
يعد المكان من أهم المكونات التي تشكل بنية الخطاب الروائي, حيث يستحيل علينا تصور العمل الروائي دون مكان تسير فيه أحداثه لأنه بمثابة العنصر الفعال الذي تتجسد فيه أحداث هذا العمل.
1- المكان بين المفهوم والمصطلح:
لقد ورد مصطلح المكان في لسان العرب,فنجد: «المكان والمكانة واحد,المكان في أصل تقدير الفعل مفعل لأنه موضع لكينونة الشيء فيه، والدليل على أنه المكان مفعل هو أن العرب لا تقول في معنى هو معنى مكان كذا وكذا إلا مفعل والجمع أمكنة وأماكن جمع الجمع»(1) ونجد في بعض القواميس التي قدمت تعريفا للمكان على أنه موضوع كون الشيء وحصوله.
أما من الناحية الاصطلاحية فقد اختلفت مفاهيمه نتيجة لاختلاف الدراسات والاجتهادات إلا أنها استعملته كإطار تسير عليه أحداث الرواية، فعبد المالك مرتاض قد قدم بعض التفسيرات لمرادفات عدة للمكان كالحيز والفضاء وغيرهما:«لقد خضنا في أمر هذا المفهوم وأطلقنا عليه مصطلح الحيز مقابلا للمصطلحين الفرنسي والانجليزي(Space-Espace) ولعل أهم ما يمكن إعادة ذكره هنا، أن مصطلح الفضاء من الضرورة أن يكون معناه جاريا في الخواء والفراغ، بينما الحيز لدينا ينصرف استعماله إلى النتوء والوزن والثقل والحجم والشكل على حين أن المكان نريد أن نقفه في العمل الروائي على مفهوم الحيز الجغرافي وحده» (2).
لقد ميز النقاد بين هذه المصطلحات الواردة، فقد عالج حميد الحميداني مسألة المكان في الرواية العربية من خلال دراستها، متطرقا إلى مجموعة من المصطلحات المتعلقة بالمفهوم مثل:«المكان الروائي والفضاء الجغرافي والفضاء الدلالي والفضاء النصي والفضاء بوصفه متطورا»(3) ثم أبدى ميله إلى عنصر المكان مذهب جل النقاد المشتغلين في هذه الرواية، لما في هذا المصطلح من شمولية أوسع لكونه:«يشمل المكان بعينه الذي تجري فيه أحداث الرواية بينما مصطلح الفضاء يشير إلى المسرح الروائي بأكمله ويكون المكان داخله، جزءا منه»(4)