" يمكن للمرء أن يعين مثل هذا الخطاب أو ذاك على أنه خطاب عقلاني، ويصفه لإظهار أين يكمن عقلانيته، ومن هناك يقرر بالعكس ما هو اللاعقلاني. إن فعل التعيين ذاته هو الذي يسبب المشكلة: هناك إنشاء أو اعتراف بقيمة. العقل لا يُدرك أبدًا في الخارج، إنه دائمًا الوجود لذاته، والالتزام بالعملية التي يتم نشره فيها؛ لهذا السبب الآخر هو العقل المغترب، أي الجنون. السؤال ليس فقط معرفة ما الذي يجعل العقلانية ممكنة، ولكن ما الذي يجعل قيمة العقلانية ممكنة، وكيف تم تأسيس هذه القيمة، وما الذي يمكن أن يمثله نقدها. غالبًا ما يوصف أصل الفلسفة على أنه انتقال من الأسطورة إلى العقل، فما هذا المقطع؟ يشرح نشأة الكون لهزيود ولادة العالم (الكون)، طبيعته (فيزيس، من فيتاين إلى الولادة، إلى الإنتاج)، من خلال الاتحاد الجنسي للآلهة (الأرض والمحيط).

لا شيء أكثر خصوبة من العتمة، والعتمة لا يمكن أن تكتمل علاقتها مع الشخص ان لم يكن هذا الشخص أعشى. يحيط بكتاب الاستاذ هذا النوع من العتمة التي تخصب التجربة القرائية، وتقدم حرية البحت عن او تأسيس المعنى، وإذا مددنا ايدينا الى هذه العتمة فكل ما نمسكه فهو ملك لنا ولنا وحدنا.
وسنحاول وضع انفسنا داخل ما نقرأ قدر الإمكان «فليس بقارئ من لا يضع نفسه داخل ما يقرأ»[1] ونعني هنا أن نكون جزءا من سؤال الاصل الذي ينظم مقالات الكتاب ومكتوباته ، ولن نسعى لعرض مضامين الكتاب، وإنما نجعل منه القاعدة التي ننطلق منها لمحاولة فهم سؤال الأصل كما يعرضه، عابرا اليه من خلال الترجمة/ اشكال الترجمة.
يستحضر الأستاذ عددا كبيرا من الثنائيات ولكن ليس بقصد تقريرها، وإنما قصد تجاوزها ، او نقول قصد نفيها، ونعبر ونحن نَؤول/ نعود من هذه الثنائيات الى فكرة المحو والالغاء او النفي التي تشكل علاقة اللغة بالترجمة.

" مركزية الإنسان، وجهة نظر فلسفية تجادل بأن البشر هم الكيانات المركزية أو الأكثر أهمية في العالم. هذا اعتقاد أساسي متأصل في العديد من الأديان والفلسفات الغربية. تعتبر المركزية البشرية البشر منفصلين عن الطبيعة ومتفوقين عليها وترى أن الحياة البشرية لها قيمة جوهرية بينما الكيانات الأخرى (بما في ذلك الحيوانات والنباتات والموارد المعدنية وما إلى ذلك) هي موارد يمكن تبرير استغلالها لصالح البشرية.

تُشكّلُ الترجمة في السياق العربي الراهن دعامة نهضوية لا غنى عنها. يتوسّل الفكر من خلالها رفد النشاط الثقافي بخطاب حافز للذات وشاحذ للعقل. ومن هذا المنظور يقتضي المقام أن تكون الترجمة فعلا ثقافيا واعيا وهادفا. فليس ثمة ترجمة لغرض الترجمة، خالية من دواعيها ومقاصدها، إذ لكلّ واقع ثقافي استراتيجية خاصة به في الترجمة، واستراتيجية الترجمة المرابِطة في الواقع العربي تتلخّص في نشدان التواصل مع الفكر العالمي بُغية تكثيف سُبُل إثراء الذات وربطها بحراك الفكر العالمي، من هنا كان المقصد التنويري مضمَرا ومعلَنا في مشروع الترجمة. ولعلّ بحث الثقافة العربية عن الانعتاق من قيد التقليد، والتطلع لتخطي الانحصار الذي أُسِر فيه العقل، يملي عليها بناء تواصل رصين مع الفكر العالمي، العقلاني والتحرري، حتى يكون فعل الترجمة فعلا إضافيا.

"اللاّعقلانية، حركة فلسفية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ادعت أنها تثري التخوف من الحياة البشرية من خلال توسيعها إلى ما وراء العقلاني إلى أبعادها الكاملة. إن اللاّعقلانية، المتجذرة إما في الميتافيزيقيا أو في الوعي بتفرد التجربة الإنسانية، شددت على أبعاد الغريزة والشعور والإرادة على أنها ضد العقل. كان هناك اللاعقلانيون قبل القرن التاسع عشر. في الثقافة اليونانية القديمة - التي يتم تقييمها عادة على أنها عقلانية - يمكن تمييز سلالة ديونيزية (أي غريزية) في أعمال الشاعر بندار، في المسرحيين، وحتى في فلاسفة مثل فيثاغورس وإمبيدوكليس وأفلاطون. في الفلسفة الحديثة المبكرة - حتى أثناء صعود العقلانية الديكارتية - تحول بليز باسكال من العقل إلى الإيمان الأوغسطيني ، مقتنعًا بأن "القلب له أسبابه" غير معروفة للعقل على هذا النحو. وجدت اللاعقلانية الكثير في حياة الروح وفي تاريخ البشرية مما لا يمكن التعامل معه من خلال الأساليب العقلانية للعلم. تحت تأثير تشارلز داروين ولاحقًا سيغموند فرويد، بدأت اللاعقلانية في استكشاف الجذور البيولوجية واللاواعية للتجربة.

هناك اغتراب سياسي مخصوص لأن السياسي مستقل. إنه الوجه الآخر ل لمفارقة التي لابدّ من توضيحه الآن:
بيت القصيد هو أن الدولة إرادة . يمكن أن نلحّ قدر ما نشاء على المعقولية التي يمنحها السياسي للتاريخ ـ هذا حق ـ؛ لكن إذا كانت الدولة معقولة الغاية، فإنها تتقدّم في التاريخ بفعل القرارات. ليس من الممكن أن لا نُدخل في تعريف السياسي فكرة القرارات ذات المدى التاريخي، أي تلك التي تغيّر بصورة دائمة مصير جماعة إنسانية تنظمها الدولة وتوجّهها. فالسياسيّ تنظيم معقول ، والسياسي قرار: تحليل محتمل للأوضاع ، ورهان محتمل على المستقبل. لا يستقيم السياسي دون سياسة.
يحمل السياسي معناه بعد أن يفوت أوانه، في التفكير، في " الاستذكار"، في التنقيب، في المشروع، أي في قراءة محتملة للأحداث المعاصرة وفي حزم الحلول في الآن نفسه. لأجل ذلك إذا كانت الوظيفة السياسية والسياسي بلا تناوب، أمكن أن نقول في معنى ما أن السّياسي لا يوجد إلا في اللحظات الحاسمة، في " الأزمات"، في " المنعطفات "، وفي مفاصل التاريخ.

"إذا كان نظام دماغنا يسمح لنا بإدراك الصورة المعروضة على شبكية العين ولكن أيضًا لفهم معناها، فإنه قادر أيضًا على إنتاج صور ذهنية في غياب أي واقع خارجي. كل صورة، مهما كانت، لها نوعان من الخصائص. بادئ ذي بدء، لها خصائص فيزيائية مستمدة من دعمها، وكذلك من أصلها. يمكن أن تكون، على سبيل المثال، صورة فوتوغرافية على ورق أو لوحة على قماش: في الحالة الأولى، ستنتج الصورة عن تعديل كيميائي، تحت تأثير الضوء، للسطح الحساس لورق الصور؛ في الجانب الآخر، يتعلق الأمر بطبقات من الطلاء يضعها الفنان جنبًا إلى جنب. لكن الصورة لها أيضًا خصائص دلالية، والتي تعتمد على محتواها، على ما تمثله. هذه الخصائص الدلالية تعطيها في الواقع معنى يمكن فهمه من قبل أولئك الذين يشاهدونها. بالطبع، يعتمد معنى الصورة على الشخص الذي قام بإنشائها: المصور، من خلال التقاط الصورة، يريد الاحتفاظ بذكرى أو يشهد على آرائه؛ في غضون ذلك، يريد الرسام التعبير عن مشاعره أو مشاركة خياله. لكن نوعي الخصائص، الفيزيائية والدلالية، للصورة لا يمكن فصلهما. يمكن للصورة تغيير الوسيط دون تغيير الاتجاه: يمكننا تصوير اللوحة القماشية مع الاحتفاظ بنفس الخصائص الدلالية. لقد اعتدنا الآن على معالجة البيانات على تعدد الدعم الممكن للصور.

لا يرتبط طرح هذه المسألة الأكثر عمومية بإطار ذاتوي بل يتطلّب الخروج من باراديغم النفعية للرأسمالية الفلاحية- الغذائية و بإيتيقا مرتكزة على ألم الأفراد. إلا أنّ هذا، على وجه الاحتمال، لم يصبح ممكنا إلاّ قريبا بسبب الأزمة البيئيّة التي نمرّ بها وتحقّق الوعي الإيكولوجي على الصعيد الأخلاقي. فالإيكولوجيا تعلّمنا بشأن دور النباتات أكثر من تعرّفنا بقيمتها النفعيّة للإنسان. ينتج عن هذا، أنّه في الفترة الانتقالية الحالية، كانت النباتات ممزّقة بين منزلتها التقليدية كموضوع – مصدر objet-source محايد قيميّا وبين شروط إمكان مطلقة لكلّ حياة على الأرض. يبدو أن الهوّة الأخلاقية سحيقة. كيف يمكن تجاوز الانفلاق الأقصى الذي يضع من جهة، من يستغلّ زيت النخيل مزيلا بنشاط الغابات من الأرض التي يشعر أنّه سيدها ومالكها، في مواجهة المدافع عن الجزرة والمستعدّ لأن يعزف لها الموسيقى الكلاسيكيّة كي يلطّف طبائعها، من جهة أخرى؟ إن الحلّ على ما يبدو حلاّ وسطا.فلا يتعلّق الأمر بردع استغلال أو تحوير غير مرشّد للنباتات بتعلّة عدم إلحاق الضرر بها، ولا بالطبع الدفاع عن شكل من تدمير للنباتيّ حيث لن يسمح بقتل أقلّ نبتة لأكلها. فباعتبار أنّ النباتات كائنات مثبّـتة في محيطها، هي شروط الإمكان وهي في الآن نفسه، متميّزة بوصفها أنظمة عضوية تمام التميّز، تستدعي التفكير وفق طريقة أكثر تمركز إيكولوجي تكون فيها الأولويّة للمحافظة على نوعيّة العلاقة بين العالم العضوي واللاعضوي.