المقهى الذي يسمعني
زفيره كل مساء ملتبس
الكرسي ذو القامة الوحيدة
يضحك من حرائق
قصائدي الراعفة
لا أحد
يعشقهما مثلي
حين يفر الأصدقاء
بين السراديب
ثملين , ناشفة نظراتهم
أولئك الواقفون على قفا الزمن المنسي

كشحاذ
أضع جبهتي على عتبة باب الكلمة
وأنتظر
منتفضا كعصفور
لعل الكلمة تخرج من صمتها
وتعطف على تضر عي
لعلها تتبرع لي بمعطف يدفىء أيامي
أو بقميص صغير
يغطي هذا الصدر المفتوح للريح
كراية
وحين أحر ك رأسي بعد حين

سأقص الأسطورة
أسطورة ذاك الذي هرب
و حمل طيور الاند
على الصمت في قلب الليل
عندما سمعناه أوّل الأمر
كان الهواء عميقاً رخياً
و كانت آلة موسيقية مجهولة
تطلق ألحانها من مكان لا ندري أين هو  
- 2 -
لقد كان قنصلاً في مدريد
و كان في السادسة و الثلاثين من عمره

كان ثمة عملاق ذو عينين زرقاوين

يحب امرأة صغيرة البنية.

هي، كانت تحلم ببيت صغير

يحوطه بستان

تزهر فيه زهرة العسل المتلاشية.

وكان العملاق يحب مثلما يحب العمالقة،

كانت يداه الكبيرتان

لا تصلحان الا للأعمال الضخمة

ولم يكن قادرا بالتأكيد

على بناء منزل صغير الى هذا الحد

ولا ان يطلب استضافته

تُشَعْشِعُ كالصباحِ
لماذا والضياءُ أقامَ دهراً
فِدى عينيكَ في مرأى جراحي ؟
أُريدُكَ ظُلْمةً !
قد طالَ شوقي
لنجمٍ كانَ في أمسي الحزينِ مُراقِباً
وشَكِكْتُ لكنْ حين ناداني
نَسكتُ بوحيِهِ
وبوَحي راحِ !
رفضتُ الأمسَ لكني وفيٌّ
الى مَن صاغني للحبِّ للأشعارِ للأوطانِ مرساةً

لا تنشدي , قربي , أيتها البهية
أغانيك الجيورجية الحنونة
فهي تذكرني
بحياة أخرى , و بساحل بعيد
أواه ! أغانيك الجارحة
تذكرني
بالشرود في ليل مقمر
و تقاسيم امرأتي البعيدة البائسة
أنا أنسى حين أرى فيك
طيفاً أحبه , طيفاً قاتلي
,لكن حين تنشدين

هناك , في ريف قرطبة الأرجنتينية 

تلعب بين أشجار الحور و حقول الذرة

بين أبقار المزارع القديمة , بين العمال        

و لم أعد أراك الى أن عرفت يوماً

بأنك صرت النور المضرج , صرت

الذي علينا , كل لحظة أن ننظر إليه

لنعرف أين موقعنا.

عائشةٌ تشقٌّ بطنَ الحوت
ترفع في الموج يديها
تفتح التابوت
تُزيح عن جبينها النقاب
تجتاز ألف باب
تنهض بعد الموت
عائدةً للبيت
ها أنذا أسمعها تقول لي لبَّيكْ
جاريةً أعود من مملكتي إليك
وعندما قبَّلتها بكيتْ
شعرت بالهزيمة

في زنزانتي الرطبة أقبع وراء القضبان
و النسر الفتي , ربيب ,الأسر
رفيقي الحزين , مرفرفاً , بجناحه
ينهش وجبته الدامية عند النافذة
ينهشها و يلقي بها , و يتطلع من النافذة
.كما لو أنه يشاركني أفكاري
إنه ليدعوني بطرفه و صيحته
و يود أن ينطق : (هيا بنا ننطلق ...
نحن طيران حران , آن لنا أن نمضي
بعيداً حيث الجبال بيضاء وراء السحب
حيث البحر يتألق زرقةً

الثلج شبكة كبيرة تغطي السماء و الأرض

لا أحد بوسعه أن ينجو من معركة تشكلها المدهش

و البحيرة التي تجمدت بدرجات حرارة دون الصفر

اتشحتْ بسمة جادة .

ثمة أعمدة للمصابيح ، بيض كالأشباح، تقف متينة وطويلة

في الشاعر المقفر

أما الجرس الذي يقرع ثلاثاً وثلاثين مرة في الليل الصموت

فهو يسمع مرة اثر مرة مثل تنهيدة متعبة .

8 نيسان
أنا عامل , ادعى سعيد
من الجنوب
أبواي ماتا في طريقهما الى قبر الحسين
و كان عمري آنذاك
سنتين - ما اقسى الحياة
و أبشع الليل الطويل
و الموت في الريف العراقي الحزين -
و كان جدي لا يزال
كالكوكب الخاوي , على قيد الحياة
13  مارس

الا ابتعدي عن طريقي

يا ربة الأوتار الخافتة

اين انتِ , اين انت ايتها العاصفة الرجولية

يا مغنية الحرية الفخورة ؟

اقتربي و مزقي اكليلي

و حطمي قيثارتي الناعمة

اريد أن اتغنى الحرية الإنسانية

.و أفضح الرذيلة في عروشها

القرية
...
آه لو ان لصوتي القدرةَ على ان يهّز النفوس

بقطعة من الفحم

بطبشورتي المكسورة وقلمي الاحمر

ارسم اسمكِ

اسم ثغركِ

علامة ساقيكِ

على جدار لا احد

على الباب الممنوع

انقش اسم جسدكِ

حتى ينزف نصل سكّيني

ويصرخ الحجر

ويتنفس الجدار كنهد.

لون النهار بطينه وكده وناره
لو لم تُخضعي خفة الهواء،
ولم تشبهي اسبوعا من العنبر،
لو لم تكوني اللحظة الصفراء
التي ينبثق فيها الخريف من الدوالي
والخبز الذي يعجنه القمر العطِر
حين ينزّه طحينه في السماء.
آه، يا حبيبتي، لما احببتكِ!
في عناقكِ اعانق كل الوجود:
الرمل والوقت وشجرة المطر.
وكل ما هو حي يعيش كي أحيى انا

مملكة حب من العذاب والكآبة.
ابقوا على مسافة
لو أن الأفاعي والضفادع، النجوم والنيازك
تسقط من حنفية المغطس
بدلاً من المياه
لو أن أخ صديقتك
يعنّفك مثل مجنون
أو يطلب منك المال
لو أن القنابل تنفجر في المساءات غير المأهولة
حين تهيمون في شارع المدرسة
لو أن الماويين يطلقون نداءً عنيفاً جديداً

أن ننظر إلى النهر المصنوع من الزمن و المياه
ونتذكر أن الزمن مهر آخر،
أن نعرف أننا نكف عن الوجود، تماماً كالنهر
وأن وجوهنا تتلاشى، تماماً كالمياه.
أن تشعر أن اليقظة هي نوم آخر
يحلم بأنه ليس نائم، و أن الموت
الذي ترهبه أجسادنا، هو نفسه الموت
الذي يعتادنا كل ليلة ونسميه نوماً.
أن نرى في اليوم أو في السنة رمزاً
لأيام النوع الإنساني وسنواته
أن نترجم حنق السنين

قضيت في ذراعيك النصف الآخر من الحياة
عندما في اليوم الأول للخليقة
و بين أسنان آدم
وضع الله أسماء كل شيء
بقي أسمُك على لسانه ينتظرني
كما ينتظر الشتاء ولادة الورد
يا شفتي- السنونوة
أنا كذلك الذي جاء إلى الهضبة
و التقط صدفة بيديه حجلاً
و هناك لا يعرف ما يفعل بحظه

أنت وحيدتي في العالم
و تقولين في رسالتك الأخيرة :
" رأسي ينفجر , قلبي يخفق
إذا شنقوك
إذا فقدتك
أموت "
ستعيشين ! إمرأتي !
و ذكراي كدخان أسود
ستتبدّد في الريح.
ستعيشين , يا أخت قلبي ذات الشعر الأشقر