خص آلان تورين، أحد أكبر السوسيولوجيين في عصرنا، مجلة زمان بحوار قيم أبرز فيه رؤيته للحداثة، للديمقراطية وللعنف الذي يهز عالمنا. وهي أفكار تتجاوز نطاق ما هو مألوف ومحافظ.
يذكرنا آلان تورين في هذا الحوار بأنه رجل مبادئ. وهو قول يقطع مع الحياد الشائع لدى السوسيولوجيين. تلك خطوة ملتزمة لها ثمنها في النهاية. ويعتبر هذا السوسيولوجي الفرنسي من أكثر السوسيولوجيين تأثيرا في عصرنا. وقد ترجمت كتاباته ونشرت في أكثر من مئة بلد. ولد آلان تورين سنة 1925. وانضم في شبابه إلى المدرسة العليا للأساتذة بباريس. وهي مدرسة مفرطة الانتقائية بالنسبة إليه. وعلى خطى السوسيولوجيا الميدانية، تقمص تورين شخصية عامل منجمي بشمال فرنسا خلال سنة 1947. وبذلك دشن مرحلة طويلة من سوسيولوجيا الشغل، مع التوقف طويلا عند الحركة العمالية. وفي سنة 1964، نشر أحد أعماله الذي يعتبر مرجعا في الميدان، "الوعي العمالي".
هيراقليطس – بولي - تقديم وترجمة: هادي معزوز
هؤلاء الإغريق الذين يسكنون وجداننا وتفكيرنا وتأويلاتنا وتصوراتنا بمختلف مشاربها وأزمنتها وأمكنتها، هل بإمكاننا التفكير خارج جبتهم في الفلسفة كما الكوسمولوجيا، وفي السياسة كما العلوم، وفي الموسيقى كما الفنون؟ إنهم يمثلون هذا الحاضر، بل قل إنهم الحاضر وقد تنطع من القوانين التي وضعوها.. كل تفكير إذن لا يمكن أن يخرج عن إطار ما هو إغريقي حتى ولو كان يضاده أو يناقضه تماما، بل أكاد أقول أننا لسنا سوى صدى وإعادة تكرار لما حصل خلال سبعة قرون بميثولوجياتها ولوغوسها، بفنها وأدبها، وبخَطابَتها فمنطقها.. أليست فلسفة العصر الوسيط تثمينا للصراع الضمني بين الأفلاطونية والأرسطية في ربط شيق بين الثيولوجيا والأكسيولوجيا؟ إضافة طبعا إلى أفلوطين والذي إن لم يكن إغريقيا بالجغرافيا فإنه إغريقي بالهوى. أوليس الصراع الذي طبع الفلسفة الحديثة بين المدرستين العقلانية والتجريبية يجسد الصراع الضمني بين المعلمين الأول والثاني على المستوى الفلسفي والإبستيمولوجي والمنطقي والسياسي..؟
منزلة الأثر الفني في ثقافتنا حسب بول ريكور - تقديم وترجمة: د.زهير الخويلدي
يوجد الفكر الفلسفي لبول ريكور عند مفترق طرق التخصصات المتعددة ، ويعتبر أمرًا أساسيًا في علم اللاهوت ، ولكنه لا يشتمل فقط على اللاهوت - وخاصة التفسير الكتابي – بل يتضمن أيضا الفكر النقدي والعمل الأكاديمي المعاصر. كما تعد أعمال ريكور الفلسفية مرجعا أساسيا لأولئك المهتمين بعلم الجمال ، لأنها تعيد تأهيل اللحظة الجمالية الحرة ضد أي سبب فعال. كما يشدد ريكور على التغلب على الأخلاق من خلال علم الجمال (الذي له الحق في أن يكون أخلاقيًا) ، لكنه يبيح إمكانية فصله عن الأخلاق أيضًا ، بقدر ما يأخذ مصدره في اللغة وفي الفعل الإنساني (وليس في فعل الله أو في خلقه على هذا النحو).
جان جينيه ..لص صغير وكاتب كبير – ترجمة: أحمد رباص
"أردت أن أكون خائناً، لصا، ناهبا، مخبرا، كارها، مدمرا، محتقرا، جبانا. بضربات الفأس والصراخ، قطعت الحبال التي شدتني إلى عالم الأخلاق المعتادة، أحيانا فككت عقدها بشكل منهجي. بوحشية، أبتعدت عنكم، عن عالمكم، عن مدنكم، عن مؤسساتكم. بعد ما خبرت حظركم الإقامة، سجونكم، إنذاركم ، اكتشفت مناطق خالية شعرت فيها بفخر أكبر. " (ج.ج.)
1 - المجتمع الإجرامي حسب جينيه
عالم جان جينيه يختصر بأكمله في هذه الكلمة (المقتطفة من "يوميات لص" ). قال طبيب محلف لدى إحدى المحاكم إن جان جينيه وصل إلى "العمى الأخلاقي". هذا ليس خطأ لأن جينيه مرشد أخلاقي يتهم المجتمع ويريد إعادة تأهيل المجرمين. يجب أن نتذكر أن الإنسان الفاضل ليس هو الرجل الذي يصنع لنا أخلاقا ولكنه الشخص الذي يبني أخلاقا، أيا كانت .
ألان تورين يقدم كتابه "نهاية المجتمعات"- ترجمة مصطفى ناجي
تقديم
ينطلق آلان تورين من مبدأ أساسي وهو أن أي مجتمع تاريخي (مجتمع متوفر على شروط التطور)، يقوم على دعامتين أساسيتين: مجموعة من الممارسات التي يقوم بها تجاه محيطه (ثرواته الطبيعية والبشرية) وهو ما يسمى الاقتصاد. ومجموعة من التأويلات التي ينتجها حول هذه الممارسات ليعطيها معنى، وهو ما يسمى الثقافة.
وتختلف الأنماط المجتمعية باختلاف هذين العنصرين. فالمجتمعات الدينية تقوم بممارسات دينية وتفكر في نفسها وفق مقولات دينية (تمثلت في الفكر اللاهوتي في القرون الوسطى). والمجتمعات السياسية التي ظهرت مع عصر النهضة، وامتدت حتى القرن التاسع عشر. وقد قامت على أساس ممارسات سياسية ( الملك ، الشعب، الحرب...). وتجلت التمثلات الثقافية لهذا المجتمع في إنتاج ما كيافيللي وهوبز ولوك وروسو وطوكفيل..؛ والمجتمعات الاجتماعية التي ارتبطت بالثورة الصناعية، والتي اتسمت ممارساتها بالبعد الاجتماعي (الأسرة، الطبقة، النقابة، المدرسة..)، وفكرت في نفسها بمقولات اجتماعية عبرت عنها السوسيولوجيا كما حددها دوركايم بكونها تفكيرا في الاجتماعي بما هو اجتماعي.
ماريو بارغاس يوسا: كان تروخيو يتحقق من إخلاص وزرائه عن طريق مضاجعة نسائهم - ترجمة وتقديم أحمد رباص
في بداية الألفية الثالثة، صدر لماريو بارغاس يوسا رواية "حفلة التيس" عن دار النشر "غاليمار" الشهيرة. في هذه الرواية تحدث الروائي عن مدينة عليها أحد الطغاة الذي يذيق شعبه الهوان. استطاع ماريو بارغاس رسم صورة مرعبة لذلك الطاغية، مستعيناً بحسه الروائي العميق، وبتجربته الأدبية الفنية. نجح في تقصي فترة تاريخية، سياسية تصعب على الرواية تناولها بنفس الشكل.
ثمة وصف عميق ودقيق للدواخل الشخصيات ومشاعرها، وحالات الهلع والذعر التي تنتابها، ووصف آسر للشوارع والبيوت والحدائق والطرقات والروائح، وزرقة البحر وفق منحى بصري لا يترك شيئاً إلا ويجد له حيزا في رواية الأرواح الباحثة عن الطمأنينة في تضاريس تلك الجمهورية المضطربة والقلقة، فتتحاور بخوف، وتحيا بخوف، وتموت بخوف... لكنها تتغلب في النهاية على هذه العقدة، وتقتل الطاغية.
كيف "صعد متوسّطو الكفاءة إلى السّلطة"؟ : حوار مع صاحب كتاب "المديوقراطية" ـ ترجمة وتقديم: محمّد عادل مطيمط
تقديم:
نترجم هنا كلمةMédiocre الفرنسيّة بعبارة "متوسط الكفاءة" لأن الأمر يتعلق بمجال العمل والتسيير في المجتمعات المعاصرة، التي بعد أن كانت تفوّض إدارتها إلى من يتمتعون بالأهلية التامة في مجالاتهم، انتقلت تدريجيا نحو وضع يقتضي توظيف من هم في مستوى "المعدّل العام"la moyenne générale (المتوسّط)، ونحو الحطّ من درجة الكفاءة الوظيفية إلى المستوى المتوسطMédiocre ، بل والى ما هو أدنى من المتوسط. أما ما يسمّيه "آلان دانيو" هنا بالمديوقراطيةMédiocratie فهو حسب رأيه سيطرة هذا المستوى اليوم على مجالات العمل والتسيير بشكل عام، إنه كما يقول "المستوى المتوسّط وهو في طور الفعل"(La médiocrité en acte )، أو قل في طور التحكّم. وإذا أردنا أيضا تحميل العبارة شُحْنةً أخلاقية وسياسية فإنه يمكننا أن نستخدم لفظ "تفاهة"، (ومنها التافه: جمع توافه وتافهين) أو "رداءة" أيضا، وذلك قياسا على درجة الانحطاط الحاصل وعلى ما لحق بالمجتمعات من ضرر اجتماعي ومعرفي وسياسي من جرّاء صعود وتفشي هذا النمط الجديد من التسيير. وفي الحقيقة، يضعنا المعجم الفرنسي أمام المعنيين في الآن نفسه: فالجذر اللاتيني mediocritas يعنى أن يكون الشيء في مستوى متوسّط (fait d’être moyen) وهو ما يتأتى من معنى medium، أي milieu. ولكن المعاجم الفرنسية تحيلنا أيضا إلى المعنى الثاني الذي يدلّ على المستوى الأدنى من المتوسط (Dont la valeur est inférieure à la moyenne) وعلى التفاهة أو حتى الرّداءة (Qui n’est pas intéressant, qui est très mauvais).
حضور النزعة المركزية الأوربية كإيديولوجيا في العلوم الاجتماعية والإنسانية - ترجمة: أحمد رباص
أي شيء أكثر موضوعية ظاهريا من خارطة نصفي الكرة للأرضية؟ إنها تقدم العالم فيما يبدو كما هو.. هذا مجرد وهم.. إنها تقدمه كما يراه العالم الجغرافي؛ دلك أننا حين نرسم كرة على سطح نحدد لهذا الرسم حرفه وجهتيه العليا والسفلى ومركزه. هكذا نجد في الخرائط أستراليا في الأسفل على اليمين، في اليسار أمريكا، وأفريقيا تحت أوربا التي توجد في الوسط.
هل هي رؤية محايدة؟ بالطبع، لا. فها هو العالم الجغرافي كريستان كرتلو، أحد المشاركين في الندوة التي نظمتها جامعة باريس دنيس ديدرو بمناسبة عيد ميلادها الثلاثين، يقول: "رتبت أوربا، التي هي أصل العالمية، وجه الأرض حول ذاتها". جمعت أعمال هذه الندوة في كتاب غني ومثير بشكل خاص بعنوان ."Trans-etre les passés" :في هذا الكتاب أسئلة عن شروط إنتاج المفاهيم المتداولة بكثرة في العلوم وعن دلالتها وصلاحيتها، وفيه بيان لكون العلوم ساهمت دائما في تشكيل رؤية للعالم مشبعة بالإيديولوجيا على حساب حرصها على توافر الدقة والموضوعية في نظرتها إلى الأشياء.