anfasse02108لقد حان الوقت اليوم لإعلاء مفهوم المواطنة على حساب مفهوم الدين، وذلك بناءً على مجمل التحولات التي بات يعرفها العالم الإسلامي من سياسية وفكرية وذهنية واجتماعية، والحال أنه انطلاقا من هذا الشأن فقد باتت مشكلتنا الكبرى الراهنة تكمن في كيفية تمثل الدين وفي نظرتنا إليه، حيث أصبحت الطقوس الدينية حكرا على ممارسة نفعية بدل أن تكون نشاطا يسمو بالروح ويهذب النفس، لهذا ولكي نخوض في الأمر أكثر فأكثر فإننا سنعمل في هكذا قول على الوقوف بداية عند نتائج سوء فهمنا للدين، كي نقف تثنية عند استيهاماتنا الدينية وكيف تحول الإسلام من منير إلى ظلام، أو بالأحرى كيف انتقلنا من خطاب منظم إلى خطاب مدمر.
    ظهر الإسلام في بلاد العرب وتحديدا بشبه الجزيرة العربية، وكتب القرآن باللغة العربية وليس بلغة أخرى، كما يعتبر نبي الإسلام عربيا ناهيك عن مجمل صحابته وتابعيه وتابعي تابعيه، من ثمة فإن الإسلام وبناءً على ما تقدم لا يمكن له أن يتأثر ببنية الذهنية العربية... تقول الدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية أن العرب ينحدرون أولا من سلالة نوح التي استوطنت شبه جنوب شبه الجزيرة العربية، وليس من بابل كما يعتقد البعض بما أن بابل كانوا يسكنون مجالا خصبا وأنهم أهل مدينة وأهل حضارة، عكس العرب الذين غلبت عليهم البداوة فكانوا ميالين لشظف العيش حسب ابن خلدون وهو ما يبرز في قساوة لغتهم وميلها للتشديد والعنف بدل التخفيف، لكن وبفضل التقلبات المناخية الكبرى التي عرفها العالم قبل أزيد من عشرة آلاف سنة، أي خلال العصر الجليدي والذي نجمت عنه ظاهرة التصحر وارتفاع درجة الحرارة، عمل العرب على الهجرة نحو الشمال حيث استوطنوا مناطق عدة من قبيل العراق القديم ومصر وبلاد الشام وفلسطين...

anfasse02107تقوم دعوى منظري التفنيد على أساس أن القضية غير القابلة للتفنيد ليست ذات معنى، وقد شفعوا هذه الدعوى بالمتطلّبات التي اشترطها برتراند راسل  لكي يكون للعبارة أو المصطلح معنى.هذا المعنى المشار إليه آنفاً في نظرية راسل  الوصفية هو وصف للشروط الضرورية والكافية للعبارة لكي تحدد مرجعيتها الموضوعية.
 ولمزيد من التوضيح:
تقوم نظرية راسل  الوصفية على البحث عن الكيفية التي تشير بها الأسماء إلى أشياء في العالم، ووفقاً لها تشير الأسماء إلى أشياء محددة بقدر ما تمثّل وصفاً محدداً أو أكثر يصف شيئاً مرجعياً.
هذا الأساس للنظرية الوصفية يتضمن افتراضين فرعيين:
-    معنى الموضوع و هو مجموع الشروط الوصفية الضرورية والكافية التي تجعل الموضوع يشير إلى الشيء.
-    معنى المحمول و هو مجموع الشروط الوصفية الضرورية والكافية التي تجعل المحمول صحيحاً بالنسبة لموضوعه.

anfasse25098حينما توقف نبض الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، تلميذ نيتشه وهيدغر، في يونيو 1984 كانت وفاته مفاجئة جدا لأنه مات بسبب مرض لم يكن آنذاك معروفا: مرض السيدا. مات بعد أن وضع بصماته على جبين الحقل الفلسفي الفرنسي وغير الفرنسي من خلال تدخلاته في مجالات ظلت عذراء إلى تلك الحدود: الجنون، الإجرام، الجنس، السلطة، وفاة الإنسان والتاريخ، تفتت الذات لصالح الخطاب…الخ. بعد كتاب تاريخ الجنون أصبح اسم ميشال فوكو مع الكلمات والأشياء (1966) متداولا بشكل كبير في فرنسا وغير فرنسا بعد أن كانت كل الكلمة للوجودية الفينومينولوجية الفرنسية التي هيمنت باسم هوسرل وتعززت بسارتر وميرلو بونتي ما يقرب عن ثلاثين سنة. عرف فوكو الشاب بعشق اختراق الحدود وسبر أغوار الجوانب المظلمة للمتاهات المرتبطة والملتصقة بالإنسان باعتباره كائنا في العالم بتعبير هيدغر أو كائنا من أجل الموت بتعبير سارتر. لكن، فوكو لم يكن يرغب في أن يشتهر اسمه ولا أن تردد الخطابات الفلسفية اسمه باعتباره منتجا لخطاب فلسفي متميز. كان يود أن يغادر فضاء الذات المنتجة أو على الأقل وهم الذات المنتجة حتى ينتصر لموقفه الرافض لفكرة أو مبدأ المؤلف Auteur.

anfasse25097استهلال:
"إن مشروع نظرية في التربية لهو مثل أعلى سام لا يملك أن يكون ضارا ولو أننا غير قادرين على تحقيقه"1[1]
لا ندري إن كان عمونيال كانط قد ترك لنا فلسفة متكاملة في التربية أم لا، فهو قد ناضل في عصر التنوير من أجل ترك الاجترار وعزف عن الموروث والتقاليد وتشجع على استعمال العقل والتوجه نحو التفكير والنقد والحرية. لكن ما نعلمه أنه ألف عام1803 حول هذا الموضوع كتيب معنون "مقالة في البيداغوجيا" ولقد تضمن جملة من التأملات حول التربية والتدريس وبالتالي افترض وجود نظرية تعلمية عقلانية.
لقد قدم الكتيب في شكل محاضرة في جامعة königsberg وحاول فيه معالجة الأسئلة البيداغوجية التي طرحت في الأوساط التعليمية وأثبت فيه فيلسوف التنوير القدرة على التدخل النقدي في مختلف المجالات المعرفية ولكن بعض الشرّاح وبالخصوص ألكسيس فليلونكو قد أعادوا الاعتبار إلى هذه المحاضرة وقاموا بربط  "مقالة عن البيداغوجيا" بفكرته عن التاريخ الكوني وتوقه إلى السلم الدائم وبحثه عن قيام "الأنثربولوجيا من وجهة نظر براغماتية" وعنايته بالعلاقة المعقدة بين الغائية الطبيعية والغائية الأخلاقية.

anfasse1809103إن موضوع الفلسفة كما كان يراه هيغل،  هو الواقع في شموليته. وقد تبدو هذه الفكرة، لأول وهلة،  موغلة في التبسيط والبساطة.  لكن الأمر يبدو على غير ما هو عليه ظاهريا،  حالما نطرح مسألة تحديد المقصود بالواقع. فبقدر ما يظهر هذا المفهوم طافحا بوضوح وبداهة دلالته ومعناه،  بقدر ما ينطوي في نفس الوقت،  على حصته من غموضه الآسر وكثافته الدلالية والمفهومية المتحجبة بالضبابية والالتباس. لذلك شكل الخوض في تحديد مفهوم الواقع،  انشغالا فلسفيا لدى العديد من الفلاسفة والمفكرين،  الذين لم يتوقفوا عند حدود التعامل مع الواقع من حيث كونه إحالة على الوجود العيني المباشر فحسب،  بل باعتباره مفهوما إشكاليا منفتحا على مستويات قرائية واستقرائية وتأويلية واسعة. وبصرف النظر عن التباين المحتمل في اقتراح تعريف إجرائي مقبول للواقع،  يمكن القول إنه يحيل على مجموع الأشياء الواقعة موضوعا عينيا مباشرا لفعل الوجود والكينونة. فالواقع هو« الموجود ثمة أصلا» بتعبير جاك لاكان. ومن هذه الزاوية،  يبدو مفهوم الواقع إحالة على التحقق الملموس للأشياء والظواهر التي تستجليها الذات الواعية من خلال عملية الاحتكاك الواقعي والملموس بالمواضيع والمظاهر والظواهر في أبعادها وتحققاتها وتمفصلاتها القابلة للترسب في الوعي والإدراك. وذلك بالنظر إلى أن «الإدراك هو تمثل حقيقة المُدْرَك1» و«الإدراك أيضا إحاطة الشيء بكماله وهو حصول الصورة عند النفس الناطقة2».

anfasse1809102مفهوم الفضاء العمومي:
أخذ يورغن هابرماس Jürgen Habermas ( 1929-...) مفهوم الفضاء العمومي (espace public)  عن كانط E.Kant  الذي قال به و تم استعماله بكثرة في مجال التحليل السياسي منذ سبعينيات القرن الماضي، فهو الفضاء الوسطي الذي تكوّن تاريخيا في زمن الأنوار بين المجتمع المدني و الدولة [i] ، إنه أيضا المكان المتاح مبدئيا لجميع المواطنين حيث بإمكانهم الاجتماع لتكوين رأي عام.
لم يشرع الفكر النقدي في الفلسفة في تناول موضوع الفضاء العمومي كمبحث إلا في القرن التاسع عشر، جاء ذلك في خضم الاتجاهات التي ظهرت و تهم تحليل الهيمنة التي مارستها المؤسسات الرسمية في سعيها لبسط نفوذها عبر القول بمركزية سلطتها و شد الفرد إليها لأجل احتوائه.

كتاب " الفضاء العمومي: حفرية العمومية (publicité) كبعد مكون للمجتمع البورجوازي " هو موضوع أطروحة هابرماس في السوسيولوجيا بجامعة ماربورغ بألمانيا في 1961 [ii] ، عبارة عن دراسة لبنية و وظيفة النموذج الليبرالي للفضاء العمومي البورجوازي في أوروبا، يحلل فيه ظهور هذا النموذج و تحولاته التاريخية منذ العصر الهليني مرورا بالعصر الروماني حتى العصر الحديث، و يُبعد من الدراسة ما يسمى الفضاء العمومي العامي ""Plébéien [iii] الذي بقي مستترا  مع مرور الزمن، وتفحص الدراسة أيضا المظاهر العامة للعناصر الليبرالية المكونة للرأي العام البورجوازي والتحولات التي خضع لها في إطار الدولة الاجتماعية بأوروبا [iv]  وهو مزيج من "فينومينولوجيا الروح"  لهيجل   F.Hegel  والنقد الإيديولوجي الذي قام به ماركس  K.Marx ، أبرز هابرماس من خلاله اغتراب الوعي الجماعي (هيجل) داخل الدعاية و التفكك البنيوي للسلطة (ماركس) [v].

anfasse11093قليلة هي النصوص أو المناسبات التي تحول الباحث الأكاديمي إلى مبدع؛ ومقال الأستاذ محمد المصباحي تحت عنوان "فشل لقاء الشعر والفلسفة بالتصوف"، يدخل في هذا الإطار، فهو يبرز معالجة فلسفية عملت على تحويل المكتوب إلى تناص، يتداخل فيه القديم والحديث والمعاصر؛ مع محاولة لرصد أوجه الوحدة والاختلاف بينهما أو الاتصال والانفصال: بحيث إن مرجعية المعالجة رسمت عمقا فلسفيا، استحضر فيه الكاتب إشكالية كبرى وهي علاقة "الفلسفة بالتصوف": ابن رشد/ابن عربي، متجها نحو بناء أسئلة أعمق تضع للتصوف مكانة في علاقته بالشعر والفلسفة دون التضحية بأحدهما، مع رسم الحدود الممكنة معرفيا، لأن اللقاء في نظره بين هذه المجالات المعرفية باء بالفشل.
فلقاء الشعر بالتصوف في زاوية معينة في نظره بقي محدودا بحدود المظاهر الحاجبة للباطن؛ من هذا المنظور يثار السؤال التالي: هل بإمكان القول الشعري النفاذ إلى الأعماق غير المستوية على قرار؟ وألا يمكن اعتبار هذا القول ممارسة أكثر تحررا من الأقاويل الأخرى في الإنتاج والإبداع؟
أما إشكالية لقاء الفلسفة بالتصوف، فتتضاعف أهميتها مع د.محمد المصباحي في اللقاء التاريخي بين الرجلين: ابن رشد-ابن عربي: ونظرا لأهمية هذا الحدث التاريخي، وانطلاقا مما أثاره الباحث في مقالات "فكر ونقد"(1)، من قضايا تستحق التفكير والمعالجة وتساعد على تصحيح نظرتنا لأسلافنا وتراثنا، وتساهم في تحديث رؤيتنا لهذا التاريخ؛ مع نبش هذه الذاكرة التي لا يمكن الاعتماد فيها إلا على مفاصل محدودة، والتي لا تتعدى الفقرتين، وهذا هو المتوفر اليوم في "متن" الشيخ الأكبر: فالقارئ مهما بحث في متن شيخنا لن يجد إلا تلك الإشارات المحدودة حول اللقاء في الفتوحات المكية"(2). وهذا ما يدعو إلى التساؤل التالي: لماذا شكل اللقاء موضوع اهتمام من طرف ابن عربي دون ابن رشد؛ هل هذا راجع إلى غضب "شيخ الفلسفة" على "الشيخ الحاتمي"، بعمل هذا الأخير على إفشال العلاقة بين التصوف والفلسفة، أم أن فيلسوف قرطبة ومراكش، كان يعي جيدا مآل الفلسفة بعد موته؟

anfasse110104" يوجد عدد من الفلاسفة العظماء حقا، وأيضا عدد قليل من الفلاسفة الذين يثيرون الإعجاب حتى وإن لم يكونوا مبجلين في الواقع"1[1]
لقد اشتهر كارل بوبر بمناهضته للتيار الوضعي المنطقي في كتابه "منطق الكشف العلمي" وتنديده بعقم المنهج التاريخي في كتابه "المجتمع المفتوح وأعدائه" وانتشرت فكرته عن الدحضانية في عالم الثقافة ودنيا المعرفة ولكن إسهامات الإبستيمولوجي الألماني في المجال الفلسفي ظلت مطمورة وجرأته النقدية بقيت مهملة ووضعها مؤرخو الفلسفة خارج الخدمة وأُدرِجَ اسمه ضمن الموجة الريبية من مؤرخي العلم.
من المفترض أن تكون المقاربة الإبستيمولوجية لتاريخ الفلسفة التي أنجزها بوبر ناجعة وترتبت عنها المراجعات الجذرية في الاتجاهات المعاصرة له وأثرت على شبكة العلاقات المفهومية بين العلم والفكر واللغة. لقد طرح في كتابه غير المعروف "في البحث عن عالم أفضل" أسئلة خطيرة على شاكلة: كيف أتصور الفلسفة؟2 [2] هل ينتمي كارل بوبر إلى الجماعة الفلسفية الأكاديمية أم أنه يدعو إلى الاستعمال العمومي للفكر الفلسفي؟ وهل هو متفائل بخصوص إيجاد حلول للمشاكل المعالجة أم أنه متشائم حائر؟  وما الذي يتعين على المرء أن يفعله في مواجهة فلسفة تثير الحزن إلى هذا الحد؟ وما العلاقة الواقعية والممكنة بين الفلسفة والحس المشترك؟ وكيف ترتبط المصالح البشرية بالأهواء الطبيعية؟ وأي دور للنظريات العلمية في بناء الأنساق الفلسفية؟ ولماذا يخضع بوبر النشاط الفلسفي إلى النقد؟ وما قيمة نظرية المعرفة التي تتحرك ضمنها الفلسفة الوضعية؟ وأين يمكن العثور على الحقيقة؟ وهل الإنسان قادر على بلوغ المعرفة؟ والى أي مدى تساعد ملكات المعرفة الإنسان على إدراك الحقائق والوقائع؟

anfasse110102إن أول جميل يمكن أن نسديه للقراءة هو قراءتها كما ينبغي أن يكون عليه الأمر، إذ ما ليست القراءة ذلك الفعل الذي من خلاله نتيه بين الأسطر محققين استمتاعا، لا وليست نشاطا أو عملية نتحكم فيها، حيث نقرأ ما نريد ونطرد ما لا رغبة لنا في قراءته، القراءة قراءتان، قراءة ساذجة يكون القارئ فيها هو المفعول به، والثانية يكون القارئ فيها محاربا، للقراءة الأولى نتائج وخيمة على صاحبها كما للقراءة الثانية معالم ليست تستنبط إلا بفضل التمكن من فعل القراءة.
    ليست القراءة عل العموم هبة من القدر أو من الرغبة في القراءة، كما ليست ترفا أو حاجة نقضي بها مآربنا ثم ينتهي الأمر وكأن شيئا لم يكن، القراءة أفعى تبدو أنها ترقص لنا طواعية، في حين أنها تتحين الفرصة السانحة للانقضاض على ضحيتها، حيث نصبح مجرد لعبة في يدها، تحركنا في كل آن وحين، وتلعب بنا أيما لعبٍ، لهذا سنكون أمام نوعين من القراء، القارئ اللعبة والقارئ المغامر، أي قارئ مفعول به وآخر فاعل مؤقتا أو دوما، الأول أي القارئ اللعبة هو الذي يعتقد أن القراءة مجرد تسلية، أو مجرد هواية وترف من خلاله نحصل على معارف ومعلومات نناقش بها من لهم نفس الاهتمام ثم ينتهي الأمر، وبما أنه لعبة فإن قراءته هاته تكون قراءة بليدة جامدة لا غير، على النقيض من ذلك تعتبر القراءة الثانية قراءة متحركة جدا، قراءة يكون القارئ فيها هو البطل، حيث يستغل المادة التي يقرأها فاتحا بذلك عوالم لفائدة أخرى، ومانحا لنفسه فرصة أكبر للفهم والتحليل.

anfasse040100  تعرّف السياسة عادة بأنها علم تدبير شؤون المجتمعات على جميع المستويات. مثلما يعرّف العنف بأنه إلحاق الأذى بالغير ماديا أو معنويا. لكن إلى أي حد نستطيع القول بأن السياسة تسعى فعلا إلى تدبير شؤون الناس وتحقيق متطلباتهم وعلى رأسها إشاعة الأمن والإستقرار بينهم؟ ألا تنفي الصراعات الإيديولوجية التي نشهدها اليوم في شتى بقاع العالم، والتي تتحول في كثير من الأحيان إلى صراعات دامية، أية إمكانية لمحاربة العنف بواسطة ممارسة السياسة؟ ولكن، أليس الصراع الإيديولوجي والمادي على وجه التخصيص محايث للوجود الإنساني وللسياسة التي تشكل الدولة الإطار الذي تمارس داخله؟
   لقد تحدث الفيلسوف اليوناني أريسطو قبل ميلاد المسيح بقرون قائلا بأن الإنسان حيوان سياسي/ مدني بالطبع، وهو قول يعني من بين ما يعنيه أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن الآخرين، بل إن وجوده الطبيعي ووجوده الإنساني الذي يجعله متميزا عن الحيوان، يتطلب بالضرورة الاجتماع مع بني جنسه والدخول معهم في علاقات اجتماعية متعددة الأبعاد.

anfasse04096سنتحدث في هذا الباب عن الفكر الفلسفي بالمغرب من خلال بعدين رئيسيين، بعد فكري محض، وآخر بيداغوجي تربوي، الأول نحصره في جانبه المعرفي، في مؤلفات مفكرينا وإشكالاتهم كما في قضاياهم التي تنزلت منزلة الأس من البنيان في كتاباتهم، في حين أن البعد الثاني سيتمحور بالأساس حول سؤال تدريس الفلسفة بالمغرب ومجموع نتائج ذلك على ذهنيات الناشئة وطرق تفكيرهم، سنحاول أن نُعَرِّي أكثر مما نُسْهِبُ، كما سنعمل على تكريس خطاب نقدي بدل الغرق في دائرة جلد الذات.
    يعتبر جل المستشرقين الذين عملوا على إعادة قراءة تراثنا الفلسفي أن كتابات فلاسفتنا القدامى لم تكن إبداعا فلسفيا كان له كبير أثر على التاريخ الإشكالي للفلسفة، بقدر ماكانت مجرد إعادة تأويل للتراث الفلسفي الإغريقي، خذ بنا مثلا شيخ الفلاسفة المسلمين الكندي نستشف مشروعه الفلسفي، أو قل مشكلته الفلسفية ولنعرج إلى ما كتبه الشيخ الرئيس أو المعلم الثاني، حيث الإشكالات الأنطولوجية هي هي، والفلسفة السياسية لم تستطع إلا أن تعيد ما قاله كل من أفلاطون وأرسطو، أما فيلسوف قرطبة فإن كتاباته لم تبرح منطق الشرح والتفسير والتعليق، سواء مع فلسفة المعلم الأول، أو نحو الفلاسفة المسلمين ناهيك عن المتكلمين وفي مقدمتهم المعتزلة والأشاعرة، إذا قرأنا هذا الشأن بحياد مطلق يمكن أن نسير في ما سار فيه المستشرقون، حيث تغيب الإشكالية الفلسفية ومعها يغيب أي إبداع فلسفي، حيث تتغذى كل فلسفة بإشكالاتها وليس بترفها.