
وإلى جانب الجدلية التي يثيرها التقابل بين صورة العالم لدى القارئ وصورة العالم كما يطرحها النص، هناك جدلية أخرى مهمة في تفسير النصوص الأدبية؛ وهي الجدلية القائمة بين الحقيقة التاريخية التي يفترض أن النص يصورها، وبين التقاليد اللغوية الأدبية المتوارثة التي تتدخل في طريقة صياغة هذه الحقيقة وتصويرها. ويتأثر تفسير المفسر للنص برؤيته لدور هذه التقاليد في تصوير الحقيقة في النص.
ويؤكد "كريستوفر بطلر" في كتابه: "التفسير والتفكيك والإديولوجية"(1) أن الأطر المعرفية والإيديولوجية تتدخل إلى حد كبير في اختيار الأبنية اللغوية وفي تفسير دلالاتها. وينتهي من ذلك إلى تعريف الأبنية اللغوية في النص الأدبي ـ التي يطلق عليها اسم: الأنظمة الشفرية ـ بأنها حقل دلالي يكتسب تفسيرا اجتماعيا أو عقائديا وفق النظم الحضارية السائدة في المجتمع، أو وفق رؤية المؤلف أو القارئ للعالم.
إن كل نص يركز على بعض الأنماط والنظم الحضارية دون غيرها، تلك النظم التي تمثل القيم المعيارية في هذه النصوص.
ومعنى هذا أن القارئ يفترض أن النص يحاكي العالم بصورة ما، ويختار أحد نواحي التجربة الإنسانية ويركز عليها دون غيرها. ولكن علاقة النص بالعالم الخارجي، أو بالإطار العقائدي أو الحضاري السائد خارجه ليست بهذه البساطة. أي ليست عملية تصوير تعتمد على المحاكاة البسيطة؛ إذ أن النص عادة ما يخفي حقيقته عنا بما أنه نص أدبي خيالي مصطنع يخضع لمجموعة من التقاليد والقواعد المفتعلة. وهذا ما يثير مسألة الاستقلال النسبي للنص الإبداعي.