نظرا لأن تزفيتان تودوروف، الفرنسي الجنسية والبلغاري الأصل، تربطه صداقة بالمفكر العالمي الفلسطيني إدوارد سعيد، وبما أن وفاة الثاني حدثت قبل وفاة الأول، كتب الأخير مقالة نشرتھا جريدة لوموند ضمنھا شھادته في حق صديقه ذي الأصل العربي. من خلال مضمونھا، تھدف المقالة إلى تقديم عربون الوفاء بالذكرى واستعادة لمكانة إدوارد سعيد وقامته في العديد من المجالات المعرفية .

”كان ادوارد سعيد واحدا من المثقفين الأكثر شھرة وتأثيرا في العالم، ألّف نحو عشرين كتابا، كان يبدو أنه يحيا حيوات في ذات الوقت، مارس النقد الأدبي في بداياته الأولى، وسار فيه على خطى جورج لوكاش وإيريش أويرباخ، أّما شھرته فھو مدين لھا بأعماله التي أنجزھا عن الھويات الثقافية، ولقاء الثقافات، وعن القوميات والحركات الإمبريالية، كما كان أيضا أحد الأصوات المسموعة أكثر التي تخدم القضية الفلسطينية1، بيد أنه كان يحرص على أن يكون دفاعه آخذا بالحسبان الشعب اليھودي ومعاناته التي تمتّد من الاضطھادات حتى المذابح.

"1- الرمز:
ظاهرة لسانية يشتغل عليها التحليل في حقلين مختلفين:
- مسطح اللغة، جثة هامدة، نسق مغلق حول نفسه.
- مسطح الكلام ،من حيث هو حركة التي تتخذ من الجملة نقطة ارتكازها.
- المعنى الرمزي:
في الظاهر لا يعدو أن يكون سوى حالة خاصة من المعنى.
-الكلمات هي متعددة المعاني: إن لها أكثر من دلالة واحدة، حيث إمكانية عدة استعارات التي لها معنى مضاعف، أو معنى المعنى.
-تمثل الحلم يتطور في مشهد معين، لكن من جهة أخرى تريد صوره أن تقول شيء معين ولا تتجاوز إذن نحو ماوراء الصور ذاتها. نزيف المعنى.
-الانزياح، تشرد شعب، يعني في درجة ثانية بعد من الوضع البشري تم انتزاعه من مكان معين في حركة نحو مكان آخر.
-النور هو الوسط في مرآوية الأشياء، لكن هو أيضا رمز لشفافية الأشياء وللعلاقة بين الأشياء.

خص آلان تورين، أحد أكبر السوسيولوجيين في عصرنا، مجلة زمان بحوار قيم أبرز فيه رؤيته للحداثة، للديمقراطية وللعنف الذي يهز عالمنا. وهي أفكار تتجاوز نطاق ما هو مألوف ومحافظ.
يذكرنا آلان تورين في هذا الحوار بأنه رجل مبادئ. وهو قول يقطع مع الحياد الشائع لدى السوسيولوجيين. تلك خطوة ملتزمة لها ثمنها في النهاية. ويعتبر هذا السوسيولوجي الفرنسي من أكثر السوسيولوجيين تأثيرا في عصرنا. وقد ترجمت كتاباته ونشرت في أكثر من مئة بلد. ولد آلان تورين سنة 1925. وانضم في شبابه إلى المدرسة العليا للأساتذة بباريس. وهي مدرسة مفرطة الانتقائية بالنسبة إليه. وعلى خطى السوسيولوجيا الميدانية، تقمص تورين شخصية عامل منجمي بشمال فرنسا خلال سنة 1947. وبذلك دشن مرحلة طويلة من سوسيولوجيا الشغل، مع التوقف طويلا عند الحركة العمالية. وفي سنة 1964، نشر أحد أعماله الذي يعتبر مرجعا في الميدان، "الوعي العمالي".

هؤلاء الإغريق الذين يسكنون وجداننا وتفكيرنا وتأويلاتنا وتصوراتنا بمختلف مشاربها وأزمنتها وأمكنتها، هل بإمكاننا التفكير خارج جبتهم في الفلسفة كما الكوسمولوجيا، وفي السياسة كما العلوم، وفي الموسيقى كما الفنون؟ إنهم يمثلون هذا الحاضر، بل قل إنهم الحاضر وقد تنطع من القوانين التي وضعوها.. كل تفكير إذن لا يمكن أن يخرج عن إطار ما هو إغريقي حتى ولو كان يضاده أو يناقضه تماما، بل أكاد أقول أننا لسنا سوى صدى وإعادة تكرار لما حصل خلال سبعة قرون بميثولوجياتها ولوغوسها، بفنها وأدبها، وبخَطابَتها فمنطقها.. أليست فلسفة العصر الوسيط تثمينا للصراع الضمني بين الأفلاطونية والأرسطية في ربط شيق بين الثيولوجيا والأكسيولوجيا؟ إضافة طبعا إلى أفلوطين والذي إن لم يكن إغريقيا بالجغرافيا فإنه إغريقي بالهوى. أوليس الصراع الذي طبع الفلسفة الحديثة بين المدرستين العقلانية والتجريبية يجسد الصراع الضمني بين المعلمين الأول والثاني على المستوى الفلسفي والإبستيمولوجي والمنطقي والسياسي..؟

يوجد الفكر الفلسفي لبول ريكور عند مفترق طرق التخصصات المتعددة ، ويعتبر أمرًا أساسيًا في علم اللاهوت ، ولكنه لا يشتمل فقط على اللاهوت - وخاصة التفسير الكتابي – بل يتضمن أيضا الفكر النقدي والعمل الأكاديمي المعاصر. كما تعد أعمال ريكور الفلسفية مرجعا أساسيا لأولئك المهتمين بعلم الجمال ، لأنها تعيد تأهيل اللحظة الجمالية الحرة ضد أي سبب فعال. كما يشدد ريكور على التغلب على الأخلاق من خلال علم الجمال (الذي له الحق في أن يكون أخلاقيًا) ، لكنه يبيح إمكانية فصله عن الأخلاق أيضًا ، بقدر ما يأخذ مصدره في اللغة وفي الفعل الإنساني (وليس في فعل الله أو في خلقه على هذا النحو).

"أردت أن أكون خائناً، لصا، ناهبا، مخبرا، كارها، مدمرا، محتقرا، جبانا. بضربات الفأس والصراخ، قطعت الحبال التي شدتني إلى عالم الأخلاق المعتادة، أحيانا فككت عقدها بشكل منهجي. بوحشية، أبتعدت عنكم، عن عالمكم، عن مدنكم، عن مؤسساتكم. بعد ما خبرت حظركم الإقامة، سجونكم، إنذاركم ، اكتشفت مناطق خالية شعرت فيها بفخر أكبر. " (ج.ج.)

1 - المجتمع الإجرامي حسب جينيه

عالم جان جينيه يختصر بأكمله في هذه الكلمة (المقتطفة من "يوميات لص" ). قال طبيب محلف لدى إحدى المحاكم إن جان جينيه وصل إلى "العمى الأخلاقي". هذا ليس خطأ لأن جينيه مرشد أخلاقي يتهم المجتمع ويريد إعادة تأهيل المجرمين. يجب أن نتذكر أن الإنسان الفاضل ليس هو الرجل الذي يصنع لنا أخلاقا ولكنه الشخص الذي يبني أخلاقا، أيا كانت .

تقديم
ينطلق آلان تورين من مبدأ أساسي وهو أن أي مجتمع تاريخي (مجتمع متوفر على شروط التطور)، يقوم على دعامتين أساسيتين: مجموعة من الممارسات التي يقوم بها تجاه محيطه (ثرواته الطبيعية والبشرية) وهو ما يسمى الاقتصاد. ومجموعة من التأويلات التي ينتجها حول هذه الممارسات ليعطيها معنى، وهو ما يسمى الثقافة.
وتختلف الأنماط  المجتمعية باختلاف هذين العنصرين. فالمجتمعات الدينية تقوم بممارسات دينية وتفكر في نفسها وفق مقولات دينية (تمثلت في الفكر اللاهوتي في القرون الوسطى). والمجتمعات السياسية التي ظهرت مع عصر النهضة، وامتدت حتى القرن التاسع عشر. وقد قامت على أساس ممارسات سياسية ( الملك ، الشعب، الحرب...). وتجلت التمثلات الثقافية لهذا المجتمع في إنتاج ما كيافيللي وهوبز ولوك وروسو وطوكفيل..؛ والمجتمعات الاجتماعية التي ارتبطت بالثورة الصناعية، والتي اتسمت ممارساتها بالبعد الاجتماعي (الأسرة، الطبقة، النقابة، المدرسة..)،  وفكرت في نفسها بمقولات اجتماعية عبرت عنها السوسيولوجيا كما حددها دوركايم بكونها تفكيرا في  الاجتماعي بما هو اجتماعي.

في بداية الألفية الثالثة، صدر لماريو بارغاس يوسا رواية "حفلة التيس" عن دار النشر "غاليمار" الشهيرة. في هذه الرواية تحدث الروائي عن مدينة عليها أحد الطغاة الذي يذيق شعبه الهوان. استطاع ماريو بارغاس رسم صورة مرعبة لذلك الطاغية، مستعيناً بحسه الروائي العميق، وبتجربته الأدبية الفنية. نجح في تقصي فترة تاريخية، سياسية تصعب على الرواية تناولها بنفس الشكل.
ثمة وصف عميق ودقيق للدواخل الشخصيات ومشاعرها، وحالات الهلع والذعر التي تنتابها، ووصف آسر للشوارع والبيوت والحدائق والطرقات والروائح، وزرقة البحر وفق منحى بصري لا يترك شيئاً إلا ويجد له حيزا في رواية الأرواح الباحثة عن الطمأنينة في تضاريس تلك الجمهورية المضطربة والقلقة، فتتحاور بخوف، وتحيا بخوف، وتموت بخوف... لكنها تتغلب في النهاية على هذه العقدة، وتقتل الطاغية.