anfasseإن الاقتراب من نص نسمة الحرية لعمر الأزمي يتطلب استحضار العتاد النقدي و المعرفي ، لكون النص الحديث  ينطوي على مكونات ثقافية كثيرة ، منها ما هو ظاهر ، و منها ما هو مستتر ، تشكل في العمق الرؤية الشعرية  و تشكل اللغة عند عمر الأزمي عنصرا أساسيا ، و حجر الزاوية في تشكل هذه الرؤية ، لأن اللغة لديه تتيح له  البوح بمعاناة الذات و الآخر في تماهي عميق يصعب من خلاله الفصل بين الذات و الآخر ، لذلك أعتقد أن النص  لديه يشكل بنية من خلالها يمكن الكشف عن مكامن الإبداع ، و عناصر التأثير فيها ثم المعنى العميق الذي يعتمل في نفس المبدع .
و يشكل عنوان النص  في قصيدة– نسمة الحرية - الثقل الدلالي لما يقدمه من مفاتيح لقراءة النص وما يبوح به من دلالات تختزل مسافات المتن ، و تمنح المتلقي تصورات لأفق انتظارا ته ، هذا الأفق قد يكون نقيض ما تصوره المتلقي . و بالعودة إلى – العنوان – نسمة الحرية نجده يتكون من مركب إضافي من قبيل الإضافة المعنوية و التي تفيد التعريف .

الكلمة الأولى – نسمة جاءت مفردة تنتمي إلى المجال الطبيعي تحيل على الرقة و الليونة  و الجمال و العطر  عكس الريح ... و الكلمة المضاف إليه – الحرية - كلمة فلسفية لكن في معناها البسيط تحيل على الانطلاق و التحرر و الأعالي و السفر... هل هذا المعنى يشكل  الدلالة المحورية للنص عند عمر الأزمي ؟  هل نحن أمام نص ينفتح على الحياة و الأمل ؟

منذ البداية نصطدم برؤية مأساوية حزينة ، تبرز معاناة الذات في واقع تغيب فيه الحرية  و يحضر الظلم ، و يغيب الحلم المستقبل ... و تشكل الأفعال الماضية الدالة على الانقضاء  دلالة أساسية ( مرت ، مضت ، انقضت ، هوت ..) و هي أفعال تشترك في معنى واحد  وهو الغياب ، ثم يتضاعف هذا الجو الجنائزي الحزين يجعل عنوان النص عنوانا زائفا – ليس بالمعنى السلبي للكلمة -  لنتأمل هذه الأفعال (  كفكفت ، أجهشت ، بكت ، أنبرت ...) أفعال  ذات معنى واحد و هذا التنوع هو تجنب للتكرار الذي قد يفقد النص شاعريته ، أما الأسماء لا تختلف في سياقها الدلالي المباشر و الرمزي عن الأفعال (  دمعة  ، عبرة  ، رعشة  ، المظلوم ، الدياجي .. ) .

هكذا و منذ البداية نجد أنفسنا أمام انهزامية الذات و التي تعبر بعمق عن الرؤية للوجود  هذه الانهزامية تعبير عن أزمة واقع بكل تجلياته ، أزمة غياب الحرية تشترك فيها الذات  و الواقع معا :    يقول  :

anfasse1-  مصافحة أولى:
صدرت للقاص المغربي الأستاذ محمد كروم الطبعة الأولى من مجموعته القصصية التي تحمل عنوان" شجرة القهر"عن مطبعة Must بتارودانت.وقد صمم لوحة غلافها الفنان أمين ناهيري، وفيها تتداخل أشلاء متناثرة مع وجوه مذعورة خلف أسلاك شائكة.. ويتصدر المجموعة تقديم دال ومختصر لشيخ القصة القصيرة المغربية الأستاذ أحمد بوزفور ، ركز فيه على وجوه التميز في هذه المجموعة ، وهي الفضاء بمظهريه الحضري والبدوي ، واللغة المنسجمة مع هذا الفضاء ، والبناء القصصي المتماسك والمرصوص..وتقع هذه المجموعة في55 صفحة من القطع المتوسط ، تشمل القصص التالية: النجاة..النجاة/حدث ذات صباح/ عام الكلاب /شامة والباشا/ القهر/ الصراصير / الصعود إلى الهاوية / القانون الجديد/ سقط القناع /موزع الخبز/ معلمة بالقوة /الدائرة/ رأس السنة / الحذاء المؤجل / أحلام كبش / القصة الجديدة / البحث عن السروال / فجأة / حاطب ليل.
2-  دلالة العنوان: " شجرة القهر".
يتكون العنوان من مركب إضافي ، يحيل طرفه الأول على دلالات التجذر والتفرع والسموق والهيمنة والإظلال والإثمار..ويحيل طرفه الثاني على دلالات التركيع والحرمان والبؤس والاضطهاد ومصادرة الحقوق والأماني والأحلام..والعلاقة بين الطرفين لا يمكن القبض عليها إلا من خلال ما يحمله المتن العام للنصوص القصصية المشكلة للمجموعة..فالعنوان باعتباره ثريا معلقة فوق المتن ، إذا استعرنا عبارة جاك دريدا ، يستمد دلالاته من هذا المتن ، ويعطيه ، في الوقت ذاته ، إضاءات وتنويرات..لذلك فإن العنوان أعلاه ، بما يفتحه من أفق انتظار أمام المتلقي ، يجعل القهر هو الثيمة الأساسية في المجموعة ، ويصبح بذلك هو القاسم المشترك بين القصص ، والخيط الناظم لها.كل الشخوص التي تتحرك في فضاءات هذه المجموعة القصصية مقهورون ، على اختلاف في أشكال هذا القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي والجنسي حتى..بل إن هذا القهر لا يقف عند حد ، فهو آخذ في التنامي باستمرار: "صار الشئ الوحيد الذي يشدك إلى هذا العالم يكبر في الليل والنهار كما يكبر القهر في بلادي"(فجأة..ص.50).
لقد جرت العادة أن يختار القصاصون عناوين مجاميعهم من بين عناوين القصص التي تؤلف تلك المجاميع..ويكون العنوان المختار ، في الغالب ، للقصة المفضلة لدى المؤلف ، أو لأكثرها قوة وتأثيرا على القراء..لكننا هنا أمام خرق لهذه العادة..فكأن العنوان هنا هو العنوان الرئيس ، وعناوين القصص مجرد عناوين فرعية ، تفرعت عن الأصل واستظلت بظله..وكأن كل قصة من هذه القصص ثمرة من ثمرات تلك الشجرة التي تقطر قهرا وتسيل مرارة..

anfasse.orgلقد ارتبطت مسألة استلهام الشعراء المعاصرين للتراث والأسطورة والرمز بقضية الحداثة الشعرية، وقد كان للشاعر "ت ـ س ـ اليوت" أثر بالغ على كثير من الشعراء الرواد، ذلك أن مجموعة كبيرة قد التفتت إلى الرموز والأساطير اليونانية والرومانية إضافة إلى الأساطير الفينيقية القديمة، معتبرة أن الانتماء إلى التراث العالمي هو واجب من واجبات الشاعر.
ومن بين هذه المجموعة من الشعراء برزت أسماء: السياب وأدونيس وأنسي الحاج والصايغ ويوسف الخال... وغيرهم ممن تركوا بصماتهم على أجيال كاملة من الشعراء على امتداد الوطن العربي. وبذلك يكونوا قد طرحوا إشكالية مرتبطة أساسا بنظرتهم إلى ينابيع التراث الشعري ورموزه وأساطيره، وهي إشكالية طرحت العديد من المصاعب للأجيال اللاحقة من الشعراء العرب، وتتمثل في كيفية التوفيق بين صياغات مختلفة حول مفهوم التراث الثقافي للشعراء العرب المعاصرين.
ذلك أن مفهوم التراث يتصل بالإنجاز الثقافي العام للحضارة العربية التي تشكلت من حضارات متعددة بالغة الثراء والخصوبة والتنوع والخطورة، إنها تمتد من المحيط إلى الخليج لتشمل الحضارات: السومرية والفينيقية والفرعونية والعربية، ولتتضمن كذلك الديانات الوثنية واليهودية والمسيحية والإسلامية.
وقد ارتدى الحوار مع هذا التراث الزاخر بالتعدد والاختلاف طابعا إقليميا على يد مجموعة من الشعراء: كأدونيس ويوسف الخال وأنسي الحاج، حيث اقتصر حوارهم الثقافي والتراثي على الأساطير والرموز الفينيقية، مثل: الفنيق وعشتار وتموز... إلخ، إلى جانب الرموز المسيحية المتصلة بالمسيح والصلب والبعث والقربان ومريم...، بالإضافة إلى توظيف الرموز والأساطير اليونانية والرومانية مثل: سيزيف وأوديب وأوليس... وغيرها. هذا في الوقت الذي ارتأى غيرهم من الشعراء ـ وخاصة المصريين منهم ـ بعث الرموز والأساطير الفرعونية ك: إيزيس واوزيريس.. وغيرها من الرموز.

انفاس نتهو شاعر لبنانيٌّ من مواليدِ الجنوبِ في مطلعِ الخمسينيَّات. له حتى الآن أكثر من عشرةَ مجاميعَ شعريةٍ بدأها بعناوين سريعة لوطن مقتول عام 1978 ولا زالَ من ألمعِ الشعراءِ العربِ وأرقِّهم حاسَّةً وأصفاهم شفافيَّةً.
لا أعرفُ في الحقيقةِ بماذا أُشبِّهُ قصائد هذا الشاعر المُتجذِّرِ في أديمِ الأنوثةِ وفي خميرةِ الجمالِ.. أأشبِّهها بلمعانِ أجسادِ النساءِ اللواتي كانَ يتلصَّصُ عليهنَّ طفلاً من وراءِ أوراقِ الأشجارِ التي تشبهُ بريقَ الذهبِ؟؟ أم أأشبِّهها بالأزهارِ البيضاءِ اللوزيَّةِ ؟؟ أم بالأرضِ الجنوبيَّةِ التي عشقها بكلِّ سهولها وجبالها وفتنةِ وديانها وروعةِ تضاريسها؟.. فهذا الشاعرُ يستطيعُ أن يُدخلكَ إلى حلقاتِ الوجدِ الصوفي الجماليِّ الشعريِّ بلمحةِ البصرِ... وبدفعةٍ واحدةٍ يستطيعُ أن يُبلِّلَ قلبَكَ بالماءِ الغامضِ والبرقِ الحزين.
في قصائدهِ الكثيرُ من فتنةِ الأنوثةِ العصيَّةِ على الفهمِ.. فأنتَ تقفُ وكأنكَ أمامَ إعجازٍ يملأُ قلبَكَ بالانبهارِ وروحكَ بالإعجابِ الرفيع.
ألفاظُ شوقي بزيع منتقاةٌ بدقةٍ ورهافةٍ وحسٍّ موسيقيٍّ بارعٍ وذكاءٍ شعريٍّ نادرٍ قلَّما وجدتهُ عند الشعراءِ اللذينَ يكتبونَ قصيدةَ التفعيلةِ. فعباراتهُ الشعريَّة شفافةٌ كالماءِ وليِّنةٌ كالغيومِ تنسابُ في نفسكَ كما ينسابُ النهرُ الحافي في دروبِ الحصى. فتدغدغُ عواطفكَ وتوقظُ ما هجعَ من أحلامكَ الخضراء. وتحملكَ وتحرضِّكَ على فعلِ الحُبِّ والتأملِ في شظايا الأملِ..والحلولِ في بهاءِ الكونْ.. يقولُ في إحدى قصائدهِ عن مأساةِ الشاعر الحديث:
دائماً يكتُبُ ما يجهله
دائماً يتبع سهماً غير مرئي
ونهراً لا يرى أوّلَهُ
ينهر الأشباح كالماعز عن أقبية الروح

anfasse.orgالسؤال الاول: حدثنا عن علاقتك بالورق والقلم وبدايتك مع الكتابة؟
الجواب: علاقتي بالورق والقلم علاقة حميمية بدأت منذ زمن طويل وهي وليدة إيماني الشديد بدور" القلم والورق" في بناء الإنسان وتشييد الأوطان، فهما طريقان متلازمان نحو إنجاب العبارات الشامخة وولادة الحروف اللامعة وتفريغ الأحاسيس المتباينة.

ولكن في المقابل فإن حدوث طفرة التكنولوجيا أدى لوجود تقنية " الحاسوب" في حياة الكاتب مما أوجد تنافس بين أزرار الحاسوب والقلم والورق، وظهر سؤال محير: من سيفوز بقلب الكاتب؟ ولكن على الصعيد الشخصي فإنني أميل قليلا لاستخدام أزرار الحاسوب في عملية الكتابة مع المحافظة على مكانة القلم والورق لأن ليس بإستطاعتي الاستغناء عنهما، فالقلم في حياتي يعتبر نزيف الأفكارالعظيمة والأحاسيس الجميلة أما الورق فهو مستودع الأسرار ومنبع البوح.

أما علاقتي بالكتابة نشأت منذ الصغر فقد عشت بين أحضان مكتبة والدي الغنية بالكتب  ودوواين الشعر فنهلت الكثير من المعرفة والثقافة، وفي البداية شرعت في محاولاتي البسيطة لكتابة القصة والتي لم تكن سوى تفريغ لما يدور بداخلي، ثم جاءت فترة الانقطاع عن الكتابة بسبب ظروف عدة من ضمنها الدراسة إلا أنني كنت أدرك تنامي قيمة هذه الموهبة في عقلي حيث كنت بارعا في مادة التعبير ونلت أعلى الدرجات في هذه المادة خصوصا في المرحلة الثانوية.

ثم واصلت كتابة الأبحاث المتنوعة لكنني لم أجد فرصة لنشر تلك النصوص في الصحف المحلية حتى جاءت فرصتي الكبيرة في تحقيق هذه الأمنية منذ ما يقارب السنتين، حيث بدأت عملية النشر بقوة وبشكل منتظم في عدة مواقع إلكترونية معروفة، فتمكنت من إيصال نصوصي البسيطة إلى شرائح متتعدة ومتنوعة في عدة بلدان عربية.

anfasse.orgإن الصورة الشعرية تركيب لغوي لتصوير معنى عقلي وعاطفي متخيل لعلاقة بين شيئين يمكن تصويرهما بأساليب عدة، إما عن طريق المشابهة أو التجسيد أو التشخيص أو التجريد أو التراسل.
والصورة في الشعر لم تخلق لذاتها، وإنما لتكون جزءا من التجربة، ومن البناء العضوي في القصيدة، يقول مكليش:
"إن الصور في القصائد لا تهدف إلى أن تكون جميلة، بل عملها هو أن تكون صورا في القصائد، وأن تؤدي ما تؤذيه الصور في القصائد"(1) والصورة بدون سياقها العاطفي في التجربة، وبمعزل عن البناء الكلي للقصيدة، تصبح تصويرا مفتتا لا قيمة له.
وتكمن فاعلية الصورة الشعرية أساسا في تمثيلها للإحساس، إذ أن الصفات الحسية التي تخلقها الصور ـ وإن كانت تخلق نوعا من الحيوية لوضوح ودقة التفاصيل ـ فهي ليست العامل الحاسم في إضفاء الفاعلية على الصورة، إذ أن فاعليتها عند: أ. ريتشاردز "ترجع إلى مقدار ما تتميز به هذه الصورة من صفات باعتبارها حدثا عقليا لها علاقة خاصة بالإحساس، فالصورة أثر خلفه الإحساس على نحو لم يمكن تفسيره حتى الآن. ولكننا نعلم أن استجابتنا العقلية والانفعالية إزاء الصور تعتمد على كونها تمثل الإحساس أكثر مما تعتمد على الشبه الحسي بينها وبين الإحساس. وقد تفقد الصورة طبيعتها الحسية إلى حد يجعلها تكاد لا تكون صورة على الإطلاق، وإنما تصبح مجرد هيكل، ومع ذلك فهي تمثل إحساسا لا يقل عن الإحساس الذي تولده لو كانت على درجة قصوى من الحسية والوضوح." (2)
وهذا ما يثير مسألة مهمة ـ وتتمثل في تعدد مستويات الصورة الشعرية نظرا لتعدد العناصر المستقاة منها، وهذا ما ساعدها على إعطائها أبعادا رمزية، وفي هـذا يقـول د. مصطفى ناصف:
" والقارئ حينما يجد صورة ثرية في المدلول، يقول عادة أننا بصدد رمز. ويجب أن نتذكر أن الحد الفاصل بين الرمز وأية صورة أخرى لا وجود له، وأن المهمة الدقيقة هي كشف قدرة الصورة على تنوير العمل الأدبي من حيث هو كل من خلال ثرائها في المدلول، وترابط هذا المدلول بسائر الجوانب." (3)

anfasse.orgحياة بلا شدو أو غناء حياة صامتة لا لون فيها، والغناء وسيلة تعبير في مونولوجاته، ووسيلة تواصل في حوارياته.
الغناء فيتامين ضروري للحياة، ينفس عن الكرب أو يشحذ الهمم، يلطف المجالس أو يعبؤها، يمنح السامع فرصة التأمل والإبحار الجميل، أو يدفعه إلى اتخاذ المواقف وتبني الفعل الإيجابي.
فقد يتجلى في شكل متعة: ياشادي الألـــحان     أسمعنا نغمة العيدان
أو في شكل تحريض على فعل التغيير: إنهض للثورة والثأر     إنهض كهبوب الإعصار
فالغناّء المحترم ينبغي أن يخرج إلى رحاب الفن بمنهجه وتصوره ورساليته،فيتناغم مع حاجات العصر، ويتفق مع الفطرة الإنسانية السليمة، ويملأ إحساس ووجدان المستمع بالغناء الهادف، والفن ماهو إلا محاولة من محاولات التعبير عن الجمال والحسن الذي يتراءى في أرجاء الكون بمحبة الله، والفنان القدير صاحب الهدف السديد، هو الوحيد الذي يستطيع إثبات عبقريته وقدرته على التميز والعطاء والإبداع... فالغناء هو أحد الإبداعات الفنية الأكثر التصاقا ومعايشة وملامسة للمشاعر والأحاسيس الإنسانية، وبالتالي تأثيرا بها وتحكما في مساراتها. ثم هو الأقدر على تلوينها بالفرح والطرب إلى حدود النشوة والتجلي، والحزن والكآبة حتى البكاء وذرف الدموع، واستنهاض الهمم والعزائم حد الثورة والتغيير، ثم هو واحد من المخرجات الثقافية لأية جماعة إنسانية، يعكس روحها وحسها ومزاجها ومدى شفافيتها، وتجاوبها مع البيئة التي تعيش في كنفها، وبالتالي درجة تأثيرها وتأثرها بها.
والأغنية أيا كان لونها، سواء طربية، شعبية، تراثية، وطنية، دينية، أو عاطفية.. هي وليدة خمسة عناصر رئيسة: تتمثل في كلماتها ولحنها وتوزيعها الموسيقي وأدائها وتلقيها. وهي عناصر تتداخل مع بعضها لتحدد في النهاية مدى صدقها وثباتها وإمكانية نجاحها وقدرتها على التواصل مع الأجيال، كما يعبر عنها الفنان التونسي لطفي بوشناق، حتى أنه أضاف عنصر سادس إلى العناصر التي سبق ذكرها، ألا وهي: روحها الوليدة من رحم ثقافة تنتمي إليها وتصبح جزءا لايتجزأ منها.

anfasse.orgهي النفس الشاعرة تميل أن تعيش انعطافات حالاتها وتثورات مشاعرها،  تفجر طاقات إشاراتها إلى تلك الرموز التي أخذت حيزها الدائم على الوجدان، ليصبح الشاعر غير قادر على أن يسحب أنفاسه دون أن تمر على المناطق الخشنة من اعتمالاته، ولكنها في مستوى خياله تمتزج عطاءاته الشعرية بذاتيته الداخلية ليصنع رموزه الخاصة التي تؤكد هويته وحضوره المتفرد، فحينما تكون مواهب الشاعر مؤهلة لخلق رموزه وإيحاءاته الخاصة، ويحسن توظيفها على الوجه الصحيح والمتجدد باستمرار ومصاغة وفق صور منتزعة لدهشة المعنى وغرائبية الملامح، فهذا بلا شك مدعاة لأن يطلق طاقة موهبته الظاهرة منها والكامنة على شكل ابداع شعري ثر ومتميز إن كان على نطاق الحالة النفسية السالبة أو الايجابية.
 وحين تنجرح ذاتية الشاعر بالجرح البليغ ويغور خنجر الغدر إلى العمق فإن التعبير عن كل الحالات يصاحبه أنة حزينة تأبى أن تغادره أو تضمحل، تظل تباغته في كل الأوقات ومع كل الحالات دون الالتفات للزمان والمكان، تكاد تطغى على غالبية أشعاره تقريبا، فنراه يتشظى بألامه حتى وهو يحاكي معشوقته أو ينتصر لقضايا أمته ووطنه، وهو يجمع أصداف نجاحاته، وهو يغرق بصره في الأحلام ، ويكتب نوتات معزوفات أفراحه، فإن الجرح يظل الضجيج الساكن بيداء عقله الباطن، يعيش على توق عجيب لحب ما زال بعيد المنال ينتظره على أحرِّ من الشوق.

من يعشق عطر الأرض
يصير محارباً
من يعشق أنوثة المرأة
يصير شاعراً
من يعشق الله
يصير زاهداً.. حكيماً

مفضلات الشهر من القصص القصيرة