فالسفر مع اللغة وبها يعادل إذن عند الشاعر تذوق الوصل، وهذا التذوق مرتبط بما تحمله أمكنة السفر من دلالات ورموز.
ومن ثم يتجلى الدور الذي تضطلع به الطبيعة في عالم عبد الكريم الناعم الشعري، إنه ابن الطبيعة البار الذي افترش العشب ليكتب على "جذوع الشجر القاسي"، ويحدث الرياح والتراب والمدى، ويحلم بجناح الريح ليحلق عاليا فوق البحار والأودية والأشجار، ويتطلع إلى صبر التراب، ورسوخ النخيل الأسمر في البلاد المفضوضة، ويستصيغ السمع لحكايات الماء الطويلة وهو المترع بالفقر والأحزان في البلد النازف، إنه المسكون بذاكرة الخليج الدائري وبالجراح التي تفترش المدن الأثيمة في زمن الحصار. إنه "النهر الفراتي" المسافر في عذابات القفار ينتظر الأفق الذي لا يأتي فتحاصره "البذاءات الضريرة".
هكذا يتورط الشاعر في قافية الحروف، وينذر عمره لبقية العشق، يركض من الألف إلى الياء ليعتنق ركوب اللغة، ويسافر معها عله يطفئ "جمر التوجع" على حال الوطن المسروق في خضم الزمن الأغبر الرديئ.
هذا هو منطلق العمل الشعري كما آمن به عبد الكريم الناعم:
"هزيما صوفيا، وفعلا ثوريا، ولحنا غجريا حزينا"، كما أنه: "جنون في وطن النخاسة". وعن منظوره للشعر هذا يقول:
"علق الجراح قصيدتي،
والشعر مبدأه الجنون". -2-
" لأنك في القفر يجيء الشعر
هزيما صوفيا،
ثوريا،
لحنا غجريا" -3-