"كفُّوا عن سؤالي عن برنامجي: أن أتنفس. أليس برنامجاً كافياً؟" إميل سيوران [1]
ذات جماعة، سُئلت وأنا على وشك مغادرتها: "أخبرينا عن مشروعك الفكري الخاص الذي صرت تتبنينه، ما هو؟". كان ذلك، على نحو يقصد إِحراج خروجي، أو تسذيج هروبي.
اليوم، وأنا هاربة بغير ذات جماعة، أُسال كثيراً: ماذا بعد؟ ما جديدك؟ ما مشروعك المقبل؟ ما برنامجك؟ ما هدفك؟ ما رسالتك؟ إلى أين تسيرين؟ يأتي كل ذلك، على نحو يُخشى عليّ فيه من جديدي، أو يشفق عليّ مني، أو، أو...
تختلف الأنحاء (جمع نحو). والنحو هو الطريق الذي تسلكه. الجميع يريدك أن تنحو ما يتمثلّه هو، أو أن تتمثل ما يرتضيه نحوه، حيث نحوَّه هو البرنامج الأمثل، والمشروع الأكمل، والهدف الأسمى، والغاية الأبعد، والهروب الأخير، والخلاص الأول. الكل يخشى عليك (كما على غيرك)، أن تتنفس خارج أجواء نحوه، يخشى مغادرتك نحوَّه إلى نحوٍ آخر، يشفق عليك غربتك في الأنحاء الأخرى، أن يشتتك هواها، أن يخنقك هواءها الغريب، فتموت فيها ولا تحيا. وربما يخشى على نفسه، أن تذره بشيء من هوائها الغريب، فتفسد عليه نقاوة عِرق هوائه، وتلوث قداسة نحوِه، بلوثِ غير.
(النحو) ليس مشكلة اللغة فقط. بل مشكلة الإنسان أيضاً. ذلك الإنسان الذي لا يستطيع أن يتحرك على نحوٍ حر. والمبدعون (الذين يشقُّون نحواً آخر)، يؤرقهم دوماً النحو. ذات يوم قال حمزاتوف "أريد أن أكتب كتاباً لا تخضع فيه اللغة للنحو، بل النحو للغة" [2]. واللغة هي متنفس الإنسان الأكبر، ومتى كبّلها النحو، صارت خنَّاق الإنسان الأكبر. اللغة المختنقة لا تفقد قدرتها على التنفس وحدها، بل تخنق معها حضارتها ودينها وسياقاتها التاريخية وثقافتها. تفقد هذه كلّها سعة تنفسها. ربما يكون الدين، هو أشفٌّ الأشياء في إظهار اختناق الحضارة واللغة. فمتى فقدت حضارته قدرتها على التنفس، يفقد الدين أيضاً، قدرته على أن يكون نحواً يسع اختلاف أنفاس الإنسان.
ذات جماعة، سُئلت وأنا على وشك مغادرتها: "أخبرينا عن مشروعك الفكري الخاص الذي صرت تتبنينه، ما هو؟". كان ذلك، على نحو يقصد إِحراج خروجي، أو تسذيج هروبي.
اليوم، وأنا هاربة بغير ذات جماعة، أُسال كثيراً: ماذا بعد؟ ما جديدك؟ ما مشروعك المقبل؟ ما برنامجك؟ ما هدفك؟ ما رسالتك؟ إلى أين تسيرين؟ يأتي كل ذلك، على نحو يُخشى عليّ فيه من جديدي، أو يشفق عليّ مني، أو، أو...
تختلف الأنحاء (جمع نحو). والنحو هو الطريق الذي تسلكه. الجميع يريدك أن تنحو ما يتمثلّه هو، أو أن تتمثل ما يرتضيه نحوه، حيث نحوَّه هو البرنامج الأمثل، والمشروع الأكمل، والهدف الأسمى، والغاية الأبعد، والهروب الأخير، والخلاص الأول. الكل يخشى عليك (كما على غيرك)، أن تتنفس خارج أجواء نحوه، يخشى مغادرتك نحوَّه إلى نحوٍ آخر، يشفق عليك غربتك في الأنحاء الأخرى، أن يشتتك هواها، أن يخنقك هواءها الغريب، فتموت فيها ولا تحيا. وربما يخشى على نفسه، أن تذره بشيء من هوائها الغريب، فتفسد عليه نقاوة عِرق هوائه، وتلوث قداسة نحوِه، بلوثِ غير.
(النحو) ليس مشكلة اللغة فقط. بل مشكلة الإنسان أيضاً. ذلك الإنسان الذي لا يستطيع أن يتحرك على نحوٍ حر. والمبدعون (الذين يشقُّون نحواً آخر)، يؤرقهم دوماً النحو. ذات يوم قال حمزاتوف "أريد أن أكتب كتاباً لا تخضع فيه اللغة للنحو، بل النحو للغة" [2]. واللغة هي متنفس الإنسان الأكبر، ومتى كبّلها النحو، صارت خنَّاق الإنسان الأكبر. اللغة المختنقة لا تفقد قدرتها على التنفس وحدها، بل تخنق معها حضارتها ودينها وسياقاتها التاريخية وثقافتها. تفقد هذه كلّها سعة تنفسها. ربما يكون الدين، هو أشفٌّ الأشياء في إظهار اختناق الحضارة واللغة. فمتى فقدت حضارته قدرتها على التنفس، يفقد الدين أيضاً، قدرته على أن يكون نحواً يسع اختلاف أنفاس الإنسان.