أنفاسأيها الراكض خلف سرحان الذي أضاع فارسه يوم سيج الدخلاء الوطن المسبي، أيها المتوحد بالأرض المباركة عبر تماهيك في جذور أشجار التين والزيتون..
يا مسافرا خلف الحروف والكلمات التي أطفأت بها الجمر الذي يهدد يناعة الوطن المسروق. هذه أمك- أم الأحرار- الحاجة حورية تسبل عليك رضاها.
وبقدرة رب العزة لن تبكيك، ألست من قلت ذات مرة:
" وأعشق عمري
لأني إذا مت أخجل من دمع أمي"
لا لن تخجل الآن يا فارس الشعر العربي الحديث، لا لن تخجل أبدا، لأنك أحسن من حبب إلينا خبز أمهاتنا وقهوتهن، وأروع من جعلنا نحلم بالرجوع إلى زمن اليفاعة والصبا كي نتوسد سواعد أمهاتنا اللواتي أرضعننا نخوة سرحان الجامح، وأودعننا الدم الفوار الذي لا يخنع للظلم والعدوان، ولا ينصاع لاملاءات من سار في درب الركوع للدخيل منذ أعلنتها في عشقك الأزلي لأرض فلسطين السليبة:
" بلادي لي
بلادي لي
كتبت اسمي بأسناني
على أشجارها وصخورها
وترابها الحاني
أأنساها وتنساني؟" من قصيدة: "خلف الأسلاك" من ديوان: "عاشق من فلسطين"
لا لن تخجل يا من تفيأ الظلال العالية لتعلنها جهرا أن: "أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا"، كيف تخجل من أمك، وهي رمز المكافحين والشهداء. بل تفخر بك لأنك قلت ذات مرة:
"إذا سقطت ذراعي فالتقطها

أنفاسلفتت انتباهي جملة في مراجعة لديوان شاعر عربي من فلسطين 48 ، كتبها  الدكتور بطرس دله في نقد نشر على موقع "صوت العروبة "، يقول فيها : " يدعي الكثيرون أنهم وحدهم يعرفون ما هو شعر الحداثة؛ وكنا أنا ومجموعة من أصدقاء مدرسة "يني" الثانوية قد عقدنا مهرجاناً كبيراً حول شعر الحداثة" ، وكان قد قال في جملة سابقة واصفا الديوان : " ففيه خروج عن المألوف وتطور للأفضل فيما يسمّى باسم شعر الحداثة modernism. ".
لم أقرأ الديوان وأمل ان يصلني الى منفاي الاختياري في نيقوسيا  لأقرأه وابحث عن العلاقة ين النص الشعري والنقد والحداثة التي اكتشفها الناقد ، وماذا يعني ب  :"  الخروج عن المألوف وتطور للأفضل فيما يسمّى باسم شعر الحداثة" لعلنا نستفيد بعنصر جديد نلحقه بمفهوم الحداثة .
لست في باب تقييم الديوان أو "الحداثة " في شعر الديوان ...
جملة الدكتور بطرس  دله تشير الى عدم فهم رهيب لموضوع الحداثة في الأدب والفكر والفلسفة . وكيف  له ذلك والثقافة العربية، في كل الوطن العربي ، لم تنجز استحقاقات الحداثة بعد، وتبدو الحداثة موضوعا للترف الفكري في الثقافة العربية ، لأن الثقافة العربية تفكر وتنتج نفسها في واقع عربي اجتماعي واقتصادي وثقافي هو ما قبل الحداثة أصلا..!!
يستطيع د. دله ان يدمج كلمات لاتينية بعد كل جملة . هل سيتغير الحال مع مضمون الحداثة الأدبية ؟ وهل أضحت الحداثة معلما ابداعيا .. بدونه لا قيمة للعمل الأدبي ؟

أنفاس عن دار كنعان الدمشقية صدرت مؤخراً رواية "هوركي أرض آشور" للشاعر والروائي العراقي البصري صبري هاشم. وللكاتب صدرت مجموعة مؤلفات متميّزة في الشعر والقصة والرواية التي يصلح بعضها ومنها هذه الرواية لعمل سينمائي درامي إذا ما كان للمخرج فلسفة فنية قادرة على نقل المشهد السردي للأحداث بجزئياته في حاضر المكان الذي مازال قائماً، يتوهج في عمق الزمان ومفاصله. زمن شاءت الأيديولوجيا أن يكون مليئاً بأحداث ستبقى عالقة بالأذهان، ولا يزال يسجل من جديد ما لا يتقبله العقل وكأن الذاكرة أغفلت ما حدث بالأمس وإلى الأبد.
إنها رواية العشق الوطني المجنون.. رواية للوفاء وهي أيضاً رواية سياسية بامتياز، بذل الكاتب جهداً كبيراً لتقريب المسافة بينه وبين أبطاله، سهيل وهاني، ليتقاسما الأدوار على نحو رومانسي.. امتطى الكاتب صهوته الشعرية بعيداً عن السرد "الوثائقي" فارتقى أسلوبه الشعري / النثري لينسجم مع محيط الأحداث، يناغم وقائعها التاريخية بألم ومرارة خلدتها مشاق النفاق السياسي ووهج الحنين لأيام الشباب حيث الحب والعشق الإنساني يطفو فوق عراء الظلمة الأزلية:
وسهيل في غفلة منا صار شيوعياً. تأدلج خلسة حتى تورمت ثناياه، وتحت سطوة تأثير سهيل الذي كان أنا وكنت هو تعلمت الماركسية فصارت ليّ قضية.
وفي مكان آخر: ظل البصريون كغيرهم، تتداعى أمامهم حصون وقلاع أحزاب عريقة ما كان ينبغي لها أن تفقد توازنها فتختل عندئذ موازين البلاد. إنه زمن لصعود نجم أسود في سماء العراق. فيما راح الشيوعيون يصنعون مجداً من أوهام على هامش هذا الزمن، فيدفعون برقاب المناضلين إلى مقصلة النظام.. يدفعونهم إلى الموت في السجون والشوارع والساحات. آلاف من الشباب والرجال والنساء، ردح السياسيون المؤدلجون على جماجمهم وأجسادهم، في زمن العهر السياسي كي يصنعوا مجداً مؤثلاً لقيادات خائنة لمبادئها قبل كل شيء.

أنفاس" لماذا تركْتَ الحصان وحيدا "
مازال صوتُك يغفو في أذني ، يتلو رقصَ الاستعارة ، يلتحِفُ عنفوان المجاز، يعانقُ كِبْرَ الشِين و تَمَنُّعَ العين وانزلاق الرَّاء إلى تشظِّي الدلالة و فَرادة الانزياح...
" شيءٌ عن الوطن "
التحَفْتَنِي رغم الغياب فتسَرْبَلتُ بالسفر و تركْتَنِي وحيدا ألمسُ أطرافك الوهمَ بيديْن من شِعْرٍ و ياسمين ، أنتَ يا من رويْتَ للمطارات نكبتي و أهديتني بيتا مُتوشِّحا بالقوافي والبكاء و حَبل الغسيل .... 
بحثْتُ عنكَ يا وطني في عشيَّات عمري المالح فانسحبْتَ ككل صباحٍ من أحلامي و مضْيتَ تتصفَّحُ يُتْمَ عينيَّ وعراء النبيذ بين أصابعي ...
أنسى....أنسى كل عمري إلاَّكَ ...:  
رائحة الخشب المبتل في يافا..
صوت الكبرياء في أشجار الخليل ..
طعم الزعتر في ثنايا الكلمة..
رائحة " الهيل " في قهوة صباحية
رقص  " المِرَمِيَّة" الحزين بين شفتيَّ..
آه يا وطني لم يبق منك سوى طعمٍ معتَّقٍ و رائحة خجول و بضعة مفاتيح ...
و آه يا وطني ها أنا أتجمَّدُ صورةً في معرضٍ " للذينَ تُحبُّهمْ " .. سلامًا يا  " حنظلة العليّ " كم يبدو لقاؤك مريرا أجردَ !!
و آهٍ يا حنظلة لو كنتَ معي ....
ما أطول الطريق الكاذب و ما أقصر الموت الجميل..!
 " أرى ما أريد "

أنفاسإن العرف السائد في تصور عملية الخلق الشعري عبر عصور الشعر والنقد، هو أن المشابهة بأنماطها المختلفة وفي تجلياتها المتعددة من تشبيه وتمثيل واستعارة ورمز، هي الطاقة المولدة للصورة الشعرية.
وقد افترض ـ لقرون طويلة ـ أن هذه العملية هي جوهريا إدراك مشابهة قائمة أو مكتشفة أو مبتكرة بين الأشياء. فذهب أرسطو إلى أن الاستعارة علامة العبقرية، ونص الجرجاني على أن إدراك الشبه بين الأشياء هو موضع التفاضل بين شاعر وآخر، وكلما ازداد الشبه خفاءا كلما ازدادت دلالة اكتشافه على تميز الشاعرية التي جلته، وأصر الجرجاني كما أصر أرسطو قبله ثم كولريدج: Collridge بعدهما، على أن المشابهة الأسمى هي تلك التي تكتشف بين مختلفات، وأن التشابه المطلق يعدم التشبيه والاستعارة أو الرمز، ويمنع تدفق الشعرية.
وقد طرح (ا.ريتشاردز Richards) فيما بعد فرضيته المعروفة في أن الاستعارة لا تقوم في الواقع على المشابهة، بقدر ما تقوم على المغايرة والاختلاف. إلا أن الشاعر في العصور الحديثة لم يعد سجين هذه المقولات منذ أن قال (رامبو Rimbeau) "أيها الليل الثلجي الأبيض" ليؤكد على أن مبدأ التناقض والتضاد بين المشبه والمشبه به يمكن أن يصبح طاقة مولدة لابتكار الصورة الشعرية.
وبتتبعنا للإنتاج الشعري الحديث، يتضح مدى الدور الذي أصبحت تضطلع به الكلمة ووظيفتها الجديدة التي يجب أن تتمرد على سلطة اللغة. لقد أصبحت مصدرا لطاقة شعرية قائمة على إيجاد علاقات جديدة بين الكلمات، وشحنها بمدلولات جديدة لاكتشاف أفق لغوي جديد. وهنا تم تبني مسألة الانزياح اللغوي، لأنه طاقة هائلة ساعدت على خلق علاقات جديدة بين المفردات يمنح الصورة ثراءا وغنى لم يتحقق لها في الشعر القديم حيث ظلت تكتسي طابعا منطقيا يقوم بوظيفة توضيحية.
إن الأسلوب الشعري أصبح يتميز باستخدامه أشكالا من التعبير المتخيل لتوصيل الأفكار والعواطف، وذلك من خلال الإيحاء بها عن طريق التصوير، لا التعبير المباشر. "والصورة الشعرية تركيب لغوي لتصوير معنى عقلي وعاطفي متخيل لعلاقة بين شيئين يمكن تصويرهما بأساليب عدة، إما عن طريق المشابهة أو التجسيد أو التشخيص أو التجريد أو التراسل"(1).

أنفاسيتجه القاص والروائي المغربي محمد أنقار بصدد أطروحة "كتابة الرواية" إلى اعتبارها صيغة إنسانية موسومة بالقدرة على التواصل مع الواقع والحياة. وهو يرجع سر هذه الصيغة إلى نوعية الصور السردية التي تطبع النص الروائي وتميزه عن المتون الحكائية الأخرى كالقصة القصيرة. فالصورة الروائية عنده مطبوعة بالحركة، وهي تتسع لبث منظور سردي متكامل حول عوالم ممكنة. كما أنها ترمي عبر ميثاق القراءة، إلى التعاقد مع  تجربة المتلقي القادر على تنشيط المنظور السردي، وترهبن موسوعة الصور المختزلة في حلقات الحكي. وترتبط الصورة الروائية عند أنقار بتقديم الشخوص والأمكنة، عبر تقاطعات دقيقة تقرب المسافة بين السردي الوصفي. ومن ثم كان لمرجعية المكان عنده مقام خاص وحضور محوري حاسم في  توجيه  أفعال الرواية(1). هذا، وتعد لغة العلاقات المكانية وسيلة من الوسائل الرئيسية لتصوير الواقع، وينطبق هذا الشرط  حتى على مستوى ما بعد النص، أي على مستوى النمذجة الأيديولوجية الصرف. فإذا نظرنا إلى مفاهيم مثل : ((أعلى-أسفل) أو  (يسار- يمين ) أو قريب – بعيد ) نجد أنها  تستخدم لبنات في نماذج ثقافية لا تنطوي فقط على محتوى مكاني بل تتجاوزه للدلالة على بعد أخلاقي قيمي. فتكتسب هذه المفاهيم من جراء ذلك معاني جديدة مثل:  (الحسن – السيئ) أو  (القريب- الغريب) أو ( السهل-الصعب).  وهكذا يمكن القول إن بنية مكان النص تصبح نموذجا لبنية مكان العالم، وتصبح قواعد التركيب الداخلي لعناصر النص الداخلية لغة دالة على النمذجة المكانية. (2)
حدود المكان:   يحيلنا هذا المدخل السابق على نقاش مبدئي بصدد علاقة المكان بالتخييل الروائي،  وفحواه أن فاعلية التخييل معنيّة، بالنسبة  لغالبية النقاد وعلى رأسهم أرسطو، بما يحدث أو بما يمكن أن يحدث وليس بما حدث،  باعتبار أن السرد التخييلي هو أكثر فلسفة وعلمية من التاريخ . بينما راح البعض كأفلاطون و مارتن والاس  و سيرل ، يصنفونه  في خانة  الوهم والكذب .أما (جان إيف تادييه) فيذهب إلى أن الفضاء الروائي هو قبل كل شيء عالم من كلام، سواء أكان انعكاساً أم انزياحاً (3) .  ومن ثم قد يتعين هذا الفضاء  باسم مكان محدد ( مدينة – حارة – موقع تاريخي ...) دون أن يحمل من ذلك المكان سوى الإسم أو بعض السمات والأبعاد. وأقرب مثال لتوضيح هذا النمط  في الرواية العربية هو خماسية عبد الرحمن منيف ( مدن الملح) حيث تبرز مدينتا (حران ) و(موران) كمدينتين روائيتين لا تتحقق فيهما المطابقة بين الروائي والمرجعي إلاّ بقدر يسير. وفي المقابل قد يتعين الفضاء الروائي وفق مكان واقعي موسوم بحدود الجغرافيا والتاريخ ، وهذا هو شأن "قاهرة" نجيب محفوظ  و"باريو مالقا"  محمد أنقار .(4)

أنفاسفي "امرأة الرسالة" لرجاء بكرية، تفاجئك الكاتبة وتذهلك وتربكك كقارئ في آن معًا. فنصّها المذكور نصّ مخاتل ومراوغ. نصّ يشدّك نحو قراءته كرواية حينًا، ويجذبك لقراءته كنص أدبي حكائي استعاريّ حينًا آخر. ولكن في الحقيقة هو منزلة بين المنزلتين، والتعامل معه مهما اختلفت زاوية التناول، يجب أن يكون من خلال كونه نصًّا قصصيًّا، ذلك لأنّه يمتلك كل خصائص هذا الجانر. وهذا النص القصصي في جملته يروي حكاية امرأة مثقّفة من خلال علاقة مثلّثة بالرجل: "وائل الزوج الذي هجرها ورحل إلى الخليج بهدف العمل، والذي استقر هناك وتزوّج/ غسان الفنّان والسجين السياسي بتهمة الإرهاب الذي تعشقه عشقًا صوفيًّا روحًا وجسدًا وهو المحور الأكبر في النص/ وكاظم خيبر العراقي المقيم في لندن، والملجأ الذي يلمّها كلّما كبست عليها لحظات اليأس والضياع والحيرة، والذي يتقن العزف على مفاتيح الجسد".
هذه العلاقات مع التفاوت بينها هي التي تلم شعث النص. ولكن ونحن نقول هذا، يجب أن نكون حذرين، لأنّ العلاقات الثلاث بتشظياتها وانفتاحاتها وتلوّناتها هي علاقات مع رجال تستحضرهم الراوية/ البطلة من الذاكرة، فهم ليسوا شخصيّات نابضة حيّة فاعلة في الواقع، إنّها شخصيات تعيش في الذهن. تستحضرهم في الذاكرة ومنها، وتنبش في علاقتها مع كل واحد  منهم وتحاوره وتداوره وتفتح هذا الاستحضار أحيانًا على الواقع الفلسطيني عندنا، ناقدة له وساخرة منه. الواقع الخارجي معكوس على واقعها الداخلي، فهي تراه حسب نفسيّتها القلقة المتلوّنة ووفقًا لآنيّة اللحظة والعلاقة.
والنص بسبب ما ذكر- أعني علاقة المرأة بالرجل روحيًّا وجسديًّا- مفعم بلغة الروح والجسد، يقوم على مفاتيح نصيّة تمثلها جمل استعاريّة رائعة وصور جميلة موحية تفتح النص على الرّحابة وتشي بأبعاد كثيرة.
هذا النص المربك الذي يكتنز في ثناياه الكثير، ويتطرّق إلى أدق التفاصيل، يتطلب حرفية كبيرة، وإتقانًا لآليات القص ولخيوط لعبته، كما يتطلّب حرصًا شديدًا في تصوير اللحظات المأزومة داخل النص، وتسييج ما يجري خوفًا من التسيّب والفلتان والبعثرة. من هنا تصبح عملية نقل العدوى إلى المتلقي عملية صعبة، كما تصبح عملية الموازنة بين الواقع والمتخيل عمليّة معقدّة. وهنا تجدر الإشارة إلى الجرأة التي تتحلى بها الكاتبة، وإلى حرفيّتها الراقية في تناول مثل هذه المواضيع، وإلى الثقة بالنفس التي تتجلى في التعامل السردي مع هذه الأمور. ومثلما يتطلب نصّ كهذا حرفيّة كبيرة من مبدعة، يتطلب أيضًا قارئًا متمرّسًا يعرف كيف وأين يضع أصابعه على المفاتيح الأساسية للنص، بغية فهم أبعاده ومراميه وطروحاته، ذلك لأنّ القارئ العادي معتاد على نصّ صراعاته خارجية وبنيته السردية واضحة ومعماره الحكائي مدماكي.

أنفاس بعيداعن كل مبررات الأزمة التي يجتهد المثقفون في إخفائها أو شرعنتها بالاتكاء على مقولات فاضحة , يمكن الجزم بأن الاحساس بالأزمة أضحى في حد ذاته نشوة ومتعة , ومطلبا لتحقيق المماهاة مع الأدوار الجديدة  للمثقف..
وقف طويلا خارج أبنية السلطة..وخارج المجتمع !..متقلدا عصا الحكيم ,وملوحا برزنامةالقيم لصد موجات تحديثية تهدد سلطانه !..واجتهد في تشكيل ذهنية المواجهة لدى المتلقي بحديثه عن الغزو الفكري , وإلباس نمط التواصل المفترض مع الآخر المغاير لبوس الصراع العسكري المحض !
لكن فوقية وهيمنة الآخر كشفت عجز المثقف العربي عن تحديث وتطوير آليات المواجهة بما يضمن للخصوصية موقعا ,ويحفظ للمحلي بهاءه أمام الكوني الذي لا يعدو أن يكون مقابلا للغربي المتفوق و النرجسي !  فاندفع بشهية ماكرة لتلوين المستورد , و الحديث عن انفتاح – غير محسوب العواقب- على العالم الحر , وضرورة استعارة القوالب الفكرية الجاهزة التي تغني عن تعب النهوض محليا ,وتسد الفجوة النفسية أولا , و الزمنية ثانيا ,و تحقق نصرا بالبريد!!
تملص المثقف إذن من دوره كموجه وناقد و ربان ,واكتفى بالاندماج في مؤسسات الدولة , و القبول بدور الشريك في سلطة كانت بالأمس القريب خصما حيويا, للإحساس بالتوازن ,وتحصيل المكاسب الدنيئة التي تنهض كل ثقافة على رفضها ,وينبني كل فكر إنساني على مجاوزتها .
 يؤهلنا هذا الجزم لفهم سلوك المثقف الحالي ,و يبصرنا بالمرجعية المتحكمة في المنتوج الثقافي خلال العقد الأخير ,ويدفعنا للتوجس من استفحال الورم ,و انقياد الفكر للقيم المهربة !
انحشر الفن في مستودع الذاتية ,و صارت الترجمة بديلا عن استنبات آليات فكرحر يستوفي شروط الندية ,و اكتفى الإبداع " الحداثي" بمرواغة الدلالة فرارا من القمع !

مفضلات الشهر من القصص القصيرة