أي لغز هذا؟ انظروا، إنه حيوان أقرب إلى بلح البحر منا. لكنه يلعب، ويستخدم أدوات، وله ذاكرة، ويحل مشكلات. إنه يمتلك ذهنا وحياة عقلية، باستثناء أنها مختلفة تماما عن حياتنا العقلية، ومن الصعب تكوين فكرة عنها. هل يتعلق الأمر بكائن فضائي؟ لا! إنه الأخطبوط. هذا الحيوان لا يكف عن إدهاش العلماء بعضويته وقدراته، وبفضله أعيد ابتكار نظرية تطورية في الوعي.
هل أنتم حقا واثقون من إرادة الخوض في هذا الملف؟ هناك مخاطرة في الأمر: ما من أحد من أولئك الذين لم يسبق لهم أن اقتربوا قط من هذه الرخويات المذهلة، وداعبوا أطرافها، وسبروا نظرتها، من خرج من ذلك كما دخل. فبعد الفضول تنبثق الدهشة، ثم الإحساس بتعقيد مزعج... يتحول إلى مساءلة عميقة لما نكونه، نحن، باعتبارنا نوعا. وهذا ما يقر به لودوفيتش ديكل Ludovic Dickel المختص في علم الأعصاب والسلوك المعرفي الحيواني لرأسيات الأرجل céphalopodes بجامعة كاين Caen: "ليس من المطَمْئِن جدا دراسة الأخطبوط".
لماذا دراسة الأخطبوط مزعجة بهذا القدر؟ احتمالا لأننا لا يمكن أن نتخيل حيوانا أكثر اختلافا عنا: سلالته وسلالتنا افترقتا منذ ما يناهز 650 مليون سنة. وينتمي الأخطبوط إلى الصنف الفرعي للرخويات، مثل المحارات أو الحلزونات أو البزاقات. وداخل هذا الصنف الفرعي، توجد فصيلة رأسيات الأرجل، التي يشترك فيها الأخطبوط مع الحبارات seiches والنوتيلوسات nautiles، هذه الحيوانات ذوات الجسم الرخو، والمزودة رؤوسها بأذرع متحركة. والأخطبوط الذي تقدر أنواعه بثلاثمائة نوع، يمتلك ثمانية من هذه الأذرع، كل منها يتضمن مئات من الماصات. وأسفل رأسه يوجد منقار حاد بواسطته يلتهم سلطعونات وصدفيات.
ولاستكمال هذه العدة الأصيلة، الحيوان مزود بثلاثة قلوب، وبعينين بشبكيتين مستطيلتين- عموديتين على الأرض مهما تكن وضعيته- وبدم يميل إلى الزرقة عند تعرضه للهواء، وبقدرة مدهشة على التجدد.
وبالرغم من هذه العضوية الغريبة، وبالرغم من مئات الملايين من السنين من التطور التي تفصل بيننا، فإن الأخطبوط يظهر سلوكا بديعا ومألوفا بصورة مدهشة. يقول عالم الأعصاب البيولوجية الأمريكي دافيد إيدلمان David Edelman: "أتذكر دائما لقائي الأول مع الأخطبوط. فقد قامت طالبة بتقديم وجبة غذاء، سلطعون حي، لأخطبوط أكواريوم مختبر بحث نابولي. وبينما توجه الحيوان نحو وجبته دخلت الغرفة، فأوقف حركته وشرع في ملاحظتي في عيني مباشرة، وظللنا ننظر إلى بعضنا البعض لمدة ربع ساعة! وعندما تظاهرت بأنني أهم بالمغادرة، تمسك بي واضعا ذراعه على ذراعي: فقوته على التركيز، وقدرته على التحكم في شهيته، وتأخير وجبته من أجل الإبقاء على الاتصال بيني وبينه، كل ذلك أذهلني".
مزحة الأخطبوط الخاصة
الباحثون لا يكتفون من سرد حكايات أخطبوطات تنفث الماء أو المداد، بل وتحيك دسائس محكمة. وهكذا عرف الأخطبوط أوتو Otto المقيم بأكواريوم سي-ستار Sea-Star بمدينة كوبوغ Cobourg بألمانيا، بميله إلى قذف الماء على مصابيح القاعة، محدثا دارات صغيرة مغرقة المكان في الظلام. من الممكن أن تكون مجرد مزحة، أو انتقام أخطبوط: سلوكات مشابهة سجلت بجامعة أوتاغو Ottago بزيلاندا الجديدة.
وإذا كانت هذه الطرائف تبعث على الضحك، فإنها تثير أيضا أسئلة محيرة: كيف يشتغل هذا الذكاء؟ وكيف تدرك هذه الحيوانات نفسها؟ وكيف ترى الأفراد الآخرين، من نوعها أو من نوع آخر؟ وماذا يعني أن يكون الكائن أخطبوطا؟ كل أولئك الذين جاوروا الأخطبوطات كانوا على يقين من أن هذه الكائنات لها قدرات معرفية متطورة وتشعر بانفعالات. لنذهب إذن للقاء شكل آخر من الوعي على كوكب الأرض.