أنفاسبيد أن "مركز" ديانة ما ليس دوما بديهيا. فبعض الباحثين لا يتساءلون أحيانا حتى عن وجوده. وبدلا من ذلك، تجدهم يحاولون توظيف القيم الدينية لبعض أنواع المجتمع وفق ما يتلاءم مع نظرية شائعة، مع نظرية في وضع موضة. ولذلك ظهرت الديانات البدائية، خلال ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن من الزمان، كما لو كانت رسوما توضيحية لنظريات سائدة خلال لحظة: الإحيائية، عبادة الأسلاف، المانا، الطوطمية الخ… 
لقد أصبح من العسير -بصورة متزايدة- معرفة كل ما يتحقق من تقدم في جميع قطاعات تاريخ الأديان، رغم ما نتوفر عليه اليوم من كتب ودوريات وبيبليوغرافيات. ومن ثم أصبح صعبا على المرء -بصورة متزايدة- أن يصبح مؤرخا للأديان. ولم يبق للمؤرخ إلا أن يشاهد نفسه بأسى وهو يتحول إلى متخصص في دين واحد، بل في مرحلة معينة أو في جانب خاص من جوانب ذلك الدين.
حفزتنا هذه الوضعية إلى خلق دورية جديدة لم نهدف من وراء إصدارها إلى مجرد إضافة مجلة أخرى تكون في متناول المتخصصين (هذا مع العلم أن غياب دورية كهذه في الولايات المتحدة كان كافيا لتبرير إصدارها)، بل كنا نهدف بصفة خاصة إلى توفير أداة للتوجيه في مجال يتسع باستمرار، ولحفز تبادل الآراء بين المتخصصين الذين ليسوا على إطلاع -بصورة عامة- بمجريات التقدم المنجز في التخصصات العلمية الأخرى. ونأمل أن يتحقق هذا التوجيه، وأن تتبادل الآراء ووجهات النظر، بفضل تلخيصات لكل التطورات وأنواع التقدم الأكثر راهنية التي تم تسجيلها فيما يتعلق ببعض القضايا-المفاتيح في تاريخ الأديان، وبفضل النقاشات المنهجية والمحاولات العلمية الرامية إلى تحسين هرمينوطيقا المعطيات الدينية.
تحتل الهيرمينوطيقا مكانة أساسية في أبحاثنا لأنها تمثل دون منازع الجانب الأقل تطورا لتاريخ الأديان. ذلك أنه لما كان الباحثون المختصون قد انهمكوا كلية، في أغلب الأحيان، بجمع ونشر وتحليل المعطيات. والحالة هذه، إن تلك المعطيات هي التعبير عن مختلف التجارب والخبرات الدينية. إنها تمثل، في التحليل الأخير، مواقف وأوضاعا خبرها بشر في مجرى التاريخ. وعندما يكون مؤرخ الأديان قد أعاد بناء تاريخ شكل ديني أو أوضح سياقه السوسيولوجي، الاقتصادي أو السياسي، فإنه لا يكون قد أنهى عمله، أحب ذلك أم كره؛ إذ يجب عليه -زيادة على ذلك- أن يفهم دلالة ذلك الشكل الديني أي أن يعرف ويوضح الأوضاع والمواقف التي أدت أو جعلت ظهور أو انتصار هذا الشكل الديني، في لحظة خاصة من التاريخ، أمرا ممكنا.

أنفاسإذا أردنا أن نعرف كيف ينظر الفرنسيون إلى العرب يجب أن نتوقف عند ترجمتهم لأدبنا وفكرنا وإنتاجنا بعامة. وعندها قد نكتشف طريقة اهتمامهم بنا: إما كشعب له حضارة وثقافة مستمرتان ... وإما كقوم أنعم الله عليهم بالنفط، وهم بعد زواله زائلون. وقد نكتشف نظرة الأوروبيين بعامة، والفرنسيين بخاصة، إلى الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط وإلى شعوبها وطريقة التحاور مع الشرقيين، ولاسيما أن الاتحاد الأوروبي قد أقام مشاريع عديدة للبحر الأبيض المتوسط منها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها الثقافي. ولنتبين مواقع التطور في الرؤية إلى الآخر، سأحاول تتبع الترجمات الفرنسية للأدب العربي ، لأصل إلى القارئ الفرنسي وتأثير هذه الكتب المترجمة في عقليته.
تاريخ ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الفرنسية
في الخمسينيات كانت في باريس دار نشر صغيرة اهتمت بترجمة بعض أعمال محمود تيمور وتوفيق الحكيم، وهي Nouvelles Editions Latines  . واختفت هذه الدار في بداية الستينيات ولم يبق شيء من مطبوعاتها إلا في بطون المكتبات العامة الكبرى. وفي عام 1960 صدرت ترجمة الجزء الأول من كتاب الأيام لطه حسين، وقدم له صديقه أندريه جيد . وفي عام 1962 صدرت ترجمة أنا أحيا لليلي بعلبكي في دار نشر جوليار. كذلك عنيت مجلة Orient بترجمة بعض القصص والقصائد لعدد من الكتاب السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، وترجم معظمها المستشرقان الفرنسيان ميشيل باربو وهنري لوسيل.
واندلعت حرب الجزائر ، فانحسر الاهتمام بالأدب العربي الحديث الذي بقي حتى ذلك الوقت أضأل الضئيل. وذلك أن القارئ الفرنسي العادي لم يكن يقرأ هذا الأدب المترجم ولم يتكون عنده أي فضول لمتابعة الإصدارات، على قلتها ولم يتكون عنده أي فضول لمتابعة الإصدارات، على قلتها .. وإن كان بعض رجال الدين المسيحي الذين عملوا في البلدان العربية، أو الذين كان يستعدون للعمل فيها، يطلعون على هذه الأدبيات.
أما المستشرقون الكبار المهتمون بالأدب، من أمثل ريجيس بلاشير وكارا دي فورميل وإميل درمنغم ولويس ماسينيون وهنري بيريس وفانسان مونتي وشارل بلا وغاستون فييت واندريه ميكل ، فكانوا بعامة يؤثرون الأدب العربي القديم ، وقليلون بينهم من انفتحوا على الأدب الحديث ويعتبره ركيكا هزيلا، ويكتفي بالأدب العربي حتى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) معتبرين أن كل ما أتى بعده- وخاصة في عصر النهضة وما تلاه – لايستحق عناء المتابعة .