أنفاسسرير الأسرار الرواية المغربية الصادرة حديثا عن دار الآداب اللبنانية التي ودّعنا منذ أيّام صاحبها الألمعي الذي لا تعوّض خسارته،  الأديب الكبير سهيل إدريس، تحدث وقعا سحريا عجيبا في المشهد القرائي للنّصّ الروائي العربي المعاصر. والحقّ أني سمعت عن الرواية عبر الخبر المتسرّب  قبل أن تصلني أخيرا  وأخبر فحواها . فقد شاع الحديث في النوادي عن ميلاد روائي تطواني جديد ينضمّ إلى لائحة  المبدعين الذين شقّوا الطريق  لإغناء أنطلوجيا الكتابة السّردية  التي  يزدان بها المشهد  الثقافي لهذه المدينة المغربية الموسومة  بفيض  الحضارة وعبق التاريخ . هذا الّرّوائي، وصاحب هذا  العمل، هو كاتب  قادم  من الهامش بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معان ودلالات . هامش  الانتماء للحارة  و النشأة في أحضانها ، وهامش  الانتساب الوظيفي إلى  حقل مغاير للمسار الثقافي الأساسي الذي رسمه التكوين العلمي والثقافي للمبدع باعتباره خرّيج معاهد الدراسات  الأدبية  والقانونيّة . علما بأنّ   المجال الذي عوّدنا  على جديد الإبداع القصصي والرّوائي  في هذه المدينة ،هو مجال الممارسة في حقل التربية والتعليم الذي أنجب  أسماء لامعة من قبيل محمد أنقار وأحمد المخلوفي وخالد أقلعي ومحمد برحو، وغيرهم ممن لا زالوا يسعون إلى إثراء مجال الحكي وينهلون من كنوز المدينة  الحضارية وألوانها الثقافية،  ويستلهمون نماذجها  البشرية سليلة العوالم السحرية.
أمّا الأستاذ البشير الدامون مبدع  " سرير الأسرار" فهو موظّف  بقطاع البريد والاتصالات  ،وهو المجال  الذي يحتكم إلى تقنية التسيير والتدبير أكثر مما يرتهن إلى كفايات اللغة وتشغيل قدرات الكلام. بيد أنّ هذا الرّوائي الواعد أبى إلاّ أن يمنحنا المتعة التي طالما افتقدناها كقرّاء للأدب  ، متعة القراءة لمحكيات جذورها متأصلة في تربة الواقع العياني المحلّي المحدود،  ولكن فروعها تمتدّ  عبر أعماق الوجدان  الكوني الصّادق الذي  يستمدّ ألقه وصفاءه من بساطة  الكائن المهمّش  الذي يكتوي بنار القهر ومعاناة الغبن من جرّاء سوء تدبير القيم.
إنّها حقّّا متعة المفاجأة  باستقبال مولود إبداعي  جديد تشكّل عبر مواثيق ضّمنية بين كاتب متحرّر من ضغط الرّقيب الذي  يحصي الأنفاس ، ومتلقّ ملّ من قراءة الاجترار والتّسطيح والتعتيم،  ويطمح إلى الجديد المشرق الطّالع من بقايا الرّماد.
سرير الأسرار عمل روائي شيّد معماره  من خلال ركوب مغامرة الكتابة الواقعية التي تقتضي البوح والكشف عن  العلامات المختزلة  للسّنن الاجتماعي ، واختبار اللغة القياسية ثمّ إعادة  إنتاجها وفق أنساق اللغة التعبيرية التي  تلامس الجوهر الإنساني وتطبعه بصدق الشعور.

أنفاستقديم‏ :
تحاول هذه الدراسة أن تحدد من جهة أهم العلاقات الاختلافية والاتفاقية بين الكتابة التاريخية والكتابة الروائية عامة، وكتابة الرواية التاريخية خاصة؛ ومن جهة ثانية، أن تقترح نمذجة عامة تهدف إلى تأطير جميع الروايات التاريخية انطلاقاً من أشكال تمثل كتابها للسؤال الراهن المحفز للذهاب إلى مرحلة تاريخية بعينها، أو إلى شخصية تاريخية دون غيرها. ويؤشر هذا الاختيار على تمثل مخصوص للواقع الراهن من قبل الكاتب. وقد حاولنا وضع تلك النمذجة انطلاقاً من سيميائيات بورس التداولية(1)، التي تقسم الأدلة بحسب انتمائها إلى إحدى المقولات الظاهراتية الثلاث، وهي أولاً مقولة الممكن، وتضم الأدلة التي تكون موضعاتها الدينامية أيقونات، أي أن موضوعاتها تتجسد في أدلة أخرى تربطها بها علاقات نوعية قائمة على المشابهة كما هو الحال في الاستعارة وما شاكلها، وتتسم هذه الموضوعات الدينامية بأنها محتملة وممكنة وحسب. وثانياً مقولة الوجود، وتضم الأدلة التي تكون موضوعاتها الدينامية مؤشرات وجودية ترتبط بالدليل عن طريق المجاورة. ويميز داخل هذه المقولة بين الأدلة الإشارية التي لا تقوم إلا بالتأشير على رمزها المجرد، وبين المؤشرات التي تجسد المعنى الحقيقي للمجاورة التي تضم الأشكال البلاغية الكلاسية المعروفة مثل المجاز بأنواعه والكناية وما شاكلهما. وثالثاً مقولة الضرورة، وهي مقولة مجردة مسؤولة عن الوساطة بين الأدلة ومؤولاتها المجردة التي لا تحين وجودياً إلا في شكل نسخ، فتغدو تبعاً لطبيعة التمثيل، أيقونات أو إشارات أو مؤشرات. وبناء على هذه الخلفية النظرية أمكننا إدراج جميع نصوص الروايات التاريخية في الخانات الثلاث المنطقية، تبعاً لشكل تمثل الكاتب للواقع وشكل تمثله للتاريخ الذي يقتطع منه ما يناسب التعبير عن سؤاله، وتبعاً للفرضية القائلة إن العودة إلى التاريخ هي منطقياً عودة لتقديم إجابة عن سؤال راهن.‏
تتلاءم هذه الخانات المنطقية أولاً مع الطاقة الإنتاجية الأيقونية، التي تتحقق إما عن طريق كون الأحداث التاريخية المشكلة لمادة الرواية مشابهة ـ من حيث النوعيات ـ للراهن المحفز لسؤال الكتابة،وإما نتيجة كون الإجابة التي تتضمنها تلك المرحلة مشابهة للإجابة التي يوجهها الكاتب للسؤال الراهن المحايث لفعل الكتابة. ومثالها روايات نجيب محفوظ التاريخية والعائش في الحقيقة والزيني بركات لجمال الغيطاني وما شاكلها.. وتتلاءم ثانياً مع الطاقة الإنتاجية التأشيرية التي تتحقق حين تكون العلاقة بين المضمون الحدثي للرواية التاريخية ومرجعه التاريخي الفعلي متطابقة تقريباً، ويكون السؤال الراهن في علاقته مع المادة التاريخية انفعالياً وحسب، يتصل بالتمجيد أو التنقيص أو الاستحضار... ومثاله روايات جورجي زيدان وما شاكلها.. وتتلاءم ثالثاً مع الطاقة الإنتاجية المؤشرية، وهي التي تهم استحضار شخصية تاريخية من أجل الدلالة على قضية معقولة، لا تهم بالتحديد وضعاً محدداً، بل وضعاً إنسانياً عاماً ومثالها روايات أمين معلوف وما شاكلها..‏

أنفاس1
قال العتابي :
(البلاغة إظهار ما غمض من الحق، وتصوير الباطل في صورة الحق)
وذكر لنا الجاحظ عن أعرابي انه قال: (من التوقي ترك الإفراط في التوقي!)
 
2
ما من أديب منا- إلا وقد غطته التراكيب المتواشجة بالأساطير، والخزعبلات وأقصته بعيدا عن المعالم الحضرية المتناثرة على وجوه الحقيقة المريعة..                                                            
كلما تصورنا ان نواجه الكلمات الأكثر سلطة من الصمت، الأكثر حيوية من النص، إلا وغرقنا في تفاصيل موقودة بالمحرم، بالممنوع..
 لكم تصورنا ان عالم الكلمة اليوم وغدا سيكون من قاعدة ثابتة.. ضمن ما يكون التحديث العصري المواكب لانزياح المعلومة الغيبيّة بمعلومة ذات أصل، وكيان!
لكننا لم نـر سوى انكسار آخر ضمن المعنى. انكسار لم يعني الانحراف عن القصد، فحسب. قد يؤلف معنى جديدا/ يكتسب ثباتا آخر.
كيف تثبت تلك الحيثيات بين المعاني وتخرج صارخة بوجه المتلقي العارف/ العليم.. صماء اكثر عفوية وأوغل معنى…؟
ان ذلك الصدق المعنون، المسمى لا يكون إلا احترافا قدريا يكتبه المرء دون ان يستند على دوغماجية بالية أكلتها العثة.. دون ان يتحرر من الفراغات العفوية بين العهد القديم/ الجديد، والهفوات الجوفية غير المقنعة.. اقتدارا تكون الكلمات المستندة على معرفية عريضة، فمن أين يأتي بكل تلك الإرادة صانعها، وناحتها بأبشع الأزاميل الطاهرة…
    نكون في لحظة عفوية قد امسكنا المعنى المفترض بين التلافيف، نكون قد صادرنا الاعتباطي الغيبي المجوف، واللا توجه فنقف حائرين ضائعين بين حدود النص في الذهن، وبين إدراك مغزاه على امتداد المقصود..
 ما نكتبه الآن يصبح بعد حين، بعد جفاف الحبر شيئا باليا، رغبتنا بالتمزيق اكبر من رغبتنا بان يبقى، وان يقرا.. وما ان يقرأ بعد حين يكون ثاويا في مجد الذهن يطاردنا ككابوس متسلط متنفذ على آلية ما نكون به، ومازوشيا على حيوية ما نعرف…
ان الكتابة قد تطوف حروفا متناثرة بين جزئيات الكتاب، مؤثرين ان نجمع الدم، والموقف فلا نحيد عن عزمنا اللبيب إلا بالكتابة المتفجرة كالدم الخارج نزفا من جرح عميق..

أنفاسيقول انطون تشيكوف أحد ألمع آبائها الروحيين بأن القصة القصيرة كذبة متفق عليها ضمنيا بين القاص/الكاتب والمتلقي/القارئ، لكن هذه الكذبة ليست من نوع الأكاذيب العادية التي تعرفها الحياة اليومية، ويتقن الجميع إبداعها وحبكها، بل هي كذبة يضاهي صدقها وسموها ربما الحقيقة ذاتها، باعتبار أن الفن الذي هو لحمتها هو التجسيد الأسمى للحقيقة، والرئة التي بها تتنفس، كلما تكاثف الزيف والكذب والخداع، حيث يؤكد تشيكوف على ان الفن لا يطيق الكذب،وان الانسان يستطيع ان يكذب في الحب والسياسة والطب وان يخدع الناس كلما أراد، الا انه لا يستطيع أن يلجأ الى الخداع في الفن.
وقد أكد نفس الكلام أحد النقاد الانجليز حين قال بان الحقيقة شقيقتها الكبرى الحكاية.
ان الكذبة/الحكاية التي تسمى اصطلاحا القصة القصيرة تحولت من كونها "مصنعا للأكاذيب" الى كونها "مصنعا للحقائق" وأصبحت كما يقول "نجيب العوفي" احدى أهم نوابض عصرنا واحدى اكثر ظواهرنا الثقافية شفافية وحساسية، وذلك منذ أن وضع لها "ادكار الان بو" القواعد النظرية الأولى كجنس أدبي يساوق ويسابق اعرق الأجناس الأدبية وأرقاها، وفي العالم العربي اصبحت القصة القصيرة ومنذ بداية هذا القرن، آية على التململ الوطني/القومي وعلى السيرورة الاجتماعية التاريخية، ومؤشرا ثقافيا بالغ الدلالة على ما يسمى "النهضة" او "المعاصرة" او "الحداثة".
هكذا اصبحت هذه الكذبة الفنية الصغيرة كما يوضح الأستاذ العوفي أداة لهتك الأكاذيب الكبيرة التي تخنق الضمير،وتعرية هذا السكوت عنه الذي هو الحقيقة.
يقول القاص والروائي المغربي "محمد زفزاف" عندما يفقد القاص الصلة بينه وبين ما حوله يشعر أنه منفي ويتحول انطباعه من مجرد انطباع الى موقف من العالم، لذلك كانت القصة العربية هي في أغلبها قصة مثقفين، لا قصة مليون عربي.

أنفاسطرق ومسافات الحياة تعمرها نفوس البشر، ووحي الشعر يلعب دورا كبير في سرد أدق الخبايا المعاشة، حوائط وأبنية تتحرك داخلها ملامح إنسانية، قد تكون معذبة، قد تكون سعيدة، قد تكون باحثة عن وجودها، الشعر عند الإنسان المبدع حين تقع رؤياهُ على جناح فراشة منكسر، أو أشعة شمس مخترقة ثقوب صغيرة، تراوده لغة التعبير شعورياً، تخيلاً وانفعالاً، خارجاً من زمن داخلاً خمر الإبداع  وما يصادفه من جمالية المفاهيم، مؤكداً استدعاء فكره الموحي، لما يمر أمام عدسة مشاهداته اليومية، منقباً في حركة الشعور لديه، حذراً في تبنيه القيمة الفنية لكل خوالج يومه يعمل على إيقاظ ما تهالك من جوانب الحياة، فيلجأ(للمرأة) السيمفونية التي لم تكتب بعد، بدأ بكتابتها الشاعرة: نجاة الزباير والشاعر إبراهيم عبد الفتاح سعد الدين.
الشاعرة نجاة الزبايري، المغرب/ تغوص في فلسفة النفس والتجربة في بحثها عن نشاط هذه الطبيعة ومداها الذي يختال أوصال أحاسيسها، وحالات التحول بين متاهة الانسجام والصراع لمفردات تفكيرها القائم في خلق ما تريد أن تتهيأ له، وما وجدت عليه آباءها الأولين، في قصيدتيها(قصيدة كسرتها أوزان الهوى) وقصيدة (حقائب قصيدة هاربة).
نجدها تشحن فكرها في معانات المرأة.
( قصيدة كسرتها أوزان الهوى) لم تسلم المرأة من رشق الهوى حين يسير في دروب حياتها، كتبت تصف السنين التي مرت بها بالليالي، والليل ما أقسى سواده حين يمر الإنسان بعذابات تقوده لمعرفة نفسه،  فتحدثنا عن سبع ليالي عمرت سنين عمرها كأنثى، "الليلة الأولى" لم تدرك بعد أوهام عواطفها المتأججة في لحظات سحبت منها، بقولها:
الليلة الأولى
صبية كنت...
بضفيرة تجر وهم الطفولة
استقبلتني أحلام المدينة
مثل بابل تُقَطَعُ أوصالها
روت لي هذيان الصباح
واستسلمت لهدير الوقت

أنفاسكان رفضه قوياً ولا يقبل المناقشة. كان يرفض بكل إصرار بعد حصوله على جائزة نوبل 1988 جمع مقالاته الفلسفية المبكرة في كتاب موحّد. وتعود وجهة نظره في هذا الرفض. إلى أنه قد كتب هذه المقالات في مطلع شبابه وقبل دخوله عالم الإبداع الروائي. وقد برز إلى الوجود كتّاب متخصصون في الفلسفة، لابدَّ أنهم تجاوزوا هذه الاجتهادات المبكّرة التي لا تعدو تكون اجتهادات الهواة. خاصة بعد نشر اجتهادات زكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا، وعثمان أمين. هذا بالإضافة إلى أنه كثيراً ما كان يبدي دهشته عندما تُذكر له عناوين هذه المقالات...‏
مقالات نجيب محفوظ هذه ذات الطابع الفلسفي. والتي صدرت بين دفتي كتاب "حول الأدب والفلسفة". يعود الفضل في إصدار هذا الكتاب إلى الناقد والأديب عبد المحسن طه بدر الذي جمع هذه المقالات وأعدّها خلال تأليف كتابه "نجيب محفوظ الرؤية والأداء" ودفعها للناشر محمد رشاد متعاوناً في ذلك مع كل من فتح العشري ومحمد سلماوي.. إلاَّ أن نجيب محفوظ ظل غير راضٍ عن صدور هذا الكتاب، وظلّت لديه تحفظّات غير معلنة عليه، خاصة أثناء حياة معدِّه عبد المحسن طه بدر، والذي دفع به إلى السوق الأدبية كجزء أول من مشروع أدبي كبير. إلا أن القدر لم يمهله لكي يكمله.‏
من المعروف أن نجيب محفوظ درس الفلسفة في كلية آداب جامعة القاهرة. وكان دائماً يردّد: "إن دراسة الفلسفة أثّرت كثيراً في تكويني الفكري والأدبي وفي تربيتي عموماً. وقد اهتممت برؤى الفلاسفة المتعددة للعالم من دون أن أنتمي إلى واحدة من هذه الرؤى. ولكن على الرغم من ذلك فإنني لا أستطيع أن أنفي تأثري الشديد بديكارت وشوبنهور وسارتر وكامو.."...‏
هذا القول يدفعنا للتساؤل وملاحظة أن الفيلسوفين اللذين كان معنيّاً بدراستهما في ردهات الجامعة وفي مقالاته المبكّرة وهما أرسطو وأفلاطون. يغفل ذكرهما ضمن الأسماء السابقة التي أشار إليها.‏
الكتاب موضوع البحث "حول الأدب والفلسفة" والذي أعدّه الناقد عبد المحسن طه بدر والأديب فتحي العشري، يضم إحدى وعشرين مقالة. بدءاً من مقالة "احتضار معتقدات وتولّد معتقدات" وقد كتبها محفوظ عام 1930 وهو في التاسعة عشرة من عمره، وانتهاءً بمقالة "رسالة مفتوحة إلى سيد قطب" وهي مقالة تدور حول كتاب سيد قطب "التصوير الفني في القرآن الكريم". وكان نجيب محفوظ آنذاك في الرابعة والثلاثين من العمر...‏

أنفاستعريف المذهب :
المذهب: هو مجموعة من المبادئ و الأفكار المتجانسة في مجال من مجالات الحياة الدينية؛ أو الفكرية؛ أو الأخلاقية؛ أو الاقتصادية؛ أو الفنية تؤمن بها فئة من الأتباع وتقيم حياتها على أسسها  وتعمل على نشرها والتبشير بها.
-    الكلاسيكية   Classicisme
والكلاسيكية في معناها اللغوي مشتقة من الكلمة اللاتينية : "كلاسيس Classis، وتطلق في الأصل على مجموعة من السفن الحربية أو التجارية،أي : "وحدة في الأسطول" ، كما تطلق ـ أيضاً ـ على: "الفصل الدراسي"،
واصطلاحا: مذهب أدبي يطلق على الأعمال الفنية والأدبية المطابقة للقواعد والقيم والعادات و التقاليد و الأعراف المتوارثة التي اكتسبت قدرا من القداسة والاحترام.
و التي تتخذ من الأعمال الفنية القديمة الإغريقية- اللاتينية القديمة أصولا و نماذج تحاكيها وتنسج على منوالها في التزام الموضوعية والدقة والصرامة واحترام النظام والتناسق واستعمال اللغة الارستقراطية الراقية.
-    نشأة المذهب الكلاسيكي:
تأسس المذهب الكلاسيكي في فرنسا واتضحت معالمه خلال السنوات 1660-1680م والقرن الموالي الذي عرف بالمرحلة الكلاسيكية. وذلك بعد نزوح علماء بيزنطة وأدبائها إلى الغرب نتيجة لسقوط القسطنطينية بيد العثمانيين، حاملين معهم المخطوطات الإغريقية واللاتينية القديمة، عاملين على نشرها ودراستها، واستنباط خصائصها وقواعدها التي أكسبتها الخلود والبقاء، مستضيئين في ذلك بكتابي أرسطو المشهورين: "الخطابة" و"الشعر"، وبقصيدة  هوراس الشاعر الروماني الطويلة المسماة: "فن الشعر".
وتحددت قواعده على يد الأديب الفرنسي نيكولا بوالو Nicolas Boileau  (1638-1711)  في كتابه "فن الشعر"
 Poétique" l'art " الذي نشره سنة 1874م. ومن أهم خصائص المذهب الكلاسيكي:
1-محاكاة الأعمال الفنية الإغريقية- اللاتينية القديمة باعتبارها أصولا تحتذى وتتبع .
2-تقديس العقل والمنطق والموضوعية؛ والتزام القواعد الأخلاقية والمقاييس الفنية الموروثة وعدم الخروج عنها؛ لأن كل عمل فني خلا من العقلانية والمنطق افتقد بالضرورة مبررات وجوده.

أنفاسارتبط المبدع العربي - منذ القدم - بالمكان ارتباطا وجدانيا ، وهذا ما تجلى ، بشكل واضح، في استهلال الشعراء القدامى معلقاتهم بالبكاء على الأطلال و التغني بالأحبة الراحلين . ربما يتبادر إلى الذهن سؤال عن أسباب الرحيل ، الهجرة ، الانتقال الجغرافي .. بيد أن كل الأجوبة لا تعنينا في شيء ، لأن لا علاقة لهذه السطور بها .. لكننا لا ننكر إسهامات أمين الريحاني وابن بطوطة وغيرهما في ما يعرف ب:(أدب الرحلات .( هذا الجنس الأدبي الذي سيشهد طفرة نوعية - بطريقة أو بأخرى- عند كتابنا العرب ، فأغنوا المكتبة العربية ب"روايات/سيرذاتية حضارية" ، أمثال : توفيق الحكيم (عصفور من الشرق) ، طه حسن (الأيام) ، يحيى حقي (قنديل أم هاشم) ، الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال) ، عبدالله العروي(أوراق) ، سهيل إدريس (الحي اللاتيني) ، بهاء طاهر (بالأمس حلمت بك) ، عبدالرحمن منيف (شرق المتوسط) ، حسونة المصباحي (الآخرون) .
و بعيدا عن الأسلوب السياحي المنبهر ، جسد هؤلاء الكتاب - بصدق - ثنائية الشرق والغرب ، تلك العلاقة الجدلية بين الأنا والآخر.. وقد هاجر معظمهم إلى أوربا من أجل متابعة دراساتهم العليا ، باستثناء بطلي روايتي عبدالرحمن منيف و حسونة المصباحي ، الهاربين من القمع السياسي وجور الأنظمة الحاكمة وبطشها ، وإن كانت رواية (الآخرون) يمكن أن تصنف ضمن " أدب المنفى " ، وكذلك بطل( بالأمس حلمت بك ) الذي هاجر بحثا عن فرصة عمل أفضل .. حسب تخميننا المتواضع لأن بهاء طاهر تجاهل هذه النقطة بالذات .
المدهش في هذه النصوص السالفة الذكر أنها " تؤثث حضاريا تمازج الشرق بالغرب من خلال تمازج الأنوثة بالرجولة " بتعبير الناقد الدكتور جميل حمداوي .. لقد تطرقت إلى العلاقة الملتبسة بين الرجل الشرقي الذي يرمز إلى الفحولة ، ودفء الشرق وسحره ، المثقل بعاداته وحرمانه وتوقه إلى الحرية .. و المرأة الغربية الشبقة المعطاء ، المتحررة ، المثقفة ... دون أن تغفل معظم هذه النصوص فضح تلك النظرة الدونية للغرب إلى العرب !!
لكن معظم تلك العلاقات الغرامية انتهت بالفشل والإخفاق .. لوجود مركب نقص ، إذ لم يكن أمام العربي المثقل بخيباته وصدمته غير إثبات أناه العنترية المنكسرة بالفتوحات الجنسية ، كما جسدها أبطال ( الحي اللاتيني، موسم الهجرة إلى الشمال، الآخرون ) في المقابل نجد بهاء طاهر يجعل بطل (بالأمس حلمت بك ) يرفض عرض الآنسة "آن ماري" الجنسي وهما على حافة الفراش .. لأنه يكتب نصا عذبا ، يطفح بالقلق النفسي والتوق إلى الخلاص والصفاء الداخلي ...
" قالت لي : وذلك الكتاب ذو الغلاف المزخرف ، ماهو؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة