انه من المستحيل الفصل بين التأمل في الحياة، الذي نصح به اسبينوزا، اعتقادا منه أن التأمل في الموت هو علامة دالة على عجزنا، و بين التأمل في الموت الذي نصح به أفلاطون اعتقادا منه أنه يمثل التأمل في الحياة الحقيقية. مادام الموت و الحياة يشكلان زوجا سمة التضاد التي تميزه هي التي تصبغ معنى على كل واحد منهما؛ فليس العدم هو نقيض الحياة و إنما الموت. ثم إن فكرة الموت، أي فكرة أن للحياة نهاية، هي ما يمنح الإحساس بالحياة حدة أكبر، و دفقا مشاعريا لا متناهيا. فبمجرد ما تبتعد فكرة الموت عن دائرة تفكيرنا، تغدو الحياة بالنسبة لنا مجرد عادة أو ضربا من التسلية لا غير : وحده حضور الموت يجبرنا على النظر إليها وجها لوجه. فالشخص الذي يشيح بوجهه عن الموت بغاية الظفر بأقصى قدر من التمتع بالحياة، يشيح بوجهه كذلك عن الحياة، و في سعيه نحو نسيان الموت ينتهي إلى نسيان الموت و الحياة معا.
الإيمان في مشروع كانت النقدي : نقد اللاهوت الطبيعي ـ البرفيسور بيتر بايرن ـ ترجمة: عمار كاظم محمد
النقد الكانتي لحجج اللاهوت الطبيعي مشهور وهو يمثل واحدا من الخطوات الحاسمة لتأسيس البرهان الذي يقول ان معرفة الله تكمن وراء حدود الاسباب التي حددتها الفلسفة النقدية ولذا فهي من المحالات. ولذلك فهي قد اكسبت كانت سمعة الفيلسوف الذي حاول اغتيال رؤية الالوهية في الفلسفات السابقة عليه.
لقد نوقش النقد الكانتي كثيرا كما تنوعت ردود الفعل عليه من التأييد الحار الى الرفض. فيما ظهر ذلك التأييد لدى العديد من المفكرين الذين اعتبروا ان كانت الى جانب ديفيد هيوم هم من وجهوا الضربة القاضية للاهوت الطبيعي .المثال الجيد على التعليقات الاخيرة على كانت تحولت الى ردود معاكسة ترى فيه معترضا على البراهين الوجودية والكونية على الرغم ان تلك الحجج كان تصميمها اقل من ان تكون مؤثرة .
المشكلة المبدئية مع محاولة كانت تكمن في رفضه لبراهين اللاهوت الطبيعي التي نشأت خارج مدى المبادئ الرئيسية للفلسفة النقدية التي اعتمدت عليها. خصوصا من خلال تبنيها الثورة الكوبرنيكية (نسبة الى كوبر نيكوس) وحضورها في المثالية المتعالية ودليل ذلك ان عناصر الرفض تعتمد عليها كثيرا. ويظهر هذا الاعتماد على سبيل المثال في التعليق النقدي على الدليل الكوني الذي يظهرها بكونها تتبنى مبدأ ان كل شيء يجب ان يكون له سبب من خارج عالم الحس. فقد اعلن كانت "ان مبدأ السببية ليس له اي معنى على الاطلاق ولا يوجد معيار لاستخدامه إلا في العالم المحسوس".ذلك ما يجعلنا نعتمد على صفحات سابقة من نقد العقل الخالص والذي من المرجح ان ينظر اليها على انها مجرد تساؤل توسلي من دعاة اللاهوت الطبيعي التقليدي.
النمذجة و علوم المهندس ـ نيكولا بولو N.Bouleau ـ ترجمة: خالد كلبوسي
ـ لم تفقد المعارف المرتبطة بالوحي انتشارها أبدا منذ قرون,و يستمر حضور الأديان و مؤسساتها . و تزدهر الفرق بمعاضدة أشكال ناجعة من السلطة الاقتصادية, كما يقع تضخيم المعتقدات الغيبية من قبل وسائل الإعلام.في خضم ذلك يحافظ العلم اليوم بما هو إنشاء معارف موضوعية وكلية مراقبة عن طريق التجربة على صواب أحكامه التي أضفاها عليه فلاسفة الأنوار.فهو حقل محايد يصف الظواهر و ترابطها.و " يتخلى عن البحث في أصل الكون و مصيره و عن معرفة العلل الخفية للظواهر ليهتم فقط باكتشاف قوانينها أي علاقات التتالي و التماثل الثابتة عن طريق استخدام مركب جيد ا من الاستدلال و التجربة ". لكن يجب علينا ملاحظة أن الوضعية تذهب أبعد من ذلك بكثير و لا تتوانى عن اعتبار الفكر العلمي الإطار الملائم للتسيير الأفضل للشؤون الإنسانية بشرط استبعاد " المجازات المأخوذة على أنها استدلالات " من جهة و " إنشاء القواعد العامة الملائمة وسيلة موثوقة في البحث عن الحقيقة " من جهة أخرى.
الكاثوليكية والإسلام: حوصلة تاريخية ـ بيار جوفاني دونيني ـ ترجمة: عزالدّين عناية
برحيل المفكّر بيار جوفاني دونيني (1936-2003م)، فقدت الساحة الإيطالية علما بارزا من أعلام الفكر السياسي، كما فقد مجال الدّراسات السياسية الإسلامية باحثا متميزا، أثرى المكتبة الإيطالية بمؤلفات نقدية وتصحيحية. توجّهت بالأساس لترسيخ الوعي العلمي بمسار الخطاب السياسي العربي والإسلامي، بعيدا عن مؤثرات الأحداث المضطربة وتقلّب العلاقات بين الشرق والغرب. فالرجل ليس من النوع المهادن أو المناور بل من الذين سعوا لترسيخ تقليد علمي موضوعي بين طلاّبه وأتباعه في علاقة الغرب بالمسلمين. وبرغم فارق السن الذي كان يفصلني عنه، وتحدّري من فضاء زيتوني ديني، وإتيانه من عمق المدرسة الاشتراكية الإيطالية، كانت لقاءات التلاقي التي تجمعنا رحبة، فرحم الله "دجو"، كما كانت تناديه زوجه أستاذة الأدب العربي إيزابيلا كاميرا دفليتو. أترجم هذا النصّ الذي لم يسبق تعريبه، لِم ألمس فيه من حوصلة لمفاصل علاقة الكاثوليكية بالإسلام. (المترجم)
فارغاس" الفائز بجائزة نوبل للآداب : اكتب لأنني حزين ولأنها طريقة لمكافحة الحزن ـ ترجمة : عمار كاظم محمد"
في لقاء مطول أجرته معه مجلة لندن ريفيو الأدبية مؤخرا تحدث الكاتب والروائي البيروي ماريو فارغاس اليوسا الحاصل على جائزة نوبل عن تجربته الأدبية والحياتية فكان معه هذا الحوار .
أنت كاتب معروف جيدا وقراءك قد تعودوا على ما كتبت فهل يمكن أن تخبرنا عما تقرأه أنت ؟
اليوسا: خلال السنوات القليلة الماضية حصل لي شيء غريب . فقد لاحظت إنني بدأت اقرأ اقل فاقل للكتاب للمعاصرين بينما تزداد قراءتي أكثر فأكثر للكتاب الماضين . فقد قرأت لكتاب القرن التاسع عشر أكثر مما قرأت لكتاب القرن العشرين . ففي تلك الأيام كنت أميل أكثر نحو المقالات والتاريخ أكثر من الأعمال الأدبية ولم أكن أفكر كثيرا للسبب الذي يدعوني لقراءة ما قرأت ، فربما تكون بعض الأسباب متعلقة بمهنتي ككاتب، فمشاريعي الأدبية كانت تتعلق بالقرن التاسع عشر مثل مقال يتعلق برواية البؤساء لفيكتور هوغو مثلا أو رواية تم استلهامها من حياة فلورا تريستان او بمصلح اجتماعي بيروي يؤمن بمساواة الجنسين. الحقيقة حينما تكون في الخامسة عشر او الثامنة عشر من عمر تشعر انك تملك امامك كل الوقت الموجود في العالم لكنك حينما تبلغ الخمسين تدرك أن ايامك معدودة ويجب أن تكون انتقائيا في اختيارك وهذا ربما احد الاسباب التي جعلتني لا اقرأ الكثير عن المعاصرين .
مستقبل وسائل الإعلام ـ بقلم ماتياس ميشائيل* ـ ترجمة محمّد المهذبي
لم يكن إفلاس صحيفتي "فرانكفورتر روندشاو" و"فاينانشل تايمز دويتشلاند" ووكالة الأنباء الألمانيّة (dapd ) سوى ضربة البداية. إنّ وسائل الإعلام تشهد اليوم تغييرات جوهريّة، بانتقالها من الصحيفة إلى الشبكة العنكبوتيّة، ومن الاستقصاء إلى العلاقات العامّة. لن تكون الديموقراطيّة هي المستفيدة من ذلك، بل أولئك الذي يصنعون القرار في مجالي السياسة والاقتصاد.
أخضعت الثورة الرقمية وسائل الإعلام إلى تغيير صاعق. فالانترنت ليست فقط وسيلة الإعلام الجماهيرية الرابعة بل هي، في ذات الوقت، "ميتا-وسيلة" يتمّ من خلالها، بشكل متصاعد، تلقّي وسائل الإعلام الثلاث القديمة أي الصحيفة والإذاعة والتلفزيون. أي إنّ ما يتعيّن على وسائل الإعلام فعله يتمثّل في بناء ما يشبه العلامة التجارية القويّة على الانترنت، وتحقيق القيمة المضافة مع التمكّن، باستمرار، من صنع المفاجأة للزوار المتخمين بالمعلومات. من يستطع فعل ذلك بإمكانه البقاء، أما ما عداه فلن يكون سوى جزء من ماضي وسائل الإعلام. كيف سيكون الأمر على وجه التدقيق ؟ كيف ستتغيّر وسائل الإعلام مستقبلا ؟ إجابة على ذلك نقدّم هذه الفرضيات العشر :
البعد المشهدي في الخطاب السياسي ـ ترجمة : عبد القادر ملوك
باستطاعة الحس المشترك أن يلاحظ بسهولة أن الخطابات السياسية الراهنة، و التي من جملتها تلك السجالات السياسية التي تطل علينا موسميا في فترة الانتخابات، يطغى عليها الطابع المشهدي/الفرجوي. فقد استبدلت إجراءات و تقنيات كلاسيكية كثيرة، اليوم، بعناصر أخرى تمت إعارتها من فن المشهد/الفرجة art du spectacle، و من تقنية التلفزيون الذي يمتلك تأثيرا كبيرا على المشاهد العالمي.
هكذا فعلى السؤال البلاغي: "لكن أين هو ثلج الامس؟" سوف نجيب بأن ثلج الامس قد تعرض للانهيار لأن الظروف المناخية تغيرت ! العالم بأسره تغير، إمكانات الحديث مع الاخرين أضحت متعددة، إشكال المسافة لم يعد قائما بفعل إمكانية الاتصال المباشر التي ساهمت فيها التقنية المابعد حداثية، الاذواق بدورها اختلفت. لهذه الاسباب، كان من اللازم أن تتغير شروط فن القول كذلك.
"ما بعد الديموقراطيّة" وتفاقم الاستلاب السياسي ـ شانتال موف* ـ ترجمة محمّد المهذبي
تذهب إحدى الأطروحات المركزية في النقاش الرّاهن حول "ما بعد الديموقراطيّة" إلى التأكيد على أنّ الديموقراطيّات الحديثة تخضع، بشكل متصاعد، لسيطرة نخب تتمتّع بالامتيازات، خلف واجهة من المبادئ الديموقراطيّة الشكليّة. كما يؤدّي اعتماد سياسة نيوليبرالية إلى "استعمار" الدولة من قبل مصالح كتل اجتماعية ومؤسّسات اقتصادية، ممّا يجعل القرارات السياسية الهامّة تتّخذ اليوم خارج القنوات الديموقراطيّة التقليدية. وينعكس فقدان المؤسّسات الديموقراطيّة للمشروعيّة في تفاقم الاستلاب السياسي.
لا أرفض هذه النظريّة ولكنّي أعتقد مع ذلك أنّنا عندما نبحث في أسباب تلك الظاهرة، بالنظر إلى إمكانية قلب ذلك الاتجاه من جديد، فلا بدّ لنا أيضا من إبراز الدور الذي لعبته أحزاب الطيف اليساري في سيرورة استلاب السياسة الديموقراطية.