أنفاساقيموا بني امي صدور مطيكم
 فإني إلى قوم سواكم لأميل

 *الشنفرى*
لماذا الصعاليك؟
 -1-
  لأن نزعة التغريب التي يلمسها المتلقي في المقولات و المفاهيم المؤسسة للمشروع الحداثي المستورد حذت بالكثير من الدارسين إلى العودة للتراث بغية استلهام مقومات مشروع حداثي أصيل,إلا أن توالي الأبحاث والدراسات-خصوصا في شقها الأكاديمي-طيلة العقود الماضية حمل مفاجآت عديدة,فبالإضافة إلى تأكيد هذه الدراسات على أن هذا التراث قادر على أن يشكل قاعدة خلفية لأي مشروع حداثي دون الحاجة إلى الاستيراد,فقد أسهمت في إضاءة العديد من جوانبه التي تم التعتيم عليها لأسباب سياسية أو إيديولوجية!
-2-
لأن الممارسة النقدية العربية  كان يحكمها الوازع الأخلاقي/الديني في تعاملها مع المتن الشعري,لذا تم إقبارجزء لا يستهان به من النتاج الإبداعي تحت ذريعة خرقه للأعراف و المواصفات السائدة.كما اجتهد الناقد العربي قديما في تسييج الرقعة التي يتحرك عليها الشاعر لضبط أي انحراف أو انقلاب ينآى بالنص الشعري عن الوظيفة المحددة له مسبقا,وهي التبعية للنص الديني مضمونا و ل"عمود الشعر"شكلا’وبما أن القراءة النقدية أعلنت تحررها من أية تبعية مسبقة,وحصرت تعاملها مع النص الشعري من حيث كونه بنية لغوية وجمالية فحسب,فقد غدا لزاما أن يعاد الإعتبار لهذا الموروث الشعري "المغضوب عليه"وتخليصه من إسار القراءات المغرضة .
      -3-
 لأن تاريخ الشعر العربي يحفل بجيوب التمرد التي مكنت الإحاطة بمحدداتها و تجلياتها من إثبات حقائق مهمة تضع الكثير من الأحكام الجاهزة , التي يعمد أنصار الحداثة المستوردة إلى تصريفها بغية تكريس القطيعة مع التراث و تدمير سلطانه, على محك المساءلة , ومن بين هذه الحقائق :

أنفاس أتساءل وبحرقة عن مستقبل أدبنا, أتساءل وقلبي حزين على مسيرة هذا الأدب, لأنني أرى تصرفات تصدر عن أدباء تشي بأشياء لا تليق بأدب ولا بأدباء. أتساءل مثلا كيف يمكن لأديب ما أن يغير مواقفه بين ليلة وضحاها؟ أو كيف يمكن له أن يغير رأيه في شيء ما دون أن يسمع أو أن يقف على الرأي المغاير؟ كيف له أن يتحيز لرأي كان يخالفه قبل ليلة وان يتنكر لرأي كان يحّرض له, دون أن يبرهن على هذا التحول بدلائل مقنعة, كيف؟ وكيف والمتوالية طويلة.
الإجابة عن هذه التساؤلات بسيطة.
يكون هذا الأديب مقتنعا تماما بما قرأ وموافقا الكاتب على رأي كتبه ولكن لمجرد أن يدعم رأي الكاتب أديب آخر هو في علاقة شائهة معه أو في عداوة ما, تنقلب قناعته وتصير ضد ما كان مقتنعا به والقضية هكذا تصبح قضية شخصية أو قضية علاقات وليست قضية علمية موضوعية تقوم على إثباتات. فهل صار الأدب يقوم على اعتبارات شخصية؟ بمعنى أن تغير الموقف المشار إليه سابقا يؤشر على أن المنطلقات جميعها والحكم على الأدب كلها تكون مرتبطة بتلك العلاقة.
وطالما أن العلاقة هي التي تقرر, لذلك لا نستغرب من الأديب أن يتلون وينافق ويداهن ويرائي, وهو في سريرة نفسه يعرف أن ما يقوم به مخالف لما يؤمن به, أو لما يدعي انه يؤمن به, ومن هنا ينصب هم هذا الأديب على التفتيش عن وسيلة للمناكفة او للإغاظة بشكل خفي مستتر لأنه يخشى ذلك علانية. " عدو عدوي صديقي ولكن صديق عدوي عدوي". هذا المعيار المضحك البعيد عن الموضوعية يصبح معياره في التعامل الأدبي. فهل يعقل ذلك؟ الأدب لا يقوم على علاقات شخصية ولا يقوم وفق أهواء مزاجية متقلبة. التعامل مع الأدب يجب أن يكون موضوعيا بحيث نقيسه بمقاييس ومعايير أدبية محضة بعيدة عن الرغبات الشخصية والانتمائية والعائلية وأقول ويدي ترتجف لأنني أخشى أن يكون الأمر كذلك, أو الطائفية, والأخيرة اشد إيلاما. "فصديق عدوي" يؤلمني أكثر لأنه من طائفة غير طائفتي. ولو كان الأمر مقلوبا لكان الأمر أسهل بمعنى أن التعصب الطائفي وللأسف, وآمل أن أكون مخطئا, صار يأخذ مكانا في الاعتبارات الأدبية والمقاييس العلمية, ومتى ما تسربت الطائفية البغيضة إلى مكان ما أفسدته ولأنها لا ترحم أحدا, حتما سينهار البنيان الذي بنيناه جميعا بدمع العين. هل  صارت الطائفية أو العلاقة تغير في المفاهيم؟ وتجعل الأديب يضمر عكس ما يعلن؟ فيتظاهر بالانفتاح والديمقراطية وبالعلاقات المنفتحة ولكن إذا فحصنا تصرفاته ونبشنا في دواخله ونظرنا إلى تعصبه لرأي أو لمجموعة آراء مدفونة في داخله تخرج منه في لحظة ضعف أو غضب تنكشف أوراقه ويتعرى.

أنفاس من أجل ثقافة إنسانية، تبحر في فضاءات وعوالم بنفسجية، لأجل الحقيقة هدف الفن والحياة.
صدر في برلين باللغتين العربية والألمانية الطبعة الثانية من رواية الشاعر والكاتب العراقي جميل حسين الساعدي " تركة لاعب الكريات الزجاجية Der Nachlass des Glasperlenspielers " وهي رواية ممتعة تعالج مشاكل الإنسان، وتشد القاريْ إليها بشكل جذاب، كما تثير مفرداتها المتنوعة الجوانب والأشكال الاهتمام والتساؤل.
ولد جميل الساعدي عام 1952 في مدينة بغداد، ونال شهادة الدبلوم في الإدارة من جامعة بغداد عام 1973 ـ بالإضافة إلى نشره الكثير من المقالات والقصائد في الصحافة العربية والأجنبية، فقد أصدر عدة مؤلفات في الشعر والرواية تٌرجم بعضها إلى لغات أخرى كالألمانية والإنكليزية والهولندية والنرويجية واليابانية والسويدية والبولونية وغيرها.
وتعود فكرة كتابة قصة "تركة لاعب الكريات الزجاجية" إلى الفترة التي كان يستعد فيها لكتابة أطروحة الماجستير في الأدب الألماني المعاصر،  كان موضوع الأطروحة هو رواية الكاتب الألماني هرمن هسّه Hermann Hesse " لعبة الكريات الزجاجيةDas   Glasperlenspiel "  التي خلقت لديه أكثر من حافز للخروج بقصة تجتمع فيها الرموز والظواهر التي تشخص تلقائياً البعد الآخر الذي يبحث عنه كل من هسّه والساعدي، كل بطريقته، في روايتيهما اللتين تنسجمان كلياً، موضوعياً وفنياً، بمنأى عن المؤثرات التقليدية، خوفاً من ميل الثقافة والفكر نحو هاجس الأهواء الفئوية.

قرية المجانين في "تركة لاعب الكريات الزجاجية" هي النقيض المقابل لقرية اللاعبين في رواية هسّه، ومدينة س التي لم تكن مدينة معينة بذاتها وإنما هي النقيض لكاستاليا. أستخدمها الكاتب كرمز للدلالة على المدن (كتعبير مجازي) أيضاً تلك القوى البشرية التي تحاول أن توجد لها مساراً خاصاً بها خارج تلك المسارات القائمة على سياق طبقي يهرول وراء الامتيازات، ويفرض على الآخرين قبول الأمر الواقع ومن ثم الحصار، لأنها تنكرت لقواعد اللعبة المتوارثة على أساس المصالح.

أنفاس لعل انحسار الإقبال على اقتناء الكتاب بصفة عامة، والكتاب الأدبي بصفة خاصة، سواء أكان دواوين أشعار أو روايات أو مجموعات قصصية أو غيرها... داع إلى الحديث عن موضوع أزمة القراءة الشائك وأبعادها، ذلك الإستنتاج المتكرر التصريح به، والمثير للدهشة وللإستغراب والغوص في الحيثيات المحيطة به..
استنتاج يبدو وكأنه الحاضر والمسجل دائما وأبدا في كل التقارير المنشأة، عقب كل التظاهرات الثقافية، المعارض خاصة، تلك التي تهتم بالإبداع الأدبي المنشور ورقيا.
وإذا كان هذا هو واقع الحال ومعترف به، وإذا كان فعل اقتناء الكتب الأدبية أصبح النادر الورود، فليس من المبالغة في شيء القول بأن الأغلب الساحق من ذلك العدد القليل الذي يُقبل عليه ويشتري، يكون من قبل الأدباء أنفسهم، وذلك إما لتشجيع زميل أديب أو زميلة أديبة ما، أو الإطلاع على ما يمكن أن يكون قد قُرأ عنه من مستجدات وإبداعات جديدة، أو القراءة من أجل القيام بدراسات حول ذلك المقتنى.
ولعل أسئلة عريضة ومتناسلة تلح، وأيضا تطالب بالأجوبة حول الظروف التي أدت إلى نشوءه وتواجده، وكذا تعاظم وتيرته مع مرور الأيام، ذلك التوجه الإستهلاكي الجديد للأدب العربي، أي ذلك الإقصاء المتفاقم المزمن، إذ كيف يمكن فهم تخلي القراء العرب عن اهتماماتهم الضاربة الجذور في عمق التاريخ باللغة العربية، وبالنتاجات الأدبية المنسوجة من خيوط حروفها؟

أنفاسصدر عن دار نشر "هكيبوتس هميؤوحاد" سنة 2008، الجزء الثاني من سيرة حياة البروفيسور سوسان سوميخ، بعنوان "ايام متخيلة"، أخا للجزء الاول "بغداد أمس" سنة  2004.
في الكتاب يشرع سوميخ حياته على مصاريعها، بحيث تنفلش هذه الحياة أمام المتلقّي على مساحة زمنية واسعة من عام (1951) عام قدومه إلى اسرائيل من وطنه الأصليّ العراق وحتى عام (2000). ولكنه رغم هذا الانفلاش ينوّه في المقدمة بأنّه لا يكتب ترجمة شخصية بالمعنى المعروف لهذا الجانر الادبي وإنما ينتقي من حياة تجارب معنية تعمد فيها، ويقف على احداث يراها مهمة مرّ بها، ويذكر شخصيات التقاها وتعرف عليها، فيسرد كل ذلك من خلال ذاكرته الحيّة، والانتقاء السليم، بغية التأشير على ما لعب دوراً في بلورة شخصية وفي صقله إنساناً اكاديمياً مميزاً مرموقاً. لذا فإن القارئ لهذه السيرة على سعتها واهميتها لن يجد فيها مهما اجتهد تغوّرا للنفس واستبارا لخفاياها، او نزولاً إلى أصقاعها لمعانية أو لمكاشفة صراعاتها الداخلية.
كما أنه لن يجد تصويراً داخلياً للانفعالات والعواطف الشخصية أو التصريح بها وإزالة الغشاوة عنها، إنما القراءة المتأنية تجعل القارئ- المتلقي يتجول على السطح ويعاين الامور من الخارج، وهذا ما يدفعه إلى التصور وإطلاق العنان والترحال الخيالي الذي من يستمد الكتاب عنوان.
الكتاب موّجه إلى القارئ اليهودي، ويهدف سوميخ من وراء ذلك إلى إطلاع الجيل الجهيد والاجيال اللاحقة على المشاكل والتحديات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية التي واجهت اليهود الشرقيين وهو واحد منهم، الذين قدموا من الدول العربية الى اسرائيل مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وكيف استطاع هؤلاء رغم العوائق بناء شخصياتهم وبناء حياتهم وانخراطهم فيما بعد في الدولة. ولكن "سوميخ" وهو يسبر غور هذه القضايا على تشظياتها لا تبارحه صرامته الاكاديمية، فأسلوبه هنا يمازج بين الاسلوب الجدي الصارم وبين الترقق، كما أنه لا ينجر وراء عواطفه الشخصية، بل يظل يتنقل بين حدث وآخر وبين شخصية وأخرى ضمن إطار الحدث والشخصية البراني ونادرا ما يغوص في الجواني.

أنفاس" توجد بداهة في التلقي لا تؤثر فيها المعرفة التأملية ,
 فقد بقيت الأرض ساكنة حتى حين علمنا أنها تدور!
جان كوهن

القول بانتفاء بوصلة فكرية توجه الخطاب الشعري قول تتضح تجلياته بشكل أكثر إزعاجا في اللحظة الراهنة , هل يؤمن المتلقي بالإضافات النوعية التي حققها المنجز الشعري الحداثي؟ و هل افلح الشاعر في اجتذاب قارئه صوب رؤى و آفاق مغايرة للسائد و المألوف ؟
تتوزع ملامح الجواب عبر مظاهر و سلوكيات و مواقف يحبل بها المشهد الإبداعي .هل نذكر مثلا سوء تأويل المبدع الشاب للحرية التي أصبحت عنده رديفة للفوضى و ارتخاص القول الشعري ؟ أم نذكر الاجتهاد النقدي في مجاراة الإسفاف و تبرير الغموض بغموض اشق منه ؟
وحدها الأزمات تهز البناء القلق , لذا حين تنشط  ذاكرة المتلقي بحثا عن تفاعل أو تعليل فإنها تحرص دوما على استدعاء أصوات شعرية تمكنت باقتدار من الجمع بين الحسنيين : الانحياز للعالم , واستحضار اللحظة التاريخية . و كلما أوغلت الحداثة في التجريب وممارسة طقوسها بمنأى عن ضوضاء المرحلة كلما اكتسبت الردة شرعيتها .
حين حوصر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بمقره في رام الله تجند الإعلام العربي من محيطه إلى خليجه لتوحيد الرفض الشعبي و استنهاض ما تبقى من همم مسخرا لذلك كل وسائل التحريض و تسخين الشعور لكن الملفت للنظر هو الحضور القوي لصوتين شعريين غطى فعل المقاومة حيزا مهما من تجربتهما الابداعية , وارتبط اسمهما بالنشيد الملحمي الفلسطيني حد المماهاة , إذ تنافست المحطات الإذاعية  على اختتام وصلاتها الإخبارية بمقتطفات من شعر سميح القاسم و محمود درويش , بل إن يوميات مغربية عمدت , في سابقة من نوعها , إلى تخصيص عدد بأكمله لنشر قصائدهما .  

أنفاسعصفوران عاشقان
مازالا يبحثان عن عش
لم يجداه…
طارا في السماء بعيدا بعيدا
وجدا يد الله ممدودة…

  للشعر دور كبير في تشكيل الهوية الحضارية لأمتنا العربية على مر العصور، القديمة والحديثة، وليس أدل على أهمية الشِعر في تاريخنا العربي من وصف أمتنا بأنها أمة شعر. وما ظهر من تصنيفات عدة حسب الغرض الشعرى أمدنا بتسمية أعتقد أنها ملازمة لشعرنا العربى قديما وحديثا ، وليست مستحدثة ، وهو ما يصنف على أنه شعر المقاومة ، وليس شعر الانتفاضة ، فشعر المقاومة أكثر شمولية من شعر الانتفاضة كون الأخير أحد المفردات الهامة للمقاومة ، فكيف لا يكون الشاعر مقاوما ، وقد نذر حياته للشعر وللوطن ، ومن هنا يستطيع الباحث أن يدخل إلى شعر منير مزيد من تلك الأيديولوجية الفكرية ، فهو العاشق للمكان / الوطن ، والوطن عاشق له ، كلاهما يبحثان عن بعضهما ، وكأن كلا منهما وطن للآخر ، ولأن المسافة بعيدة بينهما ، طارا فى السماء ، لتتعانق روحيهما ، متعلقتان بالأمل ، لأن يد الله ممدودة ،هى إذن قضية الوطن المستلب ، قضية القضايا ، ينزف خلالها الشاعر همومه وهموم وطنه ، ولأن دارس الأدب قارئ في المقام الأول ! والقراءة تحتم عليه إقامة الفهم، وضبط نتائجه. وقد تقاس القراءة الحقة بهذه السعة، لا فيما تحشد من معلومات في حصادها،

أنفاسجرت العادة أن يأتي المبدع شاعرا يركب صهوة الشعر، كتعبير فني، يتغنى فيه بأناه وأحلامها فمغامراتها وفورانها وتطلعاتها. مادامت أولى الكلمات التي نطقها الإنسان شعرا وسجعا؛ على اعتبار أن الشعر مرتبط، دوما بالحب الأول وبالعاطفة الصادقة وبالأحاسيس المتدفقة من قلب مشبع بالشباب ومترع  بالحياة ومستعد ليحلق في عوالم ملؤها النقاء والبراءة، على أن يعرج الشاعر على أشكال تعبيرية أخرى، بعدما يكون قد تزود من الحياة وعبر التجربة بألوان مختلفة من التجارب، تكون الأيام قد عركته وسقته من قسوتها، فيختار إذاك مجال الحكي، كلون يمكن صاحبه من الشرح والزيادة.. والنماذج على ذلك كثيرة:نجيب محفوظ كتب الشعر قبل أن يلج عالم الرواية، وكذا الأمر مع كل من: "جبرا إبراهيم جبرا"، "غبريال غارسيا ماركوز"، "ميلان كونديرا" ...
إلا أن الأستاذ أحمد زيادي شد عن هذه القاعدة، وإن كنت أخمن أنه كتب الشعر في مرحلة متقدمة من مساره الأدبي على غرار من سلف، ولكن أن يعود للشعر بعدما أرسى قدميه في دنيا القصة، بنصوص بديعة  حوت مجامعه: "وجه في المرايا" "خرائط بلا بحر" "ولائم البحر" "الكلمات" "شاهد من حرب البسوس" "شظايا" هذا ما يدعو للسؤال : أهو الحنين للبراءة والحب الأول أم هي حنكة القصاص ودربة الأيام أراد أن يعيد إخراجها في قالب جديد، قالب شعري، ولكن ليس بالضرورة الشعر الأول؟ ومع ذلك فإننا لا نستسيغ أن يفضل الأستاذ أحمد زيادي أن ينعت بصفة يلازمها الطرد منذ اليونان، مادام أفلاطون قد طرد الشعراء من جمهوريته، على الركون في خدر السرد الأثير وحكاياه أو بمعنى آخر ما الدافع إلى هذا الانتقال المعكوس؟ يمكن أن نقبل بهذا عندما يكون المبدع، وخلال مساره الفني، قد أبدع في شكلين تعبيريين أو أكثر، كما هو الحال مع أحمد المديني على سبيل المثال، إذ كان يكتب القصة والشعر والرواية؛ لذلك إذا ما غلب لون أدبي عن باقي إنتاجاته، في فترة زمنية معينة لن يثير أي تساءل، وإن كان، في واقع الأمر، أن للمبدع الحق في اختيار أي لون أو جنس أدبي يستهويه ليعبر من خلاله عما يريد، ويبدي من وراءه وجهة نظره للعالم. ومع ذلك فإن عودة القصاص / الشاعر غير العودة التي يمكن أن يركن إليها أي مبدع آخر.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة