أنفاستعتبر المجموعة القصصية " ذكريات من منفى سحيق " باكورة أعمال القاص المغـربي صخر المهيف ، وهو من مواليد 1971 بتازة ، بدأ النشر مبكـرا منذ سنة 1995 بالعديد من الأسبوعيات و الجرائد و المواقع و المجلات العربية و الوطنية ، يعمل أستاذ التعليم الابتدائي و فاعل جمعوي و منشط بالمطعم الثقافي الأندلسي بأصيلة . يهتم بمجالات أدبية متنوعة : المقالة ، المسرح ، الشعر و القصة و الرواية .
و المجموعة صدرت عن دار الوطن للصحافة و النشر سنة 2007 ، يتصدر الصفحة الأولى من غلاف المجموعة لوحة تشكيلية للفنان محمد واكريم أما الصفحة الرابعة من الكتاب فتتضمن ورقة تعريف بالكاتب .
تضم المجموعة القصصية ثمانية نصوص ، كما يشكل عنوان أحـدها عتبة للمجموعة ككل .
وسوف نحاول يناولها بالقراءة والتحليل في محاولة  للبحث عن أهم الأفكار التي روجتها وذلك بتعقب مختلف الخيوط التي تمكننا من الإجابة عن "سؤال الكتابة " عند القاص صخر المهيف .
وقد توزعت النصوص بين الواقعية والإجتماعية  والسير ذاتية...
يقول القاص على لسان سارده في  نص " عودة من منفى سحيق" عبارة عن سيرة ذاتية و قد عبر عنه بقوله " لم يكن مقيتا أن أكتب جزءا من تاريخ ذاكرتي المحترقة على الرغم من المعانات التي تكبدتها في سبيل شنق ذاكرتي و هي تبوح ببعض التفاصيل المملة عن مجرى حياتي السابقة " صفحة 22 .  
و هذا النص كتب بمرارة و حرقة و بانتقاد كبير للواقع الاجتماعي المزري الذي عاشه كرجل تعليم في بداية مشواره المهني . و إن كان النص يقدم لنا صورة مصغرة لشخصين أو مجموعة أشخاص فقد فتح أعيننا على واقع بانورامي حول أوضاع رجال و نساء التعليم بصفة عامة مبرزا معانات جيل بأكمله في مناطق نائية جدا لا تتوفر فيها الشروط الأدنى للحياة ، وغم هذا العائق حاول السارد التكيف مع الوسط الجديد يقول  " تأقلمت بسرعة مع أجواء المنفى القاسية ، فصنعت عالما خاصا بي ، كان عالما جميلا " صفحة 24 .و لم يكن فقط جميلا بل كان من نوع خاص و صعب الاقتحام على الغير يقول : " لم أسمح لأحد بولوجه لأنه كان عالما مغلقا... مستعصيا على الاقتحام "ص 24.

أنفاستقديم:
  تروم  هذه الدراسة الوقوف على ومع نص/ رواية "غريبة الحسين" لأحمد التوفيق، وهو من المبدعين المخضرمين؛ الذين يشتغلون في أكثر من حقل معرفي. لقد خطط الروائي لنفسه مسارا مغايرا عن سابقيه ممن اشتغلوا على الرواية؛ ذلك أن أغلب النصوص الروائية المغربية، نصوص سير ذاتية. من تمت اتجه الروائي ، ومن موقعه كمؤرخ، إلى التاريخ كمكون روائي. هذا مع الإشارة إلى وجود محاولات روائية مغربية تعاملت مع التاريخ كمكون. نورد  على سبيل الذكر نصي "عبد الكريم غلاب": "دفنا الماضي" و" المعلم علي" وروايتي "بنسالم حميش": " مجنون الحكم" و " العلامة"...غير أن تعامل "أحمد التوفيق" يبقى ذا نكهة خاصة، عملت مجموعة عوامل على بلورتها وتجليها في نصوصه الروائية، هي:
    - كون الرواية ، كجنس أدبي، أكثر الأجناس انفتاحا على مختلف الأجناس الأخرى وعلى كل المجالات والميادين، ومن تم يمكن استحضار كل المرجعيات وتوسيعها ومحاجاتها وربما دحضها؛
    -  كون التاريخ حاضر في كل الميادين ، علمية كانت أم أدبية؛
    -  كون الرواية فسحة فكرية.
تعتبر رواية " غريبة الحسين" العمل الرابع للأستاذ "أحمد التوفيق" بعد كلٍّ من رواية:  "السيل"، "جارات أبي موسى" و "شجيرة حناء وقمر".وهذه الأعمال مجملة يمكن إدراجها، في خانة الأعمال المُكَمِّلَة لما  لم تصل إليه يد "أحمد التوفيق" المؤرخ ولم تُسْعِفْه فيه حصافة المحقق الحاذق؛ إذ لا يخفى ما حضي به  الأستاذ التوفيق من مكانة علمية في مجالي البحث التاريخي و التحقيق. الأمر الذي يسمح بالقول إن كاتبا من هذا العيار لا يَكَلُّ من البحث عن الوسيلة التي تعطيه حظوظا أفر في  التعبير عن رأيه خارج إطار انشغالا ته الأكاديمية. مع الإشارة إلى أن هذا القول  لا يقلل من  قيمة ما قدمه الباحث من دراسات وبحوت وتحقيقات ، إذ يكفيه فخرا دراسته المتميزة  المعنونة بـ "المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (إينولتان) 1850 – 1912"،وتحقيقه لكتابي: "التشوف إلى رجال التصوف، ابن الزيات التادلي"، و"مواهب ذي الجلال في نوازل البلاد السائبة والجبال". إن التراكم الذي حققه " أحمد التوفيق" في مجال الكتابة الروائية، وفي ظرف وجيز يعطي الانطباع أن الرجل ذو باع طويل في حلبة الكتابة مما خول له القدرة على الإمساك بوسائل الصياغة الفنية وتمكنه من الأخذ بناصية فنون القول، فاشتغاله بالتاريخ صقل فيه الجانب الإبداعي؛ الشيء الذي جعله  يقيم مسافة بين التاريخي والروائي، فـ "أحمد التوفيق" يعلم أن التسجيل التاريخي ليس من مهام الروائي. قد يمتلك التسجيل التاريخي مقومات النص، ويتوفر أحيانا على التشويق والإيقاع، لكنه يظل تأريخا. أما العمل الروائي، فيقوم على سبر غور الوقائع مع الانتقاء. فإذا كانت مادة التاريخ عنصرا خارجيا فإن  المادة الروائية  تبقى عنصرا ذاتيا  تنبع من ذات الروائي ، وفي الآن ذاته  تعكس الخارج في تلابيب النص. وإذا كان "التاريخ وكتابة الرواية كلاهما فن قائم بذاته، إلا أن مهمة الروائي أشق". وما تواري "أحمد التوفيق" خلف الكتابة التاريخية إلا مجرد تَحَيُّنٍ للوقت المناسب حتى يخرج على الناس بهذه التحف المغربية الأصيلة، التي نصادفها من خلال الوصف، الحوار أو من خلال عملية انتقاء المناظر والمشاهد الروائية..

أذكرُ ذاتَ صباحٍ ربيعيِّ غائمٍ وماطرِ في مطالعِ أيَّار بعيدٍ قبل عشر سنوات كيف سافرت إلى مدينةِ الناصرةِ لشراءِ بضعة دواوين للشاعر السوري الكبير والمُختلفِ عليهِ نزار قبّاني , كان حينها قد رحلَ قبل أيامٍ معدودات , وكنتُ في شوقٍ لأقفَ على ماهيَّةِ وسرِّ هذا الشاعر المثير للجدل والإهتمام والإعجاب , خصوصاً وأنني لم أقرأه تلك القراءة الكافية العميقة الاَّ في نطاقٍ محدود كانت تتيحه مكتبة المدرسةِ أو منهاج التعليم أو الجرائد التي وصلت الى يدي آنذاك .
انتقيتُ أكثر من أهمَّ عشرة دواوين لنزار من بينها ديوانه الأوّل " قالت لي السمراء" الى جانب " الرسم بالكلمات" و"هل تسمعين صراخَ أحزاني " و"قصيدة بلقيس" وغيرها , وحاولت الغوص في شعريَّة واحدٍ من ألمعِ وأغزر وأمهر وأصفى الأصوات في قيثارة الشعر العربي لا في عصره الحديث بل في عصورهِ جميعها .
لا أظنُّ أن رحيل الشاعر كان محفزَّا لي لقراءتهِ وإستكشاف لمعان إبداعهِ الخفيَّ كالمحارِ والظاهرِ كالشمسِ في عليائها . بل الإختلاف عليه من طرف النقاد وكثرة الهمز واللمز فيه ولم يوارى جثمانه الغضُّ الثرى بعد .

أنفاسالشعر ُفنُّ العربية الأول، وأكثر فنون القول هيمنة على التاريخ الأدبي عند العرب مقارنة بالخطابة والنثر والسرد ولعل هذا ما عناه ابن عباس في مقولته الشهيرة " الشعر ديوان العرب"  للدلالة على أهمية الشعرعند العرب وتمجيد ما أبدعه الإنسان من الشعر، خاصة أنه حافظ لتاريخ العرب وأيامها وعلومها المختلفة ويُعدُّ وثيقة يمكن الاعتماد عليها في التعرُّف على أحوال العرب وبيئاتهم وثقافتهم وتاريخهم دون إخراجه من دائرة الفن إلى دائرة أخرى. 
 
    هذه المقولة كررها الكثير من النقاد القدماء وأكدوا سلطتها حين قالوا "((كان الشعر في الجاهلية ديوان علمهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون)) ابن سلام طبقات فحول الشعراء . ((الشعر معدن علم العرب، وسفر حكمتها، وديوان أخبارها، ومستودع أيامها )) ابن قتيبة، عيون الأخبار. ((الشعر ديوان العرب، وخزانة حكمتها، ومستنبط آدابها، ومستودع علومها)) العسكري، كتاب الصناعتين. ((الشعر ديوان العرب، به حفظت الأنساب، وعرفت المآثر، وتعلمت اللغة)) ابن فارس الصاحب.

   يتميز الشعر العربي عبرعصوره المتلاحقة بعلاقة الإبداع الشعري بالموسيقى من خلال الايقاع الشعري وبتكونه من مجموعة ابيات, كل بيت منها يتألف من مقطعين يدعى أولهما الصدر وثانيهما العجز وهذا النوع من البناء عرف بالشعر العمودي .
 
    كان الشعر العمودي هو الأساس المعتمد للتفريق بين الشعر والنثر بحيث يخضع في كتابته لقواعد الخليل بن أحمد الفراهيدي وهذه القواعد تدعى علم العروض. ويعرف علم العروض  بأنه علم بمعرفة أوزان الشعر العربي، أو هو علم أوزان الشعر الموافق أشعار العرب . مما حدا بالبعض فيما بعد لنظم العلوم المختلفة المستجدة في قوالب عمود الشعر، كألفية بن مالك وغيرها، وذلك استغلالا لما تألفه الأذن العربية من الإيقاع المنتظم ، مما يجعل تلك المنظومات أسهل للحفظ  والاسترجاع من الذاكرة ، ولكنها بذلك ، ولذلك بالتحديد، خرجت من دائرة الشعر إلى دائرة النظم ، أي إنها افتقدت الفاعلية الجمالية التي تميز الشعر عبر أدواته المختلفة،  التي لم يكن عمود الشعر إلا مظهراً من مظاهر الشكل الفني غير جوهرية وبهذا فقدت روح الشعر مع أن المعلقات قصائد عمودية نظمت بأوزان الشعر العربي دون ان تفقد روح الشعر وجمالياته الإبداعية بأبعاده الفنية والفلسفية والتي تعد أشهر ما كتبه العرب في الشعر ، وقد قيل أنها سميت معلقات لأنها كانت تعلق في أطراف الكعبة لشهرتها وكتبت بماء الذهب وقيل أيضا أنها معلقات لأنها مثل العقود النفيسة تعلق بالأذهان.

أنفاسالفن الروائي :
هل تعتبر الأشكال السردية الحكائية القديمة أنماطا روائية تراثية بمقياسنا العربي الأصيل، لا بمفاهيم الرواية الأوربية الحديثة ؟ هذا سؤال مؤجل ، إنما تجدر الإشارة إليه للتأكيد على أن السرد ليس غربي الجنسية بالضرورة، بل يمكن تلمس كثير من خصوصيات السرد المعاصر في خطابات الحكي العربي في العصر الوسيط خاصة ، سواء في الشرق أو في الغرب العربي.( كليلة ودمنة ، ألف ليلة وليلة، حي بن يقظان، ، ورسالة الغفران).
ولعل اختلال توازن العلاقة بين قوة وضعف، بين ريادة وتبعية ، على المستوى السياسي والاقتصادي والعلمي ، كانت وراء تنامي الإحساس بالانفصال عن التراث الأدبي والفني القديم ، بما يشكله من مصدر إبداعي و إشعاع ثقافي مرتبط بالهوية والذات ، ومعبر عن الرؤية للعالم والوجود، فحدثت القطيعة الإبداعية والانفصام على مستوى التخييل الحكائي والإبداع السردي.
إلا أن الرواية كفن أدبي ، ما زالت حتى في الغرب نفسه ، تثير خلافات حول تعريفها ، تطورت أكثر مع ظهور نظريات التجنيس الأدبي والتي وصل بعضها إلى إلغاء الحدود بين أشكال النثر الفني ، بل وبين النثري و الشعري أحيانا ، فعادت إلى الواجهة أبسط تعريفاتها ، والتي ظلت تعتبرها عملا أدبيا نثريا ، يستسيغ تقديم صورة دينامية للعلاقات الإنسانية المتشابكة داخل مجتمع ما ، في اتجاه تمثيل الواقع الحقيقي أو المتخيل ، عبر مرآة تفسر ذلك الواقع بقدر ما ترسم ملامح آفاقه ، بعد رصد مختلف مظاهره والنفاذ إلى الخفي من العوامل المتحكمة في وجوده ، بحثا عن الارتقاء بالصراع إلى مستوى التعبير عن حاجات وضرورات التواؤم والتناسب مع الذات والظروف ، من منظور المؤلف الروائي و رؤيته للعالم.
ثمة إجماع أولي على ربط البداية السردية باللغة العربية ، بأوائل القرن العشرين،  مع رواية" زينب" لمحمد حسين هيكل، ذلك أنها شكلت في بنيتها الفنية و المضمونية ، امتدادا للرواية التاريخية والرومانسية والواقعية ، كما قدمها الرواد من فلوبير و زولا و بلزاك و دويستفسكي.  قبل أن  تظهر أعمال قصصية وروائية، متأثرة بالرؤية الغربية للسرد ، ومنشغلة بتياراتها الفنية المرتبطة أساسا بتطور الوعي وتغير المجتمع الأوروبي أو الأمريكي، وما عرفه العالم من تحولات منذ الحرب العالمية الأولى .

أنفاسللعمل الشعري في رأي فايز خضور مدلول جدلي بين الحياة و الموت لأنه البديل الموضوعي للموت :
" الشعر بالنسبة لي ذو مدلول جدلي مرتكز على علاقة الحياة و الموت، و الموت بالحياة، و بصورة أدق بالنسبة لي البديل الموضوعي عن الموت انتحارا، و لذلك تراني مستمرا، و استمراري مستمد من عذابي في الحياة و الآخرين" 1.
هكذا يقدم فايز خضور نفسه كشاعر الموت الذي تنبثق منه الحياة كما ينبثق طائر الفينيق من رماده، و طائر الفينيق رمز تناوله الشاعر كثيرا في دواوينه الأولى، و وظفه توظيفا لخدمة فكرة محورية عنده : الموت و الحياة، الخصب و الجدب.
و قد قاده هذا الانشغال بالموت و الحياة على العبثية؛ و الإيمان بأن كل شيء باطل؛ و هذا ما يعلنه في قصيدة بعنوان : " ملحق لسفر الجامعة " :
تكبرين ؟ فاهمس في أذن الريح
يا امرأة -
باطل، باطل كل شيء
و قبض الرياح، كقبض النساء........!!"
و عبث فايز خضور عبث وجودي منبثق من ثنائية الموت و الحياة، و هو عنده قصدي كذلك، إذ أن الشاعر يعني عبثه و يعيه و يمارسه على ضوء العقل.
و العبثية كانت نتيجة مرارات الشاعر و خيباته المتلاحقة في تحقيق طموحاته،     و لقد عبرت هذه المرارة عن نفسها بقسوة و حرارة في ديوانه : " و يبدأ طقس المقابر ".
وفيما يتصل بالشعر وطبيعة علاقته بالجماهير، يوضح فايز خضور : " إن الجماهيرية كلمة ذات مفهوم مطاطي، و مدلولات كثيرة غائمة في معظم الأحيان و متباينة لدى معظم البلدان و الشعوب و العقائد و الأيديولوجيات فعندما قيل قديما :
 " الشعر ديوان العرب " كان هذا بديلا تقريبا لما نسميه الآن وزارة الأعلام و ملحقاتها، و وزارة الثقافة و تفريعاتها، و الآن ألا ترى معي أنه من الظلم أن نحمل الشعر هذه التبعة و نرهقه بهذا العبء ؟ فالشعر برأيي لم يخسر جمهوره الفعلي الكيفي،  و إن كان قد تقلص جمهوره الكمي هندما كان يشترك مع الخطابة في الإيصال، لأنك ترى الآن ما يسمى بجمهور المسرح و جمهور السينما ز الرياضة الخ... و هذه الجماهير كلها من تداخلها و تراكبها و بنسب متفاوتة تبقى لها استقلاليتها الذوقية من حيث إشباع ميولها اتجاه تلك الفنون، و في تضاعيف تلك الفنون و الميول لابد من حضور الصادق   و المحتال " 2.

أنفاسقبيل حلول السنة الميلادية الجديدة  بأسبوع واحد، رزئ الشعر العربي في رحيل هامة من هامات الشعراء الستينيين في سورية وهو لم يزل يطوي الحنايا حول سر الحلم، ويعد منزويا ما تجمع لديه من الجراح بعدما أتعبه الركض الذي لم يغنم منه سوى المعذرة، أليس هو من قال في قصيدة" الطاووس"
ركضت إليك كي ألهيك، كي لا تسألي الخيلا
لئلا تسمعي قول الذي شهد الوقيعة
أنني قد حضتها طفلا
وأن غنيمتي كانت بها ذلا
ومعذرة
أريدك أن تظلي الدهر جاهلة بما حلا
قفي... ولتقبلي ذلي
وفي أفيائه عيشي
لأني كنت طاووسا
وقد عريت من ريشي
لقد ترنح "طاووس الشعراء" بعدما عري من ريشة في عتمه من تغاضي العيون وهو يعاني من مضاعفات المرض اللعين، دون أن ييأس أو يصمت لأنه كان موقنا بأن فجائع عمره أكبر من أن يغلفها الصمت، فظل يسرق يومه وينابيع شعره تتدفق بعناد.
لقد ارتبط صوت ممدوح عدوان الشعري منذ أول ديوانه له، بقضايا الأمة العربية، بهزائمها وانتكاساتها، بآلامها ومواجعها. وقد كان لأثر هزيمة حزيران 1967، السبب المباشر في ظهور أول مجموعة شعرية له، وهي: "الظل الأخضر" ثم توالت بعدها دواوينه الشعرية، إلا أنها ارتبطت بسلسلة من القضايا القومية والوطنية والاجتماعية.
إن كينونة النص الشعري عند عدوان هنا تتحقق على وثر مشدود بين:
الإطار الذي ينطوي على الحقائق والروافد السابقة للنص.

أنفاسمنذ صدور الديوان الأخير للشاعر المبدع بنسالم الدمناتي إلى اليوم، لم أعثر فيما أتصفح من دراسات ومجلات وملاحق ثقافية لجرائدنا على ما يمكن أن ينصف هذا المبدع، أو يجلي الدور الطلائعي الذي نهض به من أجل إرساء معالم القصيدة المغربية الحديثة والمعاصرة.
وهذا لعمري جحود من طرف نقادنا لا أجد له من مبرر سوى آفة النسيان التي ألمح إليها الدمناتي في ديوانه: "واحة النسيان".
نعم، أنا أحترم مواقف الشاعر وقناعاته حين يفضل أن يبقى بمنآى عن الأضواء، معتكفا في محراب إبداعه متمسكا بخجل الناسك سابحا في مملكة الجن – على حد تعبيره في قصيدة: "مأدبة الأفعال".
إلا أن فضيلة الاعتراف بمن صنعوا مجد القصيدة المغربية الحديثة دين يجب أن يرد إلى أصحابه – وإن جاء بعد فوات الأوان-.
من هذا المنطلق أرى أن تكريم صاحب مأدبة الأفعال والذهب الشفاف واللهيب الأحمر، الشاعر الموهوب الذي اكتوى بأوجاع آلام الحطيئة وأحزان كامب ديفيد، إنما هو امتنان ووفاء لمن ظل معتكفا في محراب مملكة الشعر يمتح من وادي عبقر طيلة خمسة عقود من الزمن ويزيد.
إن تكريم المتمسك بخجل الناسك؛ إنما هو دين كان على أعناق أجيال فتقت وعيها على أسرار الكتابة الشعرية حين كان بنسالم الدمناتي معلمها وأستاذها ومرشدها ومربيها بثانوية: "النهضة" في الحاضرة الإسماعيلية، قبل أن يرحل عنها ناشدا رحمة الله في أرضه الواسعة.
ولا بأس إن جاء هذا التكريم متأخرا بعدما بلغت شمسه عرض الحائط. وهذه مناسبة لنا جميعا أيها الإخوة الحاضرون كي نسأل الباري عز وجل أن ينعم عليه بموفور الصحة والعافية حتى يبقى لنا منارة نهتدي بها في خضم هذا الزمن الجاحد الكبير.
إن تكريمك اليوم أيها المفتون بفوانيس الفصحى- بمناسبة حلول اليوم العالمي للشعر- إنما هو تكريم لمن أعلن فروض الغربة والتشرد في ملكوت البهاء.
ألست القائل في قصيدة: "مذكرة من غربة الحلاج":
غريب
قصتي حمراء.. يكتبها المدى
ويتيه في ركبانها الشفق
...
غريب ما أعاني في الفؤاد أراه في

مفضلات الشهر من القصص القصيرة