anfasse04035كيف لنا أن نتعاطى مع مفهوم الإرهاب؟ وأي ضربٍ من القراءة تَقدر على النفاذ مسباريا إلى أصله وفصله ونشأته وتطوّره عبر الأحقاب التاريخيّة؟ هل نتعامل معه بمنطق الأركيولوجيا أم بمنطق الجينيالوجيا أم أن الأمر على ضوء الراهن الوهن يتطلّب قراءة ماديّة تاريخيّة تعكس المرحلة العليا التي وصلت إليها الرأسماليّة؟
      لقد ارتأينا أن نباشر الإرهاب ونستأنف القول فيه فلسفيا من جهة جعله النصف المظلم من نظام الإمبراطوريّة المعولمة ، أي الجرح المتقرّح الذي لطالما سعى نُسّاخ العصر إلى إخفائه فجعل عنوان مداخلتي " إمبراطوريّة الإرهاب"  هو في حقيقة الأمر دعوة إلى ضرورة تصريف الإرهاب في غير ذلك المصرف الدارج في الموروث الثقافي العربي، ومنه تحديد التناقضات الأساسية الفاعلة في صلب حركة التاريخ العالمي والمحدد للمهام المطروحة على القوى المناهضة للإرهاب، ذلك أن فهم إشكاليّة الإرهاب وتشخيصها يتطلّب في نظرنا تحديد الأطراف الفاعلة في الساحة العالميّة ومن ذلك فالإرهاب وفق هذا التمشي  يُفهم في سياق حركة الاقتصاد السياسي الذي بات اقتصادا سياسيا معلوماتيا وهذا هو مضمون مداخلتي والذي فيه سأحاول المرور بالأطروحات التاليّة :

anfasse04033    حين قدم نيتشه مبدأي الخلق والفرح، كالشيء الأساسي في تعليم زرادشت، فثمة فعالية بشرية من وراء ذلك، مرتبطة بإرادة محررة ومرحة. وكلام نيتشه عن الإرادة، وخاصة إرادة القوة، لا علاقة لها بإرادة الهيمنة، بل بإرادة قوة خلاقة ووهابة من حيث الجوهر(1). إنها فعل إبداع لأفكار وإمكانيات جديدة للحياة، ورد فعل ضد معضلة الافتقار إلى الإبداع وإلى مقاومة الحاضر، كما يقول جيل دولوز. أكيد أن هذا الحاضر هو قيمة الوجود القصوى التي تتوجه لها كل إرادة أو معرفة من أجل إحداث تحويل في المنظور والحياة. الشيء الذي يفرض الشروع في قلب الأولويات والاهتمامات، بإعطاء الأهمية  لدور الأفراد في تقرير مصيرهم، وتجريب قدراتهم واختياراتهم، وتنظيم وجودهم. ولإنجاز هذه المهمة، لابد من إبداء تصور عن فعل التفكير، قد يساهم في  تغيير دلالة الفكر أو التفكير بشكل مختلف. لكن الانخراط في هذه الصيرورة، يقتضي العمل على الذات من أجل بنائها، كي تكون على استعداد لتعلم التفكير(2)، وتعلم الحياة .

anfasse260281 - مفهوم الجوهر في تاريخ الفلسفة:
بالرغم من أن مفهوم الجوهر له علاقة بأكثر من مجال معرفي واحد، إذ أنه يضرب بجذوره في المنطق، والعلم الطبيعي إلا أنه في ما بعد الطبيعة يكتسي أهمية خاصة، لأن ما بعد الطبيعة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الجوهر والعرض القوة والفعل، الواحد والكثرة "إن كون الشيء جوهرا أو عرضا هي القسمة الأولى التي ينقسم بها الوجود بما هو موجود…"(1) لذا فإن أرسطو خص هذا المفهوم بمجموعة من المقالات يمكن تسميتها" بمقالات الجوهر" استهلها بمقالة "الزاي" وهذه المقالة هي أول مقالة ابتدأ يفحص فيها عن الجوهر…(2).
لقد كان أرسطو كما يشير إلى ذلك ابن رشد واعيا بأهمية هذا المفهوم حيث اعتبره مسألة المسائل، والتي هيمنت على تاريخ الفلسفة كله إذ قد طرحها الفلاسفة السابقون عليه جميعا بدءا من طاليس، وانتهاء بأفلاطون لكن مع ذلك لم يقل فيها أحد منهم قولا برهانيا، ولم يصلوا إلى إدراك حقيقة الجوهر، بمعنى أنهم لم يتوصلوا إلى معرفة (الشيء الذي هو ماهية هذا الجوهر(3) فالموضوع الأساسي الذي شغل بال الفلاسفة هو: ما هو الوجود؟ ولما كان المعنى الأساسي والأولي للوجود هو عندما يعني "ما يوجد" أي عندما يعني الجوهر، فإن السؤال يصبح إذا ما هو الجوهر؟ هذا الجوهر الذي يؤكد بعض الفلاسفة (الايليون) إنه واحد، بينما يقول آخرون (الذريون) بأنه كثرة، تلك الكثرة التي هي بالنسبة للبعض متناهية ومحدودة العدد، وبالنسبة للبعض الآخر غير متناهية. "أما الجوهر فمن الناس من قال أنه واحد، ومنهم من قال إنه أكثر من واحد، ومنهم من قال أنها أشياء متناهية ومنهم من قال أنها غير متناهية"(4). والشيء الذي يجمع بين هؤلاء حسب ابن رشد، وذلك بالرغم من اختلافهم، هو كونهم جميعا ينزعون منزعا طبيعيا مما جعلهم "لم يشعروا من الأسباب الأربعة إلا بالمبادئ الهيولانية فقط…" بينما أرسطو سينحو منحى مخالفا هو البحث عن الصورة الأولى لجميع الموجودات والغاية الأخيرة، لأن كل موجود يملك صورته الخاصة والتي بفضلها يوجد كوحدة أنطولوجية متميزة مكتفية بذاتها.

anfasse26025    سينصب مجهودنا في هذا المقــال على تقديم إطلالة على النظرية الماركسية و أول إشكال يتبادر إلى أذهاننا هو هل الماركسية نظرية علـمية؟، من هنا سنستحضر قولة  فريديرك إنجلز الرجـل الثاني بعد كارل ماركس وردت في مقدمة كراس "حرب الفلاحين الألمانية- Der deutsche Bauernkrieg" و التي سنعمل على تفكيكها، و مفادها هو كالآتي: "الاشتراكية منذ غدت علما وجب أن تؤخذ مأخذ العلم"[1]
    إن الإشكـال المطروح أمامنا و المتمثل في إن كانت الماركسية علمـا أم لا؟ يعد من أهم الإشكالات التي تطرح في سبيل انتقـاد الماركسية عموما، فاعتبـار المـاركسية علمـا في نظر بعض النقاد يعد من مفارقات الفكر الماركسي أو بعبارة أدق يعد من التناقضات التي تعاني منها الماركسية، و لكن قبل الخـوض في هذا النقاش الذي لطالما أثار كبار المفكرين وجب علينا من الناحية المنهجية ذات الصيغة العلمية  التطـرق للسياق التاريخي-الاجتماعي الذي أدى إلى نشوء النظرية الماركسية و من تم تبلورها، فتطرقنا لهذا الجانب سيجعلنا نرفع اللبس عن مجموعة من المغالطات التي تمرر على النظرية الماركسية عمـوما و هذا لا لشيء إلا من أجل محاولة تقديم مقاربة علمية/موضوعية لها، هذا من جانب من جانب آخر سيمكننا التحديد التاريخي-الاجتماعي من معرفة مدى علمية النظرية الماركسية فكما يقول المفكر اللبناني مهدي عامل:
" ليـس من فكـر نمـوذج، و ليـس على نمـوذج ينبنـي الفـكر العـلمي. و لئن كانت المـعرفة التي ينتجهـا هذا الفكر نسبية، فهي نسبية، لا بقيـاسها على مطـلق من المعرفة ينتجـه فكـر-نمـوذج، بل بضـرورة طـابعها التـاريخي. فعلميتهـا قـائمة في الحدود التي ترسمـها شروطهـا التـاريخية المـادية، تلك التي هي فيهـا تنتج.[2]"

anfasse26024"حاول فقط مرة واحدة أن تلمس صنم الديمقراطية، وسترى ماذا سيحدث"  سلافوي جيجيك
    تزايد الإهتمام بالديمقراطية مع تفكك الإتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الإشتراكية ، وسيادة القطب الوحيد ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية، وإحساس الغرب الأوربي/الأمريكي بانتصار منظومته الرأسمالية الليبرالية وقيمها، ودخوله في مرحلة تاريخية جديدة أطلق عليها إسم"العولمة". يؤكد الفيلسوف النمساوي فريتس فالنر أن العولمة هي فكرة عتيقة في حلة قشيبية جديدة، فهي توزع الوعود الجميلة بحل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية وبدوام السلم الإجتماعي. لكن كل هذا مجرد تدليس وعواء بدون مضمون فعلي. من بين هذه الوعود الجميلة التي صارت عنوانا لكل الخطابات، وحلا لجميع المشاكل:الديمقراطية. لم تعد الإشتراكية مفتاح التخلف السياسي والإقتصادي والإجتماعي، بل أصبحت الديمقراطية غاية السياسة، ومحور شعاراتها: الديمقراطية أولا ، الديمقراطية أخيرا، الديمقراطية هي الحل. لكن الخبر اليقين يقول: لا يكفي رفع شعار الديمقراطية حتى تتحقق دلالاتها الخلاصية في الواقع، بل يجب أن يقرن كل ديمقراطي أفعاله وأقواله دوما بالإعتراف بأنه في مجتمع غير ديمقراطي، كما أكد جاك دريدا. يثير موقف دريدا هذا، مواقف مفكرين غربيين آخرين من الديمقراطية، ومن بينهم موقف الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، موضوع مقالتنا.

Anfasse20033يشير مصطلح الهرمينوطيقا  " Hermeneutics " إلى التأويل والتفسير معاً ، وفي حين أن للتأويل مفردة مستقلة خاصة هي " Exegesis"  التي تشير إلى التفسير أيضاً ، إلا أن الثقافة الغربية آثرت العودة للمفردة هيرمينوطيقا [516] التي تتميز بأنها منهج هذا التفسير وأصوله وأحكامه ، فإذا كان التفسير وقفاً على الشرح أو التعليق الفعلي ، فإن الهرمينوطيقا هي قواعد هذا التفسير أو مناهجه أو النظرية التى تحكمه [68] واللفظة " Hermeneutics "  تعود جذورها  للتراث الإغريقي ، الذي كان قد أحال نسبتها لرسول الآلهة ( هرمس ) الذي يتوسط عالم الآلهة الخالدة وعالم البشر الفانين ، يرافق أرواح الموتى إلى مملكة هاديس السفلى ، حامي الرحالة الذي أصبح بعد تطور التجارة في اليونان حامي التجارة ، من ثم إله الغش والخداع والسرقة [516] وهو  آلهة الفواصل ، الفجوات ، التخوم ، وأعتاب كل شئ  ، وهو كائنا متقلباً ، وغامضاً ، فقد كان أباً لكل الفنون ، ورباً لكل اللصوص في الوقت ذاته [33] وفي أسطورة هرمس هذا نعثر على نفي لمبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض ، وكذا لمبدأ الثالث المرفوع ، وفيها أيضا تنكفئ السلاسل المنطقية على نفسها لتشكل هرما حلزونياً :  فالــ(( ما بعد )) يسبق الـ(( ما  قبل )) ، والله لا يعترف بأي حدود فضائية ، ويمكنه أن يكون على هيئات متنوعة ، في أماكن متعددة  في وقت واحد [29] وهرمسية القرن الثاني تبحث عن حقيقة تجهلها ، وكل زادها في ذلك هو الكتب ، وعلى هذا الأساس ، كانت تتخيل أو تتمنى أن يكون كل كتاب مشتملاً على جزئية بسيطة من هذه الحقيقة ، وإذا كانت كل الكتب تقول الحقيقة حتى لو أدى ذلك إلى تناقضها ، فان ذلك ممكنا لأن كل كلمة هى في الأصل إيحاء أو مجاز .

Anfasse20030بنفس السنة التي تعرّف فيها الفيلسوف الألماني نيتشه على الشابة الروسية لو سالومي (ربيع 1882)، كتب نيتشه لهذه الروسية التي فتنته، بعض التوضيحات الأساسية حول الذكورة والأنوثة وذلك فيما يتعلق بمفهوم الحب. علاقة نيتشه بسالومي علاقة مضطربة نوعا ما وكان لها تأثير على كلي الطرفين ـ خاصة نيتشه. فسالومي العشرينية الحالمة والمؤمنة بالعلاقات المتحررة والصداقات المثيرة انبهرت بمجاز نيتشه وطريقة إلقائه، الأمر الذي جعله في نظرها رمزا ثقافيا : فارس أسطوري أقرب للخيال منه للواقع بنعومته المفرطة وسعيه المتكرر لإضفاء طابع فلسفي على حضورها وشكلها. من جهة نيتشه فسالومي بالنسبة له هي النقص الذي يكمله، الغياب الذي يلزمه لتعزيز وتقوية حضوره، سالومي في نظره هي الجمال والرفعة والشباب والحيوية وكل ما كان يراهن عليه نيتشه الأربعيني لتجاوز ذاته المحبطة والمحرومة حسيا. سالومي المندفعة بحماس الشباب والمتعطشة للعظمة التي تتكشف في تعلّقها بأي قامة فكرية ظاهرة بالوسط، رفضت الخضوع لارتباط تقليدي مع الفيلسوف الذي استيقظت فيه روحانية حميمية نتيجة الحضور الإلهي لسالومي ـ كما أحسّه. أثر هذا المنعطف بمسيرة الفيلسوف حيث انقلبت مفاهيمه ومازجت بين التناقض والإختلال والحدس أحيانا، قسوة الطرح لديه ووضوح الرؤى خالف تدهوره السلوكي وانتكاسه العاطفي الطفولي. فيلسوف الأفق ارتدّ كطائر جريح.

Anfasse20029يمثّل كتاب "الاختلاف و التكرار" موقفا صارما ضدّ نظام منطقي بأسره.لم ينخرط دولوز في هذا الكتاب في تلك المفاهيم التي هيمنت على تاريخ الفلسفة كالممكن و الكلّي و المجرّد بل إنّه راهن على تقديم رؤية جديدة و مغايرة لتلك المفاهيم.إنّ ما يرومه جيل دولوز هو تحطيم ذلك التمثّل الكلاسيكي للعلاقات بين المفاهيم,ذلك التمثّل النابع عن صورة محددة للفكر تلك الصورة التي ينقدها في الفصل الثالث الحامل لعنوان "صورة الفكر".إنّ صورة الفكر هذه هي من ظلّت تحرّك تاريخ الفلسفة جاعلة من الاختلاف ذلك المفهوم الذي لا يظهر إلاّ من جهة منطق الهوية.يبيّن دولوز في مقدمة الترجمة الإنقليزية للاختلاف و التكرار علاقة صورة الفكر هذه بغياب مفهوم الاختلاف المحض (أو المستقّل) عن تاريخ الفلسفة فبالنسبة لدولوز نحن لا نفكرّ إنطلاقا من منهجية محددة فحسب بل إنّ صورة ضمنية و قبلية للفكر توّجه عملية تفكيرنا. إنّ صورة الفكر هذه تشّكلت عبر تاريخ الفلسفة كبحث عن استنتاجات بغاية الوصول إلى أجوبة و حلول. فصورة الفكر القديمة كانت منحصرة في البحث عن الحقيقة من جهة كونها صوابا يقدّم حلاّ لمشكل ما محاربا بذلك الخطأ حتى أنّ اختلاف السفسطائي في مواجهة هوية الفيلسوف لم تظهر إلاّ في شكل خطأ لا في شكل اختلاف محض.

Anfasse20026عاش الدين على مر التاريخ علاقة غير متكافئة والمجتمع، والشاهد على ذلك هو أنه بقدر ما توجب أن تنبث بينهما شيمة وحيدة من شيم التكامل، كان الدين يُنظر إليه كمحرك إبستيمولوجي، بينما اعتبر المجتمع مفعولا به وتابعا له، هذا وإن تمكن العقل من مراجعة كيفية تمثله العالم مفرزا لنا إصلاحا دينيا، ومفهوما جديدا للدولة المدنية بدل الدولة الدينية في أوربا، فإنه لا زال وللأسف لم يكتسب جرأة السؤال وضرورة الانعتاق من دائرة الدين الضيقة التي لازالت تبسط يدها على كل شيء عندنا.
    قد نغامر معتبرين أن سؤال الاصلاح الديني في ثقافتنا العربية، ظهر وبشكل جد محتشم خلال القرن الثاني من الهجرة مع الفكر الاعتزالي، الذي حاول تأسيس تصوره للدين على بنية عقلية صرفة، تضع كل الأشياء تحت القراءة النقدية بما فيها النص المقدس، منفلتة من التأويل الفقهي الوحيد إلى التفسير العقلي القارئ للأشياء وفق منطقها وليس وفق حمولتها الدينية، بيد أن الأمر عرف ما عرف من دسائس ومؤامرات أقبرت العقل لصالح الخرافة، فتحوا معها الدين من أسلوب تمثل للعالم إلى غاية الغايات، وبما أن مسار التاريخ أخذ هذا الشكل غير السليم، فقد تلبسنا على غرار منطق العصور الوسطى لبوس الدين كقانون نحتكم إليه في كل شيء، ومنه فقد بات ديدنا وليس وسيلة، كما أصبح نموذجا وأيقونة بدل أن يكون سيمولاكر ونسخة متغيرة في كل آن وحين.

Anfasse20025" نفهم من خلال هذه الشروط لماذا لا يختص نشاط التأويل فقط بملازمة المنهج كما وصفه هيدغر. فما يقتضيه ليس شيئا آخر سوى تجذير الفهم كما يمارسه كل من يفهم."جورج هانز غادامير – مقدمة حول مبادئ الهرمينوطيقا
لقد جاء في تعريفات الجرجاني أن التفسير في الأصل يعني الكشف والإظهار وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء ، فيؤتى بما يزيله أو يفسره. وإذا كان الإيضاح يتم بإتيان كلام يبين المراد ويزيل الإبهام فإن التفسير أعم من ذلك ويكون بذكر المرادف المشهور. ويستعمل التفسير في الألفاظ ومفرداتها بينما يستعمل التأويل في المعاني بغية التوفيق بين ظاهر النص وباطنه أو صرف النظر عن المعنى الظاهر إلى محتمل.
إذا كان الهدف من التفسير هو التوضيح والشرح والإبانة والتعيين والتعليل والتحديد والتخصيص وذلك بأن يصير الشيء معقولا والمجهول معلوما ويصبح السر الخفي مكشوفا وذلك بتعيين المدلول بما يدل عليه بماهو أظهر منه فإن الغرض من التأويل هو فهم الدلالة والمطلب والمقتضى والتفاهم مع المقصود.
تُرسَمُ الهرمينيطيقا بأنها متعة الحقيقة من خلال لذة المعنى. ولقد عُرِفَت منذ نشأتها بفن التفسير أو علم التأويل، ولقد أجمع المؤرخون على أصولها الدينية ولكنها قامت بثورتها الداخلية واستقلت عن منابتها.

Anfasse20024" ضمن أية شروط يجد الفيلسوف ، في هذا الوضع، الاشارات لمشكلة جديدة ، لفكر جديد؟....أي وضع هو ذاك الذي يكون ، فعليا، وضعا فلسفيا ، وضعا للفكر الفلسفي؟"1[1]
الفلسفة هي الرواق الفكري الذي يحتضن التنوع والاختلاف والتعدد ويسهر على العيش المشترك بين الذوات المتجسدة في العالم ويحقق التفاهم بين العقول الباحثة ويبني جسور التواصل بين الكائنات البشرية.
بيد أن الفلسفة تواجه هذه الأيام تحديات كبيرة وتقترب من مصيرها المحتوم وتعد نفسها في حضارة إقرأ لمعركة حاسمة مع الآلة الجهنمية التي تصنع ظاهرة الإرهاب وتجعلها نمطا مترحلا عبر العالم بأسره. اذ يتعرض النوع البشري إلى خطر إرهابي دائم وتنامي نزعات اليأس والتشاؤم وتفاقمت الأزمة الروحية بعد فقدان الأمل وتكاثر موجات الانطواء على الذات من طرف الهويات والاثنيات وغطى العدم الحياة.
على هذا الأساس تبدو محاولات الفلاسفة والمفكرين والعلماء والباحثين والمثقفين ضرورية قصد إضاءة المناطق المظلمة من الحياة اليومية والتشهير بالفضيحة والعار والتدخل بغية معالجة الجروح والأسقام. من المعلوم أن مدنية الإسلام تجلت بصورة باكرة لما توجه مبلغ الرسالة من أم القرى إلى يثرب وأطلق عليها اسم المدينة وآخى بين سكانها من الأنصار والوافدين عليها من المهاجرين وكتب دستور للأمة يرسم علاقتها بغيرها وجعل من طلب العلم فريضة وكان يدعو بالحسنى والتراحم ويأمر بالعفو في كل فتح وينصح بالرفق والتعمير ويرفض العدوان والتخريب والثأر وانتصر إلى روح الحضارة على العادات.