Blue Abstractإنه يوم هادئ والشمس مائلة فوق السهل. قريباً ستُقرَع الأجراس؛ إنه يوم الأحد. بين حقلين من حقول الجاودار  وجد يافعان درباً لم يسيرا فيه من قبل، وفي ضيعات السهل الثلاث يلمع زجاج النوافذ. رجالٌ يحْلقون ذقونهم أمام المرايا على طاولات المطابخ، ونساءٌ يدندنّ وهن يقطّعن الخبز الذي سيؤكل مع القهوة، وأطفال يجلسون على الأرض ويزرّرون قمصانهم. إنه صباح سعيد ليوم تعيس؛ فاليوم سيُقتل طفل في الضيعة الثالثة على يد رجل سعيد. لا يزال الطفل جالساً على الأرض ويزرّر قميصه، والرجل الذي يحلق ذقنه يقول إنه سيصحبهم اليوم بجولة في مركب ذي مجاذيف على طول النهر، والمرأة تدندن وتضع الخبز المقطّع في صحن أزرق.

mondrianفي الحقيقة، في العلوم، وفي المعنى المضاد للفلسفة حول موضوعها.
نجد في العلوم استعمالين متكررين للحقيقة، والذي يجب توضيحه. يخول الأول تجاوزا إقرار الاستعمال “الجيد” أو “الفاسد” للعلوم. القول عن برهان بأنه “خاطئ”، لا يعني القول بأن ضده “صائب”: يحيل “الخطأ” إذا على الغلط. يعني “الخطأ” الذي يكتبه أستاذ الرياضيات على هامش الورقة “أن الذي أقرؤه هنا ليس له معنى رياضي”. كما يمكن القول عن عبارة بأنها خاطئة نحوياً: إنها سيئة البناء بالنظر للمنهج المسبق الذي حددته.
يستعمل الثاني لتقييم فرضية منطقية: نقول عن فرضية بأنها صائبة، كما نقول عن أخرى أنها خاطئة. الصواب والخطأ قيمتان ممكنتان ومتبادلتان لفرضية ما. مثلا، أحدد بأن العبارة “(أ) و(ب) خطان متوازيان” صائبة. إنها القيمة المنطقية لهذه العبارة. كان بإمكاني أيضا تحديد أنها خاطئة. تعمل المسلمات الرياضية بنفس الطريقة. إلى ذلك، حيث يتمثل تمرين الرياضيات في إنتاج مسلمات بواسطتها يمكن تقريب الحقيقة، إلى حقيقة فرضيات أخرى، عن طريق تحليل يسمى “منطقي”. بمعنى أن إتباع قواعد معينة للاختبار يمكّن من إعادة تكوين مسلمة ما، المشروطة بفرضيات معينة والتي سبق إعطاؤها (اعتباطيا) قيمة “صواب”. لكن اعتباطية الحقيقة لا تنمحي البتة: إنها احتمت في اختيار مبدئي، المتعلق بمنطق ما. المنطق الجد كلاسيكي، والذي أصبح المعنى المشترك لدينا، يقر من بين ما يقر به، بأنه إذا كان (أ) يساوي (ب)، و(ب) تساوي (د)، فإن (أ) يساوي (د)*. كان بالإمكان تحديد بشكل آخر. تعمل بعض المنطقيات الجد ” فاعلة” بواسطة قواعد أخرى. في البيولوجيا، معطيات الاختبار تجريبية وليست منطقية. تكمن اعتباطية الحقيقة البيولوجية إذا في اختيار هذه المعطيات، الخ.

aabstarct-anfasse«هناك حرج يتزايد أكثر وأكثر من حولنا، حين يتم الإفصاح عن رغبة في سماع قصة»
والتر بينيامين
جرى كثير من العمل في حقل السرديات، بحيث إن السعي نحو أي نوع من تكوين مناطق اتفاق أساسية، وقضايا مبدئية محل اختلاف، يبدو مهمة مهولة. ولو حصر المرء نفسه في حالات واضحة، فإن هناك عمل الشكلانيين الروس، خصوصًا بروب وشكلوفسكي، وهناك موروث أمريكي يمتد من مقدمات هنري جيمس، مرورًا بلوبوك وبوث، وانتهاء بالمحاولات الحديثة في تكوين ما يجمع بين الموروثين، مثل دراسة سيمور شاتمان «القصة والخطاب» – كل هؤلاء اهتموا بمشكلات وجهة النظر في السرد. وأخذت البنيوية الفرنسية على عاتقها تطوير قواعد للسرد (بارت، تودوروف، بريموند، جريماس، توماس بافيل، جيرالد برنس) ووصف العلاقات بين القصة والحكي (جينيت). كما يرد إلى الذهن من ألمانيا ولفجانج كايزر، بيرنارد لاميرت، فرانز شتانزيل، وولف شميد، وكُتبتْ أعمالٌ مهمة في هولندا، خصوصًا لدى تيون فان دايك، وميكي بال، فضلاً عن وجود مجموعة نشطة في تل أبيب(بنيامين هروشوفسكي، مائير شتيرنبرج، مناحيم بيري)(1).
هناك إذن تنوع كبير بين هذه الموروثات، وبطبيعة الحال فإن كل منظِر من هؤلاء له مفاهيمه ومقولاته، أما لو اتفق هؤلاء المنظِرون على شيء، فسيكون قولهم بأن نظرية السرد تتطلب تفرقة بين ما أسميه «القصة»، وهي متوالية الأفعال أو الأحداث، منظورًا إليها بمعزل عن الطريقة التي تحققت بها في الخطاب، وبين ما أسميه «الخطاب»، وهو تمثيل الأحداث، أو سردها في كلام.

abdelali-najahنهتم، أنا والخطيبي، بأشياء واحدة: بالصور والدلالات والآثار والحروف والعلامات. وفي الوقت نفسه، يعلمني الخطيبي شيئا جديدا، ويخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان هذه الأشكال في بصري، ولأنه يحملني بعيدا عن ذاتي، في بلده الأصلي، وكأنني في أقصى نفسي.

يعد الخطيبي راهنيا، ويساهم في ذلك الإشراق الذي ينمو اليوم بداخلي: شيئا فشيئا، أدرك كيف أن المشروع السيميولوجي الذي ساهمت فيه وما أزال، ظل سجين المقولات الكلية التي تقعد كل منهج في الغرب منذ أرسطو. كنت أفترض ببراءة، مسائلا بنية الدلالات، أن هذه البنية تبرهن على عمومية ما، وتؤكد هوية ما، التي لم تكن في العمق، بحكم المتن الذي اشتغلت عليه دائما، إلا هوية الإنسان الثقافي الغربي. ويقوم الخطيبي بمعنى ما بالشيء نفسه لحسابه الخاص، ويسائل الدلالات التي تظهر له هوية شعبه. ولكن الشعب ليس واحدا. إن شعبي لم يعد "شعبيا". لم تعد صورة هويته/التي نسميها "تقاليد"ه/ سوى مادة متحفية (وبالضبط مادة بمتحف "التقاليد الشعبية" الكائن بمحاذاة بوا دو بولوني(1)، وغير بعيد عن حديقة قديمة للحيوانات: وفي كلتي الحالتين، يتعلق الأمر بمحمية ل"الغرابة").

abstract vectorيتسم فعل الترجمة في المغرب بقلته بالمقارنة مع باقي الدول الأخرى. لا يتعلق الأمر هنا بكون فعل الترجمة رهانا صعبا يستحيل تطبيقه، فقط. بل يعود الأمر للوعي السياسي والثقافي، وخاصة مند عهد الحماية الفرنسية باعتبار أن اللغة الأجنبية هي لغة الذات مثلها مثل اللغة العربية والأمازيغية.
 هذا لا يمنع اعتبار الترجمة جسرا للقاء ثقافة الآخر وفكره. وكون الفعل (=الترجمة) نافذة نطل عبرها على فكر الآخر. "[...] تصور الجسر هو الأروج ولا يمكن إنكاره. وهو الأكثر استعمالا على المستوى الإعلامي، خاصة أنه يخدم بعض البناءات الفكرية الرائجة. ولكن تصور المرآة [...] يظهر فيه مدى التمكن من إدراج الآخر. وبخاصة لغته، اعتمادا على لغة الذات وعلى إمكاناتها. وفق هذا المنظور، تعتبر الترجمة عنصر بناء الذات، وللغة، بوصفها مُعبّرا أساسيا عن هذه الذات. ومن جانب آخر، الترجمة هنا قد تكون تدويتا للآخر، يصير الآخر فينا، وكذا ينبني التعدد [...]". 1.

ALIFCHAFAQهي رواية داخل راوية ، قواعد العشق الأربعون تروي قصتين متوازيتين تعكس إحداهما الأخرى عبر ثقافتين مختلفتين جدا وسبعة قرون متداخلة. فبطلة الرواية ايلا رونشتاين امرأة عادية تبلغ من العمر أربعين عاما وربة منزل غير سعيدة لديها ثلاثة أطفال وزوج غير مخلص ، لكن حياتها بدأت تتغير حينما بدأت بالعمل كقارئة في وكالة أدبية .
كان واجبها الأول قراءة رواية جميلة و مثيرة للاهتمام عنوانها " الكفر الحلو" عن حياة شاعر القرن الثالث عشر جلال الدين الرومي وعلاقته بأستاذه المحبوب شمس الدين التبريزي ، وكان المؤلف شخصية غير معروفة تكتب الرواية لأول مرة يدعى عزيز زهراء يعيش في تركيا .
في البداية كانت ايلا مترددة في قراءة كتاب يتحدث عن زمان ومكان يختلف عن بلدها لكنها سرعان ما وجدت نفسها أسيرة الرواية والرجل الذي كتبها والذي بدأت معه مغازلة عبر البريد الالكتروني وفي الوقت الذي كان تقرأ فيه بدأت بالتشكيك  في نواحي مختلفة من حياتها التي استقرت عليها بشكل تقليدي وخال من العاطفة  والحب الحقيقي.

DERRIDABN(خلال حوار مسجل غير منشور بتاريخ 30 يونيو 1992، أعطى جاك ديريدا هذا الجواب الشفوي الطويل).
يتطلب فهم لفظ "التفكيك" ليس بمعنى الذوبان أو الهدم، لكن بتحليل البنيات المترسبة التي تشكل العنصر الخطابي، الخطابة الفلسفية التي نفكر بداخلها. يمر ذلك عبر اللغة، وعبر الثقافة الغربية، وعبر مجموع ذلك الذي يحدد انتماءنا إلى تاريخ الفلسفة.
توجد كلمة "التفكيك" مسبقا بالفرنسية، لكن استعمالها كان جد نادر. لقد خول لي ذلك بداية ترجمة كلمات، الواحدة آتية من هايدجر، الذي يتحدث عن "الهدم"، والأخرى آتية من فرويد، الذي يتحدث عن "الذوبان". لكن بسرعة، طبعا، حاولت إبراز، داخل نفس الكلمة، أن ما دعوته بالتفكيك ليس فقط هايدجريا أو فرويديا. وكرست العديد من الأعمال لأبرز في نفس الوقت نوعا من الدين اتجاه فرويد وهايدجر، ونوعا من التحول لما دعوته بالتفكيك.

culture-technoتقديم
لقد اتخذ كل من العلم والتكنولوجيا مكانة مهمة في المجتمعات المعاصرة، فامتد تأثيرهما إلى كل مجالاتها ومستوياتها الظاهرة والخفية؛ وبذلك أصبحا يمثلان تحدياً لكل أنساق الثقافة، بل للإنسان ذاته من حيث هو وجود وأخلاق وجمالية.  وعليه، فهما يقدمان قيماً جديدة تحدد الوجود الاجتماعي والثقافي والتاريخي للإنسان.
لفهم هذه الصيرورة وآليات فعلها يسعى جون لادريير (من خلال الكتاب الذي اقتطفنا منه هذا النص) الإجابة عن سؤالين أساسيين: أولاً، ما هي العلاقات الممكنة بين المعرفة العلمية والتكنولوجيا الناتجة عنها؟ وثانياً، ما هي آثار كل من العلم والتكنولوجيا على الثقافات عامة وعلى الأخلاق (القيم الدينية، والاجتماعية، والإنسانية) والجماليات (الشعور، والذوق، وأشكال الفن) خاصة؟ وهي الآثار التي يختصرها في فعلي التفكيك وإعادة البناء.
لقد تركنا بين قوسين، إلى حد الآن، التفاعلات ما بين العلم والتكنولوجيا من جهة، وباقي مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، وقد حان الوقت للاهتمام بهذه التفاعلات، بحيث نعيد وضع العلم والتكنولوجيا في السياق والأكثر اتساعاً، والذي ينتمي إليه تطورهما، سنعنى بالخصوص في هذه الدراسة، بالتفاعلات مع الثقافة، ولكن وجب تدقيق أي معنى نقصده بهذا اللفظ.