تحضرني مقولة الجاحظ المشهورة: "
المعاني مطروحة في الطريق" التي تكرس الجانب التعبيري وتغليب "الصياغة اللفظية عند الأديب، ولعل ما أملى عليه مضمون مقولته هذه، طبيعة الرؤية كما تجلت في ديوان الشعر العربي والمتمحورة حول مسألة الأغراض الشعرية، وهذا ما أفرز في عصور لاحقة ثنائية: شعر الطبع- الذي استمر طيلة خمسة قرون ونيف – وشعر الصنعة الذي رفع لواءه الشاعر المتأمل أبو تمام ليفتح للشعر العربي جبهة جديدة حينما قلب المعادلة وغلب جانب
المعنى على جانب اللفظ. وهو ما خلف حينها رجة ترددت أصداؤها في كتب البلغاء والنقاد والأدباء على حد سواء، غير أن هذه المعادلة لم تتحرر منها القصيدة العربية طوال مسيرتها ـ بعد ذلك ـ والتي عرفت مدا وجزرا بفعل الصراع الذي ظلت تتوقد شرارته من عصر إلى عصر بين تيارين أساسيين:
تيار الثقافة الأصولية التي كانت تحن إلى النموذج الأرقى المحافظ للقصيدة العربية الاتباعية.
تيار الثقافة المحدثة والمتفتحة على نماذج فن القول في الثقافات الأجنبية.
إلى أن حسمت اللسانيات الحديثة هذا الجدل الذي عمر طويلا في النقد العربي، وفصلت في الأمر حين اعتبرت أن اللفظ والمعنى في كل الاحتمالات هما وجهان لعملة واحدة.
أثارت انتباهي مقولة الجاحظ وأنا أتصفح ديوان الشاعر الرقيق محمد الشنتوفي: "الغابة الأولى"(1)، لأكتشف بعد ذلك مدى الجهد الذي بذله صاحبه في البحث عن المعاني التي أهلته لينغمس في طقوس الكتابة والتوغل في التأمل الرصين الذي حرضه على ولوج عتبة الإشراق الشعري.
يختزل عنوان الديوان حمولة دلالية تستفز القارئ منذ الوهلة الأولى، إذ يحيل على مدى احتفاء الشاعر بجلال المعنى المغيب، "فالغابة الأولى" كناية يمكن أن تنسحب على كل ما ترسب في الذاكرة ـ تحت سبق إصرار الشاعر ـ فهي ملجأه الذي يحتمي به، هي مجاله الذي يستقي منه ما يزخر به من رؤى، إنها العالم المجازي الذي يترصد فيه طرائد الشعر العصية في عملية بوحه الشعري، إنها في النهاية زاده الذي استوحى منه قصائده المبثوثة في هذا الديوان.
تيار الثقافة الأصولية التي كانت تحن إلى النموذج الأرقى المحافظ للقصيدة العربية الاتباعية.
تيار الثقافة المحدثة والمتفتحة على نماذج فن القول في الثقافات الأجنبية.
إلى أن حسمت اللسانيات الحديثة هذا الجدل الذي عمر طويلا في النقد العربي، وفصلت في الأمر حين اعتبرت أن اللفظ والمعنى في كل الاحتمالات هما وجهان لعملة واحدة.
أثارت انتباهي مقولة الجاحظ وأنا أتصفح ديوان الشاعر الرقيق محمد الشنتوفي: "الغابة الأولى"(1)، لأكتشف بعد ذلك مدى الجهد الذي بذله صاحبه في البحث عن المعاني التي أهلته لينغمس في طقوس الكتابة والتوغل في التأمل الرصين الذي حرضه على ولوج عتبة الإشراق الشعري.
يختزل عنوان الديوان حمولة دلالية تستفز القارئ منذ الوهلة الأولى، إذ يحيل على مدى احتفاء الشاعر بجلال المعنى المغيب، "فالغابة الأولى" كناية يمكن أن تنسحب على كل ما ترسب في الذاكرة ـ تحت سبق إصرار الشاعر ـ فهي ملجأه الذي يحتمي به، هي مجاله الذي يستقي منه ما يزخر به من رؤى، إنها العالم المجازي الذي يترصد فيه طرائد الشعر العصية في عملية بوحه الشعري، إنها في النهاية زاده الذي استوحى منه قصائده المبثوثة في هذا الديوان.