هذا <<الاغواء>> يقود في الفلسفة الى مرحلة متميزة في الكتابة هي <<المحاولة>>. وهذه كانت بين اغنى وأنشط مجالات الإبداع في فترات ازدهار سابقة لثقافتنا, الا اننا نلاحظ غيابها النسبي في مرحلتها الراهنة. فثمة قطيعة بين تلك الفترات وفترتها المعاصرة تتقلص تدريجيا بلا شك, بيد انها لن تزول مما يعني ان الانطلاق فيها غير ممكن الا على اساس تواصل مع المعطى الماضي (ولنقل ما قبل العثماني مؤقتا), انما على أساس جديد يتصل بالضرورة بالمنجز العالمي والغربي خاصة ويتفاعل معه لأن الفلسفة كونية بالطبع وبالطبيعة.
من هنا تأتي الأهمية الاستثنائية للترجمة الدقيقة لذلك المعطى العالمي الذي نأمل الاستفادة منه واللحاق به وربما تجاوزه. والحال ان الترجمات العربية للنصوص الفلسفية الغربية الكبرى مثلا لا تزال ضعيفة بشكل مثير برغم التلاقيات المتعاظمة بين الثقافات العالمية التي تحققت في العقود العشرة الماضية لأسباب عديدة معروفة في مقدمتها الثورة الكونية في مجال الاتصالات والمواصلات. والاخطر من ذلك ان بعض المفاهيم الفلسفية الجوهرية السائدة تتضاد مع الاصل المترجم, مما يجعل التأسيس عليها خاطئا منذ البدء مع كل ما يترتب على ذلك من أوهام ومغالطات.
تناقضات الترجمة الفلسفية الى العربية
فعلى سبيل المثال, قادتني نزوة في مرة سابقة الى تأمل مفهوم الذات لدى ديكارت, فوجدت نفسي ازعم ان عبارة <<انا افكر اذن انا موجود>>, هذه الصياغة العربية المعتمدة من قبل الجميع كما يبدو, مضطربة قطعا وعقيمة, كترجمة لما يعرف بـ <<الكوجيتو>> الديكارتي.
فـ (Sum Cogito Ergo( , لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تعني, بنظرنا المتواضع, مجرد <<انا افكر اذن انا موجود>>. بل تعني, حرفيا, (افكر اذن أنا). او كما نقترح <<افكر اذن ذات أنا>>.