anfasse0106سنحاول في هذا المقـــال التطرق لمفهوم "الانخـراط/ L’implication"، بالاعتماد على الدراسة التي أنجزها البيداغوجي الفرنسي Patrick BOUMARD ، فعرضنا سيكون بمثابة قراءة في قراءة، أي قراءة للدراسة التي أقامها باتريك بومار لمفهوم الانخراط بمنهجها و إشكالاتها و كذا مفاهيمها. بالتالي و من الناحيـة المنهجيـة كان لابد لنا من الإحاطـة بمفهوم الانخراط من الناحية الدلالية/اللغوية لا لشيء إلا من أجل تقريب الصورة و من تم الانفتاح على الدلالة الفلسفية و التربوية التي يحملها، من هنا سيأتي مقالنا على مجموعة من المحطـات النظرية و التي هي كالآتي:
1- مفهوم الانخـراط/L’implication وقفة مع الدلالات:  -و من خلالها سنعرض للدلالة المعجمية لهذا المفهوم في صيغتها الفرنسية.
2- مسارات و استعمالات مفهـوم الانخـراط في الحقلين الفلسفي و الإبيستيمولوجي :  -و التي سنعرض من خلالها لقراءة المفكر الفرنسي لمراحل تطور هذا المفهـوم.
3-  مفهـوم الانخراط و فلسفة التربية أية علاقة؟:  -و سنعرض من خلال هذه المحطة وكما يحيل عنوانها للروابط المعرفية ما بين مفهوم الانخراط كمفهوم فلسفي و فلسفة التربية كحقل معرفي لاشتغـال اللوغوس بناءا على الإشكالات التي تم طرحها في المحطة السابقة.
4- الانخـراط و هدف التربية الجمـالية:  -و مهمتها الإشارة إلى أحد الأوجه النظرية لمفهوم الانخراط ممثلتا في التربية الجمالية.
5- انخراط العائلات في السيرورة التعليمية لأطفالهم:  -و هي المحطة الأخيرة التي سنسعى من داخلها إبراز  أحد الأوجه التي يكتسيها مفهوم الانخراط في المجـال التطبيقي/العملي.

anfasse0101تقديم الكتاب :
"كي لا نستسلم " عبارة عن سلسلة حوارات إذاعية جمعت مفكرين عملاقين هما: السويسري جان زيغلر والفرنسي ريجيس دوبريه. وقد أجرتها إذاعة "France Culture" بثت طوال أسبوع، وجمعت في كتاب صدر عن منشورات Arléa  باريس 1994. وترجم الكتاب من طرف رينيه الحايك وبسام حجار، منشورات المركز الثقافي العربي 1995. تضمن الكتاب تقديم المترجمين، وخمسة فصول، ويقع في 117 صفحة من الحجم المتوسط.
على الرغم من مرور ما يزيد عن عقدين من نشر الكتاب إلا أنه لا يزال محافظا على راهنيته، وذلك بالنظر للموضوعات الشائكة التي تطرق لها ، وكذا لعمق الحوار الذي دار بين دوبريه وزيغلر.
خلاصة الكتاب:
الكتاب في الأصل- كما سبقت الإشارة – هو سلسلة حوارات إذاعية. وهو الأمر الذي يطرح مشكلة في محاولة تحديد أهم مضامينه، وذلك راجع لتشعب القضايا التي تطرق لها الحوار، وكثرة المعلومات والمعطيات الواردة فيه. لذلك ارتأيت الوقوف عند أهم التيمات التي عالجها الموضوع، ومحاولة عرض – بإيجاز – الأطروحة الأساسية التي دافع عنها كلا المتحاورين. و يمكن تحديد تلك الموضوعات في : العولمة والهوية - راهنية الماركسية –  مدى ضرورة الدولة – دورالمثقف – العالمثالثية.

anfasse25131من الملاحظ أن المقالات والكتب التي نشرت حول فلسفة هيوم (1711-1776) كثيرة جدا. لكن هذه الكتب والمقالات في أغلبها ذات طابع عام[i].
ولم ينل الجانبان النقدي والمنطقي من فلسفة هيوم إلا اهتماما ضئيلا بالمقارنة مع الجوانب الأخرى. وغالبا ما يكتفي المهتمون بهيوم بالقول إن هذا الفيلسوف قاد التجربانية الكلاسيكية إلى الإفلاس وانتهى بتبني الشكانية. لقد كان بإمكان هذه التجربانية، حسب الوضعانيين الجدد، أن تنتهي إلى نتيجة أكثر ملاءمة مع بعض مبادئ هيوم نفسها، بدل أن تجد نفسها في طريق مسدود أو أن تنتهي إلى الشكانية. لكن الوضعانيين المناطقة قبلوا التوجه النقدي لفلسفة هيوم وقبلوا نتائجه والوضعانية، ووظفوها في هجوماتهم على الميتافيزيقا[2]. وهذان الجانبان هما العنصران الأساسيان اللذان يشكلان ما يمكن نعته بـ :"الإبستيمولوجيا الهيومية".
في هذا المقال، سوف نحاول الكشف عن الوجه النقدي والوجه المنطقي الوضعاني لإبستيمولوجيا هيوم، وذلك قصد المساهمة في التعريف بفيلسوف أيقظ كانط من سباته العميق ودفع بالفكر العلمي الفلسطيني الحديث إلى أقصى حدوده. وخلق كثيرا من المشاكل الإبستيمولوجية لا تزال قائمة حتى اليوم.

هل يمكن الحديث عن إبستيمولوجيا هيومية؟
للإجابة عن هذا السؤال يكفي الرجوع إلى كتابين أساسيين لهيوم: الأول تحت عنوان: بحث حول الطبيعة البشرية (1739) والثاني تحت عنوان: بحث حول الفهم البشري (1748)[3].
يتناول هذان الكتابان قضايا إبستمولوجية محض. ويمكن اعتبارهما المصدرين الوحيدين لإبستمولوجيا هيوم[4]. لكن، لا ينبغي أن ننتظر وجود فرق جوهري بين الكتابين المذكورين. وهيوم نفسه يشير إلى هذا في التمهيد الذي افتتح به كتابه بحث حول الفهم البشري، يقول هيوم: "أغلب مبادئ التعقل الواردة في هذا الكتاب، سبق نشرها في كتاب آخر من ثلاثة أجزاء تحت عنوان: بحث حول الطبيعة البشرية". لكن هيوم يتمنى أن يكون كتابه بحث حول الفهم البشري هو المعبر الحقيقي عن آرائه الفلسفية[5]. وفي نفس المكان يتحفظ هيوم بعض الشيء عن الاعتراف بالعمل الذي قام به وهو شاب والمتمثل في كتاب بحث حول الطبيعة البشرية. لكن، إذا فحصنا الكتابين معا فسوف نجد أن هيوم لم يقدم أية حلول في البحث حول الفهم البشري للمشاكل التي طرحها وهو شاب في البحث حول الطبيعة البشرية.
في هذا الكتاب الأخير يناقش هيوم مشكلتين أساسيتين: من جهة مشكلة طبيعة المعرفة البشرية، ومن جهة ثانية طبيعة بعض الكينونات المعرفية مثل "السببية" و"الجوهر" و"الهوية" و"الاعتقاد" وغيرها. وإذا استثنينا طبيعة المعرفة البشرية يبدو أن هيوم يتناول باقي مشاكله من وجهة نظر أنطولوجية وليس إبستيمولوجية[6]. أضف إلى ذلك أن التصميم الذي تبناه هيوم في كتابه بحث حول الفهم البشري لا يختلف عن الذي تبناه في بحث حول الطبيعة البشرية، رغم أن الجانب الأنطولوجي في الكتاب الأول أقل طغيانا عما هو عليه في الكتاب الثاني باستثناء الجانب المتعلق بمشكلة السببية.

anfasse25129بين المقدس والمدنس أحكام قلما انتبهنا إليها، ونحن نعتقد أنهما يتضادان تضاد النار والماء، مثلما ينتصر أغلبنا للمقدس على حساب المدنس، ويعتقد البعض الآخر أن الحياة تقوم على المدنس، بينما في الأمر لغز آخر وسيرة أخرى للعلاقة بين الإثنين، عالم المدنس ظل وظلام واستجابة لطبيعة الإنسان وحاجاته الحقيقية والدفينة، والحال أن كل إقبار له هو بمثابة تحدٍ جديد للإنسان كإرادة، وقتل غير منطقي لجوهر ثابت أبدا، أما المقدس فإنه يعدو تفوق للأيقونة فينا، للهوية المنغلقة ولإجبار التغيير على الركون وحيدا دون تغيير.
ثمة في المقدس والمدنس أيضا نصوص وأقوال وعلامات نحتت وجهها على تقاسيم الزمن والتاريخ، إذ المقدس نص والمدنس هو الآخر نص وإن اختلفت الطبيعة بينهما، لهذا فالمواجهة بينهما هي مواجهة نص بنص، وقول بقول، وحقيقة بأخرى، على أنه من الواجب التذكير بأنه في البدء كان المدنس، والتاريخ ليست ترسم معالمه وتحولاته إلا به، فأكل آدم للتفاحة ليس يختلف بتاتا عن قتل قابيل لهابيل، بينما لا تختلف الفتوحات الدينية عن الحملات الإمبريالية وإن اختلفت الظروف والسياقات، كلها مدنسة حسب الحكم الأخلاقي وفي مقابل ذلك كلها ضرورية تفاديا لغياب الحياة فينا.

anfasse25125أول شيء قريب مني، ملتصق بي، محدد لوجودي و يفوق طاقتي على الفهم و تعجز اللغة عن الإحاطة به، في علاقاته و أصله و بنائه و حمولته و حركته و تحولاته و وعيه و حسه و فكره و قوته و أناه و موته..هو الجسد. جسدي الخاص. جسد الإنسان الفرد.. أتعاطى معه و أتحاور أنا السائل، أنظر إليه و كأنه موضوع خارج ذاتي، أو هو بالأحرى ينظر إلى نفسه.  يحملني و يواجهني و يحتويني و يصنعني. هو الذي يتكلم و يرى و يسمع و يفهم و يتحاور.. يشكل تعددية و فردانية غريبة بينه و بين ذاته. و الغريب في الأمر أنه هو من يناقض نفسه و يطرح السؤال و ليس آخر. هو السائل الذي يسأل عن نفسه. و هذا معناه أنه لا يعرف ذاته و لا يحتويها رغم أنه هو ذاته. و أصل و منطق الأشياء في ما أعتقد هو أن تعرف الذات ذاتها، ألا تسأل الذات عن ذاتها أصلا.. ! أن يسأل عنها آخر يمكن قبول ذلك و لكن أن ينبع السؤال من الذات عن ذاتها فهذه قمة العبث.. !  لأنه كيف تستطيع العيش و التماهي و الاندماج المطلق مع ذاتك و وحدتك و إزالة التفكير في الحدود و الفواصل الكونية و أنت جاهل  بذاتك.  تسأل عنها كأنها موضوع تنظر إليه خارجا– في مقاربة فنية شبه مستحيلة - و كأنها ليست ذاتك.
الجسد، كعظم و دم و لحم حي.. كواقع و كإحساس و كحقيقة.. الجسد و عملية التحاور معه و التفاعل معه و الإحساس به، تشكيل لوحدة غير منفصمة. لا نتحدث عن أطراف. لا يفصم بين أجزاء الجسد إلا ضرورات التقسيم و التوزيع و الفرز التي تقتضيها اللغة و التواصل و التفاهم وتضيع معها الحقيقة. عملية تقسيم الجسد و تجزيئه على مستوى اللغة و الإدراك والفهم تقضي على الجسد و تقضي على الحقيقة.

anfasse18130إن التفكير في واقعة المدينة هو تفكير في المعرفة باعتبارها تجليا لعلاقات بنية تتأسس داخل فضاء مشترك خاصيته الأساسية تتمثل في الغيرية.
  إن الغيرية هي الإمكانية المفتوحة التي تجعل من الفضاء المشترك للمدينة ممكنا، إنها إذن قابلية لتقاسم العيش، وتبادل الخبرة والمعرفة، المسؤولية تجاه الآخر المجاور. ومن حيث هي قابلية لتقاسم العيش فإنها تغدو تعبيرا عن التلازم الضروري للحق والواجب، بوصفه ضمانة للفضاء الحر للوجود، بما ووجود بالمعية. ومن حيث هي قابلية لتبادل الخبرة والمعرفة، فإنها تغدو تعبيرا عن الإفادة والاستفادة التي تتأسس على الحاجة والرغبة، الحاجة إلى إشباع النقص، والرغبة في إنماء القدرات، وهو ما يعني تدبير تناهي الإنسان، لا بوصفه محدودية للآفاق، ولكن باعتباره إمكانية لا متناهية للرغبة في أن تصير أكثر التحاما بالحياة، إنها إمكانية لدرء العجز الأنطولوجي للكائن الذي يبحث من خلال الرغبة في المعرفة، أي المرغوبية، إلى إبداع الوسائل والطرق لبناء أفضل العوالم الممكنة، داخل وحشة الوجود. ومن حيث هي قابلية لبذل المسؤولية، فإنها تغدو تعبيرا عن القرابة، أي عن العلاقة بالآخر التي يستحيل اختزالها داخل التطابق بجميع تلاوينه، سواء كان تطابقا داخل الهوية الإثنية واللغوية والدينية وغيرها من أنماط اختزال الهوية الإنسانية. بل إن الأساس الإيطيقي (الأخلاقي) لهذه العلاقة هو اليقظة، يقظة الإنسان بواسطة آخره, إن هذه القرابة لا تستطيع التخلص بتاتا من الآخر، وبالتالي فسيظل الآخر يطرق باب كل ذاتيته، موقظا فيها كل مسؤولية يستحيل تعويضها، إن هذه كما يرى لفناس هي عقدة الإيطيقا، أو قرابة الإنسان الآخر.*1  
إذن، الغيرية بما هي الإمكانية المفتوحة التي تجعل من الفضاء المشترك للمدينة ممكنا، هي ذاتها ما يمكن تسميته بالمدينية، وهي التسمية التي يمكن أن تثير التباسا، ولكنه التباس يدخل في تشكيل الدلالة، ويسهم في بناء المفهوم. ذلك لأن مفهوم المدينية يمكن إرجاعه حسب لسان العرب إلى ثلاث جذور لغوية، الجذر الأول: دنا يدنو دنوا بمعنى القرب أو القرابة. أما الجدر الثاني: دان دينا فلان. جازاه، بمعنى الدين، ودان دينا فلانا. أحسن إليه بمعنى الإحسان.  

anfasse18129" الحرية هي المشاركة الفعلية للمواطن في الحياة العامة"
                                                                  بنيامين كونستان
تنتهي كل محاولة في البرهنة على الحرية إلى قتل الحرية و يؤدي كل عمل إرادي في تحديد الاختيارchoix  إلى الوقوع في الحتمية والضرورة وعبث الأقدار، هكذا كتب المفكر الحر آلان مبينا أن إرادة التحقق من وجود الحرية ومحاولة التثبت من تمتع الإنسان بها قد يفضي إلى جعلها من المطالب التي لا يمكن تفاديها وتصورها في شكل إكراهي بحيث يكون من الواجب على كل إنسان أن يتدبر وسائل تحصيلها.
حينما نحاول إثبات الحرية فإننا نرسم لها حدودا ونستخلص وجود نوعين من الحرية الأولى داخلية والثانية خارجية. لقد زادت العلوم العرفانية اليوم في الشكوك حول قدرة الإنسان على حرية الاختيار. علاوة على أن السجل القانوني وعالم الحق ما فتئا يذكرانا بأن حريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية غيرنا. على الرغم من أن القانون قد يمثل الإطار الملائم والشرط الصلب والإمكانية الواقعية التي تسمح بالتمتع بالحرية على الصعيد الفكري والاعلامي والفيزيائي والاقتصادي وتؤهل الإنسان إلى تحصيل جملة من الخيرات المادية والفوائد الاقتصادية والحقوق الأساسية في المجتمع الديمقراطي. غير أن الحدود الملموسة للحرية هي نتيجة تفاهم سياسي غير مقبول ولا يصنع البتة سعادة الكل.

anfasse18128العالم لا يسير بصدفته التي ربما كان يؤمن بها الإغريق قديما، كما أن علاقات الأفراد فيما بينهم ليست مبنية  فقط على منطق رياضي محض، منطق لا يؤمن بالعبث حتى في لعبة البوكر، والنرد، والورق... بقدر ما أنه محسوب بلغة الأرقام ولا شيء غير ذلك، لهذا قد لا نجد أنفسنا معصومين من طرح أسئلة لطالما رددها الأمي وغير الأمي، الغني والفقير، والكبير والصغير، العامي والفيلسوف، رجل السياسة ورب أسرة منهوكة جدا،إذ أين بتنا نعيش اليوم؟ وإلى أين سنسير؟ كيف أصبحنا نفكر؟ ولماذا لا نستطيع أن نريد ونحلم ونفكر خارج المألوف والعادة على غرار عظماء التاريخ؟
    كل مجتمع وكما علمتنا كتب التاريخ والفلسفة والسياسة يسير وفق مصالحه المرجوة، لقد سلك العالم طريقا من بين ملايير الطرق التي كان سيسلكها، وفق إرادة قوة كان لها ما أرادت، لهذا أصبح يحكمنا منطق فوق طبيعة الإنسان التي تدعي القوة والحرية، إذ منذ انتقال هذا الكائن من حالة الانغماس في الطبيعة إلى التعالي عليها، تغيرت حالته ومعها تغيرت الحياة برمتها، على العموم ساهمت النقود كمحطة تحول كبيرة غيرت مسار حياتنا، كما لعبت الأديان نفس الدور وبعدها كان للعلوم النصيب الأكبر من ذلك، اليوم نعيش عصر هيمنة الاقتصاد ولا شيء غيره، من ثمة فإن أول حكمة يجب أن ننالها وبقدر كبير من التركيز والحذر هي أن ما نعيشه لسنا نحن المتحكمين فيه، إذ وحدها الحجارة بريئة ولا شيء غيرها، ووحده الإنسان مسلوب الإرادة عكس باقي الكائنات الأخرى، حيث الإنسان لا يريد ما يريد، أما ثاني ما ينبغي نيله فليس يكمن إلا في معيشنا اليومي، في أفكارنا كما في اعتقاداتنا، في اختياراتنا كما في مبادئنا، وفي أحلامنا كما في غاياتنا، الأفكار تصنع كما تصنع الملابس، تضعنا في إطارها الصارم، أنها تصنع حياتنا بكل بساطة.

anfasse18125" ِلنَجُدَّ في استخراج الدواء ،الذي يجب أن يشفي، من الشر في حد ذاته"
جون جاك روسو – شذرات سياسية
منذ الوهلة الأولى تعني الطبيعةnature  ما يوجد خارج العالم الذي تمت أنسنته humanisé وخضع لتغيرات البشر. بهذا المعنى لا يمكن فصل الطبيعة عن الوسط الصناعيartificiel   milieu الذي اخترعه الإنسان بما أنها الحقيقة الخارجية عن الثقافةCulture  أو عن الحضارة civilisation .
 من البديهي عندئذ أن تشير الطبيعة في معناها الأول إلى كل ما يوجد بشكل عفوي وكل ما يحمل في ذاته مبدأ وجوده المستقل ويكون قادر على التحكم في ذاته . وبهذا المعنى كان العالم الطبيعي هو الوجود المستقل عن جهود الإنسان وأغراضه. بيد أن الإنسان في حد ذاته يمكن أن ينظر إليه من حيث هو كائن طبيعي. بناء على ذلك يظهر المعنى الثاني وتبرز مفارقة عند التعامل مع الطبيعة البشريةNature humaine   كمشترك بين الأفراد من جهة وما يختص به كل فرد وما يتميز به عن غيره وخاصة استعداداته الفطرية ومؤهلاته البدنية وقواه وملكاته التي تتعارض مع ما يكتسبه بالتربية من جهة أخرى.

anfasse11121في كتابه «الخطاب العربي المعاصر:دراسة نقدية تحليلية» يحلل المفكر محمد عابد الجابري الخطاب العربي الحديث و المعاصر،من خطاب نهضوي و خطاب سياسي و خطاب قومي و خطاب فلسفي،تحليلا ابيستيمولوجيا يكشف عيوب هذا الخطاب و يشخص التناقضات التي يحملها سواء على سطحه أو داخل هيكله العام.
النقد الابيستيمولوجي للخطاب العربي انتهى بالجابري إلى القول بأنه لم يحصل أي تطور حقيقي في أية قضية من القضايا النهضوية التي عالجها هذا الخطاب«إن الخطاب العربي الحديث و المعاصر لم يسجل أي تقدم في أية قضية من قضاياه،بل ظل سجين بدائل،يدور في حلقة مفرغة،لا يتقدم خطورة إلا ليعود القهقرى خطوة،لينتهي به الأمر في الأخير إما إلى إحالة القضية على المستقبل و إما إلى الوقوف عند الاعتراف بالوقوع في أزمة أو الانحباس في عنق الزجاجة»يقول الجابري قبل أن يتابع مؤكدا:«إن زمن الفكر العربي الحديث و المعاصر زمن ميت أو قابل لأن يعامل كزمن ميت،أو أنه على الأقل لا شيء يغير مجريات الأمور فيه إذا نظر إليه كذلك».
فما الأسباب التي جعلت الخطاب العربي الحديث و المعاصر يدور في حلقة مفرغة،لا يتقدم خطوة حتى يرجع القهقرى ليبدأ من الصفر من جديد،حتى إذا انتهى به التطواف إلى عنق الزجاجة أحال القضية على المستقبل؟

anfasse04125لا نبالغ إن قلنا بأن العدمية تعتبر بمثابة أكبر وأعظم حدث عرفه الغرب الحديث على الإطلاق. هي الحدث الأكبر في الغرب، لأنها تطبع الثقافة الغربية في مختلف مظاهرها بطابعها، ولأنها من جهة أخرى تمثل ضرورة تاريخية وسيكولوجية من حيث هي النتيجة المنطقية لسيادة وهيمنة القيم والمثل العليا للحضارة الغربية. كما تعتبر العدمية بمثابة أعظم حدث عرفه الغرب الحديث، لأن ظهورها سيشكل إيذانا بحدوث انعطاف جذري في التاريخ الغربي، وفي صورة الحضارة الغربية، بحيث لن يعود الغرب مركز الكون ومهد الحضارة الإنسانية ومحورها.
المظهر الأول للعدمية يمكن نعته بالمظهر السلبي، من حيث هو علامة على مرض خطير ألم بالحضارة الغربية يلقبه نيتشه تارة "بالانحطاط" La décadence [1]، وتارة أخرى "بالانحلال" La dégénérescence[2]. أما المظهر الثاني للعدمية فهو يمثل مظهرها الإيجابي، وهو الذي ينعته نيتشه بالعدمية الانتشائية Le nihilisme extatique[3]. وهي تمثل اليوم –في نظر بعض الفلاسفة المعاصرين- الأفق الجديد للتفكير في الغرب المعاصر[4].
وهذه المقالة هي محاولة لتحليل المظهرين المتناقضين للعدمية، مع الوقوف بشكل خاص عند المظهر الثاني، -بما هو الفضاء الجديد للفكر الفلسفي الما بعد-حداثي La poste modernité philosophique وذلك بهدف إبراز قيمته ودلالته بالنسبة للفكر الفلسفي المعاصر.