anfasse22132الجزء الأول :
ما المراد بلاهوت التحرير؟ بالأساس هو خطّ ديني مسيحي يستلهم رؤاه من جملة من الكتابات ذات منحى لاهوتي نضالي، تم تأليفها منذ العام 1971 من قِبل مجموعة من رجال الدين المسيحيين، على غرار غوستافو غوتيراز من البيرو، وروبيم آلفز وهوغو آسمان وكارلوس ميستر والأخوين ليوناردو وكلودوفيس بوف من البرازيل، وجون سوبرينو وإغناسيو إيلاكوريا من السلفادور، وسغوندو غاليليا ورونالدو مونز من الشيلي، وبابلو ريتشارد من كوستاريكا، وجوزي ميغيل بونينو وخوان كارلوس سكانوني من الأرجنتين، وإنريك دوسيل من المكسيك، وخوان لويس سغوندو من الأوروغواي، لِنورد أسماء العناصر الأكثر شهرة من بين رموز هذا التوجه.

ذلك ليس مصادفة أن تظهر هذه الحركة في أمريكا اللاتينية، في جنوب القارة التي تفشّى فيها التباين الاجتماعي بشكل صارخ، وأين توالت، منذ تفجر الثورة الكوبية سنة 1959، نضالات اجتماعية تطلعت إلى إرساء العدالة، دعمتها حركات ثورية بشكل متلاحق.
ولئن برزت اختلافات جمّة بين آراء مجمل هؤلاء اللاهوتيين، فإننا نجد، في سائر أعمالهم، العديد من المحاور الرئيسية التي شكلت أرضية مشتركة ومنطلقا جذريا نابعا من المعتقد التقليدي، كما أرسته الكنائس المسيحية، سواء منها الكاثوليكية أو البروتستانتية:

anfasse20112رابعا: أوضاع الترجمة بين اللغتين
على مدى تاريخ التواصل الثقافي بين العرب والإيطاليين، لم تتجاوز أعمال الترجمة بين العربية والإيطالية 660 عملا. وتكاد أعداد الأعمال المنجزة تتوزع بالتساوي بين اللسانين، 336 عملا من الجانب العربي و324 عملا من الجانب الإيطالي. ويمكن الرجوع بأولى أعمال الترجمة إلى العربية إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، في مصر وتونس، مع تلمس البلدين سبل اللحاق بركب التمدن. حيث نسجل ظهور أول قاموس إيطالي عربي في مصر خلال العام 1822، من إعداد القس السوري أنطون زخور رافائيل (1759-1831). وقد تم طبع القاموس في بولاق بتشجيع من محمد علي[1]، تلته ترجمة من قبل أنطون زخور أيضا لكتاب "الأمير" لماكيافيلّي، صدرت تحت عنوان "الأمير في علم التاريخ والسياسة والتدبير"[2].

وخلال الفترة نفسها شهدت الترجمة من الإيطالية في تونس شيئا من الاهتمام ضمن غرض محدد. حصل ذلك مع تأسيس مدرسة باردو الحربية (1840)، ثم في مرحلة لاحقة مع إنشاء المدرسة الصادقية (1875). حيث كان الحرص بالأساس على تعريب المصنّفات العسكرية والعلمية. بقيت منجزات المدرستين (في حدود أربعين عملا) مخطوطة في المكتبة الوطنية في تونس. ومن الطريف أن عمل الترجمة، في مدرسة باردو الحربية، كان يتولاه ثلاثة أطراف. يجري نقل المصنف بإشراف المدرس الإيطالي حينها، رفقة الضباط أو الطلاب التونسيين، ليتكفّل بالنص في مرحلة أخيرة شيخ زيتوني يقوّم عجمة اللسان وركاكة العبارة.

anfasse20111أ‌- القواميس الإيطالية العربية
-          القاموس الإيطالي العربي (لخليفة محمد التليسي)
يحوي قاموس الليبي التليسي[i] حوالي 35 ألف مفردة. وعلى ما يورد صاحبه في المقدمة، أن القاموس قد أُلّف لحاجة شخصية، بعد تجربة طويلة مع ترجمة النصوص الإيطالية. فقد حمل هذا العمل رغبة كامنة في نفس صاحبه، منذ أن نشأت لديه صلة بهذه اللغة الجميلة التي أحبها وأحب ثقافتها. يحاول القاموس أن يغطي كافة فروع المعرفة واتجاهاتها، ويتضح ذلك من:

-     العناية بالمصطلحات، والكلمات المعبرة عن الاتجاهات السياسية والفلسفية والأدبية والفنية المعاصرة.
-     مراعاة الاستعمال الحديث للكلمات، والتطور الذي لحقها في الحياة الحديثة.

كما يقدّر صاحبه أن عمله يتجاوز علميا كافة القواميس الإيطالية العربية التي سبقته، بما سعى إليه في سد الحاجات المتعددة للدارس والباحث المعاصر. وقد استفاد التليسي من جملة من القواميس، بالأساس قاموس النهضة لإسماعيل مظهر، وقاموس المورد للبعلبكي، وقاموس المنهل لسهيل إدريس وجبور عبدالنور، لا سيما في مجال المصطلحات العلمية. لكن على دقة التليسي في البحث عن المرادف العربي للمفردة الإيطالية، أو في نحت نظير لها، يبقى المترجِم المستعين بهذا القاموس في حاجة إلى مراجعة قاموس إيطالي إيطالي، لا سيما في ما يتعلق بمصطلحات العلوم الإنسانية والاجتماعية حديثة المنشأ التي يفتقر إليها القاموس.

ضمن السياق الثقافي العربي الإيطالي، يلوح جليا مدى ارتهان تطور الحركة المعجمية بين العربية والإيطالية إلى أوضاع الدراسات بين اللغتين والثقافتين. ففي مستوى الدرس الأكاديمي والبحث العلمي، تبدو انشغالات الجانب العربي دون مستوى نظيره الإيطالي، من حيث الشمول والراهنية والعمق. حيث تتركز جلّ اهتمامات أقسام الدراسات الإيطالية في الجامعات العربية على المدخلين اللغوي والأدبي، اللذين غلبا على ما سواهما، وبُخست جوانب أخرى مهمة. ما أضفى على الدراسات الإيطالية -Italianistica- طابع العزلة وعدم المواكبة. ولم ينفتح الدرس الجامعي على مجالات رحبة، تلبي حاجات معرفية وعملية يتطلبها الواقع الثقافي.

هذا الانحصار الذي ميز أقسام الدراسات الإيطالية في الفضاء الجامعي العربي، قابله انفتاح أقسام الدراسات العربية والإسلامية في إيطاليا، سواء كان في مجال ما يسمّى بالاستعراب -Arabistica-، أو في مجال الإسلاميات -Islamistica-، على قضايا تسائل محيطها الاجتماعي، شملت الهجرة والاندماج، والإسلام في الغرب، والتعددية الثقافية؛ أو ضمن آفاق أرحب، امتدت إلى حقول السياسة والاجتماع والتاريخ والآثار والإسلاميات وغيرها[i].

فقد ألقت أوضاع الدراسات بين الجانبين بظلالها على الحركة المعجمية بين اللغتين. ولم نشهد بين الدارسين العرب للغة والآداب الإيطالية، ولا لدى نظرائهم في الاستعراب والإسلاميات في إيطاليا نزوعا نحو غور اللغتين، بقصد تطوير قواميس تلبي حاجات تخصصات معرفية، وبقي الأمر مقتصرا على القواميس المفرداتية لا غير. وحتى الشق الكاثوليكي من الكنيسة العربية، الذي يُفترض أن تربطه علاقة وطيدة باللغة الإيطالية، من خلال البعثات والدراسة والأبحاث في الجامعات الحبرية التابعة إلى حاضرة الفاتيكان، لم يخلف ذلك التواصل شغفا لديه لتطوير قواميس عربية إيطالية تمليها الحاجة.

Aanfasse03114  لن تجد كلمة دلت على معاني بلغت من التضارب حد التناقض، مثل كلمة العدمية في مجرى استخداماتها من طرف توجهات فكرية مختلفة المشارب أدبا وفلسفة وفنا، حتى إن الناظر في النزعات التي توسلت بالمصطلح من إلحادية وأنا واحدية وريبية ومادية وتشاؤمية. يقف على تلبس دلالاتها لبوسات تختلف باختلاف التيارات والمذاهب؛ فكانت بحق تعبيرا عن توجه ينطوي على قيم مبتدعة ساهمت في تعرية وكشف السمات الثقافية لأزمة الحضارة الغربية أيما إسهام.
      لقد تنقل هذا المصطلح من فضاء ثقافي إلى آخر ومن قطاع معرفي نحو آخر، حتى صار كل واحد ينسب لنفسه السبق في استخدامه. فهذا صاحب رواية الآباء والأبناء تورغينيف يدعي فضل اجتراحه في الوقت الذي توسل به آخرون قبله كالقديس أوغسطين وعلماء اللاهوت الألمان في القرن الثامن عشر. ولو استقصيت الجذر اللغوي اللاتيني لكلمة العدم nihil ما جنيت كبير فائدة، للإحاطة بصلب الموضوع، أي تحديد ماهية النزعة العدمية . الشيء الذي يفرض وضع المفهوم في سياقات تشكله المعرفية والتاريخية المتعددة الروافد والمتشعبة الدلالات. فهلا وُفقت رحلة الدال في استنفاذ معاني مدلوله المتباينة اللبوسات والتلاوين ؟

صديقي العزيز، تقول إنك لا تستطيع فهم الأمر وأنا أصدقك. هل تعتقد أنني أفقد عقلي؟ ربما لكن لأسباب تختلف عما تتخيل.
نعم أنا سأتزوج وسأخبرك لماذا سأخطو هذه الخطوة.
بعد أن أُضيف أنني أعرف القليل فقط عن الفتاة التي ستصبح زوجتي غدا؛ رأيتها لأربع أو خمس مرات. أعرف ألا شيء يعيبها وهذا يكفيني لغرض الزواج منها. هي فتاة قصيرة وبيضاء وسمينة، وبعد غد، بالتأكيد، سأتمنى لو كانت طويلة وسمراء ورشيقة. تنتمي الى الطبقة المتوسطة، أي ليست غنية، هي فتاة عادية مناسبة للزواج لا عيوب ظاهرة ولا مواصفات مميزة.
يقول الناس عنها اليوم: "الانسة "لاجول" انسة لطيفة للغاية"، وسيقولون غدا: " مدام "رايمون" امرأة لطيفة للغاية". هي واحدة من الكثيرات اللواتي يفتخر أي شخص بالحصول على واحدة منهن كزوجة، حتى تأتي اللحظة التي يكتشف فيها أنه يفضل جميع النساء على تلك الواحدة التي تزوج منها.

anfasse03102في الأساطير، في الملاحم، في الروايات، في الشارع العام، دائما نتحدث عن الجمال، يغوينا الجمال، يثير خيالنا وحواسنا، يلفت انتباهنا، يدفعنا لتغيير رؤانا نحو ذواتنا، كلما نظرنا للجميل نلتفت مباشرة لجمالنا نحن، للتساؤل حوله، لاكتناه أبعاده، هل بيننا اختلاف كبير بين جمالنا وهذا الجمال الماثل أمام أعيننا ؟ ومن جانب آخر هل أستحق أن أمتلك هذا الجمال، بل هذا الجميل ـ كشريك، رفيق، زوج، نصف يغطي قبحي ! (أو يضيف جمالا لجمالي كروعة تجمعنا) بأقل تقدير أصير نصف قبيح/جميل معه.

روبرت هوج Robert Hoge (كاتب أسترالي) من طينة أخرى، تساؤلاته بهذا الخصوص أكثر عمقا، طالما أنه يدرك جيداً أنه لا مجال للتقارن مع الجميل الماثل أمام العين، فقبحه ـ حسب منحنيات الجمال ـ محسوس وظاهر دون حاجة لدرجة قياس. يحكي هوج عن تجربة الإدراكية والأخلاقية فيما يتعلق بالموضوع :

أول رد فعل أتلقاه عندما أخبر الناس بأني قبيح، يكون لطيفا بالغالب، معارضة عن حسن نية «لا أنت لست كذلك، أنت فقط.. مختلف»؛ «كل شخص جميل حسب طريقته». هذه مجرد بضعة ردود أتلقاها كلما حاولت فتح نقاش حول الاختلافات المظهرية. لكنهم يكذبون.

anfasse14089تهدف هذه الدراسة إلى اقتراح ترجمتين لمصطلحين غربيين هما: Le sacré وLa légende، كما تهدف أيضا إلى اقتراح مفهوم جديد لمصطلح عربي هو الأسطورة وذلك من أجل المساهمة المتواضعة في حل أزمة المصطلح في العلوم الإنسانية.

I – Le sacré
إن الملاحظات الآتية توضح لنا الفرق الشاسع بين مصطلح Le sacré ومصطلح المقدس الذي اعتدنا أن نترجمه به:
1 ـ إذا كان مصطلح المقدس واضح المعنى، صريح الدلالة في الثقافة والتراث العربيين والإسلاميين، أي في المعاجم العربية قديمها وحديثها، وفي كتب التفاسير، فإننا لا نكاد نعثر لمصطلح Le sacré على معنى واضح ولا على دلالة صريحة، بل حتى على تعريف موحد ومتفق عليه في الثقافة والتراث الغربيين، إلى درجة أن الأنثروبولوجيين وعلماء الاجتماع الغربيين رأوا أنه من الأسلم لهم أن يصفوا التجليات الخارجية لمصطلح Le sacré، والمواقف التي يولدها لدى المؤمن عوض أن يعرفوه.
2 ـ المقدس معناه في الثقافة والتراث العربيين والإسلاميين: المبارك والمطهر.
فقد جاء في لسان العرب: " والمقدس: المبارك، والأرض المقدسة: المطهرة، وقال الفراء "الأرض المقدسة: الطاهرة"… ويقال: أرض مقدسة أي مباركة"([i]).
وجاء في تاج العروس: "البيت المقدس: لأنه يتطهر فيه من الذنوب أو للبركة التي فيه"[ii]، وكل ما اشتق من قدس بضمتين أو من قدس بإسكان الثاني وهو اسم ومصدر، له علاقة بالبركة والطهارة، فقد جاء في معجم الألفاظ والأعلام القرآنية: "قدس الله تقديسا: طهر نفسه له، وقدس الله: عظمه وكبره، وقدس الإنسان الله: نزهه عما لا يليق بألوهيته، وقدس الله فلانا: طهره وبارك عليه، وتقدس لله: تنزه عما لا يليق بجلاله، والقدوس من أسماء الله الحسنى بمعنى الطاهر المنزه عن النقائض"[iii].