تناص). فقد أورد أبو علي الحاتمي هذا القول " كلام العرب ملتمس بعضه ببعض وآخذ أواخره من أوائله والمبتدع منه والمخترع قليل إذا تصفحته ، والمحترس المتحفظ بلاغة وشعرا من المتقدمين والمتأخرين لا يسلم أن يكون كلامه آخذا من كلام غيره ، وإن اجتهد في الاحتراس ، وتخلل في الكلام ، وباعد في المعنى ، وأقرب في اللفظ وأفلت من شباك التداخل (...) ومن ظن أن كلامه لا يلتبس بكلام غيره ، فقد كذب ظنه ، وفضحه امتحانه " (1)
 من هنا نطرح تساؤلات حول طبيعة معالجة النقد القديم لموضوع التناص، وحول مفاهيم السرقة والمعارضة ، وحول ما يتيحه التناص من قدرات هائلة لتنظيم هذه التداخلات جميعا.
استشعار التناص :
             كانت ذبذبات الإحساس بتداخل النصوص الشعرية بعضها مع بعض ، ومع غيرها تلتقط عبر رادارات ملكة الشاعر وذوقه وحفظه، منذ القديم ، فكل نصوصه نتاج تلاقح وتفاعل وتحاور مع نصوص أخرى بكيفيات متعددة ، ولم يفت الشاعر الجاهلي التعبير عن هذا الأمر برأيين مختلفين :
 يقر الأول بأخذ اللاحق من السابق ، حيث كان اعتماد المقدمة الطللية منهجا متبعا في استهلال القصيدة الجاهلية ، وهو ما عبر عنه امرؤ القيس بقوله :
عوجا على الطلل المحيل لأننا             نبكي الديار كما بكى ابن خذام (2)
 بل إن الشعور بإعادة إنتاج ما سبق إنتاجه استشعره الشاعر آنئذ :
مـــا أرانا نـــقـول إلا مــعارا              أو معــادا من قولنا مـكــرورا (3)

مفضلات الشهر من القصص القصيرة