أنفاسعلى الأثر الفني أن يقدم ذاته للإدراك! ويجب إنجازه لينتقل من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل. ويتحتم على الإنجاز – على الأقل – بالنسبة لبعض الآثار التي تقوم على الرموز في انتظار من يفعلها. عندها يمكننا أن نتحدث عن وجود افتراضي ، حتى وإن كان الأثر منتهيا لا يضيف إليه الإجراء شيئا على إلى مقصد المؤلف. وضرورة التحقيق – مثلما يقول لنا "إنغاردن" "INGARDEN" يفرضها علينا الأدب المسرحي مثلا. فعندما أقول مسرحية أشعر أن ثمة شيء ناقص أحاول إتمامه، وأنا أفكر – في شيء من الغموض ، وحسب معرفتي بالمسرح-  في الإخراج و المواقف، والنبرات. وكأن ما أفعله إنجاز خيالي ، بيد أنه يبعث الحياة في النص، ويضيء عتمته. فكلمة تأخذ معناها لأنها تنفلت مثل الاعتراف، وأخرى لأنها تنفجر، ومشهد يغدو دراميا فقط للوجود المحتشم لشخصية ملكية صامتة، وعبارة " كم استثقل هذه الزينات، وهذا الحجاب الفضفاض‍‍" تستدعي حركة نوعية، أو زيا خاصا.فإذا كان المؤلف في بعض الأحايين قد عمد إلى تسجيل إشارات تخص الديكور ، أو اللعب، فذلك لأجل القارئ أولا حتى يثير خياله في الحدود التي يسمح الكتاب فيها بمضاعفة المشرح المشاهد للمسرح المقروء.( 1) وفي واقع الأمر ، يكون جهد التخييل الذي أسديه للنص، حين يعترض إدراكي المباشر خط الكلمات، في خدمة الحكم، دون الإدراك. لأنني عندما أنجز المسرحية وفق قدراتي الخاصة، فإنني أسعى قبل كل شيء إلى الفهم، إلى الاكتشاف، أو إلى مناقشة المعنى. إنها حقيقة القراءة‍‍. ففي غياب الوجود الحسي الذي يتحول الأثر بموجبه إلى موضوع جمالي ، يقوم الأثر  مادة للتفكير ببنيته ودلالته. بيد أنني في المسرح أتلقى السحر، أما في القراءة فإنني ببرودة أتدرب على ذكاء النص، والاستفادة الحسنة منه.ومن ثم تقدير الأثر . إنه التقدير الوحيد الذي تنتظره المسرحيات التي لم يتسنى لها حظ الوقوف على الخشبة .. وعندما لا أقف منها موقفا إستيطيقيا ، فإن الأثر لم يتحقق عندي موضوعا جماليا. (2) وذلك الاكتشاف يحققه الإنجاز الفعلي للمسرحية. وقبل البحث عن التغيير الذي يحمله الإنجاز لأصول الأثر ، لنرى كيف تفرض بعض الفنون إجراءها الخاص الذي يميزها عن غيرها .
1 - الفنون التي يكون فيها المنجز غير المؤلف:
       إن الفنون التي تقتضي إنجازا، هي تلك الفنون التي يكون فيها إجراؤها مرحلة منفصلة عن إبداعها. وقد نسمي العرض الأول للمسرحية إبداعا، حتى وإن كان الممثل غير المؤلف، يحقق فيها لذاته نعت الفنان. ومن دون شك يظهر الفرق شاسعا بين الإنجاز والإبداع في العلاقة بين المهندس المعماري والمقاول. وبدرجة أقل أقل بين مصمم الرقصة والراقص. لأن فن "الباليه""BALLET" هو الفن الذي لا وجود له في غياب المنجِز، لأنه يفتقر إلى نظام من الرموز المحددة، وتتعين قيمته من قيمة المنجز وحده. وبغض النظر عن المهندس المعماري، فإن ادعى الممثل والعازف والراقص نعت الفنان، فلإحساسهم جميعا بضرورتهم للفن... كيف ذلك؟

أنفاسأولا- الترجمة ووعي الذات :‏
الترجمة ضرورة أملتها ظروف علاقة الإنسان بذاته وبغيره . فمنذ وعى الإنسان ذاته وتميزه عن الآخر , بدأ يبحث عن فهم هذا الآخر ليعزز من فهمه لذاته , أو لتميزه عن ذاك الآخر أو تواصله معه‏
من هذا المنطلق تعمل الترجمة على فتح الآنية على الغيرية ، وتقحم الآخر في الذات وتوسع دائرة التخيل لدى الإنسان ، وتحفظ ذاكرة الشعوب من الاندثار، وتجعل المرء يسافر عبر الأزمنة والأمكنة دون أن يبارح زمنه الخاص أو مكانه الخاص. كتب مترجمو طبعة الملك جيمس من الكتاب المقدس عام 1611 :" إن الترجمة هي أن نشرع النافذة لكي نتيح للنور أن يدخل ، وأن نكسر القوقعة كيما نأكل اللب ، وأن نزيح الستارة فنرى إلى المكان المقدس ، وأن نرفع الغطاء عن البئر حتى نجد الماء ..."‏
ولكي يكون التفاعل الثقافي مع الآخر فاعلاً ومؤثراً ومنتجاً، ينبغي لنا أن نعرف الذات بالإضافة إلى معرفتنا للآخر. وإذا كانت الترجمة تساعدنا على معرفة الآخر عن طريق نقل فكره إلينا، فإنها تساعدنا أيضاً على إدراك الذات بطريقتين متكاملتين. الأولى، تقوم الترجمة بتسليط الضوء على الآخر لنتعرّف عليه، وتعرُّفنا عليه يساعدنا على معرفة أنفسنا، لأننا لا يمكننا أن ندرك الذات ما لم نعرف الآخر، فبالآخر يتحدد الأنا. والثانية، هي أن ندرك ذاتنا عن طريق إدراك الآخر لنا. وتقوم الترجمة بنقل تصورات الآخر عنا إلينا. وكما بات معروفا فإن وعي الذات هوأحد الشروط الأساسية لتغيير الواقع الذي يحيط بهذه الذات . وكلما كان المرء واثقا من فكره وصحة وواقعية أهدافه كلما استطاع التعاطي مع الآخر المختلف دون خوف من الوقوع تحت هيمنته , ومثالنا على ذلك حلقات الحوار التي كانت تناقش كل شيء دون وجود لخطوط حمر أو خضر، أيام المأمون ، والمترافقة مع اتساع حركة الترجمة وانفتاحها حتى على فكر وخبرة المجتمعات والدول التي ناصبت الدولة العربية العداء من روم وفرس وغيرهم . فالترجمة لا تكون أداة فاعلة في المساهمة في تطوير مجتمعنا إلا عندما يتوفر شرط قبول التفاعل الحضاري مع المجتمعات المترجم عنها، وبالتالي شرط قبول الاقتباس عن "الآخر". وبالرجوع إلى عصر الازدهار العلمي العربي الإسلامي يتبين لنا بأن ظهور الترجمة وتطورها قد تحققا في مناخ شاعت فيه الحرية الفكرية وشهد انتصار أنصار المعارف الحديثة، الذين شّرعوا الاقتباس عن الأمم الأخرى ، على أنصار المعارف التقليدية، الذين وقفوا في وجه العلوم "الدخيلة". لقد انفتح العرب المسلمون على "الآخر" من دون أي تردد في ذلك العصر.....أما بعد تفكك الدولة القوية جراء الصراعات الداخلية والاستبداد والفساد ، فقد بات المجتمع والفكر واللغة والمصالح والحدود عرضة لجميع أنواع الانتهاكات ، وآل بنا الأمر للنوم لأكثر من أربعة قرون، نفترش الخنوع ونلتحف الغيبيات ، بينما كانت المجتمعات الأخرى تبني بأفكار فلاسفتنا وعلم علمائنا، بالإضافة إلى عناصر أخرى ، مجتمعات متطورة باستمرار .‏

أنفاسالمعادلة هي الإلحاق‏ :
في علم الترجمة، هناك دعاةٌ يشجّعون نزعة التمركز على العرق. وهذا ما سنعاينُه بصدد مقالة نشرتها المجلة الكندية META بقلم رومني: 1984)، وهذه المقالة تهتمُّ بترجمة التضمينات(1) الثقافية، في قصة: "أليس في بلاد العجائب". ويدرسُ كاتب المقالة، من بين النصوص الفرنسية الموجودة التي تقارب الأربعين، سبعة نصوص، نُشرت بين عامي 1869 و1976. أما حديثنا هنا فلا يتمثل في أن نقدم بدورنا نقداً لتلك النصوص المختلفة، بل في تبيان الكيفية التي تؤدي بالإطار التحليلي الذي يضع مؤلف المقالة نفسه فيه، إلى الوقوع في نطاق الانغلاق.‏
إن ك.رومني يعدد تسع مشكلات ثقافية، أي أنه يعدِّد، في واقع الأمر، تضمينات ثقافية بريطانية بنوع خاص، وهي تشكل صعوبات في الترجمة، وهذه الصعوبات هي: 1-"أن جنسية شخوص كتاب معين يجري تعرُّفُها عموماً من خلال الأسماء التي تحملها". 2-"وثمة دليل آخر يتيح للقارئ أن يعرف جنسية الشخوص هو، بدهياً، اللغة التي تتكلمها". 3-"التلميحات إلى تاريخ انكلترا والذي لا يعرفه القراء الفرنسيون معرفة حسنة". 4-"التلميحات الجغرافية". 5-"التلميحات إلى طرائق التعليم". 6-"الطعام". 7-"بعض التلميحات النادرة إلى النظام السياسي والقضائي". 8-"التعابير الاستعارية والأمثال". 9-"الأغاني وهدهدات الأطفال أي: Nursery Rymes".(2)‏
نرى في هذه القائمة حالاً أن "تلميحات" هي الكلمة المفتاحية. فمشكلة الضمني بكاملها، وهي المشكلة الجوهرية فيما يخص إشكالية ترجمة الثافة، هي التي تُطرح هنا في واقع الأمر. ولسوف يتعين علينا أن نرجع إلى هذه المسألة. وبانتظار ذلك الحين، لنلاحظ أن ك.رومني يحذرنا، بدءاً من مدخله، من تعذر اكتشاف الآخر في العمق: "عدم الفهم هذا، وهذه الحيرة التي يثيرها الكتاب تصدر جزئياً عن الأساس الثقافي الذي يستخدم كحبكة لمغامرات الصبيّة ...). وفي بعض الأحيان لا يفهم القارئ الفرنسي التلميحات، ويلقى نفسه غارقاً في جوٍّ لا ترتبط عناصره بعالمه الخاص به، الموضع نفسه، ص: 267). وإذا ما رددنا عبارة ج. لادميرال، نجد، منذ البدء هنا "اعتراضاً استباقياً" لادميرال، 1979، الصفحات 76- 85، وما تلاهما) على ترجمة الثقافة: فثقافة الآخر تظلُّ حبيسةً في أجوائه الداخلية. وحين تصل إلى ذاتنا (3) فهي تصيبُها بالحيرة، بسبب طابعها الأجنبي. إن مقالة ك. رومني تتيح لنا أن نفهم حول أية محاور تُبنى الممارسة المتمركزة على العرق؛ فهناك، أولاً، هاجس "القارئ"، ثم البحث عن "المعادلات" الفرنسية التي يمكنها أن تتوافق مع التضمينات الثقافية الأجنبية، أو، على الأصح، أن تحل محلها، ثم تجابهنا المشكلة التي مفادها أن المرجعيات الثقافية ليس لها "القيمة" ذاتها بالفرنسية، وبالانكليزية. مثال: الفكرة التي نكوّنها عن زيلاندة الجديدة مختلفة، من هذه الجهة أو تلك من بحر المانش)؛ وهناك أخيراً رفضٌ "للغرابة".‏

أنفاسهل خطر في بالك يوماً أن تقرأ أو أن تسمع رواية مئة عام من العزلة بشيفرة بوليسيّة؟ ها هي هيئة أحد الأحياء المزدحمة بالسكّان والقريبة من مدينة مكسيكو, قد شارفت على إنجاز ترجمة فريدة في نوعها للكتاب الذي يمثّل أنموذجاً لما يطلق عليه اسم "الواقعية السحريّة".
"بداية, لا شيء من (ألفا) العزلة. (ألفا) كثيرة لاحقة, وأمام المجموعة التي تصنع 44, وقف العقيد آورليانو بوينديا يصنع 60 لمساء قصي جعله والده فيه من 26 إلى 62 الثلج".
هذا ما تقوله ترجمة رواية غابرييل غارسيا ماركيز التي ينجزها عناصر في شرطة بلدية نيزاهوالكويت بلغتهم المألوفة التي تتشكّل من رموز رقميّة وألف باء صوتيّة.
وهكذا, فقد تُرجمت عبارة مثل "أمام فصيلة الإعدام", بجملة "أمام المجموعة التي تصنع 44, وتعني الـ  44 هنا "ميت".
(والنص في الرواية الأصليّة هو: بعد أعوام عديدة, وأمام فصيلة الإعدام, كان على العقيد آورليانو بوينديا أن يتذكّر ذلك المساء القصي الذي اصطحبه والده فيه ليُريه الثلج).
التشجيع على المطالعة :
ويشكّل هذا العمل جزءاً من برنامج اسمه "انتباه! أدب!" يهدف إلى التشجيع على المطالعة في مجتمعات الشرطة, باستخدامه لغة عاميّة مألوفة لدى لابسي الزي الموحّد.
ما الفائدة التي يعود بها البرنامج على الخدمة؟ يجيب روبرتو بيريز أحد منسّقي ورشة العمل: "أولاّ, إنّه يجعلنا حساسين لكوننا كائنات بشريّة, كما يسمح لنا بمعاملة المواطنين الذين نخدمهم معاملة طيّبة, وبالعناية بمسألة الأمن العام وهي مسألة هامة جداً في كلّ أنحاء البلاد".
فقدان هيبة الشرطة :
يتصف رجال الشرطة في المكسيك بتدني مستواهم التعليمي, وبأدنى درجة من المصداقيّة, مما يجعل المواطنين الذين يقلقهم ارتفاع معدّلات الفساد في مؤسسات الشرطة, وخصوصاً على مستوى البلديات, ينظرون إليهم نظرة سيئة.
ولذا فقد رأت السلطات في محلّة نيزاهوالكويت, وهي إحدى ضواحي العاصمة, أنّ من الضروري أن تتدخّل في القضيّة في سبيل "تربية" رجل الشرطة, حسب اعتراف عمدة المحلّة فيكتور باوتيستا في مقابلة أجرتها معه محطة بي بي سي.

أنفاستقديم : تستأثر الرياضة بشكل عام، وكرة القدم على وجه الخصوص، باهتمام عدد كبير من الناس، حتى قال عنها ماو تسي تونغ ذات يوم:"ينبغي الاهتمام بهذه الرياضة التي تجمع حولها كل هذه الملايين من الناس" .غير أن الناقد الإيطالي الكبير أمبرتو إيكو  UMBERTO ECOيعتبرها ،على العكس، طريقة ماكرة لإلهاء الناس عن الحياة الاجتماعية والسياسية.وفي الاستجواب التالي الذي أجرته معه مجلة  GLOBEيعرض إيكو آراءه ويحدد موقفه.وما تتميز به هذه الآراء وهذا الموقف من جرأة في الطرح وعمق في التحليل ، يسترعي الانتباه ويفتح شهية النقاش.
                                                                                        المترجم.

*المجلة : يبدو أنكم تؤيدون فكرة أن كرة القدم –أفيون الشعوب- على غرار المقولة الروسية، تسبب وفاة عدد من الأفراد الممتازين،تاركة الإنسانية ،بذلك، تتابع سيرها مع أفراد جدد.
 إيكو:أنا متفق ،فعلا، مع المستقبليين الإيطاليين (في بداية القرن( حين قالوا :" الحرب هي وحدها الكفيلة بتنظيف العالم"،لكن،شرط أن يشارك فيها المتطوعون وحدهم.غير أنها:للأسف، تجر إليها الضحايا،فتصبح، أخلاقيا، دون مستوى العروض الرياضية، لذلك يعجبني سباق الدراجات النارية فوق الهضاب والجرف، والنزول الجنوني بالمظلات، وتسلق الجبال الشاهقة، هكذا لا يموت إلا من أوتي هذه الكبرياء في جسده. فأنا إذن أوافق على كل نشاط جسمي يؤدي إلى وفاة "الأبطال" شرط أن يكون ذلك باختيارهم. إن الأرض ضيقة جدا، فيجب أن  تترك لنا نحن الذين نملك رؤية بسيطة للحياة. ومجمل القول، فالرياضة في حد ذاتها، لا تقل احتراما عن الحب، لا أنتقد إلا العروض المغرية، حتى وإن كانت أحيانا مثيرة، والحالة هذه، أن الرياضة كما تمارس اليوم، ليست غير ذلك. بعض الكائنات الوحشية (كأخصياء كنيسة سيكستين( "صنعت" لتصبح ابطالا بلا روح، تحيط بها جماهير مبتهجة تتفرج عليها لترى كيف "تحرك أجسادها" يتعلق الأمر هنا بنوع من الإستبداد المعنوي الذي يفرض على الأغلبية نسيان جسدها، لتعجب بجسد أقلية.
 
*المجلة : أليس هناك شيء من الحسد في حديثك؟

أنفاس بعد انتهاء الحرب بفترة قصيرة، بدأت صحيفة  »العمل«  الشيوعية الأسبوعية تحقيقًا في موضوع مفاجئ لم يكن متوقعًا. هل ينبغي إحراق كافكا؟ تساءل المحررون. كان السؤال من أكثر الأسئلة التي ليست في محلها على الإطلاق نظرًا لأنه لم يكن مسبوقًا بأي شيء كان من المحتمل أن يمهد أو يؤدي إليه: هل ينبغي إحراق الكتب؟ أو، أي نوع من الكتب يجب أن يحرق؟ ومع ذلك ربما كان اختيار المحررين ماكرًا ودقيقًا. فمؤلف المحاكمة هو، كما يقولون، »واحد من أعظم عباقرة زماننا«. ومع ذلك أثبت عدد كبير من الردود أن الوضوح قد آتى ثماره. بالإضافة إلى ذلك، وحتى قبل أن تتم صياغة كل سؤال أو استنباطه، تلقى التحقيق إجابة حذفها المحررون من النشر - إجابة كافكا نفسه. لأنه على أية حال أثناء حياته، و إلى أن مات، كان كافكا قد تعذّب بالرغبة في أن يحرق كتبه.
 في رأيي أن كافكا ظلّ مترددًا حتى النهاية. في البداية، قام بتأليف كتبه، ويجب أن نتخيل فترة زمنية بين اليوم الذي يشرع فيه المرء في تأليف شيء ما واليوم الذي يقرر فيه إحراق ما قام بكتابته. علاوة على ذلك يبقى قراره ملتبسًا وغير حاسم: يمنح مهمة إحراق أعماله إلى صديقه الوحيد الذي أخبره بالفعل أنه لن يتمكن أبدًا من القيام بهذا. ومع ذلك، وقبل موته، عبّر بالفعل عن رغبة قاطعة في أن كل ما قد تركه وراءه يجب أن يلقى في النار. على كل حال، كان لفكرة إحراق كافكا، حتى لو لم تكن أكثر من تحريض، منطق بعينه لدى الشيوعيين. فتلك النيران المتخيلة تساهم في فهم واستيعاب كتبه. إنها كتب محكوم عليها أو مقدر لها أن تلتهمها النيران: إنها موجودة هناك، لكنها موجودة لكي تختفي، كما لو أنها بالفعل قد تم إهلاكها.
كافكا الأرض الموعودة والمجتمع الثوري: من المحتمل أن كافكا كان من بين جميع الكتاب هو الأكثر مكرًا: هو، على الأقل، لم يكن ساذجًا مخدوعًا أبدًا! في البداية، على عكس العديد من الكتاب العصريين، أراد أن يكون كاتبًا. أدرك أن الأدب، الأمر الذي كان يريده، قد أنكر عليه الرضا أو الاشباع الذي كان يتوقعه، إلا أنه لم يتوقف عن الكتابة أبدًا. حتى أننا لا نستطيع أن نقول أن الأدب قد أصابه بخيبة الأمل. لم يخيّب الأدب أمله - لم يخيب أمله، على أية حال، بالمقارنة بأهداف أخرى كانت ممكنة. كان الأدب، بالنسبة له، كالأرض المفقودة بالنسبة لموسى. »حقيقة أنه لم يتمكن من رؤية الأرض المفقودة إلا قبل موته مباشرة تبدو غير معقولة»، كتب كافكا عن موسى في يومياته، » المعنى الوحيد لهذه الرؤية أو النظرة الأخيرة هو إظهار إلى أية درجة تبدو حياة البشر ناقصة -  ناقصة، لأن هذا الجانب من الحياة ( توقع الأرض المفقودة ) يمكن أن يستمر بشكل غير محدد دون أي ظهور يدوم لأكثر من لحظة. لم يفشل موسى في الوصول إلى كنعان ليس لأن حياته كانت قصيرة جدًا، بل لأنه كان بشرًا».(١) لم يعد هذا مجرد شجب لتفاهة أو بطلان » منظور واحد للحياة»، بل لبطلان توهم كل المساعي والمحاولات، التي هي في نفس الوقت لا معنى لها: السعي ميؤوس منه إن آجلاً أو عاجلاً، مثل السمك في الماء. إنه مجرد نقطة في حركة الكون، مادمنا نتعامل مع حياة بشر.

أنفاس إذا لم تكن الثقافة معطى وميراثاً ينتقل على حاله من جيل لجيل فذلك لأنها إنتاج تاريخي، أي أنها بناء يندرج في سجل التاريخ، وبشكل أدق، في تاريخ المجموعات الاجتماعية فيما بينها.ولكي يتسنى لنا تحليل منظومة ثقافية معينة، لا بد من تحليل الوضع الاجتماعي-التاريخي الذي ينتج هذه المنظومة كما هو عليه حالها[ بالاندييه، 1955].‏
إن ما يعدّ أولياً، من الناحية التاريخية، هو الاحتكاك contact، أما الثانوي فهو عملية التمييز التي تنتج عنها الاختلافات الثقافية.يمكن أن يخطر ببال أية مجموعة بشرية في حالة معينة، الدفاع عن خصوصيتها من خلال محاولتها (الاقتناع) وإقناع الآخرين بأن نموذجها الثقافي هو نموذج أصيل وخاص بها.وأن عملية التمييز تدفع إلى تقويم وتقوية مثل هذه المجموعة من الاختلافات الثقافية أكثر من مجموعة أخرى تنشأ من طبيعة الحالة.‏
تنشأ الثقافات من علاقات اجتماعية تكون دائماً غير متكافئة.هناك إذا منذ البداية تراتب فعلي بين الثقافات ناتج عن التراتب الاجتماعي.والظن بعدم وجود تراتب بين الثقافات يعني افتراض أنها توجد بمعزل عن بعضها بعض، لاعلاقة بينها، وهو أمر غير واقعي.إذا كانت الثقافات كلها جديرة بالأهمية نفسها وبالاهتمام نفسه بالنسبة للباحث أو المراقب فهذا لا يسمح باستنتاج أن الثقافات كلها معترف بها اجتماعياًً وتنطوي على القيمة نفسها.بهذا يمكننا الانتقال من المبدأ المنهجي إلى حكم القيمة.‏
لا بد إذاً من اللجوء إلى تحليل حربي polémologique للثقافات، لأنها تنبئ عن صراعات وتتطور في حالات التوتر وأحياناً في حالات العنف.ومع ذلك، فلا بد من الابتعاد في هذا النوع من التحليل، عن التأويلات الاختزالية كتلك التي تفترض أن الأقوى يستطيع دائماً فرض نظامه الثقافي ببساطة على الأضعف.وطالما أنه لا توجد ثقافة حقيقية سوى تلك التي ينتجها الأفراد أو المجموعات التي تحتل مواقع غير متكافئة في المجال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فإن ثقافات مختلف المجموعات تجد نفسها، إلى حد ما، في وضع قوة (أو ضعف) إزاء بعضها بعضا.لكن، حتى الأضعف، لا يجد نفسه دائماً، أعزلاً تماماً في اللعبة الثقافية.‏
الثقافة المهيمنة والثقافة الخاضعة‏
القول بأنه حتى المجموعات الخاضعة اجتماعياً ليست مجردة من الموارد الثقافية الخاصة بها، لاسيما من قدرتها على إعادة تأويل الانتاجات الثقافية التي تفرض نفسها عليها إلى حد ما، لا يعني العودة إلى تأكيد أن المجموعات كلها متساوية وأن ثقافاتها متكافئة.‏
في فضاء اجتماعي معين، هناك دائماً تراتب ثقافي.

أنفاس دراسة في الفكر السياسي عند المهدي بن بركة
1 - أشكال الكفاح في إفريقيا.
-تحالف العمال والفلاحين
-العنف
- أخطاء الحركة الوطنية.
"... نعلم أن الاستغلال الاستعماري قام عندنا على اغتصاب المعمرين للأراضي الزراعية الذي نتج عنه استفحال البطالة في القرى، وهجرة الفلاحين للمدن. وهم الذين دخلوا أفواجا في الحركة الوطنية، بينما منبع سخطهم ومصدر قوتهم الثورية خارج هذه المدن وفي وسط الأرياف. ولذلك فبمجرد ما تصل حركة التحرير الوطني إلى هذه الأرياف نكون قد أقفلنا الحلقة، وتصبح الطاقة الثورية المتجمعة في كلا القطبين الحضري والبدوي قوة لا مرد لها...".
(بن بركة)
لم تكن القارة الإفريقية، عند انتقال الاستعمار الأوروبي إلى مرحلته الإمبريالية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، غير بلاد فلاحين يعيشون على الفلاحة المعاشية، وكانت هذه الميزة مسيطرة على حقيقة مركبة –حسب كاتب إنجليزي- لو كانت هذه الدول اتبعت تطورا طبيعيا دون تدخل العنصر الأجنبي، كان سينتج عن هذه الاقتصاديات المعاشية بنيات اقتصادية عصرية. غير أن دخول العنصر الأجنبي الأوروبي أفلس الفلاحة المعاشية ومعها أفلس الفلاح الإفريقي، الذي سلبت منه الأرض وسلمت للمعمرين الأوروبيين، وأصبح الإفريقي صاحب الأرض مجندا في خدمة المالك الجديد للأرض أو مجندا للبحث عن المناجم في قلب أفريقيا، وهكذا وجدت الأشغال الشاقة وظاهرة العامل المهاجر، كما عرفت المدن الإفريقية نموا مدهشا، خاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين.
في سنة 1931، كان عدد سكان مدينة "داكار" (السينغال) 54 ألف نسمة، وبعد ثلاثين سنة ارتفع إلى 383 ألف نسمة، وفي نفس الفترة، ارتفع عدد سكان "أبيدجان" من 10.200 إلى 180 ألف نسمة، و"باماكو" (مالي) من 19.400 إلى 180 ألف نسمة، و"أكرا" من 60.700 إلى 325.000 نسمة، و"ليوبولد فيل" من 30.200 إلى 389.500 نسمة و"نيروبي" من 29.800 إلى 250.800 نسمة و"سالسيبوري" من 20.100 إلى 192.800 نسمة إلخ ....